top of page

سلسلة مقالات بدون عنوان ٢٢

فبراير 1

٥٩ min read

0

1

0

(481) 30/6/2016 (يسألون عن الزكاة)

 عدد المشاهدات : 211

أولا: لا يوجد اتفاق بين علماء السلف، للفرق والمذاهب المختلفة، حول مسائل باب «الزكاة»، وما يظن أتباع فرقة من الفرق أن هناك مسألة عليها إجماع، فهو في حقيقة الأمر إجماع مذهب من مذاهبها الفقهية، ولكنهم لا يعلمون ذلك، لأنهم مقلدون بغير علم!

ثانيا: أفضل وأهم المراجع التي كُتبت في باب «الزكاة»، في المكتبة الإسلامية، هو كتاب «فقه الزكاة» للدكتور يوسف القرضاوي.

ولكن لماذا هذا الكتاب؟!

لأن الكتاب، دراسة علمية أكاديمية مقارنة، حصل صاحبها الدكتور يوسف القرضاوي (بصرف النظر عن توجهه الفكري)، على درجة العالمية «الدكتوراة» من جامعة الأزهر، بتقدير امتياز، عام ١٩٧٣م.

ثالثا: من النتائج التي توصل إليها الدكتور يوسف القرضاوي في دراسته، بعد أن ناقش علميا أدلة الذين يشترطون حولان الحول، أي أن يمر على الملك في ملك المالك اثنا عشر شهراً عربياً، قوله:

«وبهذا البيان يتضح لنا أنه ليس في اشتراط الحول حديث ثابت مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم»، وأن الذين اشترطوا الحول في الزكاة استندوا إلى روايات ضعيفة، وإلى آراء لأئمة الحديث تقوي هذا الضعف!

لقد بدأت الحديث عن موضوع «الزكاة» بهذه المقدمة، حتى أقطع الطريق على «المذهبيين»، في الاستدلال بأي رأي فقهي يتعلق بهذا الباب، وليس لأني أستند في مشروعي الفكري إلى آراء علماء السلف أو الخلف.

ومن منطلق مشروعي الفكري، فإن أول آية ذُكر فيها الإنفاق في سبيل الله، جاءت بالمفهوم العام لكلمة «الإنفاق»، وهي الآية «٣» من سورة البقرة، وقوله تعالى في سياق بيان صفات «المتقين»:

« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»

أولا: كلمة «مما» هي «من ما»، ومن للتبعيض، أي أن المُنفِق لا ينفق ماله كله في سبيل الله، وإنما ينفق جزءا منه.

ثانيا: أن الجزء المُنفَق، يكون من كل رزق يحصل عليه المسلم، سواء كان هذا الرزق من تجارة، أو وظيفة، أو مهنة، أو من الزروع، أو من الركاز، وهي ما في باطن الأرض من معادن، وذلك لقوله تعالى: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»، وقوله تعالى:

«وَأَنْفِقُوا ( مِنْ ما رَزَقْناكُمْ ) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ (فَأَصَّدَّقَ) وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ»

ومما يؤكد هذا الفهم، قوله تعالى:

« وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ، كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»

«وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»: أي عندما يصبح الرزق المعد للادخار أو البيع حقيقة ملموسة في واقع حياة المنفق.

ثالثا: من عطاءات هذه الجملة: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»، أن الفقير لو رُزق رغيف خبز، يأخذ منه قطعة ويعطيها لفقير آخر، قد يكون أكثر فقرًا، وهي من التوجيهات التي تساعد على تربية النفس وتزكيتها.

مع أننا نعلم أن الفقراء، و«المساكين»، غير القادرين على الحصول على لقمة العيش، هم أصلا من المصارف التي تستحق الإنفاق.

رابعا: يفصل المسلم الأموال المستقطعة من الرزق الذي حصل عليه، ويحتفظ بها لحين إنفاقها في مصارفها المختلفة، وهذا الوعاء الذي فيه هذه الأموال المستقطعة، يُسمى:

١- وعاء الزكاة: إذا نظرنا إليه بمفهوم التزكية والنماء والتطهير لأصل الرزق الذي حصل عليه المسلم.

* « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ( تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، وَاللَّهُ سَمِيعٌعَلِيمٌ»

* «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى»

٢- وعاء الصدقات: إذا نظرنا إليه من زاوية أصل كلمة «الصدقة» ومادتها، وهي «الصدق»، حيث يتلازم ما في قلب المسلم، مع قوله، مع فعله.

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ…»

* «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ»

* «إِنَّمَا (الصَّدَقَاتُ) لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ( فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ )، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»

وسواء سُمي المال المستقطع بالزكاة، أو بالصدقات، فإن المقصود أن يكون المُنفق لهذا المال، على الفهم الواعي للمفاهيم السابق ذكرها في الوعائين.

هنا نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في باب مصادر «الزكاة»، أو «الصدقات»، نأتي بعد ذلك للحديث عن مصارف «الزكاة – الصدقات»، وهي تنقسم إلى قسمين:

١- حق معلوم: يعلمه الناس جميعا، لقوله تعالى:

« وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ ( حَقٌّ مَّعْلُومٌ ) . لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»

والذي يحدد هذا الحق هو ولي الأمر المسؤول عن جمع أموال «الزكاة».

لذلك ترك الله تعالى «الحق المعلوم» دون تحديد نسبته، لاختلاف وتطور مستوى معيشة الفرد، واختلاف حد كفاية الفرد باختلاف الأحوال والعصور، وإحلال النقود الورقية محل الدينار الذهبي والدرهم الفضي، والتلاعب بالغطاء الذهبي للأموال، واختلاف قيم الأشياء وتطورها، واستحداث صنوف جديدة من الأموال لم تكن معروفة في عصر التنزيل.

لذلك فإن الذي يحدد «الحق المعلوم»، المفروض على كل رزق يحصل عليه المسلم، مؤسسة عالمية تضم خبراء من كافة التخصصات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، تضع الأسس والمعايير التي تحكم سعر الزكاة وأوعيتها ومصارفها، لمختلف بلدان العالم، برؤية شاملة فاحصة للمتغيرات المعاصرة، وما استحدث من أموال لم تكن معروفة من قبل، على أن تتغير المعايير مع مقتضيات كل عصر.

وبما أن هذه المؤسسة غير موجودة، يصبح على المسلم أن يحدد هذا «الحق المعلوم» الواجب استقطاعه، حسب طبيعة وحجم الرزق الذي يحصل عليه، فكل إنسان أعلم بحاله، بشرط ألا يغيب عنه مفهوم «الزكاة» ومفهوم «الصدقة» السابق بيانهما، وأن يتدبر قوله تعالى:

«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ، (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

أما عن قوله تعالى:

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ، فَأَنَّ لِلَّهِ (خُمُسَهُ) وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ..»

فالسياق الذي وردت فيه هذه الآية، وسياقات آيات أخرى، تؤكد أن هذه النسبة خاصة بما يغنمه المسلمون في الحرب.

٢- حق تطوعي: يُلزم به المسلم نفسه حسب ما تيسر معه من فائض مالي بعد إخراج الحق المعلوم، يقول الله تعالى:

« وَفِي أَمْوَالِهِمْ (حَقٌّ) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»

وهذ الحق هو «العفو» الذي ذكره الله في قوله:

« وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ (الْعَفْوَ) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ»

هو «الخير» الذي ذكره الله في قوله:

« يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ، قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ (خَيْرٍ) فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ»

وبذلك نكون قد وقفنا على القواعد الرئيسية التي يقوم عليها باب «الزكاة» في الشريعة القرآنية»، وأهم قاعدة هي «وعاء الإنفاق» الذي يجب أن يوجد في بيت كل مسلم، والذي يُنفق منه على المصارف التي حددتها الآيات، سواء كان ذلك في المناسبات، كعيد الفطر، أو في غيرها، بالقدرالذي يتناسب ما يحصل عليه من رزق، وبالشروط السابق ذكرها.

وأخيرًا:

فإن أحكام «الشريعة القرآنية»، لن تجد لها فاعلية حقيقية، ولا يسر في تطبيقها، ولا التزام الصغير بها قبل الكبير..، إلا في مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، لأن الله تعالى يقول:

« وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )، يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ، إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

أما مجتمع «النفاق والعمل الطالح»، فهؤلاء يقول الله تعالى عنهم:

«وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى، وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ»

ويقول الله تعالى:

« الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ، يَاًمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ، ( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ )، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ، إنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ»

محمد السعيد مشتهري




(482) 3/7/2016 (تعالوا نتعلم كيف يكون الحوار العلمي)

 عدد المشاهدات : 240

أولا: هناك في علم «السياق القرآني»، ما يُسمى:

١- «السياق الخبري»: وفيه يخبرنا الله بأشياء، لمجرد العلم بها، كالقصص، والإسراء، وليلة القدر…، لنقف على الحكم والمقاصد العليا من إخبارنا بها، كدلائل الوحدانية، والسنن الكونية، وفاعلية أسمائه الحسنى.

٢- «السياق التشريعي»: وفيه يأمرنا الله بفعل أشياء، وينهانا عن أشياء، وهذه الأوامر والنواهي، هي أحكام الشريعة الإلهية، التي يحرم على من أسلم مخالفتها.

فإذا كان المسلم يقرأ القرآن يوميا، ثم جاء شهر رمضان، وتوقف عند قوله تعالى:

« شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»، أو عند قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ»، أو عند قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»

ومكث أمام الآية ساعات، يُفكر، ويبكي، ويصلي، ويدعو…، فهو حر، لا يستطيع أحد أن يُحرّم عليه هذا.

أما أن يُحوّل «السياق الخبري» إلى «سياق تشريعي»، ويصبح عليه التزام بالتماس ليلة القدر في أيام معينة من شهر رمضان، بدعوى أن رسول الله أمر المسلمين بذلك، هنا علينا أن نتوقف تماما عن استكمال الحوار، لماذا؟!

لأننا أصبحنا أمام مشكلة «منهجية»، يجب على أطراف الحوار حسمها أولا، وهي ما يُعرف بـ «الحُجّيات»:

١- فهل من حق «الرسول» أن يُشرّع بغير ما أنزل الله؟!

٢- وهل «المرويات» التي نسبها الرواة إلى رسول الله، من نصوص « الوحي الإلهي » الذي أنزله الله على رسوله؟!

٣- وهل نصوص « الوحي الإلهي »، يمكن أن يخترقها الرواة، ثم يأتي جهابذة علم الحديث، لفصل الوحي الصحيح عن الضعيف؟!

٤- هل يمكن أن يبقى المسلم على إسلامه، وهو يؤمن أن « الوحي الإلهي » المنزل منه الصحيح والضعيف والموضوع؟!

هذا هو أول الطريق، نحو حوار علمي هادئ، بعيدا عن العشوائية والجدل العقيم، أن تجيب على هذه الأسئلة، فما جدوى أن يقوم الحوار بين طرفين في الفروع، وهما مختلفان في الأصول؟!

فإذا ذهبنا إلى محمد مشتهري، لمن أراد الحوار معه، فهو لا يؤمن مطلقا بحجية مرويات الفرق والمذاهب العقدية والتشريعية المختلفة، حتى وإن وافقت القرآن!!

فما الذي يدعوني إلى الاقتراب من مصدر تشريعي آتاه الباطل من بين يديه ومن خلفه، لأستقي منه أحكام الشريعة، حتى ولو وافق بعضها القرآن؟!

إن «مرصد الأزهر»، هو أعلى مؤسسة دينية علمية، تم تأسيسها للرد على الشبهات التي توجه إلى الإسلام.

لذلك، وحتى لا نُضيّع الوقت في جدل عقيم، أرجو من الذين يريدون الحوار معي حول حجية هذا المصدر الثاني للتشريع، أن يطّلعوا أولا على المقالات الخمسة، التي قمت فيها بالرد على علماء «مرصد الأزهر». عندما اتهموني بإنكار «سنتهم المذهبية».

والمقالات منشورة على الصفحة، بداية بالمقال بتاريخ «٢٠ – ٤ – ٢٠١٦»، بعنوان: «عندما يدعي علماء مرصد الأزهر أنهم الأمة الإسلامية».

ثانيا: عندما يتفق أطراف الحوار على مسائل تتعلق بموضوع الحوار، لا يصح أن يخرج أحدهم ويعيد ويكرر ما هو متفق عليه!!

مثال: لقد ذكرت في المنشور السابق أن ليلة القدر ليلة مباركة، خير من ألف شهر، ومنطقيا أن تكون مختلفة عن ليالي رمضان، لذلك اختارها الله لبداية إنزال القرآن، فما فائدة أن تأتي تعليقات على المنشور لتُبيّن لي ما ذكرته في المنشور عن فضل هذه الليلة؟!

إن هذه الصفحة، كما قلت أكثر من مرة، مدرسة للتعليم والتعلم، وأنا أول المتعلمين، وعندما يكون أتباع الفرق والمذاهب المختلفة يمثلون الأمة الإسلامية، (من الناحية النظرية طبعا)، وأوجه الخطاب إليهم وأقول: «فانشغل المسلمون بالليلة، ولم يقوموا بتفعيل القرآن…» فإن التعميم هنا (المسلمون) جاء باعتبار الغالبية العظمى، لأنه لا يصح أن نقول «بعض المسلمين» كما ظن البعض!!

ثالثا: عندما ذكرت في ختام المنشور قوله تعالى في سورة الفرقان «الآية ٣٠»:

« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً »

كان ذلك باعتبار أن الذي سيقرأ هذه الآية سيرجع إلى سياقها، ليعلم أنه يتحدث عن «سبيل الرسول»، وأنه «الذكر»، وهو «القرآن»، وأن الظالمين المشركين هم الذين لم يتبعوا «سبيل الرسول»، وهم «المجرمون» أعداء النبي.

والسياق يبدأ بقوله تعالى «الآية ٢٧»:

« وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً »

« يَا وَيْلَتا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً »

« لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ ( الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً »

ثم قال تعالى:

« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا (هَذَا الْقُرْآنَ) مَهْجُوراً »

« وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ (الْمُجْرِمِينَ) وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً »

إن «المجرمين»، أعداء النبي، هم الذين «اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»، ومعنى «اتَّخَذُوا» أي حملوه، وتدبروا آياته، ثم هجروه ولم يعملوا به، كقوله تعالى: « الَّذِينَ (اتَّخَذُوا) دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا »، أي حملوا الدين، ثم اتخذوه لهوا ولعبا.

فهل حَمَلَ المشركون والكافرون القرآن، ثم اتخذوه مهجورا، وهم الذين كانوا يقولون: «لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»؟! ما علاقتهم هم بالقرآن، حتى يتخذوه ثم يهجروه؟!

إن العبرة في سياق الآية «٣٠» بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وموضوع اللفظ هنا هو «هجر القرآن»: « إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً »

فلنفترض أن الله تعالى بعث رسوله اليوم، فهل هناك مسلم عاقل يشك في أنه سيقول لربه: «إِن (المسلمين) اتخذوا هذا القرن مهجورا»

أين هو القرآن، وأين هي فاعليته بين المسلمين، وماذا فعلت تلاوتهم له قرونا من الزمان؟!

محمد السعيد مشتهري



(483) 5/7/2016 (رسالة إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية)

 عدد المشاهدات : 207

أفادت وسائل إعلام سعودية مساء الأمس، الإثنين «٤ – ٧- ٢٠١٦» بمقتل ٤ رجال أمن، وإصابة ٤ بجروح بالغة، في تفجير انتحاري قرب الحرم النبوي، كما أفادت بحدوث انفجارات في مناطق أخرى بالسعودية.

سأبدأ من حيث انتهى رئيس الجمهورية، السيد عبد الفتاح السيسي، في خطابه إلى شيخ الأزهر وعلمائه، بمناسبة الاحتفال بليلة القدر، لعام «٢٠١٦م»، حيث قال:

«أنا خايف إن التطرف والغلو إلي احنا إلى الآن لم نجد سبيل حقيقي لمواجهته، وشوفوا خريطة التطرف الموجودة في العالم، وحجم الأعمال التي تتم، وشوفوا تأثيرها على سمعة دينكم، يا ترى أخبارها إيه؟ كل يوم لنا حكاية، قتل وتخريب وتدمير»

نعم، وها هو التخريب والتدمير يصل إلى حرم المسجد النبوي، فهل الذين يفعلون ذلك «مسلمون»؟!

