

(301) 17/1/2015 (قرآنيُ المنهج، ولست قرآنيَ المذهب)
عدد المشاهدات : 180
كان الأستاذ (جمال البنا) يحضر بعض محاضراتي، ففهم أن النص التشريعي الإلهي واجب الاتباع، هو فقط (النص القرآني)، وعلى هذا الأساس وصفني بـ (القرآني)، وكتب في مقاله الإسبوعي في صحيفة المصري اليوم في (4/6/2007) أني من أبرز القرآنيين على الساحة.
وبعد أن بيّنت له أن القرآنيين (مذاهب) شتى، وأنهم لا يتبعون في مشاريعهم الفكرية المنهج العلمي في الدراسة والبحث، وأنا أقمت مشروعي الفكري على (منهج) علمي، يحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني…، كتب بعدها فقال:
“صديقي الكاتب الإسلامي المحقق الدكتور محمد المشتهري عاتب علي، لأنني أدرجته في «القرآنيين» وكتب إلي أن القرآنيين لهم آراء أخري، خلاف إنكارهم السنة، هو براء منها، الحق أنني لم أكن أعرف هذه الجزئية، وبالتالي فلا يكون منهم، معذرة يا صديقي”.
وكنت قد أرسلت ردا على ما قاله جمال البنا، نشرته الصحيفة في (13/6/2007)، بعنوان: “مشتهري: أنا لست من القرآنيين … وأرفض فكرهم”، وجاء فيه:
“نفي الدكتور محمد السعيد مشتهري صحة ما ذكره الكاتب الإسلامي جمال البنا، ونشرته «المصري اليوم» يوم الاثنين الماضي، بأنه كان من أبرز القرآنيين الذين ظهروا في النصف الأخير من القرن العشرين…”، إلى آخره!!
والآن أقول لكم من أنا، وعلى أي أساس أقمت مشروعي الفكري؟!
– مسلم عرف ربه من خلال العلم بدلائل وحدانيته، وفاعليتها في هذا الوجود.
– علم أن القرآن هو (الآية الإلهية) الدالة على صدق نبوة النبي الخاتم محمد، عليه السلام.
– علم أن (الآية القرآنية) هي رسالة الله إلى الناس جميعا إلى يوم الدين.
– علم أن نصوص (الآية القرآنية) هي المصدر التشريعي الإلهي الوحيد، واجب الاتباع إلى يوم الدين.
– علم من خلال نصوص (الآية القرآنية) أن محمدا هو رسول الله، والنبي الخاتم.
– علم من خلال دراسته لنصوص (الآية القرآنية)، أنه (يستحيل) فهم هذه النصوص بمعزل عن (منظومة التواصل المعرفي)، وهي أداة رئيسة من أدوات فهم القرآن، وموضوعها مفصل على هذه الصفحة، وعلى موقعي.وتعتبر (منظومة التواصل المعرفي) مما تميّز به مشروعي الفكري عن مشاريع القرآنيين (المذهبية)، وقد فصلت ذلك في مقال بعنوان “القرآنيون وأزمة الفكر الديني”، نشرته صحيفة الدستور في (19-7-2007)، وموجود على موقعي، قسم (المقالات).
– علم من خلال دراسته لنصوص (الآية القرآنية)، أن كل ما لم يأت النص القرآني بكيفية أدائه، قد تعلمه الناس جميعا، من خلال منظومة التواصل المعرفي (العالمية)، وتعلمه المسلمون جميعا، من خلال منظومة التواصل المعرفي (الأممية)، ومن ذلك كيفية (الصلاة).
– علم من خلال دراسته لنصوص (الآية القرآنية)، أن دين الله لا يقبل إلا ما كان قطعي الثبوت عن الله، وليس فقط عن رسوله، وأن من اتخذ مصدرا تشريعيا في دين الله غير القرآن، ومن ضيع وقته في دراسة ونقد نصوص مصدر تشريعي مفترى…، ومات على ذلك، مات (مشركا) بالله تعالى، ذلك أن الله سيحاسب الناس على أوقاتهم، في أي شيء استثمروها.
“وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ” – “وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ (قُرْآنٍ)” – “وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ” – “إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ” – “وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ” – “وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ” – “إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”.
(302) 22/1/2015 (الروح والنفس)
عدد المشاهدات : 179
أولا: الروح: أمر من الله، يُعطي للمخلوق فاعليته، وفق إرادة الله تعالى.
– “إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا (أَرَدْنَاهُ) أَنْ نَقُولَ لَهُ (كُنْ) فَيَكُونُ”.
– “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ (الرُّوحِ) قُلِ الرُّوحُ مِنْ (أَمْرِ رَبِّي) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”.
ومن فاعليات هذا الأمر الإلهي:
1- قيام الملائكة به، وفي مقدمتهم جبريل.
– “نَزَلَ بِهِ (الرُّوحُ) الأَمِينُ” – “عَلَى (قَلْبِكَ) لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ”.
– “قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً (لِجِبْرِيلَ) فَإِنَّهُ (نَزَّلَهُ) عَلَى (قَلْبِكَ) …”.
– “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا (الْكِتَابُ) وَلا الإِيمَانُ”.
2- جعل البشر قادرين على أداء وظيفتهم التي خُلقوا من أجلها.
– “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ل ِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ (بَشَراً) مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ” – “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ (رُوحِي) فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”.
– “ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ (رُوحِهِ) – (وَجَعَلَ) لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ”.
3- خلق عيسى، عليه السلام.
– “فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا (رُوحَنَا) فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً”.
– “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ (رُوحِنَا) وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ”.
– “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ (وَرُوحٌ) مِنْهُ”.
– إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ (خَلَقَهُ) مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ (كُنْ) فَيَكُونُ”.
4- تأييد ونصرة المؤمنين:
– “أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ (بِرُوحٍ) مِنْهُ”.
ثانيا: النفس: تُطلق على ما يصاحب الجسد من كيان غيبي، يحمل كل ما يجعل هذا الجسد (مكلفا)، (محاسبا) يوم الحساب، وهذه النفس هي:
1- التي تحمل الفجور والتقوى، الشر والخير…، وعلى صاحبها أن يختار.
– “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا” – “فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” – “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا” – “وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا”.
2- التي تذوق الموت.
– “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.
3- التي يتوفاها الله تعالى عند النوم، وعند الموت، يقول الله تعالى في سورة الزمر:
– “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.
إن الآية الوحيدة، التي تحدثت عن خروج شيء من جسد الإنسان عند الموت، هي قوله تعالى في سور الواقعة: “فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ”، ومنها يتضح أن الذي يبلغ الحلقوم شيء “مؤنث”، والآية الوحيدة التي تبيّن أن هذا الشيء (المؤنث) هو (النفس)، هي آية سورة الزمر السابقة.
إن (النفس) يتوفاها الله عند النوم، وعند الموت، وتعود إلى الجسد لحظة الاستيقاظ، ويوم البعث.
أما (الروح)، فلا يغيب عن الجسد عند نومه، ولا يفنى بفنائه، انتظارا ليوم البعث. ولا توجد آية واحدة، تبيّن أن (الروح)، هو الذي يفارق الجسد عند الموت!!
إن ما حمله التراث الديني، للفرق والمذاهب المختلفة، من أن (الروح) هي التي تفارق الجسد عند الموت، وهو ما يعلمه معظم المسلمين…، فهو باطل، وتقول على الله تعالى بغير علم!!
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ، قَالُوا:
– “بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا”، “أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ”، “لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً”، “وَلا يَهْتَدُونَ”!!
– “بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا”، “أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ”، “يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ”!!
(303) 1/2/2015 (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)
عدد المشاهدات : 177
عدة أيام، وأنا لا أستطيع نشر موضوع “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، وأمامي الدماء مازالت تُسفك بغير حق، باسم (الإسلام)، وتحت راية (ل ا إله إلا الله)!!
عندما تُسفك الدماء بقرار (سياسي)، وتري أحزاب (سياسية)، أو ملشيات (عسكرية)، أن هذه الدماء سُفكت بغير حق، فتخرج لتثأر لها…، فهذه (أزمة سياسية)، يحسمها ميزان القوى، أما عن حقيقتها وأسبابها …، فهذا أمر لا يعلمه إلا الله، والقائمون على إدارة هذه الأزمة، باعتبارها (لعبة سياسية)، ساحتها (المطبخ السياسي)!!
أما عندما تُسفك الدماء باسم (الإسلام)، وتحت راية (لا إله إلا الله)، فهذه (منظومة إيمانية)، تحكمها (شريعة قرآنية)، تقوم على ميزان (الحق والعدل)، قبل ميزان القوى، والخبرة السياسية!!
إن ميزان (الحق والعدل)، مرجعيته هي (الآية القرآنية)، وليس (الرواية البشرية)، والذين يسفكون الدماء بغير حق، لا يستندون إلى شريعة (الآية القرآنية) وإنما إلى شريعة (الرواية البشرية)!!
والذين اتخذوا (الرواية البشرية) مصدرا تشريعيا يسفكون به الدماء بغير حق، هؤلاء هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، الذين حكمت عليهم نصوص (الآية القرآنية) بـ (الشرك)!!
فهل يعلم الناس، وخاصة أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، أن التفجيرات الدموية التي يشهدها العالم أجمع، تحت راية (لا إله إلا الله)، يقوم على التخطيط لها، وتنفيذها، (مشركون) وليسوا (مسلمين)؟!!
لقد نجح الشيطان في تزييف الحقائق في قلوب (المذهبيين)، وكثير من (المفكرين الإسلاميين)، والذين في (قلوبهم مرض) …، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، فكفروا بالله، وهم يحسبون أنهم مسلمون!!!
«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً» ـ «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ـ «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» ـ «أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ» ـ «فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ» ـ «فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً» ـ «ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا» ـ «وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً»!!
(304) 4/2/2015 (المغيّبون إسلاميا وإيمانيا)
عدد المشاهدات : 172
لم يتعلم المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الدرس، ولم يأخذوا العبر من أحداث «الفتن الكبرى»، التي مزقت أمتهم، ولم يقفوا على فاعلية الأوامر الإلهية الحاكمة لسنن التغيير، فظلت سنن (التغيير السلبي) تعمل فيهم، لا يرونها وهي شاخصة أمام أعينهم!!
لقد ماتت قلوب المسلمين، بعد أن تعطلت آليات عملها: آليات التفكر، والتدبر، والتعقل، والنظر …!!
لقد تعلمت القوى العظمى الدرس، وأخذت العبر، واستطاعت أن تتعامل مع السنن الكونية وتسخرها، فوصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، من تقدم في جميع مجالات العلوم المختلفة.
لقد تعلمت القوى العظمى الدرس، واستغلت تخلف المسلمين وتفرقهم وتخاصمهم، واخترقت قلوبهم، ووظفتها لصالح توجهاتها السياسية، وأمدت أصحابها بالمال والسلاح، ليحاربوا بهما (الإسلام) من الداخل، وعبر مؤسساتهم الدينية، وها نحن نرى ثمار هذا الاختراق على أرض الواقع!!
لقد فرح المسلمون بتخلفهم وتفرقهم وتخاصمهم، وبما تفعله القوى العظمى في حياتهم!!
لقد فرح المسلمون بتخلفهم وتفرقهم وتخاصمهم، وأن (الإسلام) أصبح هو المحافظة على أداء الصلوات (وهم ساهون)، وأداء الزكاة (وهم مغيّبون) والصلاة على النبي في الصباح والمساء، وكلما ذكر اسمه (وهم يحاربون النبوة)!!
لقد فرح المسلمون بتخلفهم وتفرقهم وتخاصمهم، وليس بعد ذلك ما يفعلونه، إلا انتظار (المهدي)، ليضع عنهم إصرهم، والأغلال التي عليهم، وليخرجهم من معيشتهم (الضنك)!!
يا أيها (المغيّبون) استيقظوا قبل يوم الحساب، واخلعوا ثوب (الإجرام) قبل أن تخلعه (جهنم) وبئس المصير!!
«وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا (الْقُرْآنَ) مَهْجُوراً» – «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ (الْمُجْرِمِينَ) وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً»
(305) 8/2/2015 (الطريق إلى الله)
عدد المشاهدات : 174
إن دخول المرء الإسلام، يجب أن يكون من بابه الصحيح، وهو:
أولا: أن يشهد شهادة علمية (وليس وراثية) أنه لا إله إلا الله، وذلك بعد إقراره بفاعلية دلائل الوحدانية في هذا الكون.
ثانيا: أن يعلم أن هذا الإله يستحيل أن يخلقه سُدى، وأنه لابد من وجود حكمة من خلقه، وأن هذه الحكمة يستحيل أن يقف عليها إلا بوجود صلة بينه وبين خالقه، وأن هذه الصلة شاءت إرادة الخالق أن تكون عن طريق «النبوة»، وإرسال الرسل بالرسالات، التي تبين للناس الطريق إلى صراط ربهم المستقيم.
ثالثا: أن يعلم (بعد بحث ودراسة)، أن القرآن هو الكتاب الإلهي الوحيد، الذي أقام هذه الصلة بين الناس وخالقهم، وأنه حقا كلام الله الذي حمل شريعته الواجب على الناس اتباعها.
رابعا: أن يتبع كل ما جاء في هذا القرآن، ب عد أن آمن بصحة نسبته إلى الله تعالى.
وهنا … لا أظن، أن الذي أقام إسلامه على هذه المنهجية العلمية، سيشغله السؤال:
ما هي «الحكمة» من أن الله أراد كذا أو كذا ….، وإنما الذي سيشغله هو كيف يفهم هذا القرآن، بالأدوات التي نص عليها القرآن ذاته.
هذا هو الطريق، الذي يجب أن يسلكه المرء، إذا أراد أن يعرف ربه، ويقف على شريعته، ويعلم أن الذي خلقه هو وحده الذي يهديه.
« قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ » – « أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ » – « فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ » – « الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ » – « وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ » – « وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ » – « وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ » – « وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ »
(306) 10/2/2015 (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)
عدد المشاهدات : 324
الحساب في الآخرة، سيكون على ما أسفرت عنه الأفكار والأقوال من (أعمال)، سواء كانت موصلة إلى الجنة، أو إلى جهنم.
ـ «وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
ـ «وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»
إن دخول الجنة لن يكون بالأفكار والكتب والخطب …، دون عمل صالح يصدقها، فكتاب الله تعالى يحمله المسلمون جميعا، وهم يعلمون أنه كلام الله، ومع ذلك لا يوجد في واقعهم عمل صالح، يقوم على إدارته، هؤلاء الذين آمنوا بوجوب إقامة «الإسلام الحق» في حياة الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
ـ «الر ـ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ـ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ـ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
وحتى الأعمال الصالحة لا تكفي لدخول الجنة، إلا إذا كانت صلاحيتها ممتدة على مر العصور، وهو المعنى الصحيح للعمل (الصالح)، وما يُعرف اليوم بـ «التنمية المستدامة».