إن مؤسسة الأزهر، بهيئة كبار علمائها، الذين خاطبتهم سيادتكم، يَروْن أن الذين يُخرّبون ويُدمّرون «مسلمون»، وأن أعضاء تنظيم «داعش» «مسلمون»، يحرم تكفيرهم جميعًا، حتى وإن ارتكبوا فظائع الدنيا كلها.

لقد جاء ذلك في اللقاء المفتوح الذي عُقد بجامعة القاهرة، في الأول من ديسمبر عام «٢٠١٥م»، في سياق إجابة فضيلة شيخ الأزهر على سؤال عن حكم تكفير «داعش»، وقد قمت بالرد على ذلك في مقال لي بعنوان: «عندما يصبح الكافر مؤمنا حسب هوى المذهب»، موجود على الرابط (١) في نهاية المنشور.

ثم قلت سيادتكم:

«الغلو والتطرف يحتاج منا جميعا أن نقف أمامه ونتصدى له، دون أن نخاف أن نُضيّع بهذا التصدي الدين، لأنني أتصور إن إلي احنا فيه ضيع من الدين الكثير، يعني إذا كنا خايفين نتكلم ونتصدى بقوة وبكل وضوح كده، ففي العالم كله، شكل المسلمين وسمعة المسلمين ومكانة المسلمين، ولسنين طويلة قادمة، تأثرت بشدة».

وها أنا في هذا المنشور، سأتصدى علميًا بكل قوة، لأزمة «التخاصم والتكفير» بين المسلمين، كما تصديت لها خلال ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، هذه الأزمة التي تقوم المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية للفرق والمذاهب المختلفة برعايتها، والتي هي وراء كل ما يحدث من تخريب لعقول المسلمين وديارهم، وسفك دماء الناس بغير حق.

لقد قلت سيادتكم لفضيلة الإمام شيخ الأزهر: «يا فضيلة الإمام الأوائل والأخيار تصدوا وقالوا إن فيه «٦٠٠ ألف» حديث كاذب، فتصدوا لها ولم يخافوا، ولم يقولوا إن ده يمس كلام النبي..»

وأنا أقول لسيادتكم: إن الأزمة الحقيقية بدأت قبل تدوين هذه الأحاديث بكثير.

لقد بدأت الأزمة الحقيقية عندما اخترقت «الإسرائليات» الشريعة الإسلامية بعد وفاة النبي، بأحكام شريعة ما أنزل الله بها من سلطان، حملها رواة الفرق والمذاهب المختلفة إلى عصر التدوين، واعتبرها أئمة السلف «مصدرًا ثانيًا للتشريع»!!

لقد أباح هذا «المصدر الثاني للتشريع» للمسلمين، أن يسفكوا الدماء بغير حق، بروايات باطلة، وبفتاوى تجعل هذه الروايات حاكمة على فهم النص القرآني، وأهم هذه الروايات وأخطرها، تلك التي حملت عقوبة «الرجم».

أولا: عقوبة «الرجم»

لقد عرف اليهود أن الشريعة الإسلامية جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولتقيم الشهادة على الناس جميعا، فأرادوا ألا تقوم لهذه الشريعة قائمة، فدسوا فيها، بعد وفاة النبي، كثيرا من معتقداتهم المحرفة، ومنها عقوبة «الرجم»، لتصبح الشريعة الإسلامية شريعة دموية.

لقد حذر الله المؤمنين من اتباع معتقدات أهل الكتب السابقة، فقال تعالى في سورة آل عمران:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ . وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

ويخرج علينا أئمة الخلف، كما خرج أئمة السلف، ويبتعدون بهذه الآية عن مقاصدها، ويقولون:

إن قول الله تعالى: « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ »، دليل على أن مرجعية الشريعة الإسلامية هي «كتاب الله»، و«سُنة رسوله»

فإذا ذهبنا إلى هذه «السُنة»، وجدناها مرويات «مذهبية»، أطلق عليها أئمة السلف «المصدر الثاني للتشريع» لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم.

والغريب، أن هذه المرويات «المذهبية»، إن صحت عند فرقة لم تصح عند أخرى، وإن صحت عند مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة لم تصح عند آخر من نفس الفرقة، وإن صحت عند مدرسة من مدارس الجرح والتعديل لم تصح عند أخرى!!

لقد جعل أئمة السلف والخلف، «المرويات الظنية الثبوت عن الرسول، والتي لم يكن رسول الله يعلم عن صحيحها ولا ضعيفها شيئًا، لأنها دُوّنت بعد وفاته بقرنين من الزمان، جعلوها تقوم مقام الرسول نفسه، « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ».

إن قوله تعالى: « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ »، يخاطب الذين كان الرسول «فيهم» قبل وفاته، ثم تخاطب الذين حملوا «رسالته» بعد وفاته، فما علاقة «مرويات» الفرق والمذاهب الإسلامية بشخص «الرسول»؟!

لقد كانت بداية اختراق «الشريعة القرآنية» إيجاد مصدر تشريعي يحمل مرويات تُنسب إلى رسول الله، بدعوى أنها «سنته النبوية»، على أن يكون من خصائص هذه «المرويات»، أن تحمل الصحيح والحسن والضعيف والموضوع..، ليظل باب «الحلال والحرام» مفتوحًا دائما على مصراعيه!!

لقد ظل باب «الحلال والحرام» مفتوحًا على مصراعيه، يدخل منه من يريد أن يقول: «هذا حلال»، ومن يريد أن يقول «هذا حرام»، والله تعالى يقول:

«وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»

وإن عقوبة «الرجم»، من هذه الأحكام المفتراة على الله ورسوله، والتي اخترقت «الشريعة القرآنية»، من هذا الباب المفتوح على مصراعيه!!

لذلك، أنكر الإمام الشيخ محمد أبو زهرة «شريعة الرجم»، واعتبرها شريعة يهودية، والموضوع مُفصل في مقال لي بعنوان: «عندما يكون الرجم شريعة يهودية، لبست ثوب السنة النبوية»، موجود على الرابط «٢».

ويرجع موقفي من عقوبة «الرجم» إلى عام «١٩٧٢م»، وقت أن كنت داعياً سلفيا، أحمل لطلاب الكليات والمعاهد العليا ثقافة التكفير والتخاصم المذهبي، ثم عندما أباح الشيخ أبو زهرة عن موقفه الشرعي من عقوبة الرجم، ناقشت والدي الشيخ عبد اللطيف مشتهري في ما قاله الشيخ أبو زهرة.

لقد أكد لي فضيلة الشيخ مشتهري، أن كثيرا من علماء الأزهر يؤمنون بما آمن به الشيخ أبو زهرة، ولكنهم يخشون الفتنة إذا أباحوا به، كما يخشون اتهامهم بـ «إنكار السنة».

ويأتي رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الدكتور يوسف القرضاوي، ويُعبر عن تأييده لأبي زهرة، مؤكدا على أن الرجم شريعة يهودية، وليست من الشريعة الإسلامية، وذلك في برنامج «مراجعات» الذي تبثه قناة «الحوار» الفضائية، والحوار موجود على الرابط (٣).

ثم يأتي الدكتور أسامة الأزهري، المستشار الديني لرئاسة الجمهورية، في حواره مع الأستاذ خيري رمضان، ويمسك العصا من المنتصف، فيُقر بأن عقوبة «الرجم» من الشريعة الإسلامية، وأنها وردت في «حديث صحيح»، إلا أن شروط تحققها تكاد تكون مستحيلة، لأن الشرع جاء بها بصورة شبه افتراضية، ولا تكاد تقع في عدة قرون، والحوار موجود على الرابط (٤).

والسؤال: إذا أصبح الدكتور أسامة الأزهري مفتيا للديار المصرية، وتحققت شروط تنفيذ العقوبة، فهل سينفذها، استنادًا إلى أنها من أحكام الشريعة التي وردت في الحديث الصحيح؟!

الجواب: نعم سيفتي بتنفيذها، وإلا كان عاصيًا لله ورسوله، حسب ما يؤمن به!!

فكيف يُحل سفك الدماء بروايات ظنية الثبوت عن رسول الله، ويعطي ظهره لحكم قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، عن الله عز وجل؟!

ما الفرق بين سفك الدماء بغير حق، بعقوبة «الرجم»، وسفكها بحزام «ناسف»، إذا كانت المرجعية الدينية التشريعية واحدة، وهي «المصدر الثاني للتشريع»، هذا الباب المفتوح على مصراعيه، لتدخل منه مرويات أحكام الحلال والحرام، التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!

سيقولون: إن هذا «المصدر الثاني للتشريع» هو الذي تعلم المسلمون من خلاله كيفية أداء العبادات..، والحقيقة أنهم يريدون بذلك إيجاد شرعية لمصدر مفترى على الله ورسوله، وقد بيّنت ذلك في مقال لي بعنوان: «عندما تكون الصلاة حجة من يسفكون الدماء بغير حق»، موجود على الرابط (٥).

ثانيا: استحلال دماء المسلمين في «الفتن الكبرى»

إن الذي منع فضيلة شيخ الأزهر من تكفير داعش، هو مذهبه «الأشعري» الذي يتدين به معظم علماء الأزهر، والذي يقوم على أن الذي يُقر بأصول الإيمان لا يمكن تكفيره، ولو ارتكب فظائع الدنيا كلها، كما ذكر ذلك في اللقاء المفتوح الذي أشرت إليه سابقا.

إن القضية ليست في تكفير أو عدم تكفير المسلمين، وإنما في ماذا قال الله تعالى عن المفسدين في الأرض، الذين «يُصرّون على ارتكاب الكبائر» ليل نهار، بل ويستحلّونها لتصبح شريعتهم التي يُعرفون بها؟!

لقد كانت مسألة بقاء المسلم على إيمانه، مع ارتكابه فظائع الدنيا كلها، هي المخرج الوحيد، لبقاء الذين اشتركوا في أحداث «الفتن الكبرى» على إيمانهم، مع سفكهم الدماء بصورة بشعة لم تتكرر في تاريخ الإسلام السياسي، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن من صحابة رسول الله من اشتركوا في هذه الأحداث!!

لقد ذهبوا إلى آية في كتاب الله، لا علاقة لها مطلقا بما ذهبوا إليه، وإنما وجدوا أنها تصلح عن طريق تأويلاتهم المذهبية، أن تكون هي طوق النجاة لإخراج الذين اشتركوا في أحداث «الفتن الكبرى» من عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وهذه الآية هي:

«وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»

ولقد قمت بالرد على هذه التأويلات المذهبية، في مقال بعنوان: «عند السلفيين، اقتل أخاك المسلم وادخل الجنة»، وهو موجود على الرابط (٦).

سيادة الرئيس

إن الذين يُفسدون في الأرض، مع سبق الإصرار والترصد، بالتخريب والتدمير والتفجيرات الانتحارية، لا يستندون إلى كتاب الله، وإنما إلى «المصدر الثاني للتشريع» الذي تحميه وتدافع عنه المؤسسات الدينية الرسمية على مستوى جميع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة.

إن ما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة إليكم، أنكم تحاولون أكثر من مرة، بمناسبة الاحتفال بليلة القدر، تصحيح مسار المؤسسة الدينية، بعد محنة مرت بها البلاد، ولولا لطف الله ورحمته بهذا الشعب، لأصبحنا مثل البلاد التي ضاعت ولم تعد مرة أخرى، فأردت أن أبيّن لماذا يجب أن نتصدى بقوة للمفسدين في الأرض، وكيف السبيل إلى ذلك.

والسبيل إلى ذلك حسب ما أرى:

وجود هيئة علمية من التخصصات العلمية المختلفة، لا تنتمي عقديا إلى أي فرقة من الفرق الإسلامية، تعكف على دراسة وتدبر كتاب الله، لوضع قاعدة لفقه قرآني متجدد يتلائم مع مقتضيات وتحديات كل عصر.

وأقصد بكلمة «الفقه»، استنباط أحكام الشريعة، على الأصول والقواعد القرآنية، وهو ما أمر الله به أتباع الرسل على مر الرسالات، حيث يقول تعالى:

«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ، وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ»

«فقه قرآني» يضمن السلامة والنجاح والرقي والتقدم والاستدامة، لأي نظام يقوم عليه في أي عصر، وفي أي مكان، بعيدا عن منظومة «الفقه السلفي».

«فقه قرآني» يعمل به المسلمون جميعًا، وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله، ويطبقون شريعته، ويتبعون رسوله محمدًا، عليه السلام، بعيدا عن مذاهبهم المتخاصمة المتصارعة.

إنه عمل يتعلق بمصير أمة تخلت عن مسئوليتها وشهادتها على الناس، وعن أمر الله لها بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولا نجاة لها إلا إذا تحملت مسئوليتها وتكاتف علماؤها بتخصصاتهم العلمية المختلفة، لإقامة هذه المنظومة القرآنية الفقهية المعاصرة.

محمد السعيد مشتهري

الروابط:١-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/941785162570033:0

٢-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/857209024360981:0

٣- https://www.youtube.com/watch?v=pCTBXt2Q4E0

٤- https://www.youtube.com/watch?v=jb5yx4CBWVU

٥-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/838641182884432:0

٦-https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/901515953263621:0




(484) 10/7/2016 (تعليقات وأسئلة الأصدقاء)

 عدد المشاهدات : 243

١- محمداحمد بارجاء

يقول (ملخص لتعليقاته):

«كتاب الله القران العظيم ليس لعب لمن هب ودب، يجتهد على تأويل آياته وتفسيرها بالظن الذي لايغني من الحق شيئا … بل لهذا الكتاب عالم واحد فقط، اختصه الله وآتاه علم هذا الكتاب كله، تصديقا لقول الله تعالى:

« وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ »

كما أن القرآن من عند الله، كذلك بيانه من عنده وحده لا شريك له، وكما كان يبينه رسول الله لقومه، كذلك بعث الله من يبينه في يوم تأويله في هذا الزمان لكافة العالمين ولغاتهم المختلفة، وهو المذكور في هذه الآية … فمن هو الذي عنده هذا الكتاب كله؟!» انتهى

أقول: بصرف النظر عن المذهب العقدي الذي ينتمي إليه الصديق محمد أحمد، وبصرف النظر عن خلطه بين التأويل والتفسير..، فإن موضوع التعليق لا يصح أصلا.

إن الآية (٤٣) من سورة الرعد، التي استشهد بها، يتحدث سياقها عن تكذيب الكافرين برسالة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، الذين قالوا له: «لَسْتَ مُرْسَلًا».

فمن الذي يشهد على أن النبي الخاتم «مرسل» من ربه؟!

أولا: الله تعالى: « قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ »

ثانيا: علماؤهم، الذين أوتوا الكتاب، ويعلمون أن الله بشر ببعثة النبي الخاتم في كتبهم: « الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ »

إن « مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ »، ليس من أتباع النبي الخاتم محمد، حسب السياق الذي وردت فيه الآية، وإنما من الذين أوتوا الكتاب من قبله، ويعلمون أنه مرسل من ربه، ومع ذلك كفروا به!!

٢- سميح الأسدي

يقول: «الأستاذ محمد مشتهري، لو تسمح لي أسأل خارج السياق: ماهو رأيك بالآراء التي تقول بأن أبونا آدم عليه السلام لم يكن في الجنة التي نعرفها، وإنما القصد هو جنة من جنان الارض؟ ولذلك إبليس لم يدخل الجنة أساسا، وإنما القصة المشهورة حول التفاحة حصلت في الارض. وشكرا» انتهى

أقول: وحسب مشروعي الفكري، فإن للقصص القرآني مقاصد عليا وعبرًا، يجب عدم الانشغال عنها بأحداث القصة نفسها، وما تحمله من إشارت بلاغية قد تأتي لتقريب المعنى للأذهان، لأنها تنقل أحداثا من عالم الغيب، الذي لا نملك أدوات فهمه على حقيقته.

العبرة:

« أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ، أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ »

المقصد:

« قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي (هُدًى) فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ »

ثم بيّن الله تعالى لبني آدم، أن الهدي على مر الرسالات الإلهية، لا يكون إلا في كتاب الله وحده، وأن الكافرين هم الذين يُشركون مع كتاب الله مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، فقال تعالى بعدها:

« وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا (بِآيَاتِنَا) ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »

إننا يجب ألا نلتفت إلى كل ما حمله التراث الديني من أساطير وروايات، فقد وضعوها للطعن في كتاب الله، وليس لبيان آياته.

وللأسف أن الجماعات التي تعتبر أن إمامهم هو من « عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ »، قامت أصلا على روايات مذهبية باطلة، وعلى فهم لآيات الذكر الحكيم من خلال هذه الروايات، ومن ذلك تأويلهم لآية سورة الرعد.

محمد السعيد مشتهري


(485) 13/7/2016 (منهجية المتبوعين والتابعين)

 عدد المشاهدات : 224

أولا: المنهجية المذهبية

١- من شيوخ المفكرين

عاش الأستاذ «جمال البنا» معظم حياته مغمورًا، يؤلف الكتب، ويضعها في المخزن، ولا يبيع منها إلا القليل، وعندما أصدر فتوى «جواز التدخين نهار رمضان»، أصبح نجمًا تتنافس على ظهوره معظم القنوات الفضائية، وباع كل مؤلفاته القديمة والحديثة.

فإذا نظرنا إلى الدائرة الفكرية التي عاش الأستاذ جمال البنا حياته بداخلها، وجدناها دائرة فرقة «أهل السنة والجماعة»، لقد كانت قضيته الأولى والأخيرة هي تنقية تراث الفرقة التي وُلد فيها، واستقى معارفه وثقافته الدينية من مرجعياتها.

لقد كان منهج الأستاذ جمال البنا أن تُضبط «الأحاديث» التي نسبها رواة «أهل السنة» إلى النبي بضوابط القرآن، وتوصل هو وفريق العمل، إلى أن الأحاديث التي «لا تلزم» في الصحيحين «٦٣٥»، وعلى هذا الأساس كتب كتابه «تجريد البخـارى ومسـلم من الأحاديث التى لا تـُـلزِم».

لقد اعتبر الأستاذ جمال البنا أن هذا الكتاب هو أول خطوة منظمة وممنهجة لضبط «السُـنة» بضوابط القرآن، ويقصد طبعا مرويات «السُـنة» من وجهة فرقة «أهل السنة والجماعة»، واعتبر أنه بعمله هذا يكون قد قدم شيئًا يُرضي الله ورسوله، فبدأ الكتاب بإهداء إلى رسول الله: «إليك يا سيدى يا رسول الله»!!

ومع ما وضعه الأستاذ جمال البنا وفريق العمل من منهجية مذهبية لتنقية «أحاديث» الصحيحين، إلا أنهم مع ذلك نسوا استبعاد أحاديث أساءت إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، وخالفت القرآن، ومنها حديث «إرضاع الكبير» الذي ورد في صحيح مسلم، هذا الحديث الذي قامت الدنيا ولم تقعد بسببه.

لقد أصدر رئيس قسم الحديث السابق بجامعة الأزهر، دكتور عزت عطية، فتوى بجواز إرضاع زميلة العمل لزميلها لكي لا تصبح خلوتهما في المكتب غير محرمة، استنادًا إلى حديث «إرضاع الكبير»، الذي لم يستبعده الأستاذ جمال البنا، ومع ذلك حكمت المذاهب السلفية بالردة على جمال البنا، بسبب تفكيره في تنقية مرويات الصحيحين!!

والسؤال: هل دين الله دين مذهبي، يُهدي كل مفكر إسلامي جُهده في تنقية نصوصه، إلى رسول الله؟!

٢- من شباب المفكرين

وإذا نظرنا إلى الدائرة الفكرية التي عاش الأستاذ «إسلام البحيري» حياته بداخلها، وجدناها أيضا دائرة فرقة «أهل السنة والجماعة»، حيث كانت قضيته الأولى والأخيرة، مثل ما فعل جمال البنا، هي تنقية تراث الفرقة التي وُلد فيها، واستقى معارفه وثقافته الدينية من مرجعياتها.

ولم يصبح إسلام البحيري نجمًا إلا بعد أن خصصت له قناة القاهرة والناس برامجا بعنوان: «مع إسلام البحيري»، وعندما تحدث في حلقات هذا البرنامج عن البخاري ومسلم قال:

«احنا ممكن نقول هما أعظم كتابين، لكنه عمل بشري، نستطيع أن ننقد فيه ما ننقد..، هذا لا يعني أنها كتب ضعيفة، بل هي في أعلى علّيين في هذه المسألة، لكن هناك فيها الخاطئ، وهناك الحديث الضعيف، هذا بنص العلماء القدامى والمعاصرين»!!

ثم نقل عن محدث العصر، وتلميذ الشيخ الألباني، الشيخ أبو إسحاق الحويني، مقطعا من فيديو يقول فيه:

«فمعلوم عند العلماء أن أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل هما البخاري ومسلم، ده مش معناه إن البخارى ومسلم مفيش أحاديث فيها أخد ورد، لا فيه أخد ورد»!!

وعندما جلس إسلام البحيري مع الدكتور أسامة الأزهري، والشيخ الجفري في الحوار المشهور (١٧-٤-٢٠١٥)، اعترف في هذا اللقاء أن موطأ مالك أثبت سندا ومتنا من البخاري، وقال:

«أنا لحد الآن رأيي بالمناسبة، إن الموطأ أثبت سندا ومتنا من البخاري.. إلى آخر ما ذكره في الحوار، الذي أقر فيه أنه لا يهدم «الأحاديث» كلها، ولا مذاهب «الفقهاء» كلها، وأنه يؤمن بـ «السنة النبوية»، بعد تنقيتها، طبعا يقصد تنقية مرويات فرقة «أهل السنة والجماعة»!!

إذن فإسلام البحيري، وجمال البنا، وأبو إسحاق الحويني، والأزهري، والجفري، وشحرور، وعدنان الرفاعي، وعدنان إبراهيم، وغيرهم، يُبحرون في مركب واحدة هي مركب «أهل السنة والجماعة»، ويقولون بضرور تنقية تراثها الديني، ولكن لماذا هذه الفرقة بالذات؟!

لأنهم ولدوا فيها، وتربوا علي مائدتها الفكرية!!

ثانيا: المنهجية العلمية

إن المنهجية العلمية، تفرض على الباحث المسلم، أن يعيش داخل الساحة التي انتصر فيها رسول الله على قومه، وأثبت فيها صدق نبوته، وهي ساحة نصوص «الآية القرآنية»، التي لم يستطع الإنس والجن أن يأتوا بمثلها، وليست ساحة مرويات الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، التي ظهرت بعد وفاة النبي بقرون من الزمان!!

إن المنهجية العلمية، تفرض على الباحث المسلم، أن يعيش داخل مفهوم الدين الذي قال الله تعالى عنه:« وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»

فهل اكتمل هذا الدين الإسلامي، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة، أم بعدها؟!

إن ما قدمه شيوخ وشباب المفكرين، السلفيين والقرآنيين والمستنيرين، الذين يُعلنون انتماءاتهم إلى فرقة «أهل السنة والجماعة»، ويعيشون حياتهم الفكرية بين مرجعياتها، سواء بالقبول أو النقد أو النقض..، وما تحمّلوه من إيذاء وابتلاء وتكفير في سبيل تنقية تراث هذه الفرقة، للأسف الشديد لن ينفعهم يوم القيامة!!

منذ ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، وبعد رحلة طويلة من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي اليقيني، وبعد الوقوف على خطورة المذاهب العقدية المختلفة على تفعيل نصوص «الآية القرآنية» في حياة الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور..، أستطيع أن أعلنها بكل صراحة، وبعيدا عن «الشخصنة»، وأقول:

إنني، وعلى حد علمي حتى تاريخه، لم أر رؤية علمية متكاملة، تحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني، تأخذ بأيدي المسلمين إلى الإسلام الذي كان عليه النبي الخاتم، قبل ظهور الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، غير مشروعي الفكري، الذي سميته «نحو إسلام الرسول»، والذي يقوم علي الفهم الواعي:

أولا: لقول الله تعالى في سورة الأعراف:

« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »

تدبر قوله تعالى: « أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ »

وأرى، من خلال مشروعي الفكري، أن أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، إذا ماتوا ولم يخلعوا ثوب «الآبائية» المذهبية الضالة المضلة، ماتوا «مشركين»، في ضوء هذا الميثاق، ومازالت الفرصة متاحة أمامهم: « وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »!!

ثانيا: لقول الله تعالى في سورة الروم:

« بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »

وأرى، من خلال مشروعي الفكري، أن أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، إذا ماتوا ولم يخلعوا ثوب «الفُرقة والمذهبية»، ماتوا «مشركين»، في ضوء هذه الآيات، ومازالت الفرصة متاحة أمامهم:

« وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »

وأرى أن هناك من أصحاب الحسابات المذهبية، من بدؤوا يتحررون من مذهبيتهم، ويعلنون ذلك صراحة على صفحاتهم، ولكن الغريب، اللافت للنظر، أن نجد التابعين، المعجبين، المقلدين لهم بغير علم، يُعلنون في تعليقاتهم طاعتهم وانقيادهم إلى شيخهم بغير علم!!

وكنت أتمنى، ممن تابوا وأنابوا، وعرفوا الطريق إلى صراط ربهم المستقيم، أن يضعوا أيديهم في يد من بدأ رحلته الفكرية، «نحو إسلام الرسول»، في أوائل الثمانينيات، ونعمل سويا في سبيل إنقاذ المسلمين من فتنة الآبائية، وضلال المذهبية، قبل أن يموتوا «مشركين»، ولكن يبدو أن مرض «البغي» ما زال يمسك بالقلوب:

« وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ »

محمد السعيد مشتهري



(486) 16/7/2016 (عندما يكون «المتبوع» مُفتيًا، و«التابع» جاهلاً)

 عدد المشاهدات : 230

في «٢٢-٦- ٢٠١٦» كتبت منشورا بعنوان: «مازال هناك من يحاول تشغيل الاسطوانة (المكسورة) دون جدوى»، بيّنت فيه تهافت الردود التي صدرت عن المؤسسات الدينية للفرق والمذاهب المختلفة، دفاعًا عن مصادرها الثانية للتشريع، التي حملت مرويات «السنة المذهبية» التي نسبها رواة كل فرقة إلى رسول الله، والتي إن صحت عند فرقة، لم تصح عند أخرى.

ولقد سألني بعض الأصدقاء، لماذا قلت إن «الاسطوانة مكسورة» ولم تقل إنها «مشروخة»، كما هو مشهور ومعروف؟!

والجواب له قصة:

أولا: في أوائل الثمانينيات، وبعد رحلة علمية بين علماء الفرق الإسلامية المختلفة، قمت بتسجيل ما توصلت إليه من نتائج، حول أزمة «التخاصم والتكفير» التي تشربتها قلوب علماء الفرق الإسلامية، في دراسة سميتها «نحو تأصيل الخطاب الديني»، وكنت من فترة إلى أخرى، أنشر بعض موضوعاتها في مقالات، وأعقد لها بعض الندوات، الأمر الذي أثار غضب علماء الأزهر.

ولكن لماذا؟!

لقد كان والدي، الشيخ عبد اللطيف مشتهري، يعمل مديرا عامًا للوعظ بالأزهر، وإمامًا لأهل السنة والجماعة، ورئيىسًا عاما للجمعيات الشرعية، فكيف يُنكر ابن إمام أهل السنة، «السنة النبوية»؟!

لقد زاد منصب والدي الديني من «محنة الفتنة، ومنحة الابتلاء»، وفي هذا السياق كتب الإعلامي سليم عزوز، على موقع د. أحمد صبحي منصور، «السبت ٣٠ يونيو ٢٠٠٧»، مقالا بعنوان « حكايتي مع مزدري الأديان »، فقال عن زيارة قمت بها للدكتور أحمد في بيته:

«وكان معنا عالم آخر هو الدكتور محمد سعيد مشتهري، ابن إمام أهل السنة الشيخ عبد اللطيف مشتهري، الذي كان مع صبحي منصور علي الخط، لكنه كان يتقدم خطوة ويتأخر أخري احتراما لموقع والده الديني، تناولنا إفطارنا، فقد كانا صائمين أيضا، وصلينا المغرب جماعة، وأَمَّنَا الدكتور مشتهري، الذي كان ضمن ثلة من أساتذة الجامعات المعارضين، الذين فصلهم الرئيس السادات في أواخر أيامه».

ثانيا: لقد اقتضى منصب والدي عقد مناظرات مع علماء الأزهر، لأبيّن لهم أن مشروعي الفكري لا يخاطب علماء فرقة بعينها، وإنما يخاطب علماء الفرق الإسلامية مجتمعين.

ومع تكرار هذه المناظرات، مع علماء الفرق المختلفة، لاحظت أن التوظيف المذهبي للآيات القرآنية التي تحدثت عن وجوب طاعة الرسول والتحذير من مخالفة أمره، جاء توظيفًا واحدًا، وكأنها «اسطوانة» يتكرر إذاعتها في كل مناظرة!!

لقد ضاق صدري، وأنا أستمع في كل مناظرة إلى نفس «الاسطوانة المشروخة»، وأرى سهام التكفير والردة توجه نحوي، ولا يملك علماء الفرق المختلفة غير هذه البضاعة المتهافتة، فقلت لهم: « يعني هوه مفيش عندكم اسطوانة تانية غير هذه الاسطوانة المشروخة »؟!

لقد قررت بعدها ألا أعقد مناظرة مع علماء أي فرقة، ولذلك عندما صادرت مؤسسة الأزهر هذه الدراسة، «نحو تأصيل الخطاب الديني»، وسُجنت بسبب هذه المصادرة، وطلبت مني هيئة التحقيق الموافقة على عقد مناظرة مع هيئة من كبار علماء الأزهر لمناقشتي في هذه الدارسة، فهل وافقت؟!سنرى بعد قليل.

ثالثا: لقد كان الشيخ محمد الغزالي، من علماء أهل السنة الذين حاورتهم حول موضوعات هذه الدراسة، وحول ما حملته من ردود علمية على شبهات هذه «الاسطوانة المشروخة»، التي قامت على التوظيف الباطل للآيات القرآنية.

لقد حكمت بعض المذاهب السلفية على الشيخ الغزالي بالردة والكفر، بعد أن نشر عام «١٩٨٩م» كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، فذهبت إلى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، «د. عبد الله المشد»، وأعطيته نسخة من هذه الدراسة، لعرضها على لجنة الفتوى ومناقشتها.

لقد طلبت من لجنة الفتوى وضع حد للفتاوى التكفيرية التي يرفعها علماء كل فرقة في وجه المخالفين لهم، وذلك في ضوء الدراسة التي قدمتها لهم، وأن يجيبوا على هذا السؤال:

«ما حكم من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، هل يعد كافراً؟!»

وبعد حوارات ومداولات، جاء رد لجنة الفتوى، في «١- ٢ -١٩٩٠م» على النحو التالي:

«من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر لشيء اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، فلا يعد كافراً».

ولقد قمت بتقديم هذه الفتوى إلى الشيخ محمد الغزالي، فقام بدوره بنشرها في أول كتاب صدر له، بعد غمزه ولمزه وتكفيره، وهو كتاب «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، الفصل التاسع، على هامش السنة».

رابعا: لقد قدمت إلى هيئة التحقيق، أصل هذه الفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر، هذا الأصل الذي لا يملكه أحد غيري، والمختوم كما يقولون بـ «ختم النسر»، والذي يُبيّن لأهل البصيرة، أنه ما كان لهيئة دينية مذهبية، أن تصدر مثل هذه الفتوى، إلا إذا وجدت نفسها أمام دراسة علمية جادة، استلمتها بصورة رسمية، وكان عليها أن تقوم بالرد عليها رسميا.

من أجل ذلك، رفضت مناظرة هيئة من كبار علماء الأزهر، وطلبت من هيئة التحقيق الاطلاع بنفسها على موضوعات الدراسة، وعلى هذه الفتوى، فإذا تبيّن لها أني لا أخاطب فرقة «أهل السنة»، وإنما أخاطب علماء الفرق المختلفة، فعليها أن تعقد هذه المناظرة مع هيئة من كبار علماء هذه الفرق مجتمعين.