ـ «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»
والسؤال: مَن مِن الذين آمنوا بأن القرآن «كلام الله»، وأنه «الآية» الواجب تفعيل نصوصها في حياة الناس ..، أقام نموذجا للعمل الصالح، يقتدى به من هم في شك من فاعلية «الآية القرآنية»، وأنها منهج ونظام حضاري، قادر اليوم على إخراج الناس من الظلمات إلى النور؟!!
وإذا كان «الربانيّون»، الذين درسوا الكتاب وفهموه، وعلموا ما هو «الإسلام الحق»، لم يستطيعوا أن يقيموا هذا النموذج، سلوكا عمليا على أرض الواقع ..، ألا تعتبر الجماعات السلفية والجهادية والإخوانية ..، أفضل منهم، لأن هذه الجماعات، استطاعت وهي تحمل الباطل، أن تقيم لها كيانات تنظيمية على أرض الواقع، ومشاريع صناعية وتجارية، تحقق لها أرباحا هائلة، يعمل لها العالم اليوم ألف حساب؟!!
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ – كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ»
(307) 12/2/2015 ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ )
عدد المشاهدات : 170
لقد ورث المسلمون «الإسلام»، أقوالا، ومواعظ، وكتبا (ومنها كتاب الله) ..، بمعزل عن «العمل الصالح»، الذي يقوم على «رؤية»، و«خطة» تنموية شاملة، ممتدة المفعول، وعلى «متابعة» مستمرة، تضمن عدم انحراف العمل عن السبيل الذي أمر الله باتباعه، وهو (سبيل الله)، فماذا كانت النتيجة؟!
لم يؤيد الله تعالى المسلمين بنصره، ولم يستخلفهم في الأرض، ولم يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ..، فتخلفوا، وأصبحوا في ذيل الحضارة، عالة على الأمم المتقدمة (غير المسلمة)!!
فكيف يكون هذا هو مصير المسلمين، وهم الذين يحملون «الآية القرآنية»، التي أقامت خير أمة أخرجت للناس؟!
لقد أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، في الوقت الذي حذرهم فيه الله تعالى من هذا «الشرك»، فتدبر قوله تعالي في سور النور:
« وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ـ « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» ـ « وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ» ـ « وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً»
ثم بعدها، اشترط الله للوفاء بوعده، شرطا أساسا، فتدبر:
« يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً» ـ « وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»!!
إن الشرك بالله، ليس مسألة قلبية، وإنما أيضا سلوك عملي، يخترق منظومة «الإيمان والعمل الصالح»، فيفسدها، ويجعل أصحابها من: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»!!
لذلك كان لابد من أن يقوم «العمل الصالح» على رؤية، وخطة، ومنهجية علمية، ومتابعة مستمرة، تضمن ألا ينحرف هذا العمل عن مساره الصحيح، وهو أن يكون في سبيل الله، فتدبر:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ – الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ – ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا – وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ – فِي سَبِيلِ اللَّهِ – أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ».
عندما يربي الوالدان أولادهم تربية صالحة، ويتمسك الأولاد بصلاحهم، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل إقامة دين الله في الأرض ..، فإن الوالدين سيجدان ثمار هذه التربية يوم الحساب، وكذلك الحال بالنسبة للتربية الفاسدة.
إن المسلم، المؤمن، الذي أخلص دينه لله، لا ينفصل عمله الصالح عن إيمانه، ولا ينفصل إيمانه وعمله الصالح، عن رؤيته الحالية والمستقبلية، لآثار هذا العمل، وم ا إذا كان يبتغى به الدار الآخرة، أم الدار الدنيا.
«وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً»
إن «الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ»، سيحاسب عن هذا المال، من أين جاء به، وفي أي شيء أنفقه، فإن مات وهو لا يعلم ماذا سيفعل ورثته بهذا المال، فإنه سيجد أن ما فعله ورثته بأمواله، من عمل صالح أو فاسد، مسجل في صحيفته، ويجازى عليه!!
انظر إلى «إيمانك»، و«عملك الصالح»، هل هو لك، أم عليك!!
«إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى – وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ – وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»
(308) 23/2/2015 (مؤتمر «الإسلام ومكافحة الإرهاب»، المنعقد في جدة، (٢١-٢-٢٠١٥
عدد المشاهدات : 206
الحضور: أئمة وعلماء، يمثلون الفرق والمذاهب المختلفة
هدف المؤتمر: الإبقاء على جذور الإرهاب، وتدعيمها
البرهان: كلمة شيخ الأزهر، في افتتاح المؤتمر، وقوله:
– أولا: «وكلٌ يزعم أنه المسلم الحقيقي، وأن غيره إما خارج عن الملة، حلال الدم والعرض والمال، أو فاسق يجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته، شعورا ونفسيا، وتحرم موالاته ….»!!
* تعليق: قوله «وكلٌ يزعم أنه المسلم الحقيقي …»، هو في الحقيقة تعبير واقعي، عن أزمة التخاصم والتكفير، الموجودة بين أعضاء المؤتمر!!
– ثانيا: «نحن أهل العلم، والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نثتثمر فيه ما هو ثابت بيننا من أصول مشتركة، نجتمع عليها … ويترك المجال لأهل كل بلد، في اتباع المذهب الذي ارتضوه ودرجوا عليه، تحقيقا للإستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعا …»!!
* تعليق: قوله « تحقيقا للإستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعا» يُدعّم الفرقة والمذهبية، بدعوى الاستقرار الاجتماعي، وقد حذر الله المسلمين، من هذه الفرقة، بقوله تعالى: «وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ -مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»!!
– ثالثا: «أتمنى لو يترك الناس يتمذهبون بما نُشّؤوا عليه، من مذاهب تلقتها الأمة بالقبول، ووسعها الإسلام، وضمن لأهلها السعادة في الدنيا والآخرة …»!!
* تعليق:
١- أين هي هذه الأمة، التي تلقت هذه المذاهب بالقبول، وفي أي عصر حدث هذا؟!
٢- ثم كيف يحذر الله من التفرق في الدين، ثم نقول إن الإسلام يدعم التفرق، والتخاصم، والتقاتل المذهبي، وسفك الدماء، بين أتباع الفرق المختلفة، وضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة؟!
٣- أليس قوله «يتمذهبون بما نُشّؤوا عليه» هو عين «الآبائية» الم ذمومة، التي حرمها الله تعالى في كتابه الحكيم؟!
“إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) – إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ”
(309) 26/2/2015 (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
عدد المشاهدات : 209
الأمة (بضم الهمزة): جمع من الأشياء، يربطها شيء واحد، من أرض، أو جنس، أو ملة، أو عمل، أو زمن … أو جميعها.
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ»
«وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ»
«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ»
«رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ»
«إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ»
«وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ»
«وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ»
* لقد خلق الله تعالى الناس، حين خلقهم، أمة واحدة، على ملة الوحدانية:
«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً»
* ثم ظهر الفساد بينهم، فاختلفوا في ملة الوحدانية، «بَغْياً بَيْنَهُمْ»:
«وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا»
* فتداركهم الله ببعث النبيين:
«فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ»
* ليعيدهم إلى ملة الوحدانية، باتباع كتابه:
«وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ – لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» – «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ»
* ثم جاء النبي الخاتم محمد، ليكون شهيدا على الناس جميعا، بما حمله من (آية قرآنية)، هي البرهان على صدق بلاغه عن الله تعالى:
«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ – وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً – يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ – لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ – وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً»
* وأصبح موضوع «الشهادة» على الأمم، وإلى يوم الدين، هو (الآية القرآنية):
«وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ …. أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ …. قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً»
– فأين ذهبت أمة «الشهادة على الناس»؟!
– أين ذهبت «خير أمة أخرجت للناس»؟!
– أين ذهبت أمة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟!
– ثم أين «المسلمون»، «المؤمنون»، الذين جمعتهم أمة «الوحدانية»، أمة تفعيل «الآية القرآنية»، أمة المجتمع الإيماني، الذي يقيم الدين الذي ارتضاه الله للناس، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لا الذي ارتضوه هم لأنفسهم، فأخرجهم من النور إلى الظلمات؟!
* عايزين رأيي، تقريبا احنا منتظرين الانضمام إلى أمة «داعش»!!
« ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ – فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً – وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ – وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ – وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ – وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»
(310) 5/3/2015 (القتل في السياق القرآني)
عدد المشاهدات : 253
عندما نتحدث عن «اللسان العربي»، كأداة من أدوات فهم القرآن، فنحن نتحدث عن اللسان الذي نزل به القرآن.
وعندما نتحدث عن «اللغة العربية»، فنحن نتحدث عن لسان فقهاء ال لغة العربية، وما دوّنوه في كتبهم، بداية بكتاب «العين» للفراهيدي (١٠٠-١٧٠هـ)، الذي دُوّن في القرن الثاني الهجري.
لقد اختلط «لسان القرآن»، بلسان فقهاء اللغة العربية، ومذاهبهم المختلفة، مما جعل الاعتماد عليها، بمعزل عن «السياق القرآني»، وفقه «لسان القرآن»، يُفقد الكلمة القرآنية دلالتها الحقيقية.
لقد جاء فعل (القتل)، في السياق القرآني، بمعنيين:
الأول: المعنى الصريح، الذي نقلته «منظومة التواصل المعرفي»، من لدن آدم عليه السلام، وهو إزهاق النفس بفعل فاعل، ويؤكد هذا المعنى، ما ورد في سياق آيات سورة المائدة (٢٧-٣٣)، وقوله تعالى:
«فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ» – «فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ».
ثم بعدها جاء بالتشريع العام، في مسألة «القتل»، فقال تعالي:
«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً…».
ثم بيّن أن هذا «القتل»، عقوبة من عقوبات الإفساد في الأرض، فقال تعالى:
«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا، أَوْ…، أَوْ…»
فإذا ذهبنا إلى قول موسى لقومه:
«.. فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ..»
علمنا أن الآية جاءت في سياق بيان نعم الله على بني إسرائيل، ومن هذه النعم، أنه سبحانه أمرهم بقتل أنفسهم، قتلا حقيقة، امتحانا لهم وابتلاء، على ما اقترفوه من إثم عبادة العجل، ثم رفع عنهم هذا التكليف:
«فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»
وعندما يقول الله تعالى، في سياق الحديث عن أكل الأموال بالباطل:
«وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»
نفهم من سياق الآية، أن أكل أموال الناس بالباطل، يؤدي لا محالة إلى قتل الأولاد (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) بسبب الفقر، أو القتل من أجل السرقة، أو الانتحار!!
المعنى الثاني: هو المعنى المجازي، الذي نقلته أيضا «منظومة التواصل المعرفي»، ويحكمه السياق القرآني، كما ورد في قوله تعالى:
«إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ – فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ – ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ» – «قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ – مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ»
وهذا المعنى المجازي، ليس متروكا لفقهاء اللغة ومذاهبهم المختلفة، وإنما يحكمه السياق القرآني، وما يحمله من دلائل تشير إليه.
ومن هذه الدلائل، ل لمعنى المجازي لفعل «القتل»، ما ورد في سياق الحديث عن المنافقين، حيث يقول تعالي:
«.. هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (قَاتَلَهُمْ اللَّهُ) أَنَّى يُؤْفَكُونَ»
فقوله تعالى: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ»، يعني أهلكهم الله وأبادهم، وهذا المعنى يعلمه العرب جيدا، ويستخدمونه عند الدعاء على أحد بالإهلاك، ثم جاء قوله تعالى «أَنَّى يُؤْفَكُونَ»، ليدل على التعجب من انصراف المنافقين عن الهدى، مع وضوح دلائله، وانتظارهم الهلاك!!
ولا دليل في كتاب الله، يصرف معنى «القتل»، عن دلالته القطعية، سواء كانت صريحة، وهي إزهاق النفس (الإماتة)، أو مجازية، الدعاء بالاستئصال والهلاك، كما ورد في السياق القرآني.
أما القول بأن لفعل «القتل» درجات، كما يزعم البعض، منها التخفيف من طاقة الشيء، أو التضييق عليه، أو الكبح من جماحه …، ثم آخرها الإماتة، فهذا لا علاقة له (مطلقا) بلسان القرآن، وإنما قد نجده عند فقهاء اللغة العربية!!
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ – وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»
(311) 11/3/2015 (القطع، والذبح، في السياق القرآني)
عدد المشاهدات : 225
لقد اختلط «لسان القرآن»، هذا «اللسان العربي»، بلسان فقهاء «اللغة العربية»، ومذاهبهم المختلفة، فورث المسلمون «الإسلام»، فكرا تراثيا مذهبيا، لا علاقة له بإحكام الآيات، وتفصيلها.
إننا يجب أن نفهم القرآن، بأدوات مستنبطة من ذات النص القرآني، بمعزل عن هذه المنظومة التراثية المذهبية، التي حرفت دلالات الكلم عن مواضعه.
لقد استخدم السياق القرآني الكلمة القرآنية، بمعناها الصريح، وأحيانا بمعناها المجازي، والحاكم للمعنى في الحالتين، هو ذات السياق.
فعندما تحدث القرآن عن «القتل»، كما ذكرن ا من قبل، بيّن سياق الآيات، أن معناه: الحدث، المؤدي إلى «الموت»، بفعل فاعل.
والآن إلى معنى «القطع»، كما ورد في السياق القرآني.
أن «القطع» هو الفعل المؤدي إلى «فصل» شيء عن شيء، سواء كان كليا أو جزئيا، والذي يحدد ذلك هو السياق، وآليات التفكر والتعقل.
تدبر قوله تعالى: «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»، وقوله: «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا».
يبين السياق الأول أن القطع يعني: (فصل المتصل)، ويبين السياق الثاني أن القطع يعني: (فصل الشيء من جذوره): «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا»، ولا يخرج مفهوم «القطع»، في السياق القرآني، عن المعنيين، بشرط تفعيل آليات التعقل والتفكر والتفقه والنظر… إلى آخر آليات عمل القلب.
ولبيان أهمية تفعيل آليات عمل القلب، عند تدبر القرآن، أضرب بعض الأمثلة، لبيان كيف نفهم الكلمة القرآنية، في سياقها القرآني.
عندما يقول الله تعالى: «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ»، نفهم أن اليد تطلق على ما بين الكف والمرفق، وأن المطلوب هو غسل هذا الجزء كله.
وعندما يقول الله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ»، فالمقصود باليد هنا، الجزء الذي يباشر عملية الكتابة، والذي بدونه لا يستطيع المرء الكتابة، وهو (الأصابع)، لأنها هي أداة الكتابة!!