لقد عجزت هيئة التحقيق عن عقد هذه المناظرة، فهل يُعقل أن يجلس علماء الفرق المختلفة على مائدة واحدة، لأناقشهم في أصول مذاهبهم العقدية المختلفة، وما حملته «الاسطوانة المشروخة» من شبهات متهافتة، دون أن يحدث بينهم صدام فكري، بسبب «أزمة التخاصم والتكفير»، وقد يتطور إلى صدام دموي؟!

لقد انكسرت «الاسطوانة المشروخة»، وأفرجت هيئة التحقيق عني!!

ولكن مازال هناك «صِبية» من المذهبيين، كانوا حتى الأمس لا يعرفون الفرق بين الآية والرواية، يذهبون إلى المؤسسات الدينية الرسمية التي ينتمون إليها، يسألونهم عن حكم « منكري السُنة »، ثم يرسلون لي فتاوى تكفيري وردّتي!!

ومن أجل هؤلاء «الصِبية» كتبت هذا المنشور، ليعلموا من هو «محمد مشتهري»، وأنهم ومؤسساتهم الدينية المذهبية، (إذا ماتوا على حالهم هذا من التفرق) ماتوا مشركين، وسيتبرأ منهم رسول الله محمد يوم القيامة، ويقول لهم:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»، ألم يحذركم الله من التفرق في الدين، وبيّن أنكم (إذا متم على حالكم هذا) متم «مشركين»؟!

ألم تسمعوا قول الله تعالى يخاطبني والذين آمنوا معي:

« فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

أيها «المذهبيون»: يعني لا عايزين تفهموا هذه الحقيقة القرآنية، التي هي أصل من أصول الإيمان، والتي تبيّن أن التفرق في الدين شرك بالله، ولا عايزين تفهموا «إن الي اختشوا ماتوا»، وأن الاسطوانة المشروخة «انكسرت» خلاص، فماذا أقول غير:

«لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي»

محمد السعيد مشتهري



(487) 17/7/2016 (تعليقات وأسئلة الأصدقاء)

 عدد المشاهدات : 243

Jamal Abdulrahmanتعليقا على مقال: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، المنشور على هذه الصفحة بتاريخ «٢٣ مايو ٢٠١٦»، يقول الصديق جمال عبد الرحمن:

«رب العالمين سبحانه وتعالى أمرنا ( نحن أمة محمد) أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل وجميع الكتب السابقة، لكنه تعالى لم يأمرنا بإتباع الرسل والكتب السابقة بل أمرنا بإتباع القرآن ورسولنا محمد ..»

أولا: إن الكتاب الإلهي الخاتم، القرآن الكريم، رسالة عالمية وليست قومية، أمر الله الناس جميعًا الإيمان بها وبالنبي الذي حملها، والعمل بما جاءت به.

والإشكال في عدم فهم هذه الحقيقة القرآنية سببه الفهم الخاطئ لـ «مفهوم الإيمان»، والفصل بين «الإيمان» و«العمل»، كما هو مذهب الأشعرية وداعش، الأمر الذي جعل شيخ الأزهر لا يستطيع تكفير داعش لأنهم «مؤمنون»، ولو ارتكبوا كبائر وفظائع الدنيا كلها!!

والغريب أن نجد أصحاب القراءات العصرية، الذين يدّعون «الاستنارة»، يتفقون مع السلفية الأشعرية والداعشية، في أن مجرد «الإيمان» بالله ورسله واليوم الآخر يُدخل الجنة، وإن لم يعمل المرء بمقتضيات هذا «الإيمان»!!

واللافت للنظر، أني صححت هذا المفهوم الخاطئ عن «الإيمان» في كثير من المقالات، ومنها المقال موضوع هذا المنشور: «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة»، وبيّنت أن «الإيمان» في المفهوم القرآني: «إقرارٌ واتباعٌ وعملٌ»، وهذا الفهم يعلمه كل متدبر لآيات الكتاب.

ثانيا: لقد أمر الله تعالى الناس جميعًا بالإيمان بالنبي الخاتم محمد واتباعه، وجاء ذلك في السياق القرآني بالدلالة القطعية، التي لا تحتمل أي شبهة أو اختلاف، ومن ذلك قوله تعالى:

« قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »

فماذا يفهم المتدبر لكتاب الله من قوله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»؟!يفهم وجوب «الإيمان» بالنبي الخاتم.

وماذا يفهم المتدبر لكتاب الله من قوله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »؟! يفهم وجوب «اتباع» النبي الخاتم.

ثالثا: إن «أمة محمد»، هم من الناس الذين أمرهم الله في الآية السابقة بالإيمان بالنبي الخاتم واتباعه، فآمنوا بالنبي واتبعوه، والذين لم يؤمنوا بالنبي ولم يتبعوه، فهؤلاء هم الذين كفروا به وبرسالته، وبالآية التي حملتها هذه الرسالة الدالة على صدق نبوته.

فهل يمكن أن يأمر الله تعالى قومًا بالإيمان برسوله، دون أن يؤيده بالآية الدالة على صدق نبوته؟!

فأين هي «الآية الإلهية» التي يحملها أهل الكتب السابقة اليوم، الدالة على صدق نبوة رسلهم؟!

فكيف يبيح الله تعالى لأهل الكتب السابقة اتباع كتبهم وشرائعهم، وعدم اتباع شريعة النبي الخاتم محمد، وهم لا يملكون البرهان على صدق نبوة رسلهم؟!

رابعا: ثم يقول الصديق جمال:«وكذلك الحال بالنسبة لأهل الكتاب فقد أمرهم الله أن يؤمنوا بجميع الأنبياء والرسل بمن فيهم محمد وان يؤمنوا بجميع الكتب ومن ضمنها القرآن، كشرط أساسي لإيمانهم، لكنه تعالى لم يلغي كتبهم أو شرائعهم بل، وبموجب القرآن ، أمرهم أن يتبعوا شرائعهم مع بعض التعديلات عليها الواردة في القرآن ..»

لقد أخبرنا الله تعالى في القرآن، أن أهل الكتب السابقة حرّفوا كتبهم، والكتاب الوحيد، الذي يحمل البرهان على صدق نبوة الرسل السابقين، هو كتاب النبي الخاتم محمد، القرآن الكريم، فكيف يأمر الله أهل الكتب السابقة باتباع كتبهم وشرائعهم المحرفة؟!

ثم ما معنى أن الله «أمرهم أن يتبعوا شرائعهم مع بعض التعديلات عليها الواردة في القرآن ..»؟!

هل سيتبعون كتابهم أم سيتبعون القرآن؟! ثم كيف يقبلون التعديلات الواردة في القرآن وهم أصلا ليسوا مأمورين باتباعه، كما يقول الصديق جمال؟!

خامسا: هنا تظهر خطورة اتباع القراءات العصرية، التي أسميها بالقراءات «الشاذة» لكتاب الله، التي تقوم على «العشوائية الفكرية»، لإرضاء توجهات فكرية لا علاقة لها أصلا بالدين الإسلامي!!

لقد تميزت هذه القراءات الشاذة بمنهج «القص واللصق»، الذي تستخدمه دائما عند تعاملها مع كتاب الله، فتأتي إلى آيات كآيات سورة المائدة، «٤٣-٤٥»، التي استدل بها الصديق جمال، وتعتبرها دليلا على مذهبها الشاذ، وذلك لجهل أصحابها بعلم السياق، وعلم البيان، وأساليب التعابير القرآنية!!

فتعالوا نتدبر بعض الآيات، التي جاءت بعد الآيات التي ذكرها الصديق جمال، والتي تعتبر استكمالا للسياق، فيقول الله في الآية «٤٩» مخاطبا رسوله:

« وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ »

إن قوله تعالى: « وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ » دليل على أن الله أمر رسوله أن يحكم بينهم بالقرآن، فإن تولوا عن حكم الله في القرآن فإن: « كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ »، وهم الذين يريدون حكم الجاهلية:

« أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ »

ثم يتحدث السياق عن الضوابط التي يجب مراعاتها في العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب، ثم يقول في الآية «٥٩»:

« قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ».

تدبر « وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ »، فهذا الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين للنبي الخاتم محمد.

ثم يستكمل السياق الحديث عن مكائد أهل الكتاب، ونفاق الكثير منهم، ثم يقول في الآية «٦٥»:

« وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ »

فما معنى «آمَنُوا وَاتَّقَوْا»؟! هل كانوا «مؤمنين – متقين» والله يطالبهم بمزيد من الإيمان والتقوى؟!

ادعاء غير صحيح، لبداية الجملة بقوله تعالى: « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ »!!

ثم ما معنى قوله تعالى بعدها في الآية «٦٦»:

« وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ »؟!

هل كانوا يقيمون التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ والقرآن، والله يطالبهم بمزيد من الإقامة؟! ادعاء غير صحيح، لبداية الجملة بقوله تعالى: « وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا »!!

إن أهل الكتاب الذين كانوا موجودين في عصر الرسالة، ولم يتبعوا النبي الخاتم، هم الكفار الذي ذكرهم الله في سورة البينة، فقال تعالى:

« لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً . فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ»

وعندما يقول الله في الآية «٦٨»، استكمالا لسياق آيات سورة المائدة:

« قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ »

هل كانوا «عَلَى شَيْءٍ» والله قال لهم «لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ»؟! ثم ما معنى «حتى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ»؟!

وما معنى «وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ»؟! أليس معناها أن القرآن أُنزل إليهم أيضًا، وأنهم مأمورون باتباعه، وكل ذلك خطاب لأهل الكتاب في عصر الرسالة؟!

الخلاصة: إن كل إنسان وصلته رسالة النبي الخاتم محمد، وما حملته من «آية قرآنية» دالة على صدق نبوته، ولم يتبعها، فهو من «الكافرين» الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه الحكيم.

ملحوظة: أعلم أن هذا الموضوع سيثير جدلا عقيما، لذلك أرجو أن تكون التعليقات في حدود ما ورد في المقال وهذا المنشور من أفكار وبراهين قرآنية، وأي تعليق سيأتي خارج هذه الحدود سيتم حذفه.

محمد السعيد مشتهري



(488) 18/7/2016 (لماذا يُداهنون الكافرين بالنبوة الخاتمة؟)

 عدد المشاهدات : 199

عجيب أمر المسلمين، الذين لا يعلمون، ولا يتدبرون، ويُصرّون على جهلهم بكيفية التعامل مع السياق القرآني، ثم تراهم يُعجبون بأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، لأنهم يُحلّون لهم ما حرم الله، من أجل مسايرة العصر، والأفكار المستنيرة!

عجيب أمر المسلمين، الذين يجعلون هواهم حاكمًا على النص القرآني، خوفًا من غضب أصدقائهم أو أزواجهم، «غير المسلمين»، إذا ما أثير موضوع كفر من لم يتبع رسالة النبي الخاتم محمد، عليه السلام!

ولولا أن هذا الموضوع، وهذه الحقيقة القرآنية، بكفر من لم يتبع النبي الخاتم، من المواضيع المتعلقة بملة الوحدانية، وأن الذين يعارضون كفرهم، جماعة من المسلمين، الذين يُحرفون الكلم عن مواضعه، ما كتبت سطرًا واحدًا في هذا الموضوع!

لقد نزلت الآيات القرآنية تضع الحدود، وتكشف الحقائق، وتبيّن ما اختلف فيه أهل الكتب السابقة، وما كانوا يخفونه، وأمرهم الله كما أمر الناس جميعا، باتباع النبي الخاتم محمد، وقد فصلت ذلك في المنشور السابق.

إن الذي حكم بالكفر على من لم يتبع رسول الله محمد، هو الله تعالى، وليس محمد مشتهري، ولقد أمر الله رسله، والذين آمنوا معهم، بالحكم بالكفر على كل من حكم الله بكفرهم، حتى لا تختلط ملل الكفر بملة الوحدانية، وتضيع الشريعة الإلهية، الأمر الذي يسعى إليه أصحاب القراءات العصرية، بتحريفهم لمفهوم «الإيمان»، و«الإسلام»، ليشمل كل الملل والنحل الدينية واللادينية، التي تحقق الأمن والسلام!!

إننا عندما نريد أن نقف على حكم الشريعة القرآنية، في الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد، علينا نتعرف على الملل والنحل التي كانت موجودة وقت نزول القرآن، والتي خاطبها الله بأسمائها، وهي:

١- «المؤمنون»: الذين أقروا بأصول الإيمان، وأسلموا وجوههم لله تعالى، وآمنوا برسول الله محمد، واتبعوا رسالته، ومعظمهم كانوا من المشركين ومن أهل الكتاب.

٢- «الكافرون»: الذين ظلوا على ملة الكفر، ولم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يتبعوا رسالته، من أهل الكتب السابقة وغيرهم.

٣- «المشركون»: الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ولم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يتبعوا رسالته.

٤- «المنافقون»: وهم الذين داهنوا ونافقوا رسول الله والذين آمنوا معه، من جميع الملل السابقة، الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر.

وإن جميع الآيات التي جاء سياقها يتحدث عن أهل الكتاب، هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد، تقصد المنافقين منهم، الذين فضح الله مخططاتهم ومكائدهم، وهم يذهبون إلى النبي «نفاقا»، ويطلبون منه التحكيم في شأن من شؤونهم، وهم لم يؤمنوا به أصلا!!

هؤلاء هم الذين قال الله لرسوله: « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ »، ثم ما هو الضرر الذي يمكن أن يصيب رسول الله منهم: « وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً»، إذا كانوا مؤمنين مع عدم اتباع رسول الله محمد وشريعته؟!

ثم لماذا ذهبوا بأنفسهم إلى النبي ليحكم بينهم، وهم لا يؤمنون به أصلا، فقال الله لرسوله، من باب التعجب من أحوالهم وأفعالهم:

« وَكَيْفَ (يُحَكِّمُونَكَ) وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ( ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»

لقد وصف الله الذين ذهبوا إلى النبي للتحكيم بقوله: «وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»، ثم يأتي من لا علم لهم بتدبر السياق القرآني، ويقولون إنهم «مؤمنون»، ولكن الله لم يأمرهم باتباع النبي؟!

إنه لا يوجد في كتاب الله مطلقا، دليل يصف الكافرين، أو المشركين، أو المنافقين، بـ «المؤمنين»، فكيف يدعي أصحاب وأنصار القراءات العصرية «الشاذة»، أن الذين كفروا من أهل الكتاب «مؤمنون»؟!

لقد بيّنت في المنشور السابق المفهوم القرآني لـ «الإيمان»، وأن الفصل بين «الإيمان» و«العمل»، كما هو مذهب الأشعرية وداعش، وراء كل المصائب التي تحدث من تكفير وإفساد في الأرض، وسفك للدماء بغير حق، ثم يأتي هؤلاء الفلاسفة ويقولون: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله ورسوله قلبا، ومتبعون شرائعهم عملا!

لقد بيّن السياق القرآني، كيف تعاملت الملل المختلفة مع «النبوة» الخاتمة، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، ومنهم من نافق، فتدبر:

« مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»

وتدبر قوله تعالى:

« لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ … وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»

فهل عبد « الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ … اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»؟!

إنهم إذا عبدوا الله « مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ…»، لكانوا مع القسم الأول «مؤمنين»!!

وتدبر قوله تعالى:

« يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

يقول الله تعالى لأهل الكتاب: « فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ»، ردًا على حجتهم يوم القيامة: «مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ»، وقولهم هذا يشهد أنهم لا يتبعون رسلهم أصلا، إذن فلماذا جعل الله رسوله محمدا يبشرهم وينذرهم، إذا كانوا غير مأمورين باتباعه؟!

فمن وراء هذه البدعة التي قامت على تحريف آيات الذكر الحكيم، والتقول على الله بغير علم، لإبقاء أهل الكتاب على إيمانهم، وعلى إسلامهم، مع كفرهم بالنبي الخاتم محمد، ومعلوم قرآنيا أن الكفر برسالة أي نبي، كفر بالله تعالى؟!

وتدبر قوله تعالى:

« وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..»