وعندما يقول الله تعالى: «وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا»، نفهم أن عقوبة السرقة تقع على العضو الذي أعان صاحبه (بصورة مباشرة) على أداء هذه الجريمة، وهو (الكف بمفصله)، لأنه بدون هذا الكف، سيجد السارق صعوبة في ارتكاب جريمته.
وعندما يقول الله تعالى، على لسان فرعون مخاطبا سحرته: «فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ»، لا يمكن أن تكون عقوبة الكفر بفرعون، مجرد إحداث جرح (قطعي)، في الأيدي والأرجل، يفصل الجلد واللحم عن بعضه، (فصلا جزئيا)، وإنما يريد فصل الأيدي والأرجل عن الجسد!!
وعندما يقول الله تعالى، في سياق الحديث عن قصة يوسف: «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»، لا يمكن أن يُفهم من القطع هنا، فصل اليد عن الجسد، وذلك لاستحالة أن يقوم المرء بهذه العملية بنفسه، وإنما المعنى هو إحداث جرح (قطعي) في اليد، ولن أدخل في بيان الأسباب التي دعت امرأة العزيز تخطط لذلك!!
أما «الذبح»، فقد ورد في السياق القرآني بمعنى واحد، وهو فصل الرأس عن الجسد.
«كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ – ثُمَّ فُصِّلَتْ – مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
(312) 16/3/2015 (لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية.. 1-3)
عدد المشاهدات : 213
عندما بيّن الله تعالى أن القرآن نزل «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»، ولم يستطع أهل «اللسان العربي» أن يأتوا بمثله، فهذا لا يعنى، أن يكون «لسان العرب»، حاكما على «لسان القرآن»، هذا اللسان الذي يختلف اختلافا جذريا، في أسلوبه ونظمه وإحكامه، عن «لسان العرب»، الذي حمل الحق والباطل.
إن «لسان القرآن»، «آية إلهية»، لها أسلوبها البياني المحكم، الذي يميزها عن غيرها من أساليب البيان التي عرفها العرب، ودوّنها فقهاء اللغة العربية في الكتب، بعد قرن من نزول القرآن، على أقل تقدير، الأمر الذي يستحيل معه، أن نجعل ما حملته هذه الكتب من أساليب العرب البيانية، حاكما على «لسان القرآن».
لقد اختلط «لسان القرآن» بـ «لسان العرب»، بعد ظهور صراعات عقدية وتشريعية بين فقهاء اللغة، من ظاهرية وباطنية ومشبهة…، الأمر الذي أفقد القرآن فاعليته، باعتباره «آية إلهية»، دالة على صدق نبوة رسول الله محمد، على مر العصور!!
لقد نزل القرآن بـ «لسان عربي مبين»، ولم تحمل «الكلمة القرآنية» إلا المعنى الحقيقي الذي وُضع لها، يوم خلق الله السموات والأرض، هذا المعنى الذي تعلمه آدم من ربه، وتناقلته الأجيال عبر «منظومة التواصل المعرفي»، على مر الرسالات الإلهية.
إن «الكلمة القرآنية»، عندما تأتي في السياق القرآني بأكثر من معنى، فهذا يرجع إلى السياق الذي وردت فيه، وإلى القرائن التي حملها السياق الموجبة لذلك، وليس لأن الكلمة (بمفردها) تحمل هذه المعانى، التي اصطلح فقهاء اللغة العربية على تسميتها بـ «المعانى المجازية»!!
لقد استطاع بعض فقهاء اللغة، توظيف هذه «المعانى المجازية»، لصالح توجهاتهم العقدية والتشريعية، فاستنبط فقهاء كل فرقة من القرآن، الأدلة على أن فرقته هي الفرقة الناجية، وعلى أن أحكامها التشريعية، التي انفردت بها، هي أحكام قرآنية!!
ثم جاء من نفوا عن «لسان القرآن» هذه «المعانى المجازية»، ودافعوا عن أسلوب القرآن البياني المحكم، وكان في مقدمة هؤلاء، داود الظاهري (ت ٢٧٠ هـ)!!
إننا عندما نقول: (رأيت أسدا يرمي بسيفه)، فلا نقصد بكلمة أسد، هذا الحيوان المفترس، وإنما نقصد الرجل الشجاع، لماذا؟! لأن هناك قرينة، صرفت عن الأسد المعنى الحقيقي، وهي جملة (يرمي بسيفه)!!
وليس معنى هذا، أن كلمة «أسد» تحمل معنيين: أحدهما حقيقي، والآخر مجازي، فالأسد لن يكون رجلا، والرجل لن يكون أسدا، في حقيقة الأمر، فيبقى «الأسد» على معناه الحقيقي، ويبقى الرجل على معناه الحقيقي، ولا تُصرف الكلمة عن هذا المعنى، إلا إذا حمل السياق (قرينة) تقتضي ذلك، ولا نحتاج كي نصل إلى هذا الفهم، إلا تفعيل «آليات عمل القلب»: آليات التعقل، والتفكر، والتفقه، والنظر!!
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
(313) 17/3/2015 (لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية.. 2-3)
عدد المشاهدات : 238
لقد كان على فقهاء اللغة العربية، ومدارسهم المذهبية المختلفة، أن يتدبروا القرآن، ويقفوا على أساليبه البيانية المحكمة، التي لم يستطع أهل «اللسان العربي»، أن يأتوا بمثلها، ولو أنهم فعلوا ما أمرهم الله به، ما جعلوا «لسان العرب»، حاكما على «لسان القران»، أبدا!
لذلك لم يكن غريبا أن نجد من بين المفكرين الإسلاميين، من يصرفون معنى «القتل» عن معناه الحقيقي، وكذلك «القطع»، و«الذبح»، و«الضرب»…، استنادا إلى لسان اللغة العربية، الذي انحرف عن «لسان القرآن»، وعن أسلوبه البياني المحكم.
لقد جاء فعل «القطع»، في السياق القرآني، بمعنى الفصل «المادي»: «الكلي»، أو «الجزئي»، ولم يحمل السياق القرآني، أية قرينة، تصرف هذا المعنى المادي عن حقيقته، وسأضرب بعض الأمثلة تبين ذلك.
* «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»إن الذي أمر الله به أن يوصل، شيء مادي، له وجود على أرض الواقع، ولا توجد قرينة في سياق الآية، تصرف هذا المعنى المادي، «الفصل الكلي»، إلى غيره، بل وتؤكد قرينة أخرى هذا المعنى، وهي قوله تعالى: «أَنْ يُوصَلَ».
ويبين ذلك أيضا قوله تعالى: «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»، فجعل قطع الأرحام شيئا ماديا في منزلة الإفساد في الأرض.
* «وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً»، ومثله: «قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً» – «قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ» – «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ» – «فقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ».
القطعة: جزء من الشيء، انفصل عنه كلية، والتقطيع: مبالغة في القطع، أي شدته.
* «لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»: الوتين، الشريان الذي يمد الجسم بالدم، فإذا انقطع مات صاحبه.
* «إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ»: تقطع القلوب، انفصالها عن الجسد، وسياق هذه الآية يتحدث عن المنافقين، واتخاذهم مسجدا ضرارا، ولما كان دين المنافقين يقوم على الشك، بيّن الله أن هذا الشك لن يزول، إلا إذا انفصلت قلوبهم (التي هو محل الشك) عن أجسادهم!!
«وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً»: أي يجتازون أرضه، حتى يصلوا إلي نهايته، ويصبح منفصلا كلية عنهم. «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ»: انفصلت عن من تعلق بها، كحال من تعلق بشيء، فانقطع، فسقط!!
ومثله قوله تعالى: «مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ – فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ – ثُمَّ لِيَقْطَعْ – فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ»؟!
فمن كان يشك في نصر الله، فليتخذ وسيلة يقطع بها هذا النصر إن جاء، وهذا من باب لفت النظر، إلى وجوب الإيمان بفاعلية أسماء الله الحسنى، دون قيد أو شرط!!
* «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» – «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ»
لقد جعلوا أنفسهم فرقا (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، أما قوله: «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ»، فيبين مشهد انفصال المشركين عن شفعائهم في الآخرة: «وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ»!!
* «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا»: دابر القوم آخرهم، وهذا يعني أنه تم استئصالهم جميعا.
* «وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ»: لقد بيّن لوط لقومه، عظم الفاحشة التي يفعلونها، وهي إتيا ن الرجال، والإعراض عن النساء، فوصفها بقوله: «مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ»، فإنهم بقطعهم سبيل التناسل، يقضون على الجنس البشري!!
* «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ»: اللينة: نوع من النخل الجيد، القريب من الأرض، قطع منه الصحابة جزءا، وتركوا جزءا، فنزل القرآن يبيّن أن ما فعلوه كان بإذن الله (إذ خلقهم مخيّرين)، ولم يكن هناك تشريع يحرم ما فعلوه، ولكن الله أشار في السياق، إلى أنه كان من الصالح العام، ترك اللينة «قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا».
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
(314) 19/3/2015 (لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية..3-3)
عدد المشاهدات : 185
لقد نزل القرآن، حاملا الآية الدالة علي صدق نبوة رسول الله محمد، الممتدة المفعول على مر العصور، وإلى يوم الدين. فهل هذا يعني، أن يتطور المعنى الدلالى لنصوصها، بما لا يتعارض مع المنظومة التشريعية العالمية، وتوصيات منظمات حقوق الإنسان؟!
لقد حمل القرآن في ذاته، منظومة بنائية بيانية محكمة، تميزه عن غيره من الرسالات الإلهية، لا تقبل التعامل معها إلا بأدوات مستنبطة من داخلها، ولا تُصرف كلماتها عن معناها الحقيقي إلا بقرينة مستنبطة من ذات النص القرآني.
إن (اليد) عضو في جسد الإنسان، ولا يصرف عن هذا المعنى إلا بقرينة من السياق القرآني، فعندما نقرأ قوله تعالى: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، يستحيل أن نفهم أن لله تعالى «يدا» مثل يد الإنسان، لأن هناك قرينة في هذه الجملة، تمنع هذا التأويل، وهي كلمة (الله)، والله يقول: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».
فإذا أردنا أن نفهم معنى «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، فعلينا أن نستعين بأدوات فهم القرآن، ومنها (حسب منهجي) آليات التفكر والتعقل والنظر …، فوجود كلمة «أيديهم» مع «يَدُ اللَّهِ»، في سياق واحد، يعني أن الله يقول للذين يبايعون النبي، إني معكم، وهذا ما نفهمه من سياق الآية، فتدبر:
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ – إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ – يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ – فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ – وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ – فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»
إن «معية الله» ثابتة في السياق القرآني، وتعني أن فاعلية أسمائه الحسنى قائمة بين الناس، وبين (الذين آمنوا): «وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ».
– قوله تعالى: «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ»
إن سياق هذه الجملة القرآنية، يتحدث عن عقوبات، تتعلق بجرائم الإفساد في الأرض، (إتلاف الأنفس والأموال)، ولقد ذُكرت عقوبة قطع الأيدي والأرجل ضمن هذا السياق، ولا توجد قرينة تصرف أية كلمة من كلمات هذه الآية عن معناها الحقيقي.
ومن (القرائن) الدالة على أن هذا القطع (فصل كلي)، قوله تعالى «مِنْ خِلافٍ»، ذلك أن «مِنْ»، (الابتدائية)، جاءت في موضع الحال من «أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ»، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا يُقطع إلا يد واحدة، أو رجل واحدة، «مِنْ خِلافٍ».
ولقد جاء قوله تعالى بعدها «لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا» يؤكد معنى (الفصل الكلي)، لأن في هذا، ذلا وإهانة للمفسدين في الأرض!!
– قوله تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»
لقد جاءت هذه الجملة القرآنية، من باب تفصيل المجمل، الذي ورد في قوله تعالى «وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً»، وجاء قوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) – (نَكَالاً مِنْ اللَّهِ)، إشارة إلى المعنى الحقيقي للقطع.
و(التنكيل) نفهمه من قوله تعالى: «وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً»، أي أن الله يُوقع على المفسدين في الأرض، أشد العقوبات الرادعة، ومن ذلك عقوبة (السرقة)، هذه العقوبة الرادعة، التي يجب أن تكون في إطار جرائم الإفساد في الأرض!!
– قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»
يشهد سياق هذه الجملة القرآنية، أن القطع قطع (جزئي)، والقرائن التي تؤكد ذلك، كلها تستند إلى آليات التعقل والتفكر…، فتعالوا نتدبر بعضها، مما ورد في سياق الحديث عن قصة يوسف:
«وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ – امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ – قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا … فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ – أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ – وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً – وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً – وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ – فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ – وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ – وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ – مَا هَـذَا بَشَراً – إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ»
١- إن السياق الذي أمامنا، من أوله إلى آخره، لا يمكن أن يُفهم منه، أن امرأة العزيز، أعدت للنسوة حفلا ومائدة طعام، للاحتفاء بهن على نشر قصتها مع يوسف بين الناس، فمعلوم أن من أصول تجهيز الموائد، خاصة في قصور الملوك والأمراء، أن تكون أدوات الطعام معدة مسبقا على المائدة، لا أن تحرص امرأة العزيز على إعطائها لكل واحدة: «وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً»!!
٢- إن مجيء واو العطف، في جملة (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)، يبيّن أن هذا التقطيع، كان عقوبة يقمن النسوة بتنفيذها بأنفسهن، بعد إقرارهن بصدق ما قالته امرأة العزيز عن يوسف، وأنهن كن يعرفن ذلك مسبقا، وهذا ما قالته لهن بعد عملية التقطيع «فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ»، وهذا ما يؤكد، أن هذا التقطيع، لم يكن بسبب ذهول أصاب النسوة بعد رؤية يوسف، وإلا لجاء السياق بفاء السببية وقال (فقطعن أيديهن)!!
٣- لقد كان هذا (التقطيع) فصلا جزئيا، وليس فصلا كليا لليد، وذلك لاستحالة أن يفعل النسوة ذلك بأنفسهن، وبرهان ذلك هو (آلية التعقل)، كقولك: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي!!
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
(315) 23/3/2015 (على هامش منشور لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية)
عدد المشاهدات : 235
يقول الأستاذ (محي الدين سليمان)، في تعليقه على المنشور السابق:
* «تأملوا قوله تعالي: (يدالله فوق ايديهم)، كان النسق التعبيري الخطابي يتطلب أن تقول الآية: (يد الله فوق أيديكم) لا (أيديهم)، لأن صدر الآية فيه خطاب، فالآية تقول: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)».