كيف يقول الله تعالى لرسوله عن أهل الكتاب: «وَلَا تَتَّبِعْ (أَهْوَاءَهُمْ) عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ»، ثم يكون معنى « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، إقرارا من الله بأن شريعة أهل الكتاب حق؟!

إن قوله تعالى: « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» يُسمى تعليل للنّهي الوارد قبلها: «وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ»، أي إذا كان كتابك مهيمنًا على الكتب السابقة، وهم لا يريدون اتباعك، وإنما اتباع أهوائهم «عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ»، فاتركهم لشريعتهم، وتمسك أنت بشريعتك، كما قال الله تعالى لرسوله:

« ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا، وَلَا تَتَّبِعْ (أَهْوَاءَ) الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»

كيف تكون شريعتهم حقًا، وهم يقتلون الأنبياء، ويقولون:

« وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ، ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ )، أَنَّى يُؤْفَكُونَ»

إن قوله تعالى: « لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»، يعني أن لكل أمة شريعتها ومنهاجها، وأن على الناس، حسب سنن الاختيار، أن يتبعوا الشريعة الحقة: « وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ»، من آليات التفكر والتعقل والتدبر.. لاختيار الحق!!

وطبعا نتيجة هذا الاختيار ستكون في الآخرة: «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»، وليس معنى هذا أن المرء لا يستطيع الحكم على الناس في الدنيا بظاهر أعمالهم وتصرفاتهم، وإلا فكيف يكون الحكم بين الناس بما أنزل الله، والله تعالى يقول:

«وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»

لقد كفلت الشريعة القرآنية حرية الاعتقاد لكل البشر، وكل ملة من حقها أن تكفر بالملل الأخرى، فلا إكراه في الدين، ولكن هل معنى هذا أن تذوب الملل في ملة واحدة، فلا يُعرف من هو المسلم، ومن هو الكافر، ومن هو المنافق؟!

ما هذا التغييب الإيماني العقلي؟!

إن الإشكال في كفر من لم يتبع النبي الخاتم محمد، يظهر عندما نخلط بين كفر أتباع كل ملة بالملل الأخرى، والذي هو أمر طبيعي حسب سنة الاختيار، وبين ترتيب الأحكام الفقهية على هذا «الكفر»، ليصبح جريمة تعاقب عليها الشرائع المذهبية، الأمر الذي لا يعرفه الإسلام، فليس في كتاب الله عقوبة في الدنيا على «الكفر»، حتى لو كان كفرًا بالله ورسوله.

محمد السعيد مشتهري



(489) 19/7/2016 (لست من القرآنيين)

 عدد المشاهدات : 259

هناك من يصرون على أني من «القرآنيين»، الذي ينكرون السُنة، ولا يُصلّون الصلوات الخمس، ولا يُصلّون «الجمعة»..، وهؤلاء أهديهم هذه الوثيقة، التي تبيّن كيف ترك محمد مشتهري منبر الدعوة الذي كان لا يملك غيره، من أجل درء فتنة مذهبية كان يعلم جيدا عواقبها!

لقد أقامت «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة» مسجدًا كبيرًا يبعد عدة أمتار عن المسجد الذي كنت أخطب فيه الجمعة، في منطقة لا يزيد عدد سكانها وقتها عن أربعين فردا!!

وكان الهدف: محاربة فكر محمد مشتهري، الذي ظل يخطب عشر سنوات في هذا المسجد، في عدد قليل من المصلين، لم يكن في المنطقة غيرهم!!

إدارة الأزمة: لقد دعوت المصلين إلى الصلاة في المسجد الجديد، وغلق المسجد الذي كنا نصلي فيه، لسد باب فتنة كبرى، كنت أعلم جيدا أن الذين وراء بناء هذا المسجد يريدون فتح بابها على مصراعيه.

إنني كلما شاهدت هذا الفيديو، وتذكرت مسرح الأحداث، شعرت بضيق شديد في صدري:

معقول بتمكن مرض «البغي» و«التخاصم» المذهبي من قلوب المسلمين، بجميع توجهاتهم الفكرية، إلى هذه الدرجة التي تجعلهم مازالوا على تفرقهم وتخاصمهم، وكل من عرف كلمتين في الدين يفتح له حساب على الفيس بوك، ويُفتي في الدين؟!

إن هناك من الأصدقاء المقربين، عاشوا مشروعي الفكري وتشربته قلوبهم، وعندما أصيبت قلوبهم بمرض البغي والتخاصم، من أجل مسائل دنيوية، انفضوا من حولي، وذهبوا ولم يعودوا، لأن «الإيمان» الحقيقي لم يكن قد دخل أصلا قلوبهم، لذلك استطاعت الدنيا وشهواتها أن تتمكن منها.

إنني كلما شاهدت هذا الفيديو، ازددت يقينا بأن ما حدث من سفك للدماء في الفتن الكبرى، بين صحابة رسول الله، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، ثم من حرق لمساجد الفرق والمذاهب المختلفة، على مر العصور، كان بسبب أزمة البغي والتخاصم والتكفير، هذه الأزمة التي لو تمكنت من قلب إنسان تمكن منه الشيطان، وأغواه إغواءًا كبيرًا!

ملاحظة: يُفضل سماع الخطبة مع متابعة النص المكتوب، وذلك لعدم جودة الصوت، والفقرة التي تبدأ بكلمة «مونتاج» مقطوعة من الفيديو لأسباب فنية تتعلق بضرورة أن تكون مدته دقائق ليسهل رفعه.

—————————-

مقتطفات من نص الجمعة الأخيرة بمسجد المشتهري

الحمد لله حمد الشاكرين المقرين بنعمه وفضله، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام العابدين المتقين، اصطفاه ربه فكان خلقه القرآن، وأرسله للناس فكان رحمة للعالمين، فسلام عليه وعلى رسل الله أجمعين.

أما بعد

فقد فوجئت بعد عودتي من سفري بأن هذا المسجد المجاور يُؤذّن فيه للصلوات الخمس، وهو مازال على الطوب الأحمر، ولم يتم الانتهاء من أعمال العمارة والتشطيب فيه.

مونتاج: ( ثم فوجئت يوم الجمعة الماضية، والتي هي أول جمعة أخطب فيها بعد عودتي من السفر، بصوت خطيب يخطب في هذا المسجد، وأنتم تعلمون ذلك … وأيضا علمت أن هذه هي أول خطبة في هذا المسجد جاءت في توقيت ما بعد عودتي من السفر، ففهمت السبب وراء انخفاض عدد المصلين في هذا المكان الذي اعتدت أن أراهم [ فيه ] منذ عشر سنوات، منذ أن توليت خطبة الجمعة هنا بعد وفاة والدي الشيخ عبد اللطيف مشتهري، وكان موضوع الخطبة كما تعلمون حول دروس التربية في القرآن الكريم، بداية من سورة الفاتحة وانتهينا في الأسبوع الماضي من سورة العنكبوت. أي أننا خلال هذه الفترة الزمنية، والتي تُعد بعشر سنوات تقريبا تكلمنا عن عشرين جزءاً من كتاب الله عز وجل ) انتهى

والحقيقة أنني بذلت جهداً منذ أن علمت أن هناك مسجد سيقام في هذا المكان الذي لا يبعد إلا عدة أمتار عن هذا المسجد الذي نصلي فيه منذ عشر سنوات.

مونتاج: ( وتقابلت مع أصحاب المكان، وتحدثت معهم أن هذا العمل سيضر ولن ينفع، لأن ما الحكمة من إقامة مسجد يبعد عن مسجد عدة أمتار؟!!! والكثافة السكانية هنا قليلة جداً، الجمعة لا تتجاوز صفاً أو صفين، حتى لو كانت الكثافة السكانية ستكون في يوم من الأيام كبيرة جداً فليكن المسجد على بعد كيلو على الأقل. ولكنهم تقريبا …، يعني كان هناك هدف آخر، وأبلغت الإدارة أنه لابد أن يكون هناك تنسيق بين مواقع إقامة المساجد حتى لا تقام عشوائياً ولكن يبدو أن الموضوع لم يُؤخذ مأخذ الجد حتى فوجئنا بهذا الأمر ). انتهى

لذلك انتبهوا جيداً لما سأقوله لكم: إن الحديث عن وحدة الأمة الإسلامية، وعن وحدة المسلمين، والتحذير من تفرق المسلمين وتخاصمهم، أصبح اليوم، بخلاف أي يوم مضى، فريضة على كل مسلم.

مونتاج: ( أن يعمل على وحدة المسلمين. الأمة التي تعبد إلهاً واحداً، وتؤمن برسول واحد، يجب أن تعمل أيضاً على إزالة ا لخلافات والتخاصم بين المسلمين، فالله تعالى القائل في سورة الأنبياء:

« إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»

والقائل في سورة المؤمنون:

« وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ»

والشريعة الإسلامية في مجملها تعمل على غرس مفهوم الوحدة بين المسلمين في بقاع الأرض خمس مرات يومياً إلى قبلة واحدة ، ويصومون فترة زمنية واحدة، هي شهر رمضان من كل عام، والمستطيعون منهم يحجون ويفعلون مناسك حج واحدة، زماناً ومكاناً، طريقة وشكلاً، في أعظم وأروع تعبير عن وحدة الأمة في مناسك الحج، دون اعتبار لوطن ولا قومية ولا لون ولا لغة ولا مركز اجتماعي ولا مادي. ماذا يعني هذا كله؟ يعني أننا يجب أن نعمل على وحدة المؤمنين وإن لم يفهم هذا بعض الناس. علينا نحن أن نفهم ولا نزيد الاختلاف. من أجل ذلك، ومن منطلق العمل على وحدة الصف ونبذ الخلاف ) انتهى

أدعوكم جميعاً اعتباراً من اليوم، بل من الآن إلى الصلاة في هذا المسجد، خلف هذا الإمام المعين، وأنا سأكون في مقدمتكم.

مونتاج: (ولكن لماذا خطبت فيكم قبل أن نفعل ذلك؟ حتى لا يأتي إنسان ويجد المسجد مغلقاً يوم الجمعة، فيظن ظان أن هناك جهة رسمية أو أمنية منعت الصلاة في هذا المسجد، أو يظن ظان وتبدأ الألسنة تتحدث عن أي شيء!! ليست هناك جهة أمنية أو جهة رسمية منعت الصلاة في هذا المسجد، ولا منعتني من الخطابة في هذا المسجد، بدليل أني خطبت بعد سفري الأسبوع الماضي واستكملنا سورة العنكبوت، وأخطب فيكم الآن. ولكن الأمر أكبر من هذا، أنتم لا تعلمون مدى خطورة هذا الموضوع في المستقبل: مسألة التخاصم، هناك مسجدان بينهم وبين بعض عدة أمتار، هؤلاء أتباع المسجد الفلاني، وهؤلاء أتباع المسجد الفلاني، هذا خطأ، فلنعمل جميعاً على أن نتجاوز ونفوت الفرصة على الشيطان: إبليس اللعين، من أن يفرقنا حتى وإن صلينا وراء الإمام الموجود هناك. فأنا أدعوكم الآن، لذلك لم أطلب من المؤذن أن يؤذن هنا، وكأننا نسمع الأذان الذي سمعناه جميعاً، وحالياً نحن نسمع الخطيب يخطب، فلنذهب جميعاً ونصلي خلف الإمام، وليكن هذا هو القرار اعتباراً من اليوم، فلنذهب إلى هذا المسجد، ونصلي فيه. وأسأل الله لكم ولي المغفرة وحسن المآب) انتهى

…. اتفضلوا … …

—————————————

تعليق كتبته وقتها، في «٨ /٧ /٢٠٠٥» عند رفع الفيديو والنص الخاص بالخطبة على موقعي، الذي كان اسمه وقتها «فقه القرآن»، ثم أصبح «نحو إسلام الرسول»، فقلت:

وخرجنا جميعاً، مع اعتراض بعض المصلين على قراري هذا، وذهبنا وصلينا الجمعة في هذا المسجد، خلف الإمام الموجود، وشريط الفيديو يبين حال هذا المسجد، وكم كان عدد المصلين!!

لقد كان لهذا القرار أثره الكبير على نفسي، فقد تركت منبر الدعوة الذي لا أملك غيره لأبين للناس من خلاله عطاء القرآن وفاعليته في عصرنا، وذلك بعد ربع قرن من الزمان، بذلت خلالها قصارى جهدي مع بعض علماء الفرق والمذاهب المختلفة للعمل على إذابة أزمة التخاصم والتفرق بين المسلمين.

ولكن مع الأسف الشديد بدل أن يشاركوني توجهي الفكري اعتلوا المنابر ونالوا من إسلامي وإيماني، وكأنهم لا يعيشون في عالمنا اليوم، ولا يعرفون شيئاً عما يُبث عبر القنوات المحلية والفضائية من برامج دينية متصارعة، ومن فتاوى متضاربة متخاصمة، لا تعمل فقط على إثارة البلبلة والفتن بين المسلمين، وإنما تعمل على إصابة كل من يداوم على سماعها بانفصام في شخصيته، بل وتعطي أعداء الإسلام الأسلحة المناسبة لتشويه صورته.

والأمر الغريب حقاً، والذي إن دل على شيء فإنما يدل على تمكن مرض التخاصم والاستمتاع بسفك الدماء بغير حق من قلوب أنصار الفُرقة والمذهبية، هو رفع سلاح «إنكار السنة» في وجه كل من تسول له نفسه العمل على إذابة أسباب التفرق والتخاصم بين المسلمين وعلمائهم!

محمد السعيد مشتهري

https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/videos/1073802702701611/



(490) 20/7/2016 (فيديو نحو إسلام الرسول)

 عدد المشاهدات : 239

هذا الفيديو جاهز للنشر منذ سنوات، ولأن الحقائق التي حملها صادمة لأتباع الإسلام الوراثي المذهبي، فقد قررت عدم نشره، ولكني اليوم، وبعد أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي فتنة للقلوب المريضة، ووسيطا لنقل الأمراض الفكرية الخطيرة، وميزانا يُعرف به تزايد نسبة الجهل الديني بين المسلمين..، قررت أن أنشره.وإذا كنت عايز تعرف حقيقة ما أنت عليه، اسأل نفسك بعد مشاهدة هذا الفيديو: من أنت، وما يجب عليك أن تفعله؟!

https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/videos/1074755169273031/



(491) 21/7/2016 (الأسس التي قامة عليها المشروع الفكري للدكتور محمد مشتهري)

 عدد المشاهدات : 235

لقد قام مشروعي الفكري على دعوة المسلمين بجميع توجهاتهم الفكرية، السلفية والقرآنية والعصرية والمستنيرة، إلى اتباع الإسلام الذي كان عليه النبي الخاتم محمد، وذلك بدراسة وتدبر واتباع نصوص «الآية القرآنية»، التي لا يملكون برهانا غيرها، يثبت صدق «نبوة» رسولهم محمد، عليه السلام.

لقد قام مشروعي الفكري على دعوة المسلمين إلى أن يكون شغلهم الشاغل، وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، بيان أن الإسلام الحق، لا يكون إلا في اتباع «إسلام الرسول»، لا «إسلام المذهب»، وأن أي حديث عن غير «إسلام الرسول» معصية وأثم كبير، لماذا؟!

لأن الإسلام الذي عليه «المسلمون» اليوم، ابتدعه كل إمام من أئمة الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، وكان سببًا في تفرق المسلمين في الدين، والله تعالى قال بالدلالة القطعية عن «التفرق في الدين» إنه شرك بالله تعالى.

لقد سجلت ووثقت، خلال ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، وما زلت أبيّن، أن ما يُميز مشروعي الفكري» وينفرد به، هو:

أولا: بناء المفهوم الصحيح لـ «الوحدانية»، كأساس يقوم عليه الالتزام بأحكام الشريعة.

ثانيا: تعليم المسلمين كيف يدرسون القرآن ويستنبطون أحكامه، بأدوات مستنبطة من ذات النص القرآني، وقد فصلت ذلك في حلقات «نحو إسلام الرسول».

ثالثا: تحذير المسلمين المؤمنين مما حذرهم الله منه، وأنهم إذا لم يخلعوا ثوب المذهبية والتفرق في الدين، ماتوا «مشركين»، ولو أقروا بأصول الإيمان، وعملوا الصالحات، لأن الله تعالى وعد في سورة النور:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ )، كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ

( وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ) الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ

( وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا )

ولكنه سبحانه اشترط للوفاء بهذا الوعد شرطًا:

( يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

ومع وضوح «الرؤية»، وبلوغ الشمس كبد السماء، مازال هناك من يسألوني: أين مشروعك الفكري، ويتعجبون ويقولون:

هل من الحكمة أن تخاطب المسلمين في عصر العولمة بهذا الأسلوب الصادم، وتقول لهم: أنتم مشركون كافرون؟!

طبعا ليس من الحكمة مطلقا، أن نخاطب المسلمين بهذا الأسلوب الصادم، والذي يفعل ذلك إنسان «جاهل»، لا يعلم عن الإسلام شيئًا، لذلك قلت في البند ثالثا:

«(إذا) لم يخلعوا ثوب المذهبية والتفرق في الدين»، فالذين لا يعلمون معنى (إذا) في هذا السياق، عليهم أن يسألوا أهل اللسان العربي، وفرض عين على محمد مشتهري أن يحذر المسلمين المؤمنين مما حذرهم الله منه، ( والي مش عاجبه … هوه حر )!!

إن هذا الفيديو القصير، جزء من مقدمة الحلقة الأولى من برنامج «نحو إسلام الرسول»، التي بيّنت فيها الأساس الذي أقمت عليه مشروعي الفكري، وهو مترجم باللغة الإنجليزية لعله يصل لأهلها، فيعلمون حقيقة الإسلام، مع تقديم خالص الشكر والتقدير للأستاذة «هالة كمال» على قيامها بهذه الترجمة.

وهذه روابط حلقات إسلام الرسول

الحلقة الأولىhttps://youtu.be/iLBG6G5-xqA

الحلقة الثانيةhttps://youtu.be/xNCIpj9axGg

الحلقة الثالثةhttps://youtu.be/atdTKcMUNb4

الحلقة الرابعةhttps://youtu.be/R_anHQdI9rE

محمد السعيد مشتهري


(492) 22/7/2017 (يسألون عن صلاة الجمعة)

 عدد المشاهدات : 484

أولا: كل ما أجمله القرآن، ولم يأت تفصيل بكيفية أدائه، من صلاة وغيرها، فعلينا أن نعلم المصدر المعرفي الذي تعلمنا منه هذه الكيفية، وحجيته في دين الله تعالى.

ثانيا: حسب مشروعي الفكري، فإن ما يُسمى بـ «التواتر العملي» عند الفرق والمذاهب المختلفة، ليس حجة في دين الله تعالى، لأنه «تواتر مذهبي»، ما صح منه عند مذهب لم يصح عند آخر، وليس هو الذي تعلم المسلمون منه كيفية أداء الصلاة.

ثالثا: لقد تعلم المسلمون كيفية أداء الصلاة، بما في ذلك ما عُرف بينهم باسم «صلاة الجمعة»، عن طريق ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي»، وليس «التواتر العملي»، الذي فرق المسلمين، وجعل أئمة كل مذهب يُحرّمون الصلاة خلف أتباع المذاهب الأخرى، وقد بيّنت الفرق بين المنظومة والتواتر في حلقات «نحو إسلام الرسول».

رابعا: حجية «منظومة التواصل المعرفي»، تتعلق بالأصول العامة لكيفية أداء الصلاة، المجمع عليها بين المسلمين جميعا، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، ولا تتعلق بالفروع والخلافات الفقهية التي جاءت عن طريق «التواتر العملي»، والتي يُباح فعلها، ما لم تخالف نصًا قرآنيا.

خامسا: عرفت شعوب العالم « أيام الأسبوع » عن طريق « منظومة التواصل المعرفي » ويوم الجمعة المذكور في قوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ »، هو اليوم المعروف للعالم أجمع، وللمسلمين، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.

إذن فعندما يقول الله للذين آمنوا: « فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ »، لا شك أن المخاطبين كانوا يعلمون المقصود من هذا الأمر، ولا شك أنهم ظلوا محافظين على ترك البيع عند النداء للصلاة من يوم الجمعة، إلى يومنا هذا.

ولم تنقل لنا « منظومة التواصل المعرفي »، أي خلاف بين المسلمين حول هذه الصلاة التي ترك فيها المسلمون رسول الله قائما، وأنها كانت وقت صلاة الظهر.

إن القاعدة المنطقية تقول: إن ما خالف الأصل الذي كان عليه الناس، فهناك من سيقومون بكشفه وتوثيقه، وإظهار مدى بطلانه أو شرعيته، خاصة إذا كان يتعلق بأحكام الشريعة الإليهة!!

فهل شهدت « منظومة التواصل المعرفي »، تحريفا للصلاة التي عرفها المسلمون جميعا باسم « صلاة الجمعة »، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا؟!

سادسا: يقول الله تعالى في سورة الجمعة:

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ »

فأي صلاة من يوم الجمعة، كان على المسلمين في عصر الرسالة أن يذروا البيع عند النداء إليها، هل هي صلاة الفجر، أم الظهر، أم العصر، أم المغرب، أم العشاء؟!

يستحيل أن تكون صلاة الفجر، أو المغرب، أو العشاء، لأن بعد صلاة «الفجر»، يستعد الناس إلى الذهاب إلى السوق، ووقت «المغرب»، و«العشاء»، يكون الناس قد وصلوا بيوتهم أو في الطريق إليها!!

فإذا علمنا أن ذروة البيع والشراء كانت في أسواق العرب بين الظهر والعصر، وأكرر قولي « ذروة » البيع، كان منطقيا أن يكون الأمر الإلهي: « فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ »، يتعلق بهذه الفترة، والتي تبدأ مع وقت النداء لصلاة الظهر.

محمد السعيد مشتهري



(493) 24/7/2016 (عدد الركعات وبدعة الإعجاز العددي)

 عدد المشاهدات : 284

لقد فرض الله «الوضوء» على المصلين، وجعله شرطًا لصحة صلاتهم، وبيّن كيفية أدائه تفصيلا: « (فَاغْسِلُوا) وُجُوهَكُمْ – وَأَيْدِيَكُمْ (إِلَى) الْمَرَافِقِ – (وَامْسَحُوا) بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ (إِلَى) الْكَعْبَيْن»، فلماذا لم يذكر عدد ركعات الصلوات، التي لن يزيد عدد كلماتها عن كلمات آية الوضوء؟!

لقد ضيّع «المفكرون الإسلاميون» جهدهم ووقتهم، في دراسات وبحوث وشفرات رقمية، لإثبات «إعجاز القرآن»، في مسائل يُعد نقل المسلمين لها بالتقليد والمحاكاة عبر «منظومة التواصل المعرفي»، آية كآية الشمس، التي لا تحتاج إلى من يثبت حجيتها على العالمين!!

إن حجية «منظومة التواصل المعرفي» هي القاعدة التي قامت عليها حجية القرآن، وقد بيّنت ذلك بالبراهين القرآنية في الحلقتين الثالثة والرابعة من برنامج «نحو إسلام الرسول»، أما «الإعجاز العددي»، فقام على «فتنة الرقم ١٩»!!

لقد بعث الله نبيه الخاتم محمدا، وكانت مسألة «الإعجاز العددي» موجودة عند أهل الكتب السابقة، ويستخدمون نفس القوانين والمعادلات الرياضية، ومضاعفات الأرقام، التي استخدمها الناس على مر العصور، مرورا بالبهائية، ويسهل الوقوف على هذه الحقيقة عن طريق شبكة الإنترنت!!

وفي كتاب الله الخاتم منظومات عددية تُذهل العقول، تحكمها منظومات ومعادلات رياضية تشمل كثيرا من الأرقام، منها الرقم «١٩»، ولكن الله تعالى حذر الناس من فتنة هذه الأعداد، تماما كما حذرهم من فتنة تعلم السحر:

«.. وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ..»

إن الرقم «١٩» هو عدد ملائكة خزنة جهنم، فهل يُعقل أن تقوم منظومة «الإعجاز العددي في القرآن» علي عدد خزنة جهنم، الذين سيقومون بتعذيب أهلها؟!

إن المتدبر لسياق آيات سورة المدثر، يعلم أن جدلا كان قائما بين الناس قبل نزولها، حول خزنة جهنم وعددهم، فنزلت الآيات تُبيّن هذا الأمر، وقال تعالى:

« سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ . لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ . لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ »؟!ولقد بيّن الله للناس أن العدد «١٩» فتنة للكافرين، فقال تعالى:

« وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً، وَمَا جَعَلْنَا (عِدَّتَهُمْ) إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا »

فكيف يُعطي أصحاب بدعة «الإعجاز العددي» ظهورهم لهذه الفتنة، ويقيمون الدراسات والبحوث الرياضية عليها، ليصلوا إلى ماذا؟!

إلى إثبات صحة الحقائق الكونية المشاهدة لكل ذي بصيرة؟! أم ليقولوا للعلماء المكتشفين لفاعلية هذه الحقائق، أن الإسلام سبقكم إليها منذ أربعة عشر قرنا، فيردون عليهم:

فلماذا إذن لم يكتشفها المسلمون، حملة القرآن، الذين أمرهم الله أن يكونوا شهداء عليهم؟!

لقد جعل الله الحديث حول العدد «١٩» فتنة للكافرين: «وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا»، لماذا؟!

« لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً، وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً»

إذن القضية ليست في العدد «١٩» وفتنته، ولا في العدد «٨»، الذي هو عدد حملة العرش « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ»، ولا في غيرهما من المنظومة العددية التي حملها القرآن!!

إن القضية في بيان وجوب الإيمان بالبعث والحساب والجزاء والجنة والنار، ولفت نظر المكذبين المشككين إلى وجوب انشغالهم بالهدف وليس بالعدد، لذلك قال تعالى بعدها:

« وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً »

إن هؤلاء «الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ..»، الذين قالوا: «مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً»، هم الذين قال الله تعالى عنهم في سورة آل عمران:

«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه»والمهتدون المؤمنون، الذين قال الله عنهم: « وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً»، هم الذين قال تعالى عنهم في سورة آل عمران:

« وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا»

إن الذين في قلوبهم مرض والكافرين، هم الذين سيُفتنون بالعدد «١٩»، فهل يُعقل أن يقوم «الإعجاز العددي» لكتاب الله على «فتنة» حذر الله منها، وقال بعدها:

« كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ . وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ »؟!

إن قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ» يُبيّن أن القضية ليست قضية العدد «١٩»، وإنما قضية الإيمان بفاعلية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، واستحضار عقاب الآخرة، وأن هناك من الجنود ما وراء هذا العدد، لذلك ختم توجيهات هذه الآيات بقوله تعالى:

«وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ»

إن قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ» هو البرهان قطعي الدلالة، على أن القضية لا علاقة لها بالرقم «١٩»، ولا بقول المكذبين: «مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً»

إن حكمة منظومة الأرقام والأعداد والأمثال في كتاب الله، لا يعلمها إلا الله، وهذا ما بيّنه الله تعالى عندما قال في سورة البقرة:

« إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ (مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا)»

ثم تدبر ماذا قال الله تعالى بعدها:

« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ»

وماذا قال تعالى في سورة المدثر:

« كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»

إنه مهما كانت النتائج المبهرة التي توصل إليها أصحاب بدعة «الإعجاز العددي»، فإنهم أولا وأخيرا يفتقدون «المنهجية العلمية» التي كان يجب أن تقوم عليها نتائج دراساتهم!!

إن جميع الذين يعملون في مجال «الإعجاز العددي في القرآن»، أقاموا حساباتهم على أساس عدد كلمات وحروف مصحف «حفص عن عاصم»، المنتشر في الجزيرة العربية ومصر، وغيرها من البلاد.

وهناك مصاحف أخرى موجودة بين أيدي المسلمين اليوم في بلاد أخرى، تختلف عدد آياتها وكلماتها عن مصحف «حفص عن عاصم»، وهذه المصاحف هي:

مصحف «ورش»: ومن البلاد المنتشر فيها، المغرب العربي، وغرب إفريقيا.

مصحف «قالون»: ومن البلاد المنتشر فيها، ليبيا وتونس.

مصحف «الدوري»: ومن البلاد المنتشر فيها، الصومال والسودان وأواسط إفريقيا.

ولقد قمت ببيان ذلك للمهتمين بقضية «الإعجاز العددي»، فأصبحوا اليوم يقولون: إن النتائج التي توصلوا إليها، قامت على حسابات «مصحف حفص عن عاصم»، وليس على غيره!!

والسؤال: وماذا عن «إعجاز» المصاحف الأخرى وحفظ الله لها؟!

إن «المنهجية العلمية» تفرض أولا على أصحاب بدعة «الإعجاز العددي»، وقبل أي خطوة نحو بيان هذا «الإعجاز»، أن يُحددوا لنا موقفهم من قضية المصاحف الأخرى، وتكون عندهم الشجاعة لإعلان ذلك في مقدمة الدراسات والنتائج التي توصلوا إليها!!

لقد استمعت وقرأت معظم ما كُتب في هذا الموضوع، وسجلت ما استخلصته من نتائج، ولكني وجدت أن بيان ذلك للناس «فتنة»، لذلك قلت لأصحاب هذه البدعة:

لو سمحتم، قبل إجهاد أنفسكم، وإجهاد المسلمين معكم في متابعة المعادلات الرياضية التي توصلتم عن طريقها إلى إثبات أن عدد ركعات الصلوات الخمس موجود في القرآن، أن تجيبوا أولا على هذه الأسئلة:

أولا: هل اتفقتم على المعايير والمعادلات الرياضية التي على أساسها توصلتم إلى هذه النتائج، وعلى كيفية حساب الأحرف، وهل يُحسب الحرف المشدد حرفاً أم حرفين، وهل يدخل في الحساب الحروف غير الملفوظة، وغير ذلك من إشكاليات تعرفونها جيدًا؟!

ثانيا: هل اتفقتم على تحديد معنى الكلمات، والمصطلحات القرآنية، التي أقمتم على أساسها النتائج التي تم نشرها؟!

فعندما يقول المهندس عدنان الرفاعي، في سياق استنباطه من القرآن عدد ركعات الصلوات المفروضة:

«لدلوك الشمس من الزاوية التي تبدأ فيها الشمس بالميل عن الحالة التي هي عمودية فيها على الأرض، يعني بداية فريضة الظهر، إلى (غسق الليل)، إلى ما كان قبل فريضة المغرب»

فمن أين جاء بتعريف «دلوك الشمس»، و«غسق الليل»؟! ألا يعلم أن من شروط البحث العلمي تحديد المصطلحات في بداية البحث؟!

ثم من قال من علماء الفلك في العالم أجمع، أن «غسق الليل» هو ما كان قبل غروب الشمس»؟! ومن قال ذلك من أئمة اللسان العربي؟!

ثم يقول: « يعني هذه العبارة « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»، تصور لنا الساحة من الزمان، التي تتعلق بفريضتي الظهر والعصر»، فإذا أخذنا العبارة « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»، مع كلمة «الظهيرة»، مع كلمة «تظهرون»، لحصلنا على تحديد عدد ركعات فريضة الظهر»!!

لا تعليق!!

ثالثا: هل المصاحف الموجودة بين أيدي المسلمين اليوم، غير مصحف «حفص عن عاصم»، محفوظة بحفظ الله لها؟!

وإذا كان الجواب بنعم، فلماذا لم تقم حسابات «الإعجاز العددي» في كتاب الله على أساس هذهالمصاحف مجتمعة؟!

محمد السعيد مشتهري



(494) 25/7/2016 (فيديو نحو اسلام الرسول بعد إعادة تصحيحه)

 عدد المشاهدات : 254

أعترض بعض الأصدقاء على فصل الأسئلة التي حملها هذا الفيديو عن بعضها، وأنه كان الأفضل عدم فصلها، واستجابة لاقتراحهم تم إلغاء الفواصل بين هذه الأسئلة، وإعادة نشر الفيديو من جديد.