أقول: هذا غير صحيح، لأن الخطاب للذين بايعوا النبي، «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ»، والله تعالى يقول عنهم «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، أي فوق أيدي «الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ»، لذلك قال «أَيْدِيهِمْ»، وهي مسألة تتعلق بتوجيه الضمائر، كقوله تعالى في نفس السورة: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ (أَيْدِيَهُمْ) عَنْكُمْ (وَأَيْدِيَكُمْ) عَنْهُمْ»!!
* ثم يقول: «إذن كأنما أراد الله أن ينزل يد رسول الله بمنزلة يده، لأن اليد التي بايعت هي يد الأنصار، واليد التي بويعت هي يد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وفي هذ ا مجاز…»!!!
أقول: لا يصح (مطلقا) القول: «أراد الله أن ينزل (يد) رسول الله بمنزلة (يده)»، فليس لله تعالى (يد)، مثل، أو بمنزلة، أو شبه، أو (يد) ولكنها ليست كأيدي البشر ….، كل هذا يخالف لسان القرآن مخالفة تامة، وإنما هو من صنيع بعض فقهاء اللغة العربية، أصحاب التوجهات العقدية المختلفة!!
وحسب علم السياق القرآني، نفهم قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»
على النحو التالي:
أولا: البيعة، تعني اتفاق الناس، على الوفاء بموضوع الاتفاق، واتباع الشخص المبايَع وطاعته.ثانيا: إن بيعة النبي هي بيعة لله تعالى، والوفاء للنبي بموضوع البيعة، هو وفاء لله تعالى، وهذا معني (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، أي أن الله يعد المبايعين، إن هم وفوا بما عاهدوا عليه النبي، فإنه سبحانه سيوفي بوعده، وهذا ما بيّنه قوله تعالى بعدها:
«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» – «وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»
ثالثا: لا مجاز مطلقا في القرآن، وإنما هي أساليب من أساليب البيان القرآني، لا تُفهم إلا بأدوات مستنبطة من السياق القرآني، فليس لله تعالى يد، و(يد الله) لا تعني (قدرته)….، فأسماء الله ليست في حاجة إلى (تجسيم)، كي يفهم الناس فاعليتها في الكون!!!
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
(316) 28/3/2015 (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ – فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ – أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
عدد المشاهدات : 187
إن الطلاق، الذي يحل للزوج إمساك امرأته بعده مرتان, أي فترتان يتم خلال كل فترة منهما ردها في زمن العدة، وهذه الفترة بمثابة مرحلة علاجية، تحمل إنذارا للطرفين، بقرب قطع الرابطة الزوجية نهائيا.
نحن أمام موقفين مختلفين، حدثا على مرحلتين متباعدتين، لكل مرحلة ظروفها الخاصة، حيث يحاول كل طرف استنفاد كل ما في وسعه، للبقاء على علاقته الحميمة بالآخر.
إن قرار الطلاق، يجب أن يعيش في وجدان الزوجين، فترة زمنية كبيرة، قبل انقطاع عرى الزوجية. وحكمة ذلك أن يعطى الزوجان أطول فترة زمنية ممكنة، يراجع فيها كل زوج نفسه، قبل اتخاذ قرار الانفصال.
إن قرار الطلاق لا يقوم على انفعالات، تصدر من الزوجين، في لحظة معينة، تسفر عن قول الزوج، دفعة واحدة، (عليّ الطلاق بالتلاتة)، كما يفعل الجُهّال!!
ولما كانت فترة الحيض فترة آلام وتغيرات في طبيعة المرأة (النفسية والجسدية)، مما قد ينتج عنه توتر عصبي، فقد أمر الله الزوج، ألا يتخذ قرار الطلاق في هذه الفترة، فإذا طهرت المرأة، وعادت إليها حيويتها، وهدوء نفسها، فقد يتغير قرار الزوجين!!
إن من حق الزوج إمساك امرأته بالمعروف في فترة عدتها، أو تركها تخرج من عدتها ومن بيت الزوجية بإحسان:
«فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ – فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ – أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ»
ويجب الإشهاد في الحالتين، لقوله تعالى بعدها:
«وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ – وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ»،
وذلك لأن هناك حقوقا ستترتب على كليهما، لذلك أتبـع الله الأمـر بالإشهـاد بقوله تعالى:
«ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ – وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً»
إن الطلاق لا يقع في فترة حيض، ولا في طهر باشر الزوج فيه امرأته، فإن باشرها، فعليه أن ينتظر حتى تحيض، ثم يطلقها بعد طهرها، ولا يقع الطلاق بدون إشهاد!!
إن الطلاق، ليس قرارا فرديا، وإنما عملا تشارك فيه كل المؤ سسات المعنية بأحوال الأسرة (الشخصية والنفسية)، التي يجب أن تتبع (ولي الأمر) مباشرة، لقوله تعالى في سورة الطلاق، مخاطبا رسوله:
«يا أيها النَّبِيُّ – إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ – فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ – وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»
لقد خاطب الله النبي بصيغة المفرد، فقال تعالى: «يا أيها النَّبِيُّ»، ثم أتبعه بصيغة الجمع، فقال تعالى: «إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ»
مما يُفهم منه، أن ولي الأمر، مسئول عن أن يكون قرار الطلاق، قرارا حكيما، وليس عشوائيا!!
إن من فقهاء المذاهب، من أقام على «الأيْمان» أحكام طلاق، فهدموا بيوتا ما كان لها أن تهدم!!
لقد اعتبروا الطلاق يمينا، كاليمين المشهور: «عليّ الطلاق لأفعلن كذا»، وهنا يكون أمام الحالف خياران: إما أن يفعل، وإما أن يطلق!!
شيء غريب وعجيب!!!
ومنه م من وقفوا عند ظاهر اللفظ، الذي نطق به اللسان، ولو كان مازحا، أو ممثلا، فقالوا:
لو قال رجل مازحا: “لو تزوجت فلانة فسوف أطلقها، ثم تزوجها فعلا، فعليه أن يطلقها فور زواجها!!
شيء عجيب وغريب!!
إن حدود الله يحرم تعديها باجتهادات الفقهاء المذهبية، أو بثقافة روائية ما أنزل الله تعالى بها من سلطان!!
إن إجماع الفقهاء كافة، على مسألة تخالف «صريح القرآن»، لا اعتبار له في دين الله، وإن أصبح عرفا سائدا بين الناس، لما يترتب عليه من مفاسد، وعبث بحقوق الناس، لا يعلم عواقبه البشر، وإنما يعلمها الله العليم الحكيم.
«وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ -أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»
(317) 30/3/2015 (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)
عدد المشاهدات : 219
لقد ورث المسلمون «الإسلام»، أقوالا، ومواعظ، وكتبا، بمعزل عن «العمل الصالح»، فتخلفوا وأصبحوا عالة على الأمم المتقدمة (غير المسلمة)، فلماذا كان هذا (التخلف) مصير (خير أمة أخرجت للناس)؟!
إن دخول الجنة لن يكون بالأفكار والكتب والخطب، فكتاب الله يحمله المسلمون جميعا، وهم يعلمون أنه «كلام الله»، وآيته الدالة على صدق «نبوة» رسولهم محمد، فلماذا أصبحوا في ذيل التقدم الحضاري؟!
إن كتاب الله «آية قرآنية»، نزلت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فهل أخرج المسلمون الناس من الظلمات إلى النور، أم هم الذين خرجوا من النور إلى الظلمات، بتفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم؟!
«الر ـ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ـ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ـ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ – إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».
إن المسلم (المؤمن)، الذي أقام دينه على نصوص «الآية القرآنية»، وفاعليتها في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، يستحيل أن ينفصل «عمله الصالح» عن إيمانه، ولا ينفصل إيمانه و«عمله الصالح» عن رؤية مستقبلية للآثار المترتبة على هذا العمل، تدبر قوله تعالى: «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ».
إن كلمة (وَآثَارَهُمْ)، تعني أن الإنسان محاسب ليس فقط على عمله، وإنما على آثاره (الممتدة المفعول)، فإذا كان عملا صالحا، فيجب أن يقوم على «خطة تنموية شاملة»، وعلى «متابعة» تضمن عدم انحراف العمل عن صفة «الصلاح»، وهو ما يُعرف اليوم بـ «التنمية المستدامة».
ولكن المسلمين، قرونا من الزمن، يقولون إنهم يؤمنون بالله، ويعملون الصالحات، ويقيمون أحكام الشريعة، ويعلمون جيدا كل الحقائق السابقة ..، فأين إذن المشكلة؟!
لقد كانت «الفتن كبرى»، هي المشكلة الكبرى، والعظمى، التي فرقت المسلمين إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة، وقد حذر الله (صحابة) رسول الله من الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة النبي، ومع ذلك حدث الانقلاب، وسُفكت الدماء بغير حق، مع سبق الإصرار والتعمد!!
فهل رجع (التابعون)، أو (تابعو التابعين) …، إلى رشدهم، ونبذوا التفرق والتخاصم والتقاتل؟! (لا)!! بل أيّدوا التفرق، ودعّموه، واتخذت كل فرقة لها مصدرا ثانيا للتشريع، حمل تراثها الديني، من (أحاديث) منسوبة إلى النبي، وتأويلات لآيات الذكر الحكيم، وفتاوى ..، وكل ذلك لإثبات أنها هي الفرقة الناجية!!
لم يتعلم المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الدرس، ولم يأخذوا العبر من أحدث «الفتن الكبرى» التي مزقت أمتهم، وفرقت دينهم، فظلت سنن التغيير (السلبي) تعمل فيهم، إلى يومنا هذا، لا يرونها وهي شاخصة أمام أعينهم!! لقد هجروا «الآية القرآنية»، الممتدة المفعول إلى يوم الدين، فذهبتهم خيريتهم!!
لقد أصبح «الإسلام»، أن يحافظ المسلمون على أداء الصلوات (وهم ساهون)، وأداء الزكاة (وهم لاهون)، وحج البيت (وهم مغيّبون)، والصلاة على النبي (ولا علاقة لهم بالنبوة)، ثم ما عليهم بعد ذلك إلا الانتظار، حتى يحضر (المهدي)، ويقيم لهم (دين الله) في قلوبهم، وعلى أرضهم، نيابة عنهم!!
لم يتعلم المسلمون، أتباع ال فرق والمذاهب المختلفة، الدرس، وأعطوا ظهورهم لتحذير الله لهم من الوقوع في «الشرك»، إن هم أصروا على تفرقهم في الدين!!إن التفرق في الدين شرك بالله تعالى فهل يعلم أتباع الفرق والمذاهب المختلفة ذلك؟!
فلنتدبر قوله تعالى في سورة النور:
– وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ– لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ– وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ– وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
ثم تدبر جيدا، الشرط الذي اشترطه الله تعالى للوفاء بهذا الوعد:
– يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً
ثم تدبر جيدا ماذا قال الله بعدها:– وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ
تدبر جيدا هذا (الشرط): «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»، ثم انظر من هم الذين يحذرهم الله من هذا (الشرك)، إنهم «الَّذِينَ آمَنُوا – وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، فهل يمكن أن يشرك هؤلاء بالله تعالى؟!
لقد شغل أتباع الفرق والمذاهب المختلفة أنفسهم، بقضية (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ)، قرونا من الزمن، وظنوا أن هذا «الاستخلاف» يعني «الخلافة الإسلامية»، التي قامت على سفك الدماء بغير حق، فظلوا ينتظرونها، ويخططوا لإقامتها، ودوّنوا فيها الكتب…، دون باقي الوعود، ولم ينتبهوا إلى أن وعد الله «منظومة متكاملة»، تقوم على شرط «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»، فلما أضاعوا «الشرط»، لم يحصلوا على كل «الوعود»!!
هل المشكلة في عدم وفاء الله بوعده؟! أم في عدم وفاء المسلمين بشرطه؟!
إننا إذا نظرنا إلى الوعد الثاني، «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، وجدنا أن التمكين للدين، لا يكون إلا لـ (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الذي ارتضاه الله للناس، لا الدين الذي ارتضاه أئمة الفرق والمذاهب المختلفة لأتباعهم، هذا الدين المذهبي، الذي حذر الله رسوله محمدا، والذين آمنوا معه، من اتباعه، فقال تعالى في سورة الروم:
– «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً – فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا – لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ – ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ – وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»
– «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ – وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ – مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»!!
والسؤال: من هم الذين خاطبهم الله بقوله: «وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»؟!!
إنهم: رسول الله محمد، عليه السلام، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً)، وصحابته: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ).
فهل يعلم أئمة، وأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، أنهم لن يكونوا أفضل عند الله، من رسوله وصحبه الكرام (الذين رضي الله عنهم)، وأن تحذيرهم من التفرق في الدين، ومن اتخاذ مصادر تشريعية، ما أنزل الله بها من سلطان، هو حجة عليهم في الدنيا والآخرة؟!
إن من حق شعوب العالم أن تخاف من الإسلام، ومن المسلمين، ولن يزيل هذا الخوف قول أئمة وشيوخ ودعاة الفرق والمذاهب المختلفة، بأن «اختلافهم رحمة»!!
أية رحمة هذه، التي تسفك الدماء بغير حق، تحت راية «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، ويُفجر الإنسان نفسه، طمعا في الحور العين؟!
أية رحمة هذه، التي تسفك دم الزانية والزاني (رجما)، بشريعة مفتراة على الله ورسوله، ويتفق على وجوب تنفيذها، أئمة المؤسسات الدينية، للفرق والمذاهب المختلفة، سلفية كانت أو إخوانية، أو داعشية؟!
أية رحمة هذه، التي بموجبها تطلق المرأة طلاقا بائنا، استنادا إلى فقه المصدر الثاني للتشريع، وهي عند الله مازالت زوجه؟!
إلى آخر ما حمله هذا المصدر الثاني للتشريع، من منظومة روائية مفتراة، يدافع عنها اليوم، أئمة وشيوخ ونجوم ومشاهير الدعوة الإسلامية!!
إنه لا مفر من عودة المسلمين إلى فكر الأمة الواحدة، ونبذ التفرق في الدين، والاعتصام بحبل «الوحدانية»، حتى يحقق الله لهم وعده، ويستخلفهم في الأرض، ويُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويبدل خوفهم أمنا، وتكون لهم الريادة في كافة مجالات الحياة، بتخصصاتها العلمية المختلفة.
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ – كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ»
معلومات* لا تقل «إعجاز القرآن»، وقل «آية القرآن»، فالله لا يُعجز أحدا من خلقه، لانتفاء المثلية، وإنما يُبيّن للناس دلائل وحدانيته، ويخبرهم باستحالة أن يأتوا بمثلها.
* طلب المشركون من النبي الخاتم «آيات حسية»، يشاهدونها بأعينهم، كالتي أُرسل بها السابقون، فقال تعالى: «أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»، فالكتاب آية!!

(318) 30/3/2015 (الآبائية السلفية)
عدد المشاهدات : 203
يولد المولود بفطرة إيمانية، وبقلب يحمل آليات التدبر والتفكر والتعقل (آليات عمل القلب)، ما يجعله مؤهلا للتعرف على دلائل الوحدانية، وعلى فاعلية أسماء الله الحسنى ..، فيؤمن ألا إله إلا الله، ويخلص عبوديته لله، ويؤمن بالرسل، ويقيم الدين الذي أمره ربه باتباعه.
يولد المولود حرا، مزودا بإمكانات الإبداع والتطور الفكري، ولكن ارتباطه العاطفي والمعرفي بوالديه، يجعله أسير أفكارهم الدينية، يقاتل في سبيل الدفاع عنها، فإذا بلغ النكاح، واكتمل رشده، وتحمل مسئولية بناء أسرة، والوفاء باحتياجاتها …، نجده لا يُفكر في الوقوف على حقيقة تدينه الوراثي!!
إن أكثر أهل الأرض يعيشون أسرى التدين الوراثي، هذا التدين الذي غالبا ما تتواصل حلقاته، منذ أن يولد الإنسان إلى أن يتوفاه الله، ونادراً ما يقف وقفة تأمل، ليتعرف على حقيقة ما وجد عليه آباءه، ومدى موافقته للحق الذي أمره ربه باتباعه.
إن تقليد الآباء بغير علم، يُصادم منطق التطور الحضاري، وحركة الفكر وإبداعاته، فالإنسان مع انتهاء فترة طفو لته، يجد نفسه فاقد الحرية الدينية، يعيش في دائرة التقليد الأعمى، سجين الظن والوهم…، فإذا حاول الخروج من هذا الأسر، وجد سيفا مسلطا على رقبته، اسمه سيف (الردة)، فإذا لم يعد إلى ما وجد عليه آباءه، (قُتل)!!
إن الذي اتهموه بالردة، كان يعيش منذ طفولته مسلوب الإرادة، ليس له من أمر تدينه شيء، فهل عندما يملك إرادته، ويقيم البراهين العقلية الدالة على أنه قد ضل الطريق، يكون جزاؤه القتل؟!
وإذا كان تدين الآباء سيشفع للأبناء في الآخرة، إذن فما أهمية إرسال الرسل، إذا كان الناس جميعا سيدخلون الجنة بغير حساب، لأنهم عاشوا حياتهم أسرى تدينهم الوراثي، لا حول لهم ولا قوة؟!
إن إدارة هذه الأزمة تكتب فيها المجلدات، ولكن المحور الأساس الذي تدور حوله، هو قوله تعالى في سورة البقرة:
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ – قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا – أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً – وَلا يَهْتَدُونَ»؟!
وقوله تعالى في سورة المائدة:وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ – وَإِلَى الرَّسُولِ – قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا – أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً – وَلا يَهْتَدُونَ»؟!
إن الخطاب القرآني يبيّن للناس كافة، أهمية وقوفهم على حقيقة تدينهم الوراثي، وموقعه من الدين الذي أمر الله باتباعه، فالآباء قد (لا يَعْقِلُونَ)، قد (لا يَعْلَمُونَ)، قد (لا يَهْتَدُونَ) ..، فهل يعذر الله الأبناء بغفلة آبائهم، واتباعهم دينا لم يأذن به؟!
إن خطر الآبائية، أنها تجعل الأبناء يقدسون تراث آبائهم الديني، في الوقت الذي لا يستند فيه هذا التقديس على نصوص شريعة إلهية، وإنما على ما حمله الآباء من سلطة زمنية دينية، استقرت في قلوب الأبناء، وأصبحت عقبة أمام دعوة الرسل.
إن الناس يولدون أسرى تدينهم الواراثي، مكرهين على اتباع آبائهم، ولكن مشيئة الله اقتضت، أن يأخذ الإنسان قرار تدينه بنفسه، وعلى مسئوليته، وبكامل إرادته، فليس هناك قوة، تستطيع أن تفرض على الإنسان تغييرا لا يريده، وإن استطاعت أن تحمل جسده على التغيير، فلن تستطيع أن تحمل قلبه على تغيير ما يؤمن به!!
إن الحد الفاصل بين الإيمان الوراثي، الذي يتحمل الآباء مسئوليته، والإيمان العلمي القائم على الحجة والبرهان، والذي يتحمل مسئوليته الإنسان نفسه ..، هو بلوغ الإنسان النكاح، واكتمال رشده، وهذا ما بيّنه الله في سياق الحديث عن أحكام اليتامى، فقال تعالى:
«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى – حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ – فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً – فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ».
فإذا كانت هذه هي مسئولية المسلم تجاه اليتيم، فكيف تكون مسئوليته تجاه الدين الذي أمر الله باتباعه؟!
لقد ولد معظم المسلمين في بيئات مذهبية، بعد أن تفرقوا إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة، وأصبح أبناء كل فرقة يؤمنون أنهم هم الفرقة الناجية، وأن آباءهم هم السلف الصالح، فاتسعت دائرة التقليد والتعصب المذهبي، وساد الجمود الفكري، ولم يعد للتحقيق العلمي، ولا للحوار الجاد، مكان بين شيوخ ودعاة الفرق ة والمذهبية، الذين يقفون يحرسون أزمة التخاصم والتكفير!!
لقد توقف الفكر الإسلامي عند ما دوّنه أئمة السلف من تراث ديني، حمل مرويات منسوبة إلى النبي، نقلها التابعون عن الصحابة، وورثها الأبناء عن الآباء، كلٌ حسب مذهبه الديني …، فأين نجد اليوم، هذا الدين الذي أمر الله المسلمين ألا يتفرقوا فيه، «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»، وكل فرقة تدّعي أنها الفرقة الناجية؟!
لقد وقفت عملية التغييب العقلي، التي فرضتها الآبائية المذهبية على الأبناء، عقبة أمام حرية الأبناء في اختيار دينهم الحق، والله تعالى يقول:
«لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
فهل يُعقل، أن يقول الله تعالى: «قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»، ثم يجعل مسئولية هذا (التبيّن)، في أيدي الآباء (أئمة السلف)، دون أن يكون للأبناء (التابعين) دور في تحمل هذه المسئولية؟!
ثم كيف سيفرق الأبناء بين دين الطاغوت: «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ»، ودين الله «وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ»..، إذا لم يكن قرار تدينهم في أيديهم، لا في أيدي آبائهم (أئمة السلف)؟!
إن الآبائية السلفية فتنة، لأنها تقدس التاريخ، وتجعل السلف مصدرا دينيا تشريعيا حاكما على دعوة الرسل، ولقد أرسل الله نبيّه الخاتم محمدا، عليه السلام، بكتاب حمل في ذاته «الآية القرآنية»، الدالة على صدق نبوته، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين، هذا القرآن الذي أقام خير أمة أخرجت للناس ..، فأين ذهبت هذه الأمة، ولماذا لم تتواصل حلقاتها على مر العصور؟!
ماذا لو قال الله يوم القيامة، لأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الذين جعلوا (أئمة السلف) طوق نجاتهم في الآخرة:
لقد أمرتكم باتباع (الرسول)، الذي حمل رسالة الله للناس: القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثم افتريتم على الله ورسوله الكذب، وقلتم: إن الله أرسل رسوله بـ (الكتاب) و(السنة)، ثم هجرتم (الكتاب) واتبعتم (السنة)، وجعلتم مروياتها حاكمة على آيات الكتاب، بدعوى أنها «السنة النبوية»، التي أمر الله باتباعها.
ثم جعلتم من مرويات «السنة النبوية»، ما هو صحيح، وحسن، ومشهور، وضعيف، وموضوع…، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، ولم يشهد النبي كتابة هذه المرويات، ولا يعلم عنها شيئا، وإلا لحفظت (مرويات السنة)، كما حفظت (آيات الكتاب).
ماذا لو قال الله ذلك، لأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، فماذا سيكون موقفهم، خاصة إذا علموا أن الرسول قد تبرأ من كل من اتخذ نصا تشريعيا غير النص القرآني، فتذكروا قوله تعالى:
«وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»
«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً»
معلومات:* إن مجيء رسول الله بآية علمية عقلية خالدة، دعوة لحرية الفكر والتجديد والإبداع، فالآيات القرآنية واحدة، خوطب بها الناس، وفق إمكاناتهم المتطورة، إلى يوم الدين.* إن طاعة الرسول من أصول الإيمان، تتحقق عمليا مع من عاصروه، وعلميا مع من جاءوا من بعده، وآمنوا برسالته، واتبعوها.

(319) 6/4/2015 (هل حفظ الله الأحاديث النبوية كما حفظ النص القرآني)
عدد المشاهدات : 182
لقد اقتطع أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، جملة قرآنية من سياقها الذي وردت فيه في سورة الحشر (الآية ٧)، وأقاموا عليها حجية مصدر تشريعي، ما أنزل الله به من سلطان، بدعوى أن الله آتى رسوله نصّين تشريعيّن: «آية قرآنية»، و«حديث نبوي»، حمل «السنة النبوية» واجبة الاتباع!!
فما حقيقة هذا الادعاء، الذي لم أر خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، من استطاع من علماء الفرق المختلفة، أن يقيم البرهان العلمي على صحته؟!!
أولا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على شهادات أموات (ميت عن ميت عن ميت …)، يتتبعها المحدث بعد قرن من وفاتهم، فينظر في م ذاهبهم، العقدية والفقهية، فإذا وافقت مذهبه قبلها!!
ثانيا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على منظومة روائية، يضع أصولها وفروعها «مذهبيون»، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف!!
ثالثا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على صحة نسبة (النص) إلى الرسول، حتى وإن ثبتت صحة النسبة ثبوتا قطعيا!!
* إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على شهادات الأموات، ولا على منظومة (علم الحديث) المذهبية، ولا على صحة النسبة إلى الرسول ….، وإنما على البرهان (الإلهي) الدال على صدق (نبوة) الرسول، وعلى صحة نسبة النص التشريعي إلى الله تعالى، وليس إلي الرسول.
رابعا: لقد وضع أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، منظومة من «القواعد»، و«المصطلحات»، جعلوها حاكمة على فهم النص القرآني، لخدمة توجهاتهم العقدية والفقهية المذهبية، ومنها قولهم: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»!!
* إن قاعدة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، ليست على إطلاقها، فهناك كثير من الآيات القرآنية، يُفهم منها «الخصوصية» ولا يمكن تعميمها، أو «العمومية» ولا يمكن تخصيصها، وذلك حسب السياق الذي وردت فيه، ومن هذه الآيات، قوله تعالى في سورة الحشر (الآية ٧):
« مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى – فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ – كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ – وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ – وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا – وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ».
إن سياق هذه الآية، وما بعدها، يُفهم منه، أن كلاما كان يُتداول بين الصحابة، عن خلاف نشب بين المهاجرين والأنصار، بخصوص توزيع الرسول للفيء، فنزل القرآن يُبيّن حقيقة هذا الأمر، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى بعدها:
« لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ – يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً – وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ »
« وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ – يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ – وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا – وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ – وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ».
فإذا طبقنا قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، لنفهم بها ما فهمه أئمة السلف، من أن (الإيتاء) ليس فقط للفيء، وإنما أيضا لـ (الأحاديث النبوية)، فهذا معناه، أن المهاجرين، كانوا يتهمون الأنصار بأن « فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا » من (الأحاديث النبوية)، لذلك نزل القرآن يدافع عن الأنصار، ويبين أنهم: « وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا » من (الأحاديث النبوية)…، فهل يمكن أن يجد الأنصار، في قلوبهم شيئا، من (الأحاديث النبوية)؟!
ثم أية (أحاديث نبوية) هذه التي آتاها الرسول للصحابة: هل هي الأحاديث التي صحت عند أهل السنة، أم التي صحت عند الشيعة، هل هي التي صحت عند البخاري (السني)، أم عند الكليني (الشيعي)؟!
لقد كان للمنافقين من الصحابة موقف من توزيع رسول الله للصدقات، فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا ولمزوا..، فيقول الله تعالى في سورة التوبة:
« وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ – فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا – وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ »
« وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ – وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ – سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ – إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ »
تدبر العلاقة بين قوله تعالى في سورة الحشر: « وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »، وقوله في سورة التوبة، في سياق الحديث عن توزيع الصدقات: « مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »، لتعلم أن الرسول، يستحيل أن يؤتي أصحابه شيئا (يتعلق برسالته)، التي أمره ربه أن يبلغها للناس، إلا إذا كان (نصه)، هو عين ما آتاه الله…، فهل آتى الله تعالى رسوله محمدا (نصا) غير (النص القرآني)؟!
* لقد حفظ الله (النص القرآني)، فهل حفظ أيضا النص الثاني (الأحاديث النبوية)، الذي آتاه الرسول، بنفس كلماته وحروفه، كما حفظ (النص القرآني)!!
خامسا: إذا أردنا أن نفهم جملة « وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »، على أساس قاعدة (العبرة بعموم اللفظ)، فلن نجد خلافا بين أهل اللسان العربي، ولا بين أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، حول معنى كلمة (رسول)، وأنها تعني حامل (الرسالة)..، إذن فما الذي آتاه الله لرسوله، وأمره أن يؤتيه للناس؟!!
إنه لا يوجد في كتاب الله آية واحدة، يُفهم منها، أن الله آتى رسوله نصيين تشريعين: أحدهما حفظه في كتاب، والآخر فوض المحدثين أن يحفظوه في كتبهم، كلٌ حسب مدرسته في التصحيح والتضعيف!!
إن استقطاع جملة قرآنية من سياقها الذي وردت فيه، ثم من سياق الآيات قبلها وبعدها، ثم من سياق آيات أخرى..، وتوظيفها لإثبات حجية المصادر التشريعية الثانية، التي دوّنها أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، بعد ما لا يقل عن قرنين من الزمن…، إن هذا العمل، عمل لا يقبله الله ولا رسوله، ولا يصدر عن عالم، يخشى الله، ويخاف أن يقع في محرم، من هذه المحرمات:
« قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ – مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ – وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ – وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً – وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ »!!
تدبر قوله تعالى: « وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ »!!
فهل يحمل أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، البرهان على حجية مصادرهم التشريعية الثانية، وصحة نسبتها إلى الله تعالى (وليس إلى الرسول)، وذلك على وجه القطع واليقين؟!
هل قرأ أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، قول الله تعالى، على لسان هود عليه السلام:
« قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ – أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ – مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ – فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ »!!