شكرا لجميع الأصدقاء، الذين أعجبوا بالفيديو، والذين لم يُعجبوا

https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/videos/1078079582273923/



(495) 26/7/2016 (المعجزة الكبرى وفتنة العدد ١٩)

 عدد المشاهدات : 201

عندما صدر كتاب «المعجزة الكبرى» للمهندس عدنان الرفاعي، أهداني نسخة وطلب رأيي في الكتاب، وعندما زارني لمناقشة موضوعات الكتاب قلت له:

لقد دخلت يا باشمهندس عدنان دائرة «الفتنة»، وكان يجب عليك أولا حسم مسألة «اختلاف القراءات» الموجودة في المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم، لأن هذا الاختلاف، بصرف النظر عن حجمه، وعن القراءات الأكثر انتشارا، سيؤثر لا شك على نتائج «المعجزة الكبرى»؟!

أولا: إن الباحث المسلم، المتدبر لكتاب الله، يستحيل أن ينكر ما حمله هذا الكتاب من براهين دالة على أنه كلام الله، وأن محمدًا رسول الله وخاتم النبيين، وأن هناك من هذه البراهين «منظومات عددية» تذهل العقول!!

ولكن الإشكال، الذي لا أعلم حتى الآن لماذا أعطى أصحاب «الإعجاز العددي» له ظهورهم، هو:لماذا لم تقم نتائجهم على حسابات كلمات المصاحف الأربعة الموجودة بين أيدي المسلمين اليوم، والتي أشرت إليها في المنشور السابق؟! أليست كلها كلام الله؟! أم عندكم شك في ذلك؟!

وهل يصح أن يكون من بين نتائج «المعجزة الكبرى» عودة عيسى عليه السلام آخر الزمان، استنادا إلى معجزة «العدد ١٩»، ثم يأتي آخر ويثبت بحسابات قراءة قرآنية أخرى، استحالة عودته؟!

وهل يصح ونحن في رحاب «المعجزة الكبرى»، وخلال حوار المهندس عدنان مع علاء بسيوني عن ملك اليمين، أن يقول:

«فالقرآن لا يقول زوجة إذا لم يكن هناك تناظر في العقيدة، فإذا تزوج الرجل اثنين، واحدة مسلمة والأخرى من أهل الكتاب، فالأولى تسمى زوجة، والثانية تسمى ملك يمين»؟!

وغير ذلك من عشرات الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!

ثانيا: إن النتائج المذهلة التي جاء بها العدد «١٩» ليست دليلا على أنه آية من آيات الله، ولا على أن المستخدمين له على طريق الحق، ذلك أن الله «جعل» هذا العدد «فتنة»، فكان من الطبيعي أن تذهل نتائجه العقول!!

فهل يعقل أن يجعل الله العدد «١٩» برهانا على «المعجزة الكبرى»، ثم تأتي حسابات ونتائج «المعجزة الكبرى»، على أساس قاعدة بيانات خاصة بمصحف واحد، وهو قراءة حفص عن عاصم، دون حسابات المصاحف الأخرى؟!

لقد قلت في المنشور السابق: «لقد استمعت وقرأت معظم ما كُتب في هذا الموضوع، وسجلت ما استخلصته من نتائج، ولكني وجدت أن بيان هذه النتائج للناس فتنة …»

إن المهندس عدنان الرفاعي عندما علم أنه من الضروري أن يُبيّن للناس لماذا اعتمد في نتائجه على قراءة واحدة، ذهب وكتب رسالة بعنوان: «وكانوا لا يستطيعون سمعا»، ويا ليته ما كتبها، فقد أرادأن يخرج من حفرة فوقع في بئر!!

لقد ذكر في رسالته أن السبب في اعتماده حسابات مصحف «حفص عن عاصم»، أن يعطي فرصة لغيره لإظهار ما في القراءات الأخرى من معجزات!!

وغاب عن المهندس عدنان، أن النتائج المبهرة التي توصل إليها بحسابات مصحف «حفص»، سيأتي من ينقضها بحسابات مصحف «قالون»، الذي تتعبد به اليوم بلاد كثيرة، منها ليبيا وتونس، أو بحسابات مصحف «ورش»..، فعند من «المعجزة الكبرى»؟!

ثالثا: يقول المهندس عدنان «ص٨»، عن مسألة عودة عيسى عليه السلام:

«نرى في هذه العبارة ذاتها، التي نطق بها مرتين قبل رفعه إلى السماء دون كلمة «هو» كما رأينا، نرى فيها ذاتها بعد عودته ورود كلمة «هو» للتأكيد بوضع حد للافتراء الذي وقع عليه ( ما بين عودته ورفعه) من قبل ِ أهل الكتاب: «إن هذا هو ربي وربكم فاعبدوه…».

ثم قال: ولذلك نرى أن هذه العبارة التي سينطق بها في عودته، هي وحدها مسألة كاملة، بمعنى: من المضاعفات التامة للعدد «١٩» دون زيادة أو نقصان»!!

ويقول في رسالة أخرى بعنوان: «المسيح بين الصليب والعودة»، «ص١٤»:

وتأتي الآية التالية مباشرة ً لتبين لنا مسألة ً هامة ً جد ًا هي عودة المسيح عيسى ابن ِ مريم، عليه السلام ، وبدليل ٍ جلي واضح ٍ وضوح الشمس وسط النهار ..

«وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا»

ثم قال: «والحقيقة أن ما أذهب إليه في عودة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ناتج عن تدبري لكتاب االله تعالى، وعن امتلاكي للأدلة والبراهين الدامغة من كتاب االله تعالى»!!

والسؤال: إن مسألة كمسألة عودة عيسى عليه السلام، والتي تعد من أصول الإيمان، هل يمكن أن تُستنبط بالمعادلات الرياضية، والتفسيرات الباطنية، والدلالات الظنية؟!

إن المصدر المعرفي الوحيد الذي يحمل الدلالة القطعية على عودة عيسى عليه السلام هو مرويات الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، وجاء العدد «١٩» ليثبت للناس صحة هذه «المرويات»، بل وصحة ظهور المهدي المنتظر والمسيح الموعود إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية!!

رابعا: ويقول المهندس عدنان «ص٤٤»، عند حديثه عن دقة وإبهار نتيجة من نتائج بحثه: «إطلاق النص القرآني لا يقبل أي تبديل أو حذف أو إضافة لحرف واحد»!!

والسؤال: هل «النص القرآني» خاص فقط بقراءة «حفص عن عاصم»، أم بالقراءات القرآنية الأخرى؟!

ويقول «ص ٤٩»: «فهل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «ويقول»، في قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٥٥»: « وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ»؟!

الجواب: نعم ممكن، ومرفق صورة من آية سورة المائدة، فيها كلمة «يقول» حسب قراءة «قالون».ويقول «ص٥٥»، لبيان استحالة حذف حرف من كتاب الله، أو إضافة حرف، أو إبدال حرف بحرف:

«فهل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «وتوكل» في قوله تعالى في سورة الشعراء «الآية ٢١٦»: «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ»، واستبداله بحرف الفاء؟!

الجواب: نعم يمكن، ومرفق صورة لكلمة «فتوكل» من مصحف «قالون»!!

فأين كتاب الله الذي حمل «المعجزة الكبرى»؟!

وطبعا لا ننسى ما ذكرته في المنشور السابق، عن الفهم غير الواعي للمصطلحات الفلكية التي حملتها الآيات التي تحدثت عن مواقيت الصلوات، ومنها «غسق الليل»، الذي استند إليه المهندس عدنان في استنباط عدد ركعات الصلوات من كتاب الله، ولقد كتبت مقالا على هذه الصفحة، بعنوان: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»، لبيان الفرق بين الليل وغسق الليل.

خامسا: لقد كتبت مقالا على هذه الصفحة بعنوان: «القرآن آية إلهية رغم اختلاف مصاحفه»، قلت فيه:

١- «يستحيل أن يُثبت أحد، من الإنس والجن أن هذه الجمل المدونة في المصحف هي كلام الله عن طريق علم الرواية والإسناد، ذلك أن آخر ما يمكن أن يتوصل إليه هذا العلم هو إثبات مدى صحة النسبة إلى رسول الله، وليس إلى الله تعالى، وهذا هو مربط الفرس».

٢- « إن الله تعالى عندما أراد أن يقيم الحجة على المكذبين بنبوة رسوله محمد، لم يطلب منهم أن يأتوا بكلمة من كلمات هذا القرآن، أو برسم مختلف لها، أو بإعراب مختلف، أو أن يغيروا الفعل الماضي إلى الحاضر أو المستقبل…، وإنما طلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فعجزوا أن يأتوا حتى بمثل سورة الكوثر، فهل اختلفت سورة الكوثر، بجملها الثلاث، الموجودة في هذه المصاحف بقراءاتها المختلفة؟!»

٣- « إن الآية العقلية الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، هي كتاب الله الخاتم، ورسالته إلى الناس جميعا، هي القرآن الكريم، ولا تثبت حجية هذه الآية بنصوصها المدونة في المصاحف فقط، وإنما بتفاعلها مع «المقابل الكوني» لها في هذا الوجود، ولقد سبق أن ذكرت البراهين الدالة على ذلك في مقالي: حجية القرآن ليست في نصوصه فقط، وإنما في مقابلها الكوْني».

٤- « والسؤال: مع وجود عشرات الدراسات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي تجيب عن جميع شبهات المشككين في حفظ الله لكتابه، وتبين الحكمة من اختلاف المصاحف، هل وجدنا قارئ من القراء، على مر العصور، استغل مسألة اختلاف المصاحف، للطعن في حفظ الله لكتابه، وفي صدق «نبوة» رسول الله محمد؟!

الجواب: « أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»، انتهى النقل من المقال.

ولقد ذكرت في هذا المقال بعض الأمثلة، التي تبيّن كيف أظهر من لهم دراية بعلم «البيان»، الحكمة في اختلاف بعض كلمات المصاحف الأربعة، وأنها مجتمعة تمثل «الآية القرآنية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، بعيدا عن «المعجزة الكبرى»، وفتنة العدد »١٩»!!

« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »

محمد السعيد مشتهري


(496) 26/7/2016 (تابع منشور..المعجزة الكبرى وفتنة العدد ١٩)

 عدد المشاهدات : 201

تابع المنشور السابقيقول المهندس عدنان عند حديثه عن دقة وإبهار نتائجه: «إطلاق النص القرآني لا يقبل أي تبديل أو حذف أو إضافة لحرف واحد»، فماذا نفعل في المصحف الذي بقراءة «قالون»، والذي يتعبد به المسلمون في بلاد كثيرة منها ليبيا وتونس، وبآياته حروف ناقصة؟!


(497) 2/8/2016 (هل القرآن «آية إلهية» أم «معجزة بشرية»؟)

 عدد المشاهدات : 234

١- تستخدم كلمة «آية» في السياق القرآني، للحديث عن دلائل «الوحدانية»، وتفرد الله بأسمائه الحسنى، وفاعليتها في الآفاق والأنفس، وللدلالة على صدق نبوة الرسل.

أما مادة «الإعجاز» فتستخدم في السياق القرآني، لبيان قدرة البعض على الإتيان بـ «خوارق العادات» التي يعجز الناس عن الإتيان بها كـ «السحر».

٢- ولم يسم الله تعالى «الآيات» الدالة على صدق نبوة الرسل «معجزات» لأن الله تعالى منزه عن أن يتحدى أحدًا أو يُعجزه:

يقول الله تعالى عن البرهان الدال على صدق النبي الخاتم محمد، عليه السلام:

* «وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»

* «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

٣- و«الآيات» الدالة على صدق «نبوة» الرسل من عالم «الخلق والأمر» القائم على فعالية قوله تعالى:

* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ – أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»

* «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ – تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»

أما «المعجزات البشرية» فمن عالم «الأسباب» القائم على قدرات البشر في توظيف السنن الكونية.

٤- ولقد طلب المكذبون من نبي الله «صالح» الآية الدالة على صدق «نبوته» فقالوا:

* «مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا – فَأْتِ بِآيَةٍ – إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»

فقال الله تعالى «الشعراء / ١٥٥-١٥٧»:

* «قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ»

* «وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ – فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ»

– فـ «الآية» هنا في أن يأخذهم «العذاب» فور مخالفتهم أمر الله:

* «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ»

* «فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ – (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) – وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ»

فلم تكن «آية» نبي الله صالح هي «الناقة» بذاتها، وإنما في «العذاب» الذي أخذ قومه فور مخالفتهم لأمر الله المتعلق بكيفية التعامل معها:

* «وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ – فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ»

٥- إن الذين فهموا أن القرآن «معجزة»، باعتبار أن أهل اللسان العربي «عجزوا» عن أن يأتوا بمثله، هؤلاء انطلقوا من قاعدة التحدي والإعجاز، وتصوروا أن الله يتحدى البشر ليُعجزهم، استنادًا إلى فهم خاطئ لقوله تعالى:

«وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ»

لقد فهم أهل اللسان العربي معنى قول الله تعالى:

* «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ»

ولم يُفكر المرتابون في صدق النبي الخاتم أن يأتوا بمثله لأنهم يعلمون أن المطلوب ليس في أن يأتوا بمثل «الجمل القرآنية» وإنما بمثل «الآية القرآنية» التي حملتها الجملة القرآنية.

٦- إن السورة «آية» من آيات الله، والآية ليست فقط «جملة قرآنية» وإنما «كلام الله» الذي نرى فاعليته في الآفاق والأنفس، فكل كلمة من كلام الله لها «مقابلها الكوني» الذي يستحيل أن يأتي به إنس ولا جان، لذلك قال الله تعالى لـ «المرتابين»:

* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا»

فما قيمة الإتيان بـ «الجملة القرآنية» بدون «مقابلها الكوني»، أي بدون أن يكون للاسم مُسَمّى يعرفه الناس، فالذي يسمع اسم شيء لم يره من قبل يستحيل أن يتذكره إلا إذا كان قد رآه من قبل وعرفه، لذلك كان من أسماء القرآن «الذكر»:

* «ص – وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ»

* «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ»

* «قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا»

ولقد تعهد الله بحفظ «الذكر»، حيث تتفاعل كلمات القرآن مع مقابلها الكوني، مع اختلاف بعض الكلمات في المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم، باعتبار أن هذا الاختلاف لا يؤثر مطلقا على تفاعلها مع مقابلها الكوني.

وهذه هي القاعدة التي انطلق منها التوجه «نحو إسلام الرسول» عند التعامل مع هذه المصاحف بقراءاتها المتعددة.

٧- لقد حصر الدكتور «محمد الحبش»، في رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه، الاختلاف بين المصاحف فقال في المبحث الثالث «حصر تفـاوت مصاحف الأمصـار»:

«ولنأخذ الآن في إحصاء ما ورد من خلاف في الرسم بين المصاحف العثمانية على سبيل الإحاطة المستوعبة»

– ثم قال:

«سائر الاختلاف في الرسم محصور في (٤٩) كلمة»

– وذكر هذه الكلمات التي لا تؤثر مطلقا على حجية «الآية القرآنية العقلية» على العالمين.

لقد كتب علماء البيان مجلدات في بيان أوجه البلاغة في اختلاف هذه الكلمات، ومن ذلك الاختلاف بالإبدال، كما في قوله تعالى في سورة البقرة:

* «وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا»

فجاءت كلمة «نُنشِزُهَا» بالزاي في قراءة حفص، أما في قراءات ورش وقالون والدوري، فجاءت بالراء: «نُنشِرُها».

– فمن قرأ «نُنشِرُها»، فالنشر خلاف الطي، يقال أنشر الله الميت أي أحياه، وقد وصفت العظام بالإحياء، قال تعالى:

* «قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»

– ومن قرأ «نُنشِزُهَا»، فالنشز الارتفاع، والمعنى نرفع بعضها إلى بعض، وتركب بعضها على بعض:

* «ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا»

ولم تتأثر حجية «الآية القرآنية العقلية» بهذا الاختلاف، ففي الآيتين بيان لكيفية إحياء الموتى: تجميع العظام ورفع بعضها إلى بعض «نُنشِزُهَا»، ولإحيائها «نُنشِرُها» بعد الممات.

محمد السعيد مشتهري



(498) 3/8/2016 (من يجهل المقابل الكوني، يجهل دلائل الوحدانية)

 عدد المشاهدات : 203

كيف يظل مسلم على إسلامه، وهو يتعامل مع القرآن، «كلام الله»، باعتباره كتابا مدرسيا، يمكن تغيير موضوعاته إذا اعترضت عليها منظمات حقوق الإنسان، أو قرارات الأمم المتحدة؟!

كيف يظل مسلم على إسلامه، وهو يؤمن أن القرآن قد تحول بعد وفاة النبي إلى روايات، بقراءات مختلفة، وأن الذين نقلوا إلينا روايات «القرآن»، هم الذين نقلوا إلينا روايات «الحديث»، فإذا طعنت في رواة الحديث، فقد طعنت في رواة القرآن؟!

أول الطريق:

إن الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويعملون الصالحات، عليهم أن يقدموا لأنفسهم «اليوم»، البرهان على صحة ما يؤمنون به، وإلا كان إيمانهم إيمان المنافقين.

أولا: إن الإيمان بالله يقوم على الإيمان بدلائل وحدانيته، ودلائل الوحدانية تتحدث عن نفسها في كل ذرة من ذرات هذا الكون، وما عليك إلا أن تنظر، وتتفكر، بعين البصيرة.

ثانيا: إن الإيمان بالرسل يقوم على الإيمان بـ «الآية» الدالة على صدق نبوتهم وبلاغهم عن الله، ولقد انتهت فاعلية الآيات الدالة على صدق نبوة جميع الرسل، «باستثناء رسول الله محمد»، لأنها كانت آيات «حسية»، تنتهي فاعليتها بوفاة الرسل.

ثالثا: على أي أساس منطقي، يؤمن الناس اليوم برسل لم يشاهدوهم، ولا يملكون برهانا من الله على بعثتهم، وأقاموا إيمانهم على ما وجدوا عليه آباءهم؟!

رابعا: لقد شاء الله أن يكون رسوله محمد هو النبي الخاتم، فلا نبوة بعده، لذلك لم يجعل آيته «حسية»، وإنما جعلها «عقلية»، ممتدة المفعول إلى يوم الدين، وهي «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم.

خامسا: إننا كي نشاهد فاعلية «القرآن»، باعتباره «آية» عقلية، علينا أن نقوم بتفعيل آليات عمل القلب: آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر..، الأمر الذي سيفرض علينا البحث في صحة أو عدم صحة حجية هذا «القرآن»، وهل هو حقا «الآية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد؟!

سادسا: عندما نقرأ «القرآن»، ونتدبر ما جاء فيه، نجد أن هناك من يقول إنه «الله» الذي خلق هذا الكون، وهو الذي أرسل الرسل، وهو الذي أنزل الكتب، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي سيحاسب الناس على أعمالهم يوم القيامة.

سابعا: عندما نتدبر «القرآن»، نجد أنه يتحدث عن منظومة كونية يعيش الناس بداخلها، وأن كل كلمة من كلماته لها مقابلها الكوني في هذه المنظومة، وأن هذا الإله الذي يقول إنه خلق هذه المنظومة الكونية يسأل:

«هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ، فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ»

ثامنا: هل حدث على مر تاريخ الوجود البشري، إلى يومنا هذا، أن سجل المؤرخون أن هناك إلها آخر، ادعى أنه الذي خلق هذا الكون وأنه هو الذي أرسل الرسل..؟! لم يحدث، وبذلك ثبتت «الإلهية»، و«الوحدانية» لله الذي أعلن أنه خالق هذا الكون.

تاسعا: بثبوت «الإلهية»، و«الوحدانية» لله تعالى، تثبت حجية «الآية القرآنية» الدالة على صدق النبي الخاتم رسول الله محمد، وذلك بتفاعل نصوصها وكلماتها «اليوم» مع مقابلها الكوني، ولكن للأسف الشديد أن هذا التفاعل لم يقف عليه أئمة السلف والخلف، فأصبح المسلمون في ذيل التقدم الحضاري!!

عاشرا: لقد عرف المكذبون لرسول الله محمد، أن المطلوب لإثبات بطلان نبوته، ليس فقط الإتيان بسورة من مثل سور القرآن، وإنما الإتيان بالآية التي حملتها هذه السورة، أي بمقابلها الكوني، لذلك لم يُفكروا أصلا أن يفعلوا، وهو ما أثبته الله تعالى من قبل يُفكروا:

«فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا، ( وَلَن تَفْعَلُوا )، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»

محمد السعيد مشتهري



(499) 11/8/2016 (أنا لا أبشر بمذهب جديد)

 عدد المشاهدات : 221

هناك من يصرون على أني جئت بمذهب جديد، يزيد عدد مذاهب المسلمين مذهبًا، فكيف أُحرم «التفرق في الدين»، وأنا، ومشروعي الفكري: «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا»؟!

لقد كتبت على هذه الصفحة، في «٢٦ – ٦- ٢٠١٦»، منشورًا بعنوان: «يسألون عن مشروعي الفكري»، ومع بيان المنشور للأصول والقواعد التي أقمت عليها مشروعي الفكري مازال هناك، على هذه الصفحة وخارجها، من يدّعون أني أعمل على زيادة الفُرقة بين المسلمين، والتشكيك في تدينهم الوراثي!!

ثم نشرت بعض «الفيديوهات» من برنامج «نحو إسلام الرسول»، التي تحدثت فيها عن:

أولا: «المشكلة»، التي أقمت على أساسها مشروعي الفكري، وهي: أن التفرق في الدين شرك بالله تعالى.

ثانيا: «المنهج»، الذي يجب على المسلمين جميعا اتباعه، والذي يجعلهم على يقين أنهم يتبعون الإسلام الذي كان عليه الرسول، بعيدا عن الانتماءات المذهبية المختلفة.

ومع هذا البيان، الذي لا يحمل إلا براهين قرآنية، فإن هناك من لا يسمعون، وإذا سمعوا لا يتدبرون!!

إن «مذهبي»، هو «مذهب» رسول الله محمد، وليس هو «المذهب» الذي ادعى أئمة السلف والخلف اتباعه، من خلال اتباعهم مرويات الرواة، بعد تفرق المسلمين إلى فرق ومذاهب مختلفة، وقد أعطوا ظهورهم لقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً، وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»

فهل تفرق المسلمون المؤمنون بعد وفاة النبي؟! نعم.

هل أصبحوا «أَعْدَاءً»؟! نعم.

وهل هم الآن «عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ» لعودتهم إلى التفرق؟! نعم.

إن «مذهبي»، هو «مذهب» رسول الله محمد، قبل تفرق المسلمين وتخاصمهم وتقاتلهم، إنه مذهب «الأمة» التي قال الله عنها بعد الآية السابقة:

« وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»

إن «مذهبي»، هو مذهب هذه «الأمة»، التي قال الله عن أفرادها: « وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»، والتي أدعوا المسلمين إلى العمل على إقامتها، منذ أن نشرت مشروعي الفكري.

إن «مذهبي»، ليس مذهب «هؤلاء» الذين قال الله عنهم بعدها:

«وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»

إننا اليوم أمام مأساة إيمانية فكرية في غاية الخطورة، لقد أصبح لكل مسلم حساب أو صفحة على شبكات التواصل الاجتماعي، ينقل من هنا وهناك بغير علم، ليصبح بعد عام مفكرا إسلاميا، ثم يبتدع له بدعة في دين الله، يصبح بعدها نجمًا عصريًا مستنيرًا!!

إننا اليوم نشاهد بأعيننا، كيف تحول المسلمون إلى مفكرين، ولكلٍ مذهبه الفكري الذي لا علاقة لها مطلقا بما «ذهب» إليه رسول الله في عصر الرسالة، والذي لا مرجعية له إلا كتاب الله، فتدبر بماذا ختم الله هذه المجموعة من الآيات:

« تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ»

إن الذي لا يقيم إسلامه على «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة الرسول الذي يتبعه، والتي يجب أن يشاهدها بنفسه، ويؤمن أنها حقا من عند الله، وأن الرسول الذي حملها إلى الناس هو رسول الله..، كيف يتبع شريعة لا يملك بين يديه الحجة والبرهان على أنها من عند الله؟!

إن المسلمين يعيشون في «غيبوبة» الاتباع والتقليد بغير علم، وآراهم يُعجبون بكلام في غاية التفاهة، وبموضوعات لو تدبروا ما جاء فيها، لعلموا أن هذا الكلام يستحيل أن يقوله مسلم مؤمن يعلم معنى «الوحدانية»، لقد تشربت قلوبهم «العشوائية» الفكرية، لا يعلمون إلى أين المسير!!

إن «مذهبي»، الذي هو « مشروعي الفكري»، يقوم على فاعلية نصوص «الآية القرآنية» في «عصر الرسالة»، وينتهي موضوعه بوفاة النبي، أي قبل عصر الخلافة الراشدة، وظهور الفرق والمذاهب العقدية والفقهية المختلفة.

وعندما أقول: إن مشروعي الفكري يقوم على فاعلية نصوص «الآية القرآنية»، فذلك لإيماني أن حجية الدين الإسلامي تقوم على أساس الإقرار بصدق «الآية» الدالة على أن هذا «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم هو كلام الله، ورسالته إلى الناس جميعًا، إلى يوم الدين.

والسؤال: كم عدد المسلمين الذين أقاموا إسلامهم على الإقرار بأن هذا «القرآن»، الذي بين أيديهم اليوم، هو كلام الله يقينا، ورسالته إلى الناس جميعا؟!

« قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»

فأين المذهب الجديد الذي يُبشر به محمد مشتهري؟!

«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ» – «أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

محمد السعيد مشتهري


(500) 16/8/2016 (يسألون عن معنى ملك اليمين)

 عدد المشاهدات : 258

أن يمتلك الإنسان إنسانا، بالأسر أو الشّراء أو الإرث، كان أمرا سهلا ومعروفًا عند الشعوب، وبلوة عمت الأمم، حتى بعث الله رسوله محمدًا، ونزل القرآن بتشريعات تعمل على تصفية «الاسترقاق»، فالإنسان ولد حرًا، ويجب أن يعيش حرًا.

لقد نزل القرآن يخاطب الناس بما عرفوه وألفوه، وكان «الاسترقاق» مما عرفه الناس في عصر الرسالة الخاتمة، وأن «العبد» لا يملك من أمر نفسه شيئًا، كما أن «الأصنام» التي تُعبد من دون الله، لا تقدر على فعل أي شيء.

«إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا، إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ، إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»

ولقد كانت الشعوب تفرق بين «الحر» و«العبد»، لذلك وصف الله تعالى العبد بأنه إنسان «مملوك» لا يقدر على شيء، لبيان أن المقصود ليس الإنسان العابد «عبد الله» الحر، الذي يتصرف في رزقه كيف يشاء، وإنما المقصود «العبيد» الذين عرفهم الناس في عصر الرسالة.

« ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، هَلْ يَسْتَوُونَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»

لقد عرف الناس «العَبْدَ» و«الأَمَةَ»، ولذلك، وفي سياق الحديث عن أحكام «النكاح»، خاطب الله المسلمين بما عرفوه، وأباح لهم نكاح «الأَمَةَ» المؤمنة، و«العبد» المؤمن، وحرم نكاح «الحرة» المشركة، و«الحر» المشرك.

«وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ، وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ»

لقد نزل القرآن وقد عمت بلوى «الاسترقاق» شعوب العالم، وكان من الممكن أن تنزل آية واحدة تحرمه، فلماذا لم يحدث هذا؟! لأنه كان يشكل منظومة مالية واقتصادية محلية وعالمية، يستحيل هدمها بقرار مفاجئ، تترتب عليه آثار سلبية تفوق أزمة «الاسترقاق» نفسها.

لذلك كان من الضروري إدارة أزمة «الاسترقاق» بحكمة، واتباع منهج «التدرج التشريعي» الذي كان متبعًا في عصر الرسالة، عصر التزيل واكتمال الدين، وليس معنى إقراره ما كان قائمًا، أن يصبح مما يجب أن يكون مستقبلا.

مثال ذلك: لقد ترك الله للمسلمين نكاح ما نكح الآباء، والجمع بين الاختين في نكاح واحد، فترة من الزمان، حتى نزلت الآيات بتحريمهما، وأبقت على ما سبق نزول التحريم:

«وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ» – «وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ».

وكذلك تعاملت الشريعة القرآنية مع بلوى «الاسترقاق»، فبدأت بتضييق منابعه وتوسيع مصارفه، ولم تبح من منابعه إلا «أسرى» الحروب، لا لترك باب «الاسترقاق» مفتوحًا، وإنما لمعاملة العدو بالمثل، واتباع شريعة المن والفداء:

«فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»

ومن باب توسيع مصارف «الرق»، جاءت الشريعة القرآنية بـ «العتق» كفارةً لكثير من الذنوب، ككفارة القتل الخطأ، وكفارة اليمين..، وجعلت «المكاتبة» بابًا لحصول «ملك اليمين» على حريتهم، مقابل دفع مبلغ من المال لمالكهم، بموجب اتفاق مكتوب بينهما.

« وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً»

إن استخدام كلمة «ما» في قوله تعالى «مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» التي تستخدم لغير العاقل، وعدم استخدام «من»، إنزال «ملك اليمين» منزلة غير العاقل، فقد كانت شعوب العالم تتعامل مع «ملك اليمين» باعتبارهم سلعة، تباع وتشترى في الأسواق، المحلية والعالمية.

إن التعبير بـ «الملكية»، في قوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا (مَّمْلُوكًا) لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ» بيان لما كان معروفا في عصر التنزيل بـ «ملك اليمين»، فتعالوا نتعرف عن معنى «الملك»، و«اليمين»، في السياق القرآني.

إن «الملك»، في السياق القرآني واللسان العربي، هو الحيازة التي تعطي لصاحبها حرية التصرف في المملوك بالانتفاع أو البيع.

« قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ (لا يَمْلِكُونَ) مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ، وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ»

و«اليمين» يأتي كناية عن القدرة والنصرة والغلبة:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»

فالأيدي، في قوله «فِي أَيْدِيكُم»، مستعارة للقدرة والغلبة، أي ما أصبح في وثاقكم.

كما يأتي «اليمين» للتعبير عن «اليد اليمنى»، التي تستخدم في أغلب الأحيان لقضاء حاجات الإنسان:

«وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ـ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى»

«وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ»

إذن فالذين خاطبهم الله تعالى بهذا المصطلح، «ملك اليمين»، كانوا يعلمون معناه، وهو ما ملكه الإنسان بالمال، أو بالغلبة والقدرة، ويستطيع التصرف فيه بالبيع، لذلك يستحيل أن تكون «زوج الرجل» الحرة مما «ملك يمينه»، لقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ»لقد بينت الآية أن «الأزواج» قسمان: حرائر وملك يمين، فـ «الحرة» زوج للرجل، و«ملك اليمين» زوج للرجل، وقوله تعالى للنبي «وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» جاء لبيان ما كان متبعا قبل تجفيف منابع «الرق».

إن قوله تعالى في بداية الآية «إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ»، يُبيّن أن الحديث كان عن ما هو موجود من أزواج، وليس لفتح باب «الاسترقاق» من جديد، وإباحة نكاح «ملك اليمين»، بدليل تقييد «مَلَكَتْ يَمِينُكَ» بكونه «مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ»، لبيان حرمة الإمساك بالأزواج اللاتي جئن عن طريق غير الفيء.

وأحكام هذه الآية ليس خاصة بالنبي، كما قد يفهم البعض، فإذا أراد الله تعالى تخصيص حكم أو تقييده نص على ذلك، وقد ذكر في سياق هذه الآية حكمًا خاصًا بالنبي من دون المؤمنين، فقال تعالى:

« وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا، خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ»

إن المتدبر لكتاب الله، يعلم علم اليقين، أن أحكام «ملك اليمين»، جاءت لتصفية منابعه، وتوسيع مصارفه، للقضاء عليه نهائيًا، لذلك كثر الحديث عنها في السياق القرآني، وسلوكيات المسلمين بعد وفاة النبي ليست مصدرًا للتشريع.

محمد السعيد مشتهري



فبراير 1

٥٩ min read

0

1

0

Comments

Deine Meinung teilenJetzt den ersten Kommentar verfassen.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page