هل قرأ أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، قوله تعالى في سورة النجم، مبينا خطورة الإيمان الوراثي، ومخاطبا قوم رسول الله محمد:
« إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا – أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ – مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ – إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ – وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ – وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى »!!
فهل مرويات الفرق والمذاهب المختلفة، من (الهدى) الذي جاءنا من ربنا؟! وإذا كانت من الهدى، فما الفرق بينها وبين الهدى الذي حفظ الله نصوصه في كتابه؟!
وهل يعقل، أن يقيم الله حجته على الناس، استنادا إلى مرويات (ظنية الثبوت عن الرسول)، في الوقت الذي لا تقوم فيه هذه الحجية، إلا إذا كان النص (قطعي الثبوت عن الله)؟!
إن البرهان على صدق (نبوة) رسول الله محمد، (كتاب)، يحمل في ذاته (الآية الإلهية)، أي أن النص التشريعي الذي أمر الله الناس باتباعه، محفوظ في كتاب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكيف يأمر الله رسوله، أن (يؤتي) الناس نصا تشريعيا، يعلم سبحانه أنه هو (الباطل)، الذي سيفرق المسلمين إلى فرق متخاصمة متقاتلة، ويُذهب خيريتهم؟!
تعريفات:– الفيء: هو ما استولى عليه المسلمون، من أموال العدو، من غير مشقة، ولا قتال.– الجرح والتعديل: علم يبحث في صفات الراوي، فإن كانت مذمومة كان (مجروحا)، ولا تقبل روايته، وإن كانت محمودة، كان (عدلا)، وتقبل روايته.

(320) 11/4/2017 (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِـ (الإِفْكِ) عُصْبَةٌ مِنْكُمْ)
عدد المشاهدات : 205
لقد كان صحابة رسول الله، يتداولون بينهم، كل ما كان يحدث في عصر «التنزيل»، من قصص وحراك تشريعي ومعرفي، فينزل القرآن يصحح أو يغير، يُحل أو يُحرم…، ويصبح ما أنزله الله من قرآن، هو ما يجب عليهم اتباعه…، فهل التزم الصحابة، بعدم نشر وتداول كل ما نزل القرآن يصحح مساره، أو يُحرمه؟!!
هناك حادثة، يعلم (المذهبيون)، من أتباع الفر ق والمذاهب المختلفة، (تفاصيلها)، وهي حادثة (الإفك)، والتي أشار القرآن إليها في سورة النور، وحذر الصحابة من تتداولها، وإشاعتها بين الناس.
فهل التزم الصحابة بهذا التحذير، أم نقل بعضهم تفاصيلها للتابعين، ثم تناقلتها الألسن حتى وصلت إلى عصر التدوين، فدوّنها المحدثون في أمهات الكتب، ومازالت إلى يومنا هذا تُحكى على منابر الدعوة الإسلامية، (يشيعون الفاحشة) باسم اتباع (السنة النبوية) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟!
فهل ذكر الله تعالى شيئا، عن قصة هذا الإفك، والأطراف التي شاركت في إشاعته، في كتابه الحكيم؟! هل ذكر الله شيئا عن المرأة التي أصابها هذا الإفك؟!
هل فهم الصحابة، الذين أشاعوا هذا الإفك بين الناس، قوله تعالى:
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ – وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ – وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً – وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ»؟!
تدبر قوله تعالى للصحابة: «وَتَقُولُو نَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ»!!
إن هؤلاء الصحابة، كانوا معاصرين لهذه الحادثة، زمانا ومكانا، ومع ذلك كانوا يتداولون روايات باطلة عن تفاصيلها، والرسول قائم بين ظهرانيهم، فكيف بحال الروايات، التي دونها المحدثون بعد وفاة النبي بقرنين من الزمن، ونسبوها إلى النبي، باعتبارها (السنة النبوية)؟!
إن (المذهبيين)، من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، لا مانع عندهم، أن تشيع الفاحشة، قرونا من الزمن، في الذين آمنوا، على أمل أن يأتي (جهابذة علم الحديث)، فيوحي إليهم الله تعالى بحقيقة هذه الفاحشة، هذه الحقيقة التي لم يعلم عنها الصحابة أنفسهم شيئا!!
هل فهم (جهابذة علم الحديث) قول الله تعالى:
«وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا) سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ»
لماذا قبل (جهابذة علم الحديث) كلام الصحابة عن هذا الإفك، ودوّنوه في أمهات كتبهم، والله تعالى يخاطب الصحابة في عصر الرسالة، ورسول الله مازال يعيش بينهم، ويقول:
«يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ (أَبَداً) إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»!!
إن هذا مجرد مثال، لبيان أن (الأحاديث) التي نسبها رواة الفرق والمذاهب المختلفة إلى «النبي»، وادّعوا أنها حملت (السنة النبوية)، هذه (الأحاديث) مشكوك أصلا في صحة نسبتها إلى الصحابة (وليس إلى النبي)، وذلك بشهادة الله عز وجل: «وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ»!!
«إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ – (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) – وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ – لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ – وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
(321) 13/4/2015 (المذهبية المعاصرة، بين أزمة التخاصم والتكفير)
عدد المشاهدات : 204
طلب الأستاذ/ شريف أيوب، في تعليقه علي منشور: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ»، ما يلي:
(أطالب الأخ الأستاذ الدكتور الفاضل/ محمد المشتهرى، عاجلا، بعمل مناظرات علمية، مع كبار علمائنا، أمثال الأستاذ/ سليم العوا، والدكتور/ محمد عمارة، والشيخ/ عمر عبد الكافى، وأن يقدم سيادته هو الدعوة لهم، لإجراء هذه المناظرات العلمية، عن كل مايطرحه سيادته من فقه جديد، أو فهم جديد، مكث فيه ٣٠عام، يرى به أنه الحل، من وجة نظره، لإخراج الأمة من أزمتها الحالية، نسأل الله له التوفيق والإصلاح، مع خالص محبتي ودعائي لسيادته، أعزك الله وأعانك، ووفقك، لما فيه الخير للإسلام والمسلمين ….، ننتظر).
أقول:
أولا: موضوع المناظرات العلمية، قد أغلقت بابه، منذ عقد من الزمن!!
ثانيا: هؤلا الذين طلب مني أ/ شريف مناظرتهم، (دعاة)، وليسوا بـ (علماء)، وكلهم من فرقة واحدة، هي (أهل السنة والجماعة)!!
ثالثا: أن آخر مناظرة تمت بيني وبين علماء من أهل السنة، كانت في منزل أ.د. موسى شاهين لاشين، رئيس (مركز السنة النبوية) بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، يوم الثلاثاء الموافق ٢٥ يناير عام ٢٠٠٥م، وحضر هذه المناظرة:الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين، [رئيس مركز السنة النبوية]الأستاذ الدكتور مصطفى أبو عمارة [أستاذ الحديث وعضو المركز]الأستاذ الدكتور عبد الباسط بلبول [أستاذ التفسير وعضو المركز]الأستاذة الدكتورة شيخة آل عطية [أستاذة الحديث بجامعة قطر]، وكانت في زيارة علمية للدكتور موسى، فطلب منها أن تحضر هذا اللقاء.الأستاذ يحي خالد توفيق، [تلميذ د/ موسى]، الذي قام بتسجيل هذا اللقاء.
وقصة هذا اللقاء، والأسباب التي جعلتني أوافق على عقدها، وما حدث لي بعدها من اعتقال…، منشورة على موقعي، على هذا الرابط:
https://www.feqhelquran.com/arabic/details.aspx?id=22&aID=633
ولكن المهم في هذه القصة، هو أن المحقق (في أمن الدول ة) أبلغني أن هناك مناظرة سيتم عقدها بيني وبين أحد علماء الأزهر، الهدف منها التأكد من أن التقرير الذي رفعه الأزهر لأمن الدولة صحيح، وأن فكري فعلا منحرف وضال!!
قلت للمحقق: أنا مشروعي الفكري، الذي اعتقلت بسببه، لا يخاطب الأزهر، ولا فرقة أهل السنة، ولا أية فرقة أخرى..، وإنما يخاطب المسلمين جميعا، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، وبناء عليه، أطلب أن تكون المناظرة، بيني وبين علماء من السنة، والشيعة، والمعتزلة، والأباضية، (مجتمعين)، ثم علمت بعد ذلك، أنه تم رفع هذا الطلب إلى الجهات المسئولة، ونظرا لاستحالة تحققه، أفرجوا عني!!
لم يكن (مركز السنة النبوية)، الذي أعد تقرير مصادرة مشروعي الفكري، المُدوّن في ثلاثة كتب، بعنوان «نحو تأصيل الخطاب الديني»، والذي يرأسه د/ موسى شاهين لاشين، لم يكن يعلم خبر الإفراج عني!!
فبعد خروجي من محبسي، اتفقت مع المستشار أحمد عبده ماهر (المحامي)، أن نبلغ النائب العام بما حدث من ترويع لي ولأهل بيتي، وذلك في الثانية من صباح الأحد الموافق ٢٠٠٥/٥/٢٩، ثم تم اصطحابي إلى حجز قسم ثان مدينة نصر!!
لقد كان هذا هو أول الطريق، أن نذهب لمقابلة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، التابع له مركز (السنة النبوية)، الذي أعد تقرير المصادرة، لنحصل منه على صورة من هذا التقرير، وكانت المفاجأة التي لم نكن نتوقعها:
أن الدكتور عبد الصبور مرزوق، رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لم يكن يعلم شيئاً عن قرار المصادرة، ولا عن موضوعه، فقد تم رفع هذا القرار من مركز (السنة النبوية) مباشرة إلى وزير الأوقاف، ومنه إلى شيخ الأزهر، دون أن يُعرض على رئيس المجلس!!
ففي يوم ٢٠٠٥/٨/٩، ذهبت مع المستشار أحمد عبده ماهر (المحامي)، لمقابلة د/ مرزوق فإذا به يقول لنا، إنه يستحيل أن يوافق علي مثل هذا القرار، لو أنه عُرض عليه، وقام على الفور بالاتصال هاتفيا بالدكتور موسى شاهين لاشين، وهذا نص ما كان يردده أمامنا، وهو يتحدث معه:
– الدكتور عبد الصبور: أهلا يا مولاناالدكتور موسى: … … … … … …– الدكتور عبد الصبور: هل فيه دراسة قـُدّمت لمركز السنة من ثلاثة أجزاء بعنوان نحو تأصيل الخطاب الديني للدكتور محمد السعيد مشتهري؟!الدكتور موسى: … … … … … …– الدكتور عبد الصبور: منكر سنة!! وكافر كمان!! [ونظر إلينا وعلامات التعجب والدهشة على وجهه].الدكتور موسى: … … … … … …– الدكتور عبد الصبور: واحنا من إمتى يا مولانا بنوصي بمصادرة الكتب؟!الدكتور موسى: … … … … … …– الدكتور عبد الصبور: وأنا كنت فين؟! مش كان لازم يُعرض عليّ هذا الموضوع؟!الدكتور موسى: … … … … … …الدكتور عبد الصبور: (في السجن إيه يا مولانا)، دا الراجل قاعد على الكرسي أمامي أهو في مكتبي!!
المهم، وفي نهاية اللقاء، اعتذر لنا الدكتور مرزوق عن عدم استطاعته تقديم أية مساعدة في هذه المسألة، وأن علينا أن نتوجه إلى (مجمع البحوث الإسلامية)، وعندما ذهبنا إلى مجمع البحوث الإسلامية اعتذروا لنا أيضا عن عدم استطاعتهم إفادتنا بشيء في هذا الموضوع، بدعوى أن المصادرة تمت عن طريق أمن الدولة … ودخلنا دوامة (الكعب الداير)، ولم نصل إلى نتيجة!!
رابعا: إن ما أجزم به، وأراه أمام عيني، كما أرى الشمس في كبد السماء، وبعد رحلة دامت أكثر من ثلاثة عقود، مع علماء الفُرقة والمذهبية، ومع المقلدين التابعين لهم بغير علم…، هو أن كل مسلم تابع لفرقة من الفرق، أو ينتمي إلى جماعة من جماعات هذه الفرقة، هو جند من جنود الصف الثاني، من جيش الاغتيالات الفكرية والجسدية للمخالف له في المذهب، وإن الفرق بينه وبين الجيش الأول الميداني، الذي يفسد اليوم في الأرض، أنه فقط ينتظر (الأوامر) ليصبح جندا في هذا الصف الأول، وليس بعد تجربة حكم التيارات الدينية المذهبية لمصر، وما أسفرت عنه من نتائج، من برهان ساطع، ولكن لأهل البصيرة!!
«قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي – أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ – أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي – وَسُبْحَانَ اللَّهِ – وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
(322) 16/4/2015 (الله لم يبلغ الرسول، أن يبلغنا نصا غير القرآن)
عدد المشاهدات : 215
إن حُجية الرسالة الإلهية، لا تقوم على اجتهادات السلف، ومذاهبهم الفقهية، ومروياتهم الظنية، وإنما على ما يحمله «الرسول»، من برهان إلهي، يثبت صدق «نبوته»، وبلاغه عن الله.
ولقد (أرسل) الله (نبيه) الخاتم محمدا، عليه السلام، بـ (رسالة) حملت في ذاتها البرهان على صدق «نبوته»، فجاءت «آية قرآنية»، تخرج الناس من الظلمات إلى النور:
الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {1} إبراهيم
فهل أخرج أئمة السلف و(الخلف)، أنفسهم (قبل أن يخرجوا الناس)، من ظلمات الفرقة والمذهبية، إلى نور «الآية القرآنية»؟!
الحقيقة أن أئمة السلف و(الخلف)، أخرجوا أنفسهم، من نور «الآية القرآنية»، إلى ظلمات الفرقة والمذهبية!!
إن الذين تفرقوا إلى طوائف وجماعات وأحزاب دينية (عقدية وتشريعية)، هؤلاء ما قدروا (الله) حق قدره، فقد أعطوا ظهورهم للتحذير الإلهي، الذي خاطب الله به (رسوله والذين آمنوا معه) في عصر الرسالة، قائلا:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ – وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ – مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ – وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».
إن الذين تفرقوا إلى طوائف وجماعات وأحزاب دينية، (عقدية وتشريعية)، هؤلاء ما قدروا (رسول الله) حق قدره، وأعطوا ظهورهم لسنة (الرسالة الإلهية)، واتبعوا سنة (البشر المذهبية)، وقد قال الله لرسوله:
«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ – إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ – ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».
إن الله ورسوله، بريئان مما يفعله أتباع الجماعات والأحزاب والتنظيمات الجهادية اليوم، باسم (السنة النبوية)، أو باسم (الحديث النبوي)، أو باسم (المصدر الثاني للتشريع)، فليس من حق «النبي»، أن يُشرع أحكاما، خارج حدود (الكتاب)، الذي أمره ربه أن يبلغه للناس؟!
وبرهان ذلك: أننا إذا تدبرنا آيات الذكر الحكيم، فلن نجد مطلقا آية واحدة، تبيّن أن المسلمين يرثون (بعد وفاة النبي)، مصادر تشريعية، حسب توجهات أئمتهم العقدية والتشريعية…، وإنما سنجد أن المسلمين، (بعد وفاة النبي)، يرثون كتابا واحدا فقط، هو كتاب الله، فتدبر قوله تعالى في سورة فاطر:
«وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ (الْكِتَابِ) هُوَ الْحَقُّ ….. ثُمَّ أَوْرَثْنَا (الْكِتَابَ) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ …».
إن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»، دليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، على أن الله لم يؤت (رسوله)، نصوص مصدر تشريعي غير (الكتاب)!!
إن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»، دليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، على إن الله لم يأمر (رسوله) محمدا، عليه السلام، أن يبلغ الناس (نصا تشريعيا)، غير القرآن!!
فمن أين جاء أئمة السلف و(الخلف)، بأن نصوص الشريعة الإسلامية: (كتاب – وسنة)؟! من الذي أقحم كلمة (السنة)، في سياق نصوص الشريعة الإلهية؟!
إن الإجابة على هذا السؤال، تجعلني مضطرا أن أخالف منهجي في الاستدلال على حجية ما أقول (بالنص القرآني)، وأذهب إلي هذا المصدر التشريعي المفترى، وأستخرج منه روايتين، ظن كثير من المسلمين أنها قرآن!!
الأولى أقام عليها (أهل السنة) حجية مصدرهم الثاني للتشريع!!والثانية أقام عليها (الشيعة) حجية مصدرهم الثاني للتشريع!!
طبعا هذا بالإضافة إلى تأويلاتهم المذهبية لآيات الذكر الحكيم، التي أخرجوها من سياقاتها، ووظّفوها لخدمة توجهاتهم العقدية والتشريعية!!
يستند أهل السنة، في إثبات حجية مصدرهم الثاني للتشريع، إلى رواية مالك بن أنس في الموطأ، باب النهى عن القول بالقدر، (بلاغا)، أن رسول الله قال:
«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: (كتاب الله) وسنة رسوله». (قول مالك [بلاغا]: أي بلغه، وهذا يعتبر انقطاعا، يُضعف الرواية)
ويستند الشيعة إلى رواية الترمذي (سني المذهب) في المناقب، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول:
«إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: (كتاب الله) وعترتي أهل بيتي». (قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب).
نلاحظ أن العامل المشترك بين الروايتين وهو: (كتاب الله)، ثم أضاف أهل السنة (وسنة رسوله)، لإعطاء شرعية لمصدرهم الثاني للتشريع، وأضاف الشيعة (وعترتي أهل بيتي)، لإعطاء شرعية لمصدرهم الثاني للتشريع، فهل يمكن أن يكون هذا العمل، من (دين الله) الذي أنزله على رسوله، قبل ظهور هذه الفرق، وهذه المذاهب المختلفة؟!
لذلك كان من الطبيعي، أن يقبل علماء (الجرح والتعديل)، الروايات التي تخدم توجههم العقدي والتشريعي، فقبل أهل السنة (السند الروائي) الذي لا يخالف مذهبهم (ملة وشريعة)، وكذلك فعل الشيعة، ثم جاء عصر التدوين، فظهرت أمهات كتب التراث الديني، التي بين أيدي أتباع الفرقتين اليوم!!
فهل يمكن أن يُفوض الله رسوله محمدا، في تفسير آيات الذكر الحكيم، وفي استكمال ما نقص منها من أحكام، باسم (السنة النبوية)، ثم يترك (الرسول) نصوص هذه (السنة النبوية) تتناقلها ألسن الرواة، ما لا يقل عن قرنين من الزمن، من وفاة النبي، ثم يأتي علماء (الجرح والتعديل)، لفرزها، وتنقيتها، للوصول إلى حقيقة ما قاله النبي، كلٌ حسب مذهبه في التصحيح والتضعيف؟!!
إن الذي غاب عن أئمة السلف (والخلف)، أننا عندما ننسب شيئا إلى «النبي»، يجب أن تكون هذه النسبة، قطعية الثبوت عن الله تعالى، وليس عن النبي، لماذا؟!
لأن «النبي» محمد، عليه السلام، «منبأ» من الله تعالى، فمقام «النبوة» مقام «تلقي» عن الله، لذلك يحرم أن ننسب إليه، أي (نص تشريعي)، لم تثبت صحة نسبته إلى الله تعالى!!
أما «الرسول» محمد، عليه السلام، فهو «النبي»، حال كونه حاملا رسالة ربه، ليبلغها للناس!!
لذلك كان من الخطأ الكبير، أن ينقل الرواة، كل ما صدر عن (النبي) من أقوال وأفعال وتقريرات … دون تمييز بين «مقام النبوة»، المرتبط ارتباطا وثيقا بالوحي، وبعصر «التنزيل واكتمال الدين»، وتنتهي فاعليته بوفاة «النبي»…، وبين «مقام الرسالة»، المرتبط ارتباطا وثيقا بالرسول، المبلغ عن الله رسالته، هذه الرسالة التي لا تخرج (مطلقا) عن حدود الكتاب الذي أنزله الله عليه.
مثال: يقول الله تعالى في سورة الت حريم:
«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً – فَلَمَّا (نَبَّأَتْ) بِهِ – وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ – عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ – فَلَمَّا (نَبَّأَهَا) بِهِ – قَالَتْ مَنْ (أَنْبَأَكَ) هَذَا – قَالَ (نَبَّأَنِي) الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ».
هذا النص القرآني، نزل على (رسول الله)، ليبلغه للناس، وهو في (مقام الرسالة)، أما (تفاصيل) الأحداث التي أشار إليها هذا النص، فكلها حدثت والرسول في (مقام النبوة)، حيث الارتباط الدائم بين (النبي) و(الوحي)، لمواجهة إشكالات وتحديات هذه المرحلة الانتقالية، من عصر «التنزيل واكتمال الدين»!!
إن كل ما أوحاه الله لرسوله، في عصر «التنزيل واكتمال الدين»، ليس شرطا أن ينزل به قرآن، وإنما نزل القرآن، بما شاء الله أن يتضمنه، من هذه المرحلة التشريعية الانتقالية.
البرهان: انظر إلى قوله: «نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»، والذي يُفهم منه، أن الله (نبأ) رسوله، بما حدث من بعض أزواجه، بوحي (غير القرآن)، ودليل ذلك أن القرآن لم يذكر تفاصيل هذا (النبأ)!!
فإذا تداول الصحابة، تفاصيل هذا (النبأ)، نقلا عن أزواج النبي، ثم تناقلتها ألسن الرواة حتى وصلت إلى عصر التدوين، ثم دوّنها المحدثون في الكتب، باعتبارها (سنة نبوية)…، هل يعني هذا، أنها أصبحت من (الدين الإلهي) واجب الاتباع!!
إن محمدا، عليه السلام، سواء كان في «مقام النبوة»، أو في «مقام الرسالة»، يستحيل أن يشير (مجرد إشارة) إلى أصحابه، بتدوين كلمة واحدة من كلامه، ويقول لهم: إن هذه من «السنة النبوية»، التي يكفر منكرها!!
لقد توفي «النبي»، ولم يترك غير القرآن، وخير شاهد على ذلك، أن ننظر إلى تاريخ ولادة ووفاة كل الذين دوّنوا أمهات كتب التراث الديني (من تفسير وحديث وفقه وسير …)، هذه الكتب، التي أقام عليها المسلمون تدينهم الوراثي المذهبي…، فلن نجد مدونة واحدة، شهد النبي، قبل وفاته، أو الخليفة الأول (أبوبكر)، أو الثاني (عمر)، أنها من (السنة النبوية) واجبة الاتباع؟!
إن على كل مسلم (تابع)، أن ينظر في حقيقة (المتبوع)، وهل هو حقا (النبي)، أم علماء (الحديث)، الذين قالوا له: هذا صح عن النبي، وهذا لم يصح؟!
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

(323) 20/4/2015 (أزمة الأزهري – الجفري – البحيري)
عدد المشاهدات : 228
إن الساحة التي انتصر فيها رسول الله على قومه، وأثبت فيها صدق نبوته، باعتباره «النبي» الخاتم، و«الرسول» المبلغ عن الله رسالته …، هي ساحة «الآية القرآنية»، التي لم يستطع الإنس والجن، أن يأتوا بمثل نصوصها، وهم أهل «اللسان العربي».
فهل يعقل، أن يقول «الرسول» لأهل «اللسان العربي»، المكذبين لدعوته، المتهمين له بالضلال: إن هذا القرآن، الذي لم تستطيعوا أن تأتوا بمثله، لن تستطيعوا أن تفهموا آياته، إلا إذا بيّنتها لكم بـ «سنتي»، وهي «الأحاديث»، التي أوحى الله إليّ بمعناها، أما لفظها فمن عندي؟!
وهل يعقل أن يأمر الله «رسوله» أن يبلغ مصدره الثاني للتشريع، المبيّن والمكمل لأحكام القرآن، ثم يترك نصوصه، لرواة الفرق والمذاهب المختلفة، يتعاملون معها كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي، لتصل إلى عصر التدوين، فيُدوّنها المحدثون، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!
ثم هل يعقل، أن يكون (الدين الإسلامي)، الذي لن يقبل الله تعالى غيره، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، والذي ترك رسول الله صحابته عليه، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة، وقبل عصر تدوين أمهات كتب التفسير والحديث والفقه، الخاصة بكل فرقة من هذه الفرق…، هل يعقل أن يكون هذا الدين، هو فقط الدين الذي عليه أتباع فرقة (أهل السنة والجماعة)، الذي دار حول تراثها الديني، ومصدرها الثاني للتشريع، ما شاهدناه في (١٧-٤-٢٠١٥)، من حوار بين الأزهري والجفري والبحيري (ومعذرة لعدم استخدام الألقاب)؟!
إن (الأزهري والجفري والبحيري)، يبحرون جميعا، في مركب واحدة، ترفع راية التراث الديني لفرقة (أهل السنة والجماعة)، مع اختلاف بينهم، في كيفية التعامل مع نصوص هذا التراث، بالهدم، أو التنقية، أو التجديد…، وهكذا يفعل أتباع كل فرقة، من هذه الفرق التي لم يكن لها وجود مطلقا في حياة (النبي)، في الوقت الذي يّدعون فيه، أنهم يتبعون (السنة النبوية)؟!
إن (المنهج العلمي)، الذي ادّعى أطراف الحوار تمسكهم به، يفرض عليهم، وقبل الخوض في إشكالات التراث الديني، لفرقة (أهل السنة والجماعة)، أن يقولوا للناس (أولا)، ما هي الفرق الإسلامية، ومتى ظهرت، وموقف (أهل السنة) من الفرق الأخرى، وهل هي حقا (الفرقة الناجية)، وباقي الفرق في النار؟!
لماذا يشترط (المنهج العلمي) أن يبدأ الحوار، بـ (تحرير المصطلحات) أولا؟!
لأنني عندما أتكلم عن (الإسلام)، يجب أن أبيّن للناس، معنى (الإسلام) الذي أقصده، وهل هذا المعنى متفق عليه بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!
فإذا خالفتُ هذا المعنى، أثناء حديثي، أكون قد هدمت القواعد التي أقمت عليها فكري!!وعندما أتكلم عن (السنة النبوية)، يجب أن أبيّن للناس، معني (السنة النبوية)، وهل هذا المعنى متفق عليه بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!
فإذا خالفت هذا المعنى، أثناء حديثي، أكون قد هدمت القواعد التي أقمت عليها فكري!!وعندما أتكلم عن (المذاهب الفقهية) يجب أن أبيّن للناس، ماذا أقصد بـ (المذاهب الفقهية)، وما هي هذه المذاهب، وهل متفق عليها بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!!
والأهم من ذلك كله: هل (الإسلام) فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة؟! وهل قسم الرسول (سنته النبوية)، أجزاءً، فأعطى لكل فرقة جزءا؟!!
هكذا تبدأ الحوارات العلمية، بـ (تحرير المصطلحات)، حتى لا يحرث أطراف الحوار في الهواء، والضحية هو المشاهد، الذي قد لا يفقه شيئا عن إشكالات (علم الحديث)، ولا عن علم (الجرح والتعديل)، ولا عن تاريخ (المذاهب الفقهية)، وما حدث من أزمة التخاصم والتكفير بين أتباعها!!
إن هذا الحوار، لم يناقش (الدين الإسلامي)، الذي ارتضاه الله للناس جميعا، وإنما ناقش الدين الذي ارتضته فرقة (أهل السنة) لأتباعها، لذلك كان من الطبيعي، أن تحدث هذه الأخطاء العقدية والتشريعية، بين أطراف الحوار، التي سأشير إلى بعضها:
* الأزهري: «القضية أنه على مدى قرون، اهتدت الأمة الإسلامية، واهتدت المدارس العلمية، إلى مجموعة خطوات يستلهم فيها، ويراعى فيها، الأدوات العلمية المنقولة عن الجيل الذي قبله … إلى أدوات الفهم عن الصحابة، كما ورثهم إياها (النبي)..»!!
أقول: أطلق (الأزهري) مصطلح (الأمة الإسلامية) ولم يبيّن لنا، ماذا يقصد بـ (الأمة الإسلامية)، وأين هي هذه الأمة، التي نقلت مدارسها العلمية أدوات الفهم، جيلا عن جيل، وصولا إلى الصحابة، الذين ورثوا هذه الأدوات عن (النبي)؟!
يستحيل أن يقصد جميع الفرق والمذاهب الإسلامية الموجودة اليوم، لأن المدارس العلمية لهذه الفرق مختلفة في الأصول والفروع، وعلى رأسها مدارس (الشيعة)…، إذن فهو يقصد بـ (الأمة الإسلامية) فرقة (أهل السنة والجماعة)، وهذه وحدها تهدم مشروعه الفكري من قواعده، لأنه لا يعتبر باقي الفرق من (الأمة الإسلامية)، وإلا كان عليه أن يذكر (مثلا) موقفه من (الشيعة) من الناحية العقدية والتشريعية!!
فهل هذا هو (الدين الإسلامي) الذي كان عليه رسول الله وصحبه في عصر الرسالة؟!
* الجفري: قال في حلقة (١٦-٤-٢٠١٥): «حدث خلاف كبير بين العلماء في الشريعة، ونقد بعضهم بعضا، نقد حقيقي، بل نقد قوي، حاد، وصل إلى أن يأتي التلميذ فيستقل عن شيخه، بمذهب مختلف تماما عن مذهب شيخه»!!
وقال: «الذي حدث على مر العصور هو التالي: أثناء عملية التجديد، النقد، التنقية… اعتراها نوعان من الشوائب في بعض فتراتها …»، ثم قال، عند حديثه عن النوع الثاني، وهو استغلال الساسة لهذه الخلافات قال: «وهكذا تتسلسل، حتى في الدولة العباسية نفسها يأتي أحد خلفاؤهم أو ملوكهم يتنبى الفكر (المعتزلي)، ويجعله وسيلة لتأديب كل من يخالفه من علماء (أهل السنة)، ويُعذب في ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ويُعذب ويُعلق ويجلد..، حتى يسيل الدم من ظهره ومن بطنه، لأنه مصر على الثبات على الفكر الذي آمن به أو الذي توصل إليه»!!
وقال: «هذا الاستغلال السياسي المتسلسل، كان ينحرف بالخلاف الديني، عن مكانه الصحيح، وهو الحوزات العلمية، ومدارس التعليم، والمساجد، وقاعات النقاش بين العلماء…، ليتحول إلى مناظرات يديرها الحكام في قاعات السلاطين، لتستثمر بعد ذلك في إطار سياسي، وهذا اللعبة إلى اليوم موجودة، إذن المسألة ليست دينية، ولا طائفية، وإنما سياسية»!!
أقول: إن قول (الجفري): «هذا الاستغلال السياسي المتسلسل، كان ينحرف بالخلاف الديني، عن مكانه الصحيح، وهو الحوزات العلمية، ومدارس التعليم، والمساجد، وقاعات النقاش بين العلماء…» يستحيل أن يقصد بـ (المكان الصحيح) الذي كان يجب أن تناقش فيه (الخلافات الدينية)، هو قصر الخلافة، الذي من المفترض أن يتولى خليفة المسلمين بنفسه إدارة هذه الخلافات الدينية!!
ولكن، لأن (الخلفاء) كانوا يحكمون البلاد، حسب انتماءاتهم العقدية والتشريعية، خضع المذهب الديني الحاكم للبلاد، وكذلك فترة استمراره، لمدى القوة (العسكرية) التي يتمتع بها الخليفة، فظهر (أهل السنة والجماعة) على يد (معاوية)، ثم ظهرت (المعتزلة) في فترة الخلافة العباسية، وعُذّب الإمام أحمد بن حنبل، حتى سالت الدماء من ظهره ومن بطنه..، لخلاف عقدي، وليس سياسيا ولا تشريعيا!!
وقال في حلقة (١٧-٤-٢٠١٥): «بالأمس ذكرت أن الإمام أحمد بن حنبل أسس منهجا مخالفا لشيخهه، خرج بأحكام مخالفا لشيخهه الشافعي….»، إلى آخر ما قال، وأثبت به، في حديثه كله، أنه يفهم (الإسلام)، ويفهم (السنة النبوية)، بفهم فرقة ومذاهب (أهل السنة والجماعة)!!
فهل هذا هو (الدين الإسلامي) الذي كان عليه رسول الله وصحبه في عصر الرسالة؟!
* البحيري: وهو يبحر مع (الأزهري)، و(الجفري)، في نفس المركب، تحت راية التراث الديني، لفرقة (أهل السنة والجماعة)، يعترف بأن موطأ مالك أثبت سندا ومتنا من البخاري، فيقول: «أنا لحد الآن رأيي بالمناسبة، إن الموطأ أثبت سندا ومتنا من البخاري»… إلى آخر ما ذكره في هذا الحوار، وأثبت فيه، أنه لا يهدم (الأحاديث) كلها، ولا مذاهب الفقهاء كلها، وأنه يؤمن بـ (السنة النبوية)، بعد تنقيتها واستخراجها من التراث الديني لفرقة (أهل السنة والجماعة)!!
إن هذا الذي ذهب إليه (البحيري)، وأجهد نفسه فيه، وسجل (ويسجل) فيه مئات الحلقات، لا علاقة له بما أمره الله تعالى باتباعه، ولن ينفعه يوم القيامة قوله، إنه كان يريد تنقية تراث (أهل السنة والجماعة)، فدين الله الذي سيحاسب عليه الناس يوم القيامة، هو الدين الذي كان عليه رسول الله وصحبه الذين رضي الله عنهم، قبل ظهور هذه الفرق، وهذه المذاهب الفقهية، المتخاصمة المتصارعة!!
وهناك عشرات الأخطاء العقدية والتشريعية، حدثت في هذا الحوار، تحتاج للرد عليها إلى مؤلفات، وهي موجودة على موقعي، ولكن يكفي أن أطلب من أطراف الحوار، أن يتدبروا السياق القرآني الذي وردت فيه هذه الآية:
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

(324) 22/4/2015 (المنهج العشوائي، في الفكر الإسلامي)
عدد المشاهدات : 192
يعتقد البعض، أن تدبر القرآن، يمكن أن يقوم على (الفطرة) وحدها، بعيدا عن المناهج والأدوات العلمية، وأن كل مسلم حر في فهم القرآن بفطرته، حسب قدراته التي منحها الله له، بدون توجيه من أحد أو وصاية!!
لذلك أقول:
أولا: إن أهم أداة من أدوات فهم القرآن، والتي نص عليها القرآن صراحة، هي (اللسان العربي)
ثانيا: المدرسة التي تعلم فيها المسلمون ما يُسمى باللغة العربية، والتي هي المدخل الرئيس لتعلم (اللسان العربي)، هذه المدرسة لا وجود لها (مطلقا) داخل القرآن، سواء كانت هي الأسرة، أو المدرسة المعروفة!!
ثالثا: يستحيل أن يتدبر الإنسان (الكتاب الإلهي) بـ (الفطرة)، لأن هذا الكتاب، يطلب ممن يريد تدبره، أن يتعلم أولا اللغة التي كُتب بها، حتى يتمكن من قراءته!!
رابعا: هذه المرحلة التعليمية الأولى، التي يتعلم فيها الإنسان لغة (الكتاب الإلهي)، يكون فيها الإنسان تابعا مقلدا لوالديه، ليس له من أمر (تعلمه) شيء، ومع تعلمه لغة الكتاب، سيتعلم أيضا مذهب والديه الديني، وليس له من أمر (تدينه) شيء، وسينشأ على مذهب والديه، حتى يبلغ النكاح ويكتمل رشده، فإذا مات قبل البلوغ واكتمال الرشد، فلن يحاسبه الله على مذهب آبائه!!
خامسا: هذا الإنسان، بعد بلوغه واكتمال رشده، عليه أن يعيد النظر في تدينه (الوراثي)، ويختار الدين الذي أثبتت البراهين العلمية، صحة نسبة مرجعيته إلى الله تعالى…، وهذه البراهين تحتاج إلى منهج وأدوات، ويستحيل أن يعتمد فيها على (فطرته) فقط!!
سادسا: وبناء على ما سبق، أقمت مشروعي الفكري، بعد أن آمنت، إيمانا علميا (وليس وراثيا)، بالوحدانية، وأن القرآن كتاب الله يقينا، وأن هذا الكتاب هو الذي أخبرني أن محمدا هو (النبي) الذي أنزل الله على قلبه هذا القرآن، وأنه الرسول الذي بلغه، وبعد أن استنبطت من هذا الكتاب، الأدوات التي يستحيل فهم نصوصه إلا بها، وفي مقدمتها (اللسان العربي)!!
سابعا: القرآن (آية إلهية)، وليس فقط (كتابا إلهيا)، وهذه (الآية الإلهية) العقلية، لا تقل أهمية عن (الآيات الحسية) التي أيد الله بها الأنبياء السابقين (كعصى موسى)، بل لا مثيل لـها أصلا، والذين يتعاملون مع هذا القران، باعتباره كتابا إلهيا فقط، هم الذين يعتقدون أن القرآن يمكن أن يُفهم بـ (الفطرة)، بدون أية أدوات، وإذا عجز عن فهم شيء فيه، «يسأل ويستشير من يعلمون»، و«يختار التفسير الذي يرتاح له قلبه» …، فـ «كل مسلم لابد أن يجد معنى مفهوم في القرآن، بدون وسطاء أو أدوات تتطلب الدراسة المتعمقة»…، إلى آخر أقوالهم ومناهجهم العشوائية!!
ثامنا: أما الإنسان، الذي آمن أن هذا القرآن (آية إلهية)، فيستحيل أن يتعامل مع نصوصه بهذه البساطة، وبهذ المنهج العشوائي…، لأنه يعلم أن (الآية)، أي البرهان والحجة، غير (الك تاب)، فالآية تحتاج إلى منهج وأدوات، ومؤسسات علمية…، لتفعيلها في حياة الناس، يشاهدون آثارها على أرض الواقع، كما كان الناس يشاهدون ماذا كانت تفعل (عصى موسى)!!
لذلك أقول: إن (الإسلام) يعني (العلم)، وإن (القرآن) مدرسة (العلماء)!!
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ – وَالْمَلائِكَةُ – (وَأُوْلُوا الْعِلْمِ) – قَائِماً بِالْقِسْطِ – لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» – «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ»
«وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ (الْعِلْمُ) – بَغْياً بَيْنَهُمْ – وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»
(325) 24/4/2015 (هل عرف النبي المذهبية؟!)
عدد المشاهدات : 173
يظن البعض، أن الملايين من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، يتّبعون (النبي)..، وهذا (وهم) يعيشون بداخله، لإرضاء أنفسهم، أنهم على (الإسلام)، الذي كان عليه (النبي)، والذين آمنوا معه!!
* أولا: الفرق بين المسلم المذهبي وغير المذهبي:
أن الأول لا يرى غير المذهب (العقدي والتشريعي) الذي تربى عليه، ويدافع عنه، ويقاتل في سبيله!!
أما الثاني فلا يرى غير (الإسلام)، الذي قال الله تعالى عنه:
«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً – فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ – وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»!!
فإذا كان «عصر التنزيل»، و«اكتمال الدين»، قد شهد قبل وفاة (النبي)، الإسلام الذي عليه أتباع الفرق والمذاهب المختلفة (اليوم)، فمن المنطق السليم، (قبل المنطق الشرعي)، أن ينقل لنا (القرآن)، أو حتى ما يدّعون أنها مصادر (السنة النبوية) …، ما كان يحدث من تفاعل بين (النبي)، وهذه الفرق، وهذه والمذاهب (العقدية والتشر يعية)، التي مرت عبر العصور، حتى وصلت إلينا (اليوم)!!
البرهان الأول: لا يوجد مطلقا، لا في (القرآن)، ولا حتى في مصادرهم (العقدية والتشريعية)، التي يدّعون أنها حملت (السنة النبوية)…، أية إشارة، إلي قبول (الله تعالى)، أن يكون (الإسلام) الذي جاء به (رسوله محمد)، فرقا ومذاهب متخاصمة متقاتلة!!
البرهان الثاني: وجود إشارات في القرآن، تفيد أن التفرق في الدين (شرك بالله تعالى)، وهذا ما حذر الله تعالى به (النبي)، والذين آمنوا معه، من الوقوع فيه، فقال مخاطبا رسوله:
– «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً – فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا – لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ – ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ – وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»
– «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ – وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ» – «مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
والسؤال: هل حقا تفرق المسلمون إلى فرق ومذاهب (عقدية وتشريعية) بعد وفاة (النبي)؟!
الجواب: نعم، نعم، نعم ..، ولكن لمن له عين يُبصر بها واقع (المسلمين)، وقلب يعقل به حقيقة (الإسلام)، الذي ارتضاه الله للناس جميعا، والله تعالى يقول:
«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ – فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا – أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا – فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ – وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»!!
إذن، فلن يقبل الله تعالي إسلاما، غير الإسلام الذي ارتضاه، وكان عليه الرسول والذين آمنوا معه، قبل ظهور هذه الفرق، وهذه المذاهب (العقدية والتشريعية) المتخاصمة المتصارعة…، وهذا الإسلام هو إسلام «الآية القرآنية»، التي لا يملك المسلمون (اليوم) غيرها دليلا وبرهانا على أن رسولهم اسمه (محمد)، وأنه هو الذي أنزل الله عليه القرآن، وأمره أن يبلغه للناس!!
فهل بلغ (الرسول) القرآن، ووصل إلى كل بيت من بيوت ملايين المسلمين؟!الجواب: نعم.
هل بلغ (الرسول) كتابا ثانيا، حمل (سنته النبوية)، ووصل إلى كل بيت من بيوت ملايين المسلمين؟!الجواب: لا، والذي يريد أن يُخرج نفسه من دائرة (الشرك بالله)، عليه أن يُخرج لنا هذا الكتاب، الذي وصل إلى بيوت ملايين المسلمين، مصاحبا لكتاب الله!!
إذن، فليحذر أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، من أن يلقوا الله تعالى (مشركين)، فلن يكونوا أفضل من (النبي)، والذين آمنوا معه، الذين خاطبهم الله بهذا التحذير!!
* ثانيا: يتصور البعض أن قانون (الأكثرية) مؤشر حاكم لميزان الحق والباطل، للهدى والضلال…، فإذا أجمعت الأكثرية على شيء، فإن هذا يعني أنهم على (الحق)، والعكس!!
وهذا برهان آخر يُبيّن الفرق بين المسلم المذهبي وغير المذهبي!!
إن المسلم المذهبي يزن (الحق) بالأكثرية، لأنه تربى على قاعدة (وهمية)، منسوبة إلى (النبي)، تقول: «لا تجتمع أمتي على ضلال»…، فهل إذا بُعث (النبي) اليوم، سيجد أصلا (أمته)؟! أين هي؟! هل يستطيع عاقل أن يدل الناس عليها؟!
هل إذا بُعث (النبي) اليوم، سيعتبر فرقة أهل السنة هي (أمته)، وسيحكم علي أتباع جميع الفرق الإسلامية الأخرى بالردة أو الفسق أو الكفر…؟!
فليخرج علينا إمام من أئمة (أهل السنة)، ويقول لنا إن فرقته هي (الأمة الإسلامية)، وأن (النبي) إذا بُعث سيعلن ذلك للناس!!!!!!!!
أما المسلم غير المذهبي، فيعلم من القرآن، أن ميزان (الأكثرية) ميزان فاسد، فقد وردت (الأكثرية) في السياق القرآني في مقام (الذم)، فتدبر ماذا قال الله تعالى عنها:
لا يؤمنون – لا يشكرون – فاسقون – كافرون – لا يعقلون – لا يعلمون – يجهلون – يضلوك عن سبيل الله – معرضون – كارهون للحق!!
«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ»