

(501) 19/8/2016 (ملك اليمين وتهافت القراءة المعاصرة)
عدد المشاهدات : 2٬253
من أخطر ما أصاب تدين المسلمين، بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، أن يصبح لكل مسلم حساب على هذه الشبكات، ينقل الأفكار والموضوعات التي ينشرها من هنا وهناك، فإذا بأقاربه وأصحابه يُعجبون بما يكتب، ثم بعد فترة يبتدع في دين الله بدعة، فيصبح عالما ومفكرا إسلاميا!!
إن من أخطر ما أصاب تدين المسلمين، التقليد الأعمى والاتباع بغير علم، فنرى مئات المعجبين بأفكار وموضوعات تُعرض على شبكات التواصل الاجتماعي، وهم لا يملكون أدوات البحث العلمي، وليس لهم دراية بالمنهجية العلمية في تدبر القرآن، ويتحاورون ويجادلون بغير علم!!
عندما خاطب الله تعالى العرب بالقرآن، كانوا يعلمون معنى كل كلمة نزلت فيه، لأنه نزل بلسانهم، والذي لا يعلمونه كانوا يسألون عنه، ولم يسألوا مطلقا عن معنى «الزنا»، ولا عن معنى «ملك اليمين»، فكيف لنا اليوم الوقوف على المعنيين، وبيننا وبين عصر الرسالة خمسة عشر قرنا من الزمان تقريبا؟!
إنه لا سبيل أمامنا إلا:
١- السياق القرآني، ٢- اللسان العربي، ٣- الحقائق التاريخية التي نقلتها لنا «منظومة التواصل المعرفي».
وحسب أصول البحث العلمي، لا يصح البحث في السياق القرآني بمعزل عن اللسان العربي، ولا بمعزل عن «منظومة التواصل المعرفي» العالمية، لأنها الصورة العملية لتواصل المعارف.
إن الرق في اللسان العربي هو «العبودية»، وسُمي العبيد رقيقا، لأنهم يرقون لمالكهم، ويذلون ويخضعون، والرقيق هو المملوك…، «انظر لسان العرب»، ومن الحقائق التاريخية أن الرق نظام اجتماعي، وهو حرمان الشخص من حريته الطبيعية، وصيرورته «ملكا لغيره»، وكان نظاما مشروعا تحميه قوانين الدولة «انظر دائرة المعارف الحديثة، قصة الحضارة».
فكيف يجرؤ باح ث، متدبر لكتاب الله، على تحريف ما أجتمع على بيان مفهومه السياق القرآني، واللسان العربي، و«منظومة التواصل المعرفي» العالمية؟!
يقول الدكتور محمد شحرور، على موقعه الرسمي، تحت عنوان: «تعريف المصطلحات الواردة في التنزيل الحكيم وفق القراءة المعاصرة»
«ملك اليمين: هو علاقة طوعية بين رجل بالغ عاقل وامرأة بالغة عاقلة، ليس فيها صهر ولا نسب، ولا نية في الإنجاب والاستمرار، وتقتصر على ممارسة الجنس بين الطرفين. وقد تكون المرأة ملكاً ليمين الرجل، فينفق عليها، ومثاله زواج المتعة. وقد يكون الرجل ملكاً ليمين المرأة فلا تطلب منه أي نفقة أو سكن، ومثاله زواج المسيار. وقد يكون ملك يمين متبادل بينهما، ومثاله زواج (الفرند)».
إن الدكتور محمد شحرور يبشر بدين جديد، يرى أنه هو الذي سينتشر في العالم، وقد وضع له القواعد والأصول على صفحته الرسمية، وبدأ بتعريف المصطلحات التي سيستخدمها في تأصيل أحكام هذا الدين الجديد، ومن ذلك تعريفه لملك اليمين.
الدكتور محمد شحرور بدأ بهدم أصول ملة «الوحدانية»، بت حريفه لمعنى الإسلام والإيمان، ولمعنى الكتاب والقرآن، ولقد قمت بالرد عليه علميا في عدة منشورات على هذه الصفحة، تبدأ بمنشور «١٧ – ١١- ٢٠١٣»، مرورا بمنشور «١ – ٢- ٢٠١٤»، ثم في «١١- ١٠ – ٢٠١٤» منشورات بعنوان «د. شحرور وأزمة الفكر الإسلامي».
ثم بعد أن هدم أصول ملة «الوحدانية»، ذهب يهدم أحكام الشريعة القرآنية، ومن ذلك أحكام الميراث، ولباس المرأة المسلمة، وملك اليمين…، ولذلك حظى مشروعه الفكري بإعجاب آلاف المسلمين وغير المسلمين، محليا وعالميا.
والسؤال: من أين جاء دكتور شحرور بتعريفه لملك اليمين؟! السياق القرآني لم يُعرّف ملك اليمين، وإنما جاء به كخبر يعلم العرب معناه، والذي جاء بمعناه اللسان العربي و«منظومة التواصل المعرفي»، فلماذا قفز د. شحرور على كل هذه المرجعيات، وذهب يبتدع تعريفا منحرفا شاذا لملك اليمين؟!
سأكتفي، كمثال على هذه البدعة السيئة، بنقل الحوار الذي دار بين د. شحرور والإعلامي عمرو أديب، بحضور الشيخ خالد الجندي، والمنشور على اليوتيوب في «٢٤ – ٢ – ٢٠١٤».
* د. شح رور: توجد عندنا حالتان من النكاح الشرعي: الأولى: هي الزواج، والثانية: ملك اليمين، والزواج ليس ملك يمين، وملك اليمين ليس زواجا، وفي الحالتين الجماع الجنسي مسموح وحلال.
الزواج: صهر ونسب وأسرة، أي عندما الإنسان يعقد على امرأة، بهدف العيش المشترك وتكوين الأسرة، والعيش مدى الحياة، وإنجاب الأطفال، هذه اسمها زوجة. ملك اليمين: هي الحالة التي لا تنطبق عليها كل شروط الزواج.
رب العالمين لم يقل إن ملك اليمين هو الرق، وفي القرآن ذُكر الرق على أساس «وفي الرقاب»، و«تحرير رقبة»، تاريخيا قالوا ملك اليمين هو الرق، وملك اليمين ذُكر ١٣ مرة في كتاب الله، وشُرح في كتاب الله.
(تعليق على قوله: «وشُرح في كتاب الله»، ولكن هل بيّن كتاب الله معناه؟!)
الإنسان يبلغ النضوج الجنسي في سن ١٥سنة، ويتزوج في سن ٢٥، إذن فهناك مشكلة جنسية يعانيها الشباب تستمر ١٠ سنوات، زواج المسيار، وزواج المتعة، وزواج الفريند … هو ملك يمين لأنه لا تنطبق عليه العيش المشترك.
خالد الجندي: هل تعتقد أن ملك اليمين قائم إلى اليوم؟! شحرور: بدون شك، أعطيك مثال: في أوربا إنسان يعيش مع امرأة، بكامل إرادته وكامل إرادتها، أمام الناس، وأمام الجيران، وهناك عيش مشترك بينهم، والجميع يعلم، وأهلها يعلمون، هذا مئة بالمئة حلال، وهو ملك يمين وهي ملك يمين.
خالد الجندي: وما هو الزنى إذن؟ شحرور: ملك اليمين علاقة شرعية شرحها رسول الله في البخاري، قال «أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليالي، فإما يتزايدا أو يتفارقا.
(تعليق: لا تعرف للدكتور شحرور منهجا علميا يمكنك أن تحاوره على أساسه، فتارة لا يعترف بالمرويات المنسوبة إلى النبي، وتارة يعتبرها مصدرا تشريعيا يستند إليه، وقد ضربت أمثلة على ذلك في المنشورات التي أشرت إليها سابقا)
زواج المسيار: الرجل يأتي عند المرأة بناء على طلبها، وهو غير مسؤول عن النفقة، وإذا حملت فهي التي تنفق على الولد، والرجل يعطي الولد فقط الاسم والكنية، هذا ملك يمين.عمرو أديب: أي رجل وست يقرروا يكون بينهم علاقة جنسية هذا يعتبر ملك يمي ن؟!
شحرور: نعم، إذا المجتمع لم يمنع ذلك فلا يسمى ذلك زنا. أما الزنا في السفاح، الزنا من فعل زنَّ، أي زَنَّ الجنس عليه حتى أنه لم يسأل عن المجتمع، ومارس الجنس العلني، من هنا جاء فعل الزنا.
ملك اليمين عند الفقهاء هو الرق، المرأءة تؤخذ إلى الرق بالإكراه، وتذهب إلى سوق النخاسة بالإكراه، وتُعرض فيه بالإكراه، وتباع وتُشترى بالإكراه، ويعاشرها الرجل بالإكراه، ثن يقول السادة الفقهاء بعد خمسة إكراهات هذا حلال. أما إذا حدث توافق طوعا بين رجل وامرأة غير متزوجة يقولون هذا حرام؟!
عمرو أديب: يعني ملك اليمين هو: إذا توافق رجل وامرأة على علاقة جنسية؟! شحرور: إذا كانت المرأة غير متزوجة. عمرو أديب: حلال؟! شحرور: طبعا، طبعا، طبعا طبعا، في فرنسا علاقة مشتركة بين رجل وامرأة، المجتمع يعلم، وأهلها يعلمون، وأهله يعلمون.
عمرو أديب: لو في بلد عربي، واحد ووحدة، وأهلها عارفين إنها تكون على علاقة مع رجل، غير ما يُسمى الزواج الشرعي، هذا حلال؟ شحرور: يمنع ذلك في حالتين فقط، الأولى: إذا كانت متزوجة، الثانية: العلنية، يعني إذا كانت هذه العلاقة تتم في الحديقة.
عمرو أديب: أنا بتكلم عن المجتمع الإسلامي. شحرور: المجتمع الإسلامي، أي رجل وامرأة توافقا، دون سفاح، فعشرة ما بينهما حلال إذا كانت غير متزوجة، أما إذا كانت متزوجة فزنا (فولوستوب). * عمرو أديب: هذا فوق الأربعة نساء؟!
شحرور: فيه ملك يمين مئة، عبد الرحمن بن عوف كان عنده ٩٠ ملك يمين، العدد مفتوح طبعا، ولكن على أساس ألا يكون فيه سفاح، يعني لا يشترك معه في المرأة أحد. خالد الجندي: يعني ملك اليمين الذي يتم باتفاق بين الرجل والمرأة بدون أجر.
شحرور: هذا عقد اجتماعي، لو تم توثيقه بينهما صار قانونا. خالد الجندي: يعني لو كتبت إقرار بأنها موافقة على هذا محدش ليه عندنا حاجة؟ شحرور: طبعا، محدش ليه دعوى. عمرو أديب: ومش حرام؟! شحرور: إطلاقا.
عمرو أديب: عايز أسانيد من القرآن والسنة. شحرور: الزنى يحتاج إلى ٤ شهود. خالد الجندي: الشهود في حالة الإثبات، لو مش عايزين نثبت الزنا، يعني الزنا هو إيه بقى؟! شحرور: الزنى هو علاقة مع امرأة متزوجة، أو مع امرأة غير متزوجة ولكن في العلنية، يعني أمام الناس. * خالد الجندي: يعني لو في بيت مش زنا؟!
شحرور: إذا كان بالاتفاق، وبشرط أن تكون المرأة غير متزوجة. خالد الجندي: بأجر أم بغير أجر؟! شحرور: هذا حسب الاتفاق بينهما. خالد الجندي: طيب لو حصل حمل من الزنا؟! شحرور: هذا ذنبها، هيه وافقت على هذا؟! * خالدي الجندي: يعني تعمل إيه في هذا المولود؟! ترميه في الباسكت؟!
شحرور: ٨٠٪ من النكاحات التي تحدث في الكرة الأرضية حلال. عمرو أديب: أين الأسانيد من القرآن والسنة؟! * شحرور: هذا كله جايبه من القرآن: «وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ… مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ»
خالد الجندي: يعني إيه متخذات أخدان؟! شحرور: عندك حالتان: مرة يقول: « مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ»، ومرة يقول: « مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» لأن ملك اليمين للمرأة وللرجل. خالد الجندي: يعني إيه «أخدان» يا دكتور شحرور؟! شحرور: يعني يحترم المرأة التي معه، ولا يأتي لها بصحبته.
ثم أنتهى الحوار بقول الدكتور شحرور: «الزواج: صهر ونسب وأسرة، وغير ذلك ملك يمين، الأمر واضح تماما».
أقول:
أولا: أنا لا أعترف بالشيخ خالد الجندي ولا بغيره، ونقلت لكم هذا الحوار للوقوف على كلام ورأي الدكتور شحرور فقط.
ثانيا: إن المسلم الذي يريد أن يدرس القرآن، ويتدبر آياته، بهدف أن يقف على أحكام شريعته، يحرم عليه أن يفعل ذلك، دون أن يكون مؤهلا علميا إلى هذا العمل، حتى لا يَضِل ويُضِل غيره.
وأول الطريق لاستنباط أحكام القرآن، والوقوف على ما هو حلال وما هو حرام، أن يضع المسلم لنفسه منهجًا علميًا، يحمل أدوات لفهم القرآن، تكون مستنبطة من ذات النص القرآني، وهذا ما لم يفعله الدكتور شحرور، ولو فعله ما جاء في «١٧ – ٢ – ٢٠١٥» وقال:
«طرحت في منشورين سابقين موضوع ملك اليمين، على شكل أسئلة، ﻷستفيد من رأي المتداخلين، باعتبار أن الموضوع (لم يتبلور لدي بشكل نهائي بعد)!!!
والسؤال: لماذا لم يُسرع الدكتور شحرور إلى ما كتبه في تعريف المصطلحات المستخدمة في مشروعه الفكري، ولم يكتب تحت تعريف ملك اليمين: «لم يتبلور لدي بشكل نهائي بعد»؟!!
ولو اتبع الدكتور شحرور المنهج العلمي في تدبر القرآن، فأنا على يقين أنه سيعيد كتابة هذا الفصل الخاص بتعريف المصطلحات، وسيكتب: «لم تتبلور المصطلحات لدي بشكل نهائي بعد»؟!!
محمد السعيد مشتهري
(502) 20/8/2016 (ملك اليمين وأزمة الشهوة الجنسية)
عدد المشاهدات : 420
على الرغم من قول الدكتور شحرور في «١٧ – ٢ – ٢٠١٥» إن موضوع ملك اليمين لم يتبلور لديه بشكل نهائي، إلا أنه قال بعدها: «ولكن الأمر المؤكد بالنسبة لي أن الزوجة ليست ملك اليمين، والعكس صحيح، وأن ملك اليمين ﻻ علاقة له بالرق»، وهذا الذي قاله يهدم قوله: «إن الموضوع لم يتبلور لديه بشكل نهائي»!!
وفي المنشور السابق سألت: إذا كان موضوع « ملك اليمين » لم يتبلور لدى الدكتور شحرور بشكل نهائي، فلماذا لم يلغ تعريفه من على موقعه الرسمي، حتى لا يتمسك به التابعون له بغير علم، هذا التمسك الذي ظهر جليا في تعليقاتهم على المنشور؟!
لقد أقام الدكتور شحرور مفهومه لملك اليمين على أساس اعتقاده أن «الزوجة ليست ملك يمين..»، وهذا الاعتقاد هو الذي تبلور في ذهنه بشكل نهائي، وما عداه فمسائل تفرعت عنه، فإذا هدمنا هذا الاعتقاد الذي تبلور في ذهنه، هدمنا أيضا ما لم يتبلور بعد.
يقول الله تعالى في سورة الأحزاب، «الآية ٥٠»:
« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ».
تدبر قوله تعالى: « إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ »، فمن هؤلاء «الأزواج»:
أولا: الأزواج « اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ » فقط
ثانيا: الأزواج من ملك اليمين « مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ » فقط
ثالثا: الأزواج من الأقارب « اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ » فقط
رابعا: الأزواج من المؤمنات « إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا » فقط
ثم تدبر قوله تعالى في ختام هذه الآية:
« قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ »
فهل معنى قوله تعالى: « فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ »، أن ملك اليمين ليس من «الأزواج»، كما فهم البعض من قوله تعالى في سورة المؤمنين: « إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ » أن ملك اليمين غير «الأزواج»؟!
إن الذي يفهم ذلك لا دراية له بعلم السياق القرآني، وما يسمى بالمفهوم الضمني، فقد نصت آية سورة الأحزاب بال دلالة القطعية على أن ملك اليمين من الأزواج، «التصنيف الثاني»، فيستحيل أن يأتي الله في ختام الآية، أو في آية سورة «المؤمنون»، ويقول إن ملك اليمين ليس من الأزواج!!
نذهب بعد ذلك إلى ما تبلور لدى الدكتور شحرور بشكل نهائي، وقوله «إن الزوجة ليست ملك يمين..»، فيقول على صفحته في « ٢٧ – ١٢ – ٢٠١٤ » عن التصنيف الرابع:
«فالمرأة التي وهبت نفسها للنبي ليست من زوجاته، وكانت حرة، وليست أَمَةً، وليست أسيرة، ولم تأت من سوق النخاسة، وإنما هي ملك يمينه، أي أنها وهبت نفسها بملء إرادتها، أي أن ملك اليمين ﻻ يمكن أن يكون إﻻ بإرادة المرأة والرجل»!!
هكذا فهم الدكتور شحرور الآية، وهكذا يتدبر القرآن، وبهذه العشوائية الفكرية يستنبط أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يلتفت إلى أن هذا الحكم خاص بالنبي دون المؤمنين، لقوله تعالى بعده: « خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ».
وإذا كان إتيان «الشهوة الجنسية»، بدون عقد نكاح، حلالا تحت مسمى «ملك اليمين»، بشرط موافقة الرجل والمرأة على ذلك، كما ي زعم الدكتور شحرور، فتعالوا نرى ماذا قال بعد ذلك عن هذا «التوافق»:
« ومن سيعلق ويسألني: هل ترضاها ﻷختك أو ابنتك؟ فجوابي له: إن ابنتي أو أختي امرأة عاقلة راشدة حرة لها ارادة حرة وأنا ﻻ أملكها حتى أجيبه على سؤاله، ولكن إن سألني عن استعارة سيارتي فيمكن أن أجيبه بنعم أو لا، ﻷني أملكها »!!
إذن فالدكتور شحرور لا مانع عنده أن تقيم ابنته، أو أخته، علاقة جنسية «ملك يمين» إذا حدث توافق بين الطرفين، فإذا أخذنا هذه الفتوى كرخصة للخروج من أزمة «الكبت الجنسي» التي يعاني منها الشباب، فسنرى أمامنا، مع مرور الزمان، مجتمعًا لا ترتبط فيه المرأة بالرجل إلا على أساس «الشهوة الجنسية»!!
إن قوم نبي الله لوط، عليه السلام، أقاموا مجتمعهم على أساس «الشهوة الجنسية»، ولكن ببدعة جديدة: « أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ، بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ »، حتى وصل بهم الفجور إلى إتيانها في النوادي: « وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ »!!
إن إتيان « الرِّجَالَ ش َهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ » مع مرور الزمان، معناه انقطاع الذرية تماما، لذلك قال تعالى بعدها: « بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ »، لأنهم يعلمون علما مخالفًا للحقيقة، فهم يُدمّرون المجتمع الإنساني بقطع السبيل إلى الذرية، وهذا معنى قول الله تعالى: « أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ».
ولنا أن نتخيل، أن الله تعالى يرسل رسولا من أجل هذا الانحراف الأخلاقي، وهذا الشذوذ الجنسي، الذي في استمراره تدمير للمجتمع الإنساني، ولذلك دمر الله القرية بأكملها، وجعلها آية، ولكن لقوم يعقلون: « وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ».
فأين الذين يعقلون، ويعلمون أن «ملك اليمين»، بمفهوم الدكتور شحرور، معناه أن تصبح «الشهوة الجنسية»، مع مرور الزمان، هي الحاكمة على المجتمع الإنساني، فما أسهل تفريغ هذه الشهوة باسم ملك اليمين لتأخذ شرعية قرآنية، ويسعد بها الشباب والشيوخ، خاصة وأن «الكبت الجنسي» يزداد بين الجنسين يوما بعد يوم!!
وعندما تحكم «الشهوة الجنسية» المجتمع الإنساني، فقد عدنا إلى مج تمع الجاهلية الأولى، مجتمع «الهوى» و«المزاج المتغير»، فمتعة تفريغ هذه الشهوة لا تستغرق دقائق، ثم بعدها يبحث الرجل، وتبحث المرأة، عن «ملك يمين» جديد، من باب حب التغيير!!
فأين منظمات «حقوق الإنسان»، من هذا الشذوذ الفكري؟!
وأين «الفكر المستنير»، في أن تصبح قيمة المرأة الحرة، وقيمة الرجل الحر، محبوسة في سجن عبودية «الشهوة الجنسية»؟!
وأين «القراءة المعاصرة للقرآن»، في تحريف كلام الله، واستنباط أحكام ما أنزل الله بها من سلطان؟!
إن الحكم على مشروع الدكتور شحرور بأنه «متهافت»، ليس فقط بسبب تحريفه لكلام الله، في معظم الموضوعات التي كتبها، والمنشورة على موقعه الرسمي، والتي قرأتها بتدبر، ولا بسبب مفهومه الخاطئ لملك اليمين، لأن:
قضية ملك اليمين قد انتهت من جذورها ببعثة النبي الخاتم محمد، وما نزلت الأحكام القرآنية الخاصة به إلا لإدارة أزمة عالمية لا تتعلق فقط بعصر الرسالة، فجاء التعامل مع هذه الأزمة بمنطق الحكمة و «التدرج التشريعي».
إن السبب الحقيقي في الحكم على مشروع الدكتور شحرور بأنه «متهافت»، أنه يضع «السم في العسل»، أما «السم» فهو هذا الدين الجديد الذي وضع له المصطلحات الخاصة به، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأما «العسل» فهو كل ما كتبه ولم يأت فيه بجديد، وسبقه إليه الكثير!!
محمد السعيد مشتهري
(503) 26/8/2016 (نظام الزوجية في المجتمعات الإنسانية)
عدد المشاهدات : 205
لقد جاءت «آية الزواج» وسط منظومة من الآيات الكونية، لبيان أن عقد النكاح ليس عقدًا لقضاء شهوة جنسية، وإنما لإقامة «مجتمع إنساني»، قوامه «الذرية»، يحقق مهمة الاستخلاف في الأرض، على أساس إخلاص العبودية لله تعالى.
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ»
لقد جاءت «آية الزواج»، وسط منظومة من الآيات الكونية، لبيان أن عقد النكاح، «سكنٌ زوجي»، قوامه «المودة والرحمة».
« وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
ولقد جعل الله لهذا «السكن الزوجي» بابا واحدا للدخول، وهو «عقد النكاح»، يسمح لماء الرجل أن يلتقي بماء المرأة، لغرس البذرة الأولى لشجرة «الذرية»، في هذا «المجتمع الإنساني».
« هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا، فَمَرَّتْ بِهِ، فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»
لقد جعل الله التقاء ماء الرجل بماء المرأة، «آية» من آياته، من أجل المحافظة على الوجود الإنساني، وليس لمجرد قضاء شهوة جنسية، ثم ينتهي اللقاء!! كما حرّم قضاء هذه الشهوة دون «عقد نكاح»، وميثاق غليظ يأخذه الله من الرجل ومن المرأة، من قبل أن يتماسا، وجعل من شروطه المحافظة على حقوق الزوجية.
« وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا»
وفي إطار هذا الميثاق الغليظ، حرم الله المباشرة بين الزوجين وقت الصيام، وبيّن أن الهدف من قضاء الشهوة الجنسية هو ابتغاء الذرية، لبقاء النوع البشري والمحافظة عليه.
« أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ ك ُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»
إن قوله تعالى: « هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ»، وقوله تعالى «وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ»، وقوله تعالى في الآية السابقة: « وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ»، لا يعني الاستمتاع بشهوة جنسية وانتهى الأمر، وإنما أن يكون ذلك في إطار سكن زوجي، من الدفء والمودة والرحمة، كما لو كان الزوجان جسدًا واحدًا، يعيشان في لباس واحد.
لقد نزلت الشريعة القرآنية و«ملك اليمين» من النساء، مصدرا رئيسيا للاستمتاع الجنسي على مستوى العالم، وعلى مستوى بيوت الذين دخلوا في الإسلام، وكان من الصعب، بل من المستحيل، أن تنزل آيات تُحرم بقاء «ملك اليمين» في الأسواق المحلية والعالمية.
لقد اتبعت الشريعة القرآنية منهج «التدرج التشريعي»، في المسائل التي كان من الصعب تحريمها دفعة واحدة، وفي مقدمتها «ملك اليمين»، فجاءت جميع التشريعات المتعلقة بـ «ملك اليمين»، باعتبار أن منابعه قد أغلقت، والمط لوب تصفية ما هو قائم بين المسلمين.
لقد نزلت الأحكام المتعلقة بـ «ملك اليمين» ليس لإباحته من جديد، وإنما لتصفية منابعه ولم تبق إلا «الأسر»، لذلك نلاحظ استخدام الفعل الماضي «مَلَكَتْ» في جميع الآيات المتعلقة بهذا الموضوع: « مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، « مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ»، « مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ»، « مَلَكَتْ يَمِينُكَ».
إن جميع الآيات التي تحدثت عن تشريعات خاصة بـ «ملك اليمين»، لم تأت لإباحته للمسلمين مستقبلا، وإنما لوضع ضوابط تحكم ما كان موجودا، منها أنه لا يحل الاستمتاع بـ «ملك اليمين» إلا بـ «عقد نكاح».
«وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»
«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»
إن الشريعة القرآنية لم تبق من منابع «ملك اليمين» إلا «الأسر»، بل ووضعت له شروطا، فقال تعالى في سورة الأنفال:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَى، إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»
وقال تعالى في سورة الأنفال:
«مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
ويقول الله تعالى في سورة محمد:
«فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»
فهل الشريعة القرآنية، التي جاءت بتجفيف منابع «ملك اليمين»، ولم تبق إلا «الأسر»، وأمرت بإطلاق سراح الأسرى مقابل الفدية أو بدونها، يمكن أن تعود بالمسلمين إلى عصر الجاهلية، وتفتح لهم باب «ملك اليمين» من جديد، لتصبح العبودية للشهوة الجنسية، بعد أن حرّمت العبودية لغير الله؟!
إنه لا توجد آية قرآنية واحدة تبيح للمسلم أن يقيم علاقة جنسية مع امرأة دون «عقد نكاح»، يقوم على أساس ميثاق غليظ يأخذه الله من الرجل والمرأة، من قبل أن يتماسا، أي من قبل أن يصبحا زوجين، يضمن لهما حياة زوجية قوامها السكن والمودة والرحمة.
هذا هو نظام الزوجية في المجتمعات الإنسانية
محمد السعيد مشتهري
(504) 1/9/2016 (إلى أين أنتم ذاهبون، وأي إله تعبدون)
عدد المشاهدات : 196
معظم الناس لا يعلمون أن لقاء الله حق:
« حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ »
ومعظم الناس لا يعلمون ما يجب أن تكون عليهم حياتهم:
« حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا، وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »
ومعظم الناس لا يعلمون أن التوبة لا تكون عند حضور الموت:
« حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ، أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا »
ومعظم « المسلمين » يعيشون حياتهم مثل معظم الناس، يجعلون آخرتهم وراء ظهورهم، يتمتعون بزينة الدنيا، ويقولون إن العمل عبادة!!
فكيف تكون أعمالهم عبادة، وقد أشركوا بالله، « بتفرقهم في الدين »، وافتروا على رسوله الكذب، فنسبوا إليه « مصدرًا تشريعيًا » ما أنزل الله به من سلطان؟!
فماذا لو آتاهم الموت بغتة، فإذا هم في يوم الحساب:
« فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ … وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ »
وليس هناك إيتاء ثالث!!
فإذا ذهبنا إلى الذين « آمنوا » بالوحدانية، وبصدق النبوة، وبالآية القرآنية الدالة على صدق النبي الخاتم، وجدناهم يعيشون حياتهم مثل معظم المسلمين، لا فاعلية لما يؤمنون به على أرض الواقع، فأين « المجتمع الإيماني » الذي يجمعهم؟!
لقد عرفوا الإسلام « كلمة » تُقال أو تُكتب، مع أن عندهم « كتاب الله » لا يعلوه كلام، وحوّلوا « الآية القرآنية » التي في أيديهم إلى كتاب إلهي فقط، كباقي الكتب السابقة فأسقطوا بذلك أصلًا من أصول الإيمان، وهو الإيمان بـ « النبوة » الخاتمة، فكيف يؤمنون بها، وهم لم يروا « الآية » الدالة على صدقها؟!
فماذا لو آتاهم الموت بغتة، فإذا هم في يوم الحساب:
« حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي، وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا، أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »
تدبر العلاقة بين: « أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي »، و« أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »؟!
إن عدم تفعيل الآيات، والعمل بها في حياة الناس، « تكذيب لها »، فيا من صدّقتم بـ « الآيات »، ودرستم ما فيها، وعلمتم أحكامها..، ماذا كنتم تعملون لتفعيل هذه الآيات؟!
سيقولون: « كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ »
فهل أغنياء المسلمين، الذين يملكون الطائرات والجزر في دول العالم، مستضعفون في الأرض؟!
« أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا، فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا »
إن الله تعالى سيحاسب كل مسلم على قدر إمكانياته، وعلى مدى تقصيره في العمل على إقامة دين الله الحق في الأرض، بالتعاون مع كل من يخاف من هذا السؤال في الآخرة:
« أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »؟!
إن القاعدة التي ينطلق منها الذين يعلمون أن الإسلام « عمل »، هي خوفهم أن يكونوا من الذين قال الله فيهم:
« وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ، فَثَبَّطَهُمْ، وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ »
فماذا أعددت أنت من « عمل »، وماذا أعد أهل بيتك، وماذا أعددت لأبنائك وأحفادك؟!
إنه بسبب منهجي الفكري هذا، في التعامل مع القرآن، يقولون:
لا تسمعوا لمحمد مشتهري لأن كلامه « يصيبك باكتئاب »!!
إنهم يريدون من يضع عنهم أحكام الشريعة القرآنية، ويُنسيهم « ما يجب أن يكون »، ويعيش معهم « ما هو كائن »، ويأتي لهم بالنكت والقصص الفكاهية، فيُعلّقون على المنشورات، ومعهم صاحب الصفحة: «هههههههه»!!
لقد ورث معظم المسلمين «التفاهة»، وحب الدنيا، وهجروا الآخرة، وفهموا أن الإسلام قولٌ بلا عمل، وفكر ودراسات بلا واقع، فأصبحوا في ذيل الحضارة، شر أمة أخرجت للناس، وأصبح العمل الذين يهدد أمن العالم اليوم، هو عمل الذين يُفسدون في الأرض باسم الإسلام!!
فكيف استطاع المفسدون في الأرض أن يصلوا إلى هذه القوة المرهوبة؟!
ولماذا لا يملك أهل الحق، أهل القرآن، إلا الكلام والخطب المنبرية، والدراسات القرآنية التفسيرية واللغوية والعددية؟!
فماذا لو قامت الساعة، والمسلمون على حالهم هذا؟!
محمد السعيد مشتهري
(505) 6/9/2016 (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ .. تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ)
عدد المشاهدات : 223
لقد خلق الله تعالى هذا الوجود، وأرسل الرسل لتذكير الناس بأن « لا إله إلا الله »، وطلب من الذين يشكّون في هذه الحقيقة، أن يجيبوا على هذه الأسئلة:
١- أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا
* أَإِلََهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
٢- أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً
* أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
٣- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ
* أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ
٤- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
* أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٥- أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ
ومنذ أن خلق الله الوجود البشري، وكانت دعوة جميع الأنبياء والرسل تبدأ بقولهم:
« يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ »
ولم تتلق البشرية من أحد برهانًا واحدًا على أن هناك إلهًا مع الله، يشاركه في فاعلية أسمائه الحسنى.
إن الإيمان بوجود إله، هو الذي خلق هذا الوجود، أمر يُقر به المشركون:
١- وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
* لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ
٢- وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
٣- وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
٤- وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
* لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ
٥- وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ
٦- وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ
أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ
إن هذه المنظومة القرآنية، هي البرهان على أن المرء لا يكون مسلما، إلا إذا أقام إسلامه على أن « لا إله إلا الله »، ثم لم يُشرك بربه شيئًا:
« أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ، أَفَلَا تَذَكَّرُونَ »
إن معظم المسلمين لم يتربوا على أن « لا إله إلا الله »، أي على ملة الوحدانية، ولم يقيموا إسلامهم على دلائل « الوحدانية »، وفاعلية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود.
لقد أقام المسلمون إسلامهم على ما وجدوا عليه آباءهم، أي على الإيمان الوراثي، وكان أول شيء يهتم به الوالدان هو حرصهم على تعلم أطفالهم الصلاة وحفظ القرآن!!
لم يتعلم الأطفال من هو هذا الإله « إلي حيزعل منهم » و« يعاقبهم » إذا هم لم يصلوا، وتربوا على الخوف منه دون أن يعلموا من هو، وما هي أسماؤه الحسنى التي يستحيل أن يشاركه فيها أحد من خلقه.
لم يخرج الأطفال في رحلات « يتفكرون » في دلائل الوحدانية المنتشرة حولهم في هذا الكون، وفي أنفسهم، ولم يتعلموا أن وراء هذه الدلائل إلهًا واحدا لا شريك له.
لم يتعلم الأطفال أن المشركين كانوا يؤمنون بوجود « الله »، بدليل الآيات السابقة التي بدأت بـ « وَلَئِن سَأَلْتَهُم.. »، وأن كفر المشركين جاء من باب أنهم أشركوا مع « الله » آلهة أخرى.
لم يتعلم الأطفال أن قول « لا إله إلا الله » لا يعني شيئًا إلا إذا قام على الفهم الواعي لمعناه، لذلك كان من السهل جدا، بعد بلوغهم الرشد، أن يشركوا مع « الله » آلهة أخرى، كما يفعل آباؤهم.
فلا نستعجب ..، ولا نستغرب ..، لماذا لم يوف الله تعالى بوعده للذين آمنوا وعملوا الصالحات، أن يستخلفهم في الأرض، ويُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويُبدل خوفهم أمنا؟!
لأنه سبحانه اشترط للوفاء بهذا الوعد شرطًا: « يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً »
ولا نستعجب ..، ولا نستغرب، عندما نجد أن منابر الدعوة الإسلامية، بمختلف توجهاتها الفكرية، لا عمل لها إلا الحديث عن أحكام الشريعة الإسلامية، دون أن نجد للمسلمين واقعًا ملموسًا نحو تغيير ما بأنفسهم، لإقامة دينهم الذي ارتضاه الله للناس جميعًا!!
ثم لا نستعجب ..، ولا نستغرب، عندما نجد معظم بيوت المسلمين قد خلت من تقوى « الله »، ومن الخوف من « الله »، ومن إخلاص العبودية « لله »، ومن قيام الليل …، فما قدروا « الله » حق قدره.
« وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ »
محمد السعيد مشتهري
(506) 19/9/2016 (أين الدين الإسلامي؟)
عدد المشاهدات : 207
إن «مقام الدعاء»، مقام قرب وصلة مباشرة بفاعلية أسماء الله الحسنى، فتدبر:
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
لقد أجاب الله تعالى على سؤال السائلين بنفسه، ولم يأمر نبيه أن يقوم بذلك، لبيان أنه لا وساطة في صلاة العبد وصلته المباشرة بفاعلية أسماء الله الحسنى، وأن استجابة الدعاء وعد محقق من الله تعالى.
فلماذا لم يستجب الله لدعاء عباده الموحدين المؤمنين المسلمين، خلال قرون مضت، وأين ذهبت الخيرية التي شَرّف الله بها الأمة الإسلامية؟!
الجواب: لأن «الوعد» مرتبط بشرط: «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
إذن فالقضية ليست في الوفاء بـ «وعد الله»، وإنما في عدم التزام المسلمين بـ «الشرط»!
لقد انشغل المسلمون بالوعد، وظلوا قرونا من الزمان ينتظرون أن ينصرهم الله على أعدائهم، ويصلح بالهم، ويشفي مرضاهم، ويبارك في ذريتهم..، ولا تمر دقيقة «بنظرة إلى العالم» إلا ونجد دعاءهم تهتز له جدران المساجد، والأماكن المقدسة!
ولا تمر دقيقة إلا ونجد شبكات التواصل الاجتماعي، مزينة بالصور الملونة والمزخرفة التي تحمل جميع أنواع الأدعية، حتى التي فيها شرك صريح بالله تعالى!
لقد أصبح الدعاء «موضة»، كما أصبح توزيع المصاحف الملونة، في الأعياد والمناسبات والمواسم المختلفة، «موضة»!
لقد هجر المسلمون كتاب الله ولم يحققوا «الشرط»، فلم تتغير حياتهم منذ قرون مضت، إلا الاتساع الكبير لدائرة التزود من زينة الدنيا وشهواتها، بدعوى أنها عبادة!
لم يبق للمسلمين من ظاهر الإسلام إلا منظومة الفكر الإسلامي، وهي «ترف فكري»، والصلاة، أي «الهيئة»، والزكاة وهي «عقيمة» لا تسمن ولا تغني من جوع، ومناسك الحج والعمرة، بلا «جوهر»، والدعاء «الأجوف»، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!
شيء غريب وعجيب، أن تتحول حياة المسلمين المؤمنين، حملة «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة رسولهم محمد، إلى ترف فكري، وعبادات ومناسك، والتزام ظاهري بأحكام الشريعة، وكل ذلك معلق في الهواء، لا يقوم على قواعد إيمانية راسخة، ومازالوا ينتظرون «الوعد»، وقد هجروا «الشرط»:
«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
فأين هذا «الرشد» الذي هدى المسلمين إلى صراط ربهم المستقيم، والذي أنشأه إيمانهم بالوحدانية، وعدم تفرقهم في الدين؟!
إن «الدين الإلهي»، الذي حملته نصوص «الآية القرآنية»، نظام ومنهج حياة للوجود البشري، وكان يجب على المسلمين، الذين اصطفاهم الله ليكونوا شهداء على الناس، أن يقيموا مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، الذي سيخرج الناس من الظلمات إلى النور.
فهل يمكن أن يقيم المسلمون «الدين الإسلامي»، في بيوتهم، ومعيشتهم، ومعاملاتهم، بدون مجتمع إيماني؟!
الإجابة: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا، فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»
إن الإسلام «دين» إلهي، أي نظام حياة، له قواعده وأصوله القرآنية، والإيمان «إقرار» بأن يقوم هذا «الدين» على الأصول الإيمانية التي أمر الله الإيمان بها، وفي مقدمتها إخلاص العبودية لله تعالى، والتسليم بكل ما أمر الله به تسليما.
وبعد أن تتدبر الآية السابقة جيدًا، انظر إلى معيشتك في بيتك، وأسلوب تربية أولادك وأحفادك، والنظام المتبع في عملك، وفي معاملاتك المالية والتجارية، وأماكن التسويق والترفيه التي تذهب إليها، والأسلوب العشوائي المتبع في عقود النكاح، وقضايا الأحوال الشخصية..، واسأل نفسك:
أين «الدين الإسلامي»، الذي ارتضاه الله للناس، والذي سيقوم الحساب في الآخرة على مدى التزامهم به؟!
فإلى أين نحن «ذاهبون»، ومتى «سنستيقظ»، وعلى أي أساس قرآني «نعيش»؟!
محمد السعيد مشتهري
(507) 22/9/2016 (الرد العلمي على علماء مرصد الأزهر)
عدد المشاهدات : 197
الجزء (1)https://www.youtube.com/watch?v=x5vSo53iAvk
الجزء (2)https://www.youtube.com/watch?v=K7Aq0BfxbZw
الجزء (3)https://www.youtube.com/watch?v=uVYWKtuivTI
الجزء (4)https://www.youtube.com/watch?v=8y4_qbX4yAA
الجزء (5)https://www.youtube.com/watch?v=mUEXXRQqvKI
الجزء (6)https://www.youtube.com/watch?v=vrmkfxXJ_-U
الجزء (7)https://www.youtube.com/watch?v=MiHE1GpqsGk
الجزء (8)https://www.youtube.com/watch?v=RFbCLi8thGs
علما أني أعمل بإمكانيات فنية متواضعة، فرضتها طبيعة وظروف التحديات التي يواجهها مشروعي الفكري، فمعذرة عن الأخطاء الفنية.
(508) 26/9/2016 (على أي أساس نفهم القرآن؟)
عدد المشاهدات : 221
يقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
تعالوا نتوقف كثيرًا عند قوله تعالى: « لِيُبَيِّنَ لَهُمْ »
إن مهمة اللسان البيان، والبيان «علم»، ليس قاصرًا على إظهار قواعد اللغة العربية وأساليبها البلاغية، التي تضبط تركيب الجملة وتُبيّن معناها، وإنما يشمل أيضا دلالات الكلمة، «اسم، فعل، حرف»، المتعلقة بمختلف العلوم والمعارف، التي تجعل للجملة قيمة بيانية.
ودون دخول في تفاصيل الفرق بين «اللسان» و«اللغة»، وهل اللسان هو اللغة، واللغة هي اللسان، فإن التحقيق العلمي في هذه المسألة، أن «اللسان» هو الوعاء الجامع لكل ما تميزت به لغات ولهجات الأمة الواحدة.
ولقد بعث الله النبي الخاتم محمدًا، والقبائل العربية تتحدث بأكثر من لغة: لغة قريش، وقيس، وكنانة، وتغلب، وربيعة، ومضر، وتميم، وغطفان..، وأنزل عليه الكتاب بـ « لسان عربي مبين»، تفهمه جميع القبائل.
« نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ »
إن العرب لم يتعلموا «اللسان العربي المبين» من القرآن، فقد كانوا يتحدثونه وقت نزول القرآن، أي أن القرآن نزل بلسانهم الذي ورثوه عن آبائهم، فأين ذهب هذا «اللسان العربي المبين»؟!
أولا: هل تَعَلَّمَ العرب في طفولتهم «اللسان العربي المبين»، الذي نزل به القرآن؟!
لا: لقد تعلم العرب، في مراحل التعليم المختلفة، قواعد اللغة العربية وبعض أساليبها البيانية، ثم بعد أن حصلوا على الشهادات، تبخر كل شيء في الهواء، وأصبحت «العامية» لسانهم، وأصبحوا أعاجم أمام لسان القرآن « العربي المبين »!
* فلا تنسوا وأنتم تتعاملون مع القرآن، وتستنبطون أحكامه، أن تسألوا أنفسكم:
من أي المصادر المعرفية تعلمتم كيف تقرؤون الكلمة القرآنية، هل من داخل القرآن؟!
ثانيا: هل حَمَلَ القرآن مسميات الأسماء، وكيفيات أداء الأفعال، ودلالات الحروف؟!
لا: إن القرآن عبارة عن جمل، تحمل كلمات عربية، أما مسمياتها ودلالاتها فليست في القرآن، وإنما تعلمها العرب من خارج القرآن، من منظومة المعارف المحيطة بهم، والتي حفظها الله من لدن آدم عليه السلام، لتكون للرسالات الإلهية فاعلية بين الناس.
« وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »
إن قوله تعالى: « ثُمَّ عَرَضَهُمْ »، يعني أن الله عرض «المسميات» على الملائكة، وليس «الأسماء»، وإلا لقال تعالى: «ثم عرضها»، ثم طلب من الملائكة أن يذكروا «أسماء» هذه الأشياء التي أمامهم: « أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ »، فقالوا: « سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ».
* فلا تنسوا وأنتم تتعاملون مع القرآن، أن الكلمة القرآنية، «اسم، فعل، حرف»، لها واقع خارج القرآن اسمه «المسمى»، محفوظ بحفظ الله له، وتفاعل هذا الواقع مع الكلمة القرآنية، في جميع مجالات العلوم المختلفة، حمله «اللسان العربي المبين».
ثالثا: إن حفظ «الذكر» هو حفظ «الاسم» و«المسمى»، لأنه يستحيل أن يتذكر الإنسان أشياءً لم تتكون عنده صورة ذهنية لها، لذلك تعهد الله بحفظ «الذكر»، فحفظ «القرآن»: الكلمة «المقروءة»، ومقابلها الكوني «المشاهد».
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
* فلا تنسوا أننا نتعامل مع القرآن اليوم بخلفية ثقافية، تقوم على أبجديات اللغة العربية التي تعلمناها في البيئة التي ولدنا فيها، وعبر مراحل التعليم المختلفة.
وبهذه الخلفية الثقافية نقرأ القرآن قراءة مبتورة، فنتعامل مع الكلمات القرآنية بمعزل عن تفاعلها مع المقابل الكوني، المحفوظ بحفظ الله له.
لذلك خرج علينا من يتقولون على الله بغير علم، ويُحرّف ون دلالات الأسماء ومسمياتها، التي تواصلت معرفيا، أمميا وعالميا، بدعوى «القراءات العصرية للقرآن»!
رابعا: هل يمكن التعرف على آيات الآفاق والأنفس، المذكورة في القرآن، دون مشاهدة «مقابلها الكوني»، وسؤال أهل التخصص العلمي عنها؟!
عندما يقسم الله تعالى بـ: «الشَّمْس»، فمن أي المصادر المعرفية عرف العرب معنى كلمة «الشمس»، هل لها صورة في كتاب الله، أم عرفها العرب في سن الطفولة قبل أن يعرفوا القرآن أصلا؟!
وعندما يقسم الله تعالى بـ: «ضُحَاهَا»، فمن أي المصادر المعرفية عرف العرب هذه الظاهرة الفلكية التي تسمى «الضحى»، هل لها تفصيل في كتاب الله، أم تفصيلها عند علماء الفلك؟!
* فلا تنسوا أن القرآن لم يحمل صور مسميات كلماته العربية، ولا دلالاتها البيانية والبلاغية، وهذا القدر الذي تعلمه العرب من «اللسان العربي»، ومن «اللغة العربية» مسحته «العامية» من الذاكرة.
خامسا: عندما نريد استنباط أحكام الشريعة من القرآن، علينا أن ن تعامل مع النص القرآني بحيادية تامة، ونعطي للخلفية الثقافية العربية الموروثة ظهورنا.
فلا يصح مثلا:
١- أن آتي على آيتين في كتاب الله، وأستنبط منهما مواقيت الصلاة، بمعزل عن المتخصصين في علم الفلك:
أ- « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ »
ب – « أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا »
فيخرج علينا من يقول: إن الصلوات إثنان، وآخر يقول ثلاث، والحقيقة أنها خمس، حسب ما فهمه أهل «اللسان العربي»، ونقلته «منظومة التواصل المعرفي»، وأيده علماء الفلك، حسب الإشارات الفلكية الواردة في الآيتين.
ثم تعالوا نسأل الذين يريدون أن يتعاملوا مع النص القرآني مباشرة، دون الاستعانة بما فهمه أهل «اللسان العربي» في عصر الرسالة، ونقلته لنا «منظومة التواصل المعرفي»:
ما معنى فعل «أقم» ـ «قائما» – «قياما»؟! هل يوجد وصف في القرآن لما يجب أن يفعله المسلم، استجابة لفعل الأمر «أقم»، وكذلك الركوع والسجود؟!
ثم ما معنى «الصَّلَاةَ»؟! وما معنى « طَرَفَيِ النَّهَارِ »؟! وما معنى «زُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ»، وما معنى « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »؟! وما معنى « غَسَقِ اللَّيْلِ »؟!
فهل في القرآن وصف لكيفية هذه الصلاة، ولهذه الظواهر الفلكية؟!
٢- هل أسماء الأشهر العربية، وأيام الأسبوع، موجودة كلها في القرآن، أم تعلمناها من «منظومة التواصل المعرفي»؟!
٣- وعلى سبيل المثال:
عندما نقرأ قصة نوح، عليه السلام، ونجد أمامنا قوله تعالى: « وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ»، فهل بيّن القرآن نوعية هذه «الألواح»، وما هي «الدسر»، أم سنلجأ إلى علم «اللسان العربي المبين» تبحث فيه عن معناها؟!
إن الذين يتصورن أن النص القرآني يمكن أن يُفهم بذاته، دون الاستعانة بعلم «اللسان العربي المبين»، الذي نقلته لنا «منظومة التواصل المعرفي»، هؤلاء ينطلقون من خلفيتهم الثقافية العربية الموروثة، والقرآن «آية إلهية»، تحتاج لكشف أسرارها إلى التخصصات العلمية المختلفة، وليس فقط إلى «اللغة العربية».
لقد خاطب الله تعالى بالقرآن أهل «اللسان العربي المبين»، وهؤلاء القوم هم الذين فهموا نصوص «الآية القرآنية»:
« قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » – « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » – « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » – « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » – « قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ » – « قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ».
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – يَتَفَكَّرُونَ – يَعْقِلُونَ – يَسْمَعُونَ – يَفْقَهُونَ – يَذَّكَّرُونَ
إن المسلمين لم يشكروا الله تعالى على هذه النعم، فأخذها منهم:
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِوَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًاكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
(509) 28/9/2016 (أزمة التوجهات الفكرية القرآنية)
عدد المشاهدات : 190
عندما قررت الانتقال من مرحلة الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي، سألت نفسي:
أولا: هل تستطيع أن تقرأ القرآن بدون الخلفية الثقافية العربية الموروثة؟!
هنا علمت فضل المرحلتين الإبتدائية والإعدادية في تعليمي كيف أنطق الحرف، وأكتب الكلم ة، وأتعرف على معاني الأسماء والمسميات، ودلالات الأفعال والحروف، من قبل أن أقرأ القرآن أصلا.
واليوم: نزل على العالم العربي من السماء، من يدّعون أن القرآن يمكن أن يُفهم وتستنبط أحكامه، دون الاستعانة بأي مصدر معرفي خارجي، فإذا سألناهم: أين تعلمتم التحدث بالعربية وقراءة حروفها وكلماتها؟! قالوا: في السماء!
ثانيا: افترض أن المسؤلين عن التعليم في العالم العربي، تآمروا على المسلمين، وعلموهم حروف الهجاء بطريقة غير صحيحة، وقالوا لهم إن الـ «أ» اسمها «هـ»، وإن الـ «هـ» اسمها «ع»…، هل كان المسلمون سيفهمون القرآن كما فهمه رسول الله والذين آمنوا معه؟!
وهنا فهمت لماذا استخدم السياق القرآني كلمة «الذكر»، عند حديثه عن تعهد الله بحفظ كتابه الخاتم، ولم يستخدم كلمة «القرآن»، لأن حفظ «الذكر» يشمل حفظ النص القرآني، ومقابله الكوني في الواقع الخارجي.
واليوم: خرج على العالم العربي من الكهف، من يدّعون أن القرآن يمكن أن يُفهم وتستنبط أحكامه، دون فهم مقابله الكوني الموجود خارج القرآن، فإذا سألناهم: أين تعلمتم دلالات الكلمة القرآنية «اسم – فعل – حرف»؟! قالوا: في الكهف!
وبناء على ما سبق، وأن القرآن يستحيل أن يفهمه من نزلوا من السماء، أو من خرجوا من الكهف، فقد وضعت لنفسي منهجية علمية للتعامل مع القرآن، تحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني، وهي مفصلة في كتاب «المدخل الفطري إلى الوحدانية».
فإذا اتفقنا على أن العرب، الذين أنهوا المرحلتين الابتدائية والإعدادية، كمستوى أول لتعلم اللغة العربية، لم يكن بإمكانهم قراءة القرآن وفهم كلماته، بمعزل عن هاتين المرحلتين، فأرجو ألا ننسى هذه الحقيقة العلمية عند تعاملنا مع النص القرآني.
لقد أردت أن أبيّن، بهذه المقدمة، أننا أمام فوضى فكرية كبرى في التعامل مع القرآن واستنباط أحكامه، فقد أصبح لكل من عرف «كلمتين» موقع أو صفحة أو حساب على شبكة الإنترنت، ويمكن تقسيم هذه الفوضى الفكرية إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: «القرآن وكفى»، تدعي أنها تفهم القرآن من داخل القرآن فقط، دون الاستعانة بأي مصدر معرفي خارجي، والحقيقة أنهم يستعينون بخلفيتهم الثقافية العربية الموروثة، التي كونت عندهم صورة ذهنية للكلمة عند النظر إليها، أفلا تعقلون؟!
المجموعة الثانية: «الأصدقاء الترانزيت»، وهؤلاء يزورون المواقع والصفحات والحسابات، يقتطفون منها الأفكار التي تتمشى مع هواهم، ويدافعون عنها بغير علم، فإذا طلبت منهم البراهين العلمية الدالة على صحة هذه الأفكار، أمطروك بوابل من الكلام الإنشائي المرسل، لا حجة فيه ولا برهان!
المجموعة الثالثة: «المبتدعون»، وهؤلاء أقاموا مشاريعهم الفكرية على قاعدة «خالف تُعرف»، فكل حكم قرآني صحيح، يتفق مع فهم السلف للقرآن، يرفضوه شكلا وموضوعا، ثم خرجوا علينا بمنظومة من الأحكام معلقة في الهواء، لا علاقة لها لا بفهم السلف ولا بتدبر القرآن!
ويمكنكم الوقوف على أمثلة عملية تمثل هذه المجموعات، تمثيلا حقيقيا، بتدبر ما جاء في تعليقات الأصدقاء على المنشور السابق.
إن القول الفصل في علاج هذه الأزمة، وهذه الفوضى الفكرية، أن نتذكر دائما:
من علّمنا كيف نقرأ حروف الهجاء، ونُكوّن منها كلمة عربية، وموضوعا إنشائيا، حتى استطعنا أن نفتح مراجع اللسان العربي، ونفهم المكتوب فيها؟!
فاذهب يا صديقي إلى من علمك كيف تقرأ القرآن، واعترف له بالفضل، ثم اقرأ القرآن، وستجد نفسك تجهل كثيرا من كلماته، وستقف عاجزا، ماذا أفعل؟!
وأنا عندما وقفت عاجزا، عكفت على دراسة القرآن، باحثا عن الحل، وعندما وجدته أقمت مشروعي الفكري على أساسه.
والنتيجة: أنه يستحيل فهم الكلمة القرآنية «اسم – فعل – حرف»، دون الاستعانة بهذه الأدوات:
١- علم اللسان العربي، الحامل للغة العربية، والحاكم الضابط لها.
٢- علم السياق القرآني، يشمل سياق الكلمة، سياق الآية، سياق السورة.
٣- آليات عمل القلب، ومنها آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر.
٤- الآيات الكوني ة، وتشمل آيات الآفاق والأنفس.
٥- منظومة التواصل المعرفي، وهي المحور الأساس الذي تسبح في فلكه الأدوات الأربع السابقة.
و«منظومة التواصل المعرفي» من إبداعي، لم يسبقن إليها أحد في العالمين، وهي ما تُميز مشروعي الفكري عن غيره، وهي ليست «التواتر العملي»، وليست الثقافة المعرفية، وحجيتها لا تقوم إلا بوجود نص قرآني هو الذي يُحيلنا إليها.
ومن الغريب، والعجيب، إني فصلت وبيّنت مفهومي لهذه المنظومة كثيرا، باعتبار أني الوحيد الذي أستطيع أن أشرح ما أبدعته بيدي، وقد شرحتها في حلقتين من برنامج «نحو إسلام الرسول – المشكلة والمنهج»، ومع ذلك يخرج علينا من يقول في تعليقه:
«هذا منطق غريب ومبهم، ومنظومة التواصل المعرفي هذه هي نفسها التي نقلت إلينا حد الرجم وحد الردة والسبي و استعباد البشر، كونها معرفة فرضتها الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية للمكان والزمان، وهي ليست مقياسا لصحة أو خطأ هذه المعرفة أكثر من كونها تاريخا لتطور الأحداث والمفاهيم»
وهذا الذي ذكره في تعليقه لا علاقة له مطلقا بـ «منظومة التواصل المعرفي»، الذي يستحيل فهم القرآن دون الاستعانة بها.
إن الأزمة الحقيقية، أننا لم ندخل محراب القرآن بتواضع العلماء، بجميع تخصصاتهم العلمية، الذين يعلمون قدر أنفسهم وهم يتعاملون مع القرآن، باعتباره «آية إلهية»، وليس «كتابا إلهيا» فقط.
« أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا، وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ »
محمد السعيد مشتهري
(510) 30/9/2016 (الإحسان إلى الوالدين تربية )
عدد المشاهدات : 338
لقد جاء الأمر المؤكد بالإحسان إلى الوالدين، مباشرة بعد النهي عن الشرك بالله:
« وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »
فلماذا نخاف على أولادنا من الشرك، ولا نخاف عليهم من عقوق الوالدين؟!
قد يصل الوالدان إِلى مرحلة لا يستطيعان فيها الحركة إلا بصعوبة شديدة، ولا يستطيعان الاغتسال والتطهر، وهنا يبدأ الإِختبار الحقيقي للأولاد:
« إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا »
فهل يصبر الأولاد على الابتلاء، أم سيقولون لهما « أف » وينهروهما، ويتمنون لهما الموت؟!
طبعا أنت لا تتذكر يوم أن كنت طفلا، وكنت في حاجة إلى من يقوم برعايتك رعاية كاملة، ومنها رفع الأذى والخبائث عنك، فكانت أمك، ثم أبوك، فلماذا لا تريد أن ترد الديْن الذي عليك لهما؟!
إن الذين تربوا على عقوق الوالدين في الصغر، لا تنتظر منهم عدلا ولا إحسانًا في الكبر، يوم يكون من الإحسان أن تمنع عنهم أدنى درجات الأذى، أن تقول لهما « أف »، فكيف بمن ينهرهما، ولا يقول لهما « قَوْلًا كَرِيمًا »؟!
إن أول شيء يجب أن يتربى عليه الولد، «ذكرا كان أو أنثى»، أن يحترم الوالدين، ويتأدب معهما، ويقول لهما « قَوْلًا كَرِيمًا ».
وفي سبيل رعاية الأولاد، يبذل الوالدان كل ما في استطاعتيهما من جهد وتضحية، وهما سعداء، فإذا بالأولاد بعد بلوغهم الرشد، ينسون ما قدمه الوالدان من أجلهم، ويعيشون من أجل أزواجهم وأولادهم، بدعوى باطلة:
« إنها سنة الحياة – مينفعش يخدوا زمنهم وزمن غيرهم »!
والله تعالى يقول:
« وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا »
وهنا تظهر أهمية «اللسان العربي»، وعلم «البيان»، وما يحمله من أساليب البلاغة التي يستحيل فهم النص القرآن بدونها، وكلها يتعلمها المسلم من مصدر معرفي خارج القرآن.
فالله تعالى يقول:
« وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم »
فكلمة « جناح » وردت في كتاب لبيان المعنى المادي الذي يعرفه الناس جميعا، عبر « منظومة التواصل المعرفي »، وهو « جناح الطائر »، و« جناح الطائرة »..، فهل هو نفسه « الجناح » الذي ورد في قوله تعالى:
« فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ »، « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ »، « فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ »، « لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ »؟!
ثم هل هو « الجناح » الذي أمر الله رسوله أن يخفضه للمؤمنين، في قوله تعالى: « وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ »؟!
لقد بيّن الله أن « الذل » منبعه الرحمة، وشبهه بطائر يستعد للنزول من «علو»، فيخفض جناحيه حتى يصل إلى مكانه بسلام، وذلك لبيان ما يجب أن يتربى عليه الأولاد في الصغر، ليرحموا والديهم، ويدعون ربهم: « وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا »
إن الإنسان لن يستطيع أن يصل إلى هذه الدرجة من السمو الإيماني والأخلاقي، إلا إذا تربى في بيئة إيمانية تعمل الصالحات، لذلك تحول الخطاب إلى ضمير جمع المخاطبين، أي إلى المجتمع الإيماني، فقال تعالى:
« رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا »
إن مغفرة الذنوب تقوم على أساس عودة العاصي إلى ربه مستغفرًا، وامتثاله لأوامر الله، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا تربى المسلم على ذلك في بيئة إيمان ية، تعلم معنى معصية الله.
إن فترة بناء القواعد الأخلاقية التي تقوم عليها شخصية الأولاد الدينية، والتي غالبا ما تصل إلى سن السادسة، هي أكبر التحديات التي يواجهها الوالدان، بما لها من تأثير إيجابي أو سلبي على تربية الطفل، فهي فترة الاستمتاع بالطفولة البريئة، ولو كان ذلك على حساب انحرافها عن صراط ربها المستقيم.
لذلك أمر الله الوالدين بتربية أولادهم على الالتزام بأحكام الشريعة من قبل بلوغ الحلم، وجاء ذلك في أهم قضية تتعلق بمنظومة القيم الأخلاقية، وهي ما يحدث بين الزوجين من تصرفات، وكشف عورات، لا يجب أن يراها الأولاد، فقال تعالى:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ، طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »
تدبر: « ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ »، فأين هم « الَّذِينَ آمَنُوا » المخاطبون بهذه الآيات اليوم؟!
إن « الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ » يجب أن يتربوا على آداب الاستئذان، لماذا؟! لأن فعل الأمر في قوله تعالى: « لِيَسْتَأْذِنكُمُ » يعني أننا داخل دائرة ما يجب على الوالدين فعله، وإلا كان عدم التزامهما معصية.
واليوم، نرى المسلمين المؤمنين يتركون أولادهم، « الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ »، أمام الأفلام والمسلسلات، والموبيلات والآي باد، يشاهدون العورات دون رقيب، وعندما يبلغ الأولاد الحلم، يستيقظ الوالدان من سباتهم ولهوهم، على أزمة يصعب إدارتها بسهولة!
« وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ، فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »
تدبر: « كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ »، فأين هم الذين بيّن الله لهم هذه الآيات؟!
هل تربى الأولاد على تفعيل النص القرآني سلوكًا عمليًا في حياتهم، أم اكتفوا بالمواعظ التي تلقى على أسماعهم؟!
وهل التزم المسلمون بالعمل بآيات الله البيّنات، وخافوا على أولادهم من عدم الإحسان إليهما، كما يخافون عليهم من الشرك؟!
ثم ماذا يعني أن يذكر الله الإِحسان إِلى الوالدين في أربع سور، مباشرة بعد النهي عن الشرك:
البقرة: « لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »
النساء: « وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »
الأنعام: « أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »
الإسراء: « وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا »
لأن القاعدة التي تنطلق منها أحكام الشريعة الإلهية هي قاعدة «الوحدانية»، وهذه القاعدة هي التي تجعل الولد يخفض لوالديه « جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » حتى لو كانا مشركين.
« وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »
هذا هو « الإسلام »، وهذا هو « إسلام الرسول »، فأين نحن من « الإسلام »؟!
ومع كل ما سبق، فإن المسؤولية يوم القيامة فردية، يتحملها الإنسان عند بلوغ الحلم واكتمال رشده، لا علاقة له بآبائه.
فدلائل « الوحدانية » من حوله
« الآية القرآنية » تشهد بصدق الله الذي أنزلها، وصدق الرسول الذي بلغها
وأحكام الشريعة القرآنية واجبة الاتباع
وقد حفظ الله نصوصها ومقابلها الكوني، لتكون حجة على العالمين إلى يوم الدين
« وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ، فَثَبَّطَهُمْ، وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ »
محمد السعيد مشتهري
(511) 4/10/2016 (مواقيت الصلاة في القرآن)
عدد المشاهدات : 414
يسأل الصديق: ابوبكر عبدالله ، فيقول:
أتمنى لو أنك تبين لنا ما معنى: طرفي النهار / زلفا من الليل / قرءان الفجر / دلوك الشمس / غسق الليل.
والجواب:
إذا كنت تسأل عن إقامة الصلاة عند ظهور الظواهر الكونية التي ذكرتها آية سورة هود
« وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ »
والآيتان « ٧٨ – ٧٩ » من سورة الإسراء
« أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا »
فإن طرف الشيء هو نهايته، والطرفان لا يُعرفان إلا بعد تحديد ماهية الشيء، فإذا كان هذا الشيء يمر بمراحل، ولكل مر حلة خصائصها المميزة لها، فيكون لكل مرحلة طرفان.
فإذا اعتبرنا أن هذا الشيء هو أشعة الشمس، فإن أشعتها تمر «فلكيًا» بمراحل، لكل مرحلة طرفان:
المرحلة الأولى: يبدأ الطرف الأول مع ظهور أول ضوء للشمس «الفجر»، والثاني عند شروق الشمس، والمساحة الزمنية بين الطرفين هي وقت «صلاة الفجر».
والحقيقة أنه لم يصلنا عبر «منظومة التواصل المعرفي» صلاة مفروضة عند الطرف الثاني، وهو وقت «شروق الشمس»، وهناك أقوال كثيرة حول الحكمة من ذلك، لا أرى أهمية لذكرها.
المرحلة الثانية: ويبدأ الطرف الأول فيها مع الإنكسار الأول لأشعة الشمس، عند تعامدها على الأرض، وهو وقت «صلاة الظهر»، والطرف الثاني عند بداية الإنكسار الثاني لأشعة الشمس، وهو وقت «صلاة العصر»، والمساحة الزمنية بين الطرفين هي وقت «صلاة الظهر».
المرحلة الثالثة: ويبدأ الطرف الأول فيها من وقت «صلاة العصر»، والطرف الثاني عند نهاية الإنكسار الثاني لأشعة الشمس، وهو وقت «صلاة المغرب»، والمساحة الزمنية بين الطرفين هي وقت «صلاة العصر».
المرحلة الرابعة: ويبدأ الطرف الأول فيها من وقت «صلاة المغرب»، والطرف الثاني عند نهاية آخر ضوء لأشعة الشمس، وهو وقت «صلاة العشاء»، والمساحة الزمنية بين الطرفين هي وقت «صلاة المغرب»
إن قوله تعالى: « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ »، يجب أن ننظر إليه من المنظور الفلكي، الذي يقسم النهار إلى مساحات زمنية، لكل منها طرفان، « بداية ونهاية »، وبذلك يكون للنهار أكثر من طرفين، وقد بيّن الله ذلك، في سياق الأمر بوجوب التسبيح بحمده دوما، مخاطبًا رسوله محمدًا:
« فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ، ( وَأَطْرَافَ النَّهَارِ )، لَعَلَّكَ تَرْضَى »
وعن قول الله تعالى: « وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ »، فإذا كانت كلمة «زُلَفًا» تعني في اللسان العربي الأوقات المتقاربة، نفهم من ذلك أن السياق يتحدث عن صلاة التهجد، التي أشارت إليها الآية « ٧٩ » من سورة الإسراء: « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ »
فإذا ذهبنا إلى الآية « ٧٨ » من سورة الإسراء، وقوله تعالى:
« أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا »
إن من معاني « الدُلُوك » العلو والارتفاع، ففي لسان العرب: « دلكت الشمس: عَلَتْ واعْتَلَتْ »،ويكون المعنى حسب هذا السياق:
أقم الصلاة عندما تبدأ الشمس في الارتفاع، وعلامة ذلك ظهور أول ضوء لها، و« إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »، وعلامة ذلك اختفاء آخر ضوء لها.
والسؤال: هل يُعقل أن يأمرنا الله بإقامة صلاة واحدة، في مساحة زمنية تبدأ من « دُلُوكِ الشَّمْسِ »، وتستمر « إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »؟!
الحقيقة أن آية سورة هود:
« وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ »
جاءت تُبيّن عدد الصلوات التي أمر الله بإقامتها في هذه المساحة الزمنية التي ذكرتها آية سورة الإسراء.
أما عن قوله تعالى: « وَقُرْآنَ الْفَجْرِ »، فهو إشارة إلى فضل تلاوة القرآن وقت الفجر.
ومما لا شك فيه، أنه ما كان لي أن أفهم هذه الآيات، وما حملته من إشارات لظواهر فلكية، يُمكن أن نستنبط منها عدد الصلوات، ومواقيتها، وأسمائها، السابق بيانها، دون الاستعانة بـ «منظومة التواصل المعرفي».
محمد السعيد مشتهري
(512) 5/10/2016 (أزمة اللام في لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )
عدد المشاهدات : 199
أزمة « اللام » في « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »
يسأل الصديق Ibn Ghassan عن معنى « اللام »، التي وردت في كلمة « لدلوك »، في قوله تعالى: « أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »
فهو يرى، ويُصر على رأيه، أن هذه اللام كاللام في قوله تعالى: « إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي »
فهو يرى أن اللام في « لِذِكْرِي » ، كاللام في « لِدُلُوكِ »، فيقول:
« ويبقى في الأخير القول بأن ( لام دلوك ) تعني ذات معنى ومدلول لام ( لذكري ) خصوصاً وأن السياق متطابق ( وأقم الصلاة لدلوك الشمس…) (… وأقم الصلاة لذكري). فإذا كانت في ( لذكري ) غاية، أي أن إقامة الصلاة الغاية منها ذكر الله تعالى، فما هي الغاية منها في ( لدلوك الشمس )؟! »
وللإجابة على سؤاله، نحتاج إلى الرجوع إلى علم « اللسان العربي »، لنقف على استخدامات حرف « اللام »، في السياق القرآني، وهذا حرف واحد من حروف القرآن.
لذلك أرجو من الذين يظنون أن القرآن يمكن أن يُفهم دون الاستعانة بعلم « اللسان العربي » أن يتدبروا جيدا هذا المنشور، الذي لم يأت إلا بما هو موجود في مراجع « اللسان العربي » على شبكة الإنترنت.
تنقسم اللام من حيث العمل إلى قسمين: عاملة وغير عاملة
وأضرب مثالا على اللام العاملة، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
١- العاملة للجر ٢- العاملة للنصب ٣- العاملة للجزم
وهناك آلاف الأمثلة على ذلك في القرآن، منها:
* اللام الجارة للأسماء والضمائر ومعانيها، ومنها:
* لام الاستحقاق، ولام الاختصاص، ومنها: « الْحَمْدُ لِلَّهِ »، و« وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ »
* لام الملك، ومنها: « لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ »
* لام التعليل والسببية، ومنها: « إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ »
* اللام بمعنى «إلى»، وانتهاء الغاية، ومنها: « سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ »، ويبينها: « فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ »، وقوله تعالى: « كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى »
* لام الصيرورة، والتي تدل على أن ما بعدها يكون عاقبة لما قبلها ونتيجة له، ومنها:
« فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا »
فيستحيل أن يلتقطوه ليكون لهم عدوا، وإنما التقطوه فكانت العاقبة ذلك، فكيف نفهم هذا الأسلوب دون تعلم « اللسان العربي »؟!
* اللام بمعنى «على»، ومنها: « وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا »، ويبينه قوله تعالى: « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ »
* اللام بمعنى «الوقت»، والسياق هو الذي يحدد دلالته: ماضي، حاضر، مستقبل، ومنها:
« أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ »
فهل « لِدُلُوكِ » تعني قبل دلوك الشمس « في الماضي »، أم عند دلوكها « في الحاضر »، أم بعد دلوكها « في المستقبل »؟!
ومع جميع هذه الأزمنة، وبصرف النظر عن هل « إِلَى »، في قوله تعالى: « إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ » تعبر عن مساحة زمنية، أم عن غاية واتجاه، فإن السؤال الذي لم يجب عليه أحد حتى الآن من الأصدقاء المخالفين:
ما هو « اسم الصلاة »، التي يجب علينا أن نصليها « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة هود؟!
وما هو « اسم صلاة » الطرف الأول، و « اسم صلاة » الطرف الثاني، التي يجب علينا أن نصليهما، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة الإسراء: « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ »؟!
أما عن رأي الصديق ابن غسان: « فإذا كانت في ( لذكري ) غاية، أي أن إقامة الصلاة الغاية منها ذكر الله تعالى، فما هي الغاية منها في ( لدلوك الشمس )؟! »
فحسب ما بينته سابقا، فإن « اللام » في « لِذِكْرِي » ليست لام « الغاية » كما ذكر الصديق، وإنما تعني:
١- « لام التّعليل »، أي أن علة الصلاة، أو الهدف منها، هو ذكر الله « لِذِكْرِي »
٢- « لام التوقيت »، أي أقم الصلاة عند الوقت الذي جعلتُه « لِذِكْرِي »
واللسان العربي يحمل المعنيين
فإذا كانت مواقيت الصلوات التي أمرنا الله بإقامتها لا تحتاج إلى منهج علمي للوقوف عليها، ولا إلى علم الفلك، ولا إلى علم اللسان العربي، ولا إلى « منظومة التواصل المعرفي »، فلماذا إذن لم يجب على سؤالي أحد من الأصدقاء المخالفين؟!
وأعيد السؤال:
ما « اسم الصلاة » التي يجب علينا أن نصليها « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ »، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة هود؟!
وما اسم صلاة « الطرف الأول »، وصلاة « الطرف الثاني »، اللتان يجب علينا أن نقيمهما، استجابة لأمر الله الوارد في آية سورة الإسراء: « وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ »؟!
والجواب على السؤال مقدما:
يستحيل أن يأتوا من كتاب الله بجواب على هذا السؤال
وإنا لمنتظرون
محمد السعيد مشتهري
(513) 6/10/2016 (من أين عرف المسلمون مفهوم ومعنى الصلاة؟)
عدد المشاهدات : 212
لقد تعمدت تأخير نشر هذا الموضوع إلى ما بعد المنشورات السابقة، بعد أن نكون قد وقفنا على عينة من الذين تأثروا بالقراءات الشاذة للقرآن، وكشفوا عن أنفسهم بتعليقاتهم، وأثبتوا عدم درايتهم بمعنى قوله تعالى: « أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »
لقد فجر مشروعي الفكري بعض التحديات، في ما سبق نشره من موضوعات منذ إنشاء صفحة «نحو إسلام الرسول»، وحسابي هذا، لم يستطع أحد من أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، الذين فككوا بنية النص القرآني، وبدّلوا وغيّروا أحكام الشريعة القرآنية، وحرّفوا عدة الشهور التي عرفتها البشرية يوم خلق الله السموات والأرض..، لم يستطيعوا مواجهة هذه التحديات بعلم.
وموضوع هذا المنشور هو « التحدي الأكبر »
إن «تدبر القرآن» علم، لا مكان في مدرسته للجهلاء، فهو يقوم على منهجية علمية، تحمل أدوات، يستحيل فهم كلمة واحدة من القرآن، دون الاس تعانة بهذه الأدوات.
لقد انشغل الأصدقاء، في المنشورين السابقين، بالخلاف حول مواقيت الصلاة، ومعنى «طرفي النهار»، و«دلوك الشمس»، هذه المواقيت التي أمر الله المسلمين عندها بإقام الصلاة، كما انشغلوا بعدد الصلوات وأسمائها..، ولم ينشغل أحد منهم بمفهوم «الصلاة» أصلا، ومن أي المصادر المعرفية عرف المسلمون هذا المفهوم؟!
فمن خلال البحث عن جذر كلمة «صلاة»، نجد أنها وردت عشرات المرات، دون أن يُبين الله تعالى في مرة واحدة، معنى «الصلاة»، وماذا يفعل المسلم عندما يأمره الله بـ «الصلاة»، وما هي كيفية هذه «الصلاة»، وماذا يقول المسلم في «صلاته»؟!
وقد يخرج علينا من يقول: إن الله بيّن مفهوم «الصلاة»، في قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام:« وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »
وهذا استدلال عشوائي باطل، لأن الله تعالى لم يذكر في هذا السياق، أن الطائفين والقائمين والركع السجود، يفعلون ما له علاقة بما يسمى «الصلاة»، لأن ظاهر النص يُفهم منه، أن هناك في البيت طائفين، وقائمين، والركع السجود!
وإليكم المزيد من الأمثلة على ذلك:
١- « ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ »
ما معنى « وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوةَ »؟! « يعني يعملوا إيه »؟!
٢- « وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَشِعِينَ »
ماذا تعني الاستعانة بـ «الصلاة »؟! « يعني نعمل إيه »؟!
٣- « وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى »
ماذا يعني أن نتخذ « مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى »؟! « يعني نعمل إيه »؟!
٤- « أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »
و« الصلوات » جمع « صلاة »، فما هي هذه « الصلوات » التي ينزلها الله على المهتدين؟!
٥- « حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَتِ وٱلصَّلَوةِ ٱلْوُسْطَى وَقُومُواْ للَّهِ قَنِتِينَ »
وهنا، في هذا السياق، ما هي « الصلوات » التي أمر الله المؤمنين المحافظة عليها؟!
٦- « وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ »
ثم ما هي « صلوات » الرسول في هذا السياق؟!
٧- « وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِكَثِيراً »
ثم ما هي « الصلوات » في هذا السياق؟!
٨- « فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ »
ماذا كان يفعل زكريا، عليه السلام « وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ »، ثم ما هو « ٱلْمِحْرَابِ »، هل ذكر لنا القرآن معناه، فمن أي المصادر المعرفية عرفنا معناه؟!
٩- « يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوةَ وَأَنْتُمْ سُكَرَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ »
ما هي هذه «الصلاة»، التي يجب على المؤمنين ألا يقربوها، وهم سكارى، حتى يعلموا ما يقولون؟!
وقد يخرج علينا « عشوائي »، ليحدثنا عن « وَأَنْتُمْ سُكَرَى »، لا يا سيدي، موضوعنا عن مفهوم «الصلاة»!
١٠- « وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوةِ »
ما هي هذه « الصلاة »، التي ليس علينا جناح أن نقصرها؟!
١١- « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوةَ »
فما هي هذه « الصلاة »، التي أقامها الرسول، عليه السلام، عندما كان فيهم؟!
١٢- « وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ »
فماذا فعلت هذه الطائفة، التي لم تصل، عندما صلت مع النبي؟!
١٣- « فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوةَ، فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ، فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوةَ، إِنَّ ٱلصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَباً مَّوْقُوتاً »
ما هي هذه «الصلاة» التي جاءت في سياق هذه الآية، والتي عند اطمئنان المؤمنين، عليهم أن يقيموها في أوقاتها: « إِنَّ ٱلصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَباً مَّوْقُوتاً » ؟!
١٤- « إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلوةِ قَامُواْ كُسَالَى »
فماذا كان يفعل المنافقون وهم « كُسَالَى »؟!
١٥- « يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ..»
ما هي هذه « الصلاة »، التي يجب أن يقوم إليها المؤمنون، بعد أن يغسلوا…؟!
١٦- « وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً »
ما هي هذه « الصلاة »، التي كلما نادى المسلمون إليها، اتخذها الكافرون والمنافقون « هُزُواً وَلَعِباً »؟!
١٧- « إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلوةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ »
ما هي هذه « الصلاة »، التي يريد الشيطان أن يصد المؤمنين عنها؟!
١٨- « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ، تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ ..»
فما هي هذه « الصلاة »، وأين يؤديها المؤمنون، الذين أمرهم الله بمنع الشاهدين من الانصراف، بعد أدائها، حتى يتحمّلا وصية الميت؟!
١٩- « قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ »
فما هي هذه « الصلاة »، التي يجب أن تكون « لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ »؟!
٢٠- « وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلوةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ »
فما هي هذه « الصلاة »، التي على الذين « يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ »، أن يقيموها؟!
٢١- « وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً »
ماذا كان يفعل المشركون الكافرون عند البيت؟!
٢٢- « فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ، فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ، وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ »
فما هي هذه « الصلاة »، التي يجب على المشركين أن يقيموها بعد توبتهم؟!
٢٣- « وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً، وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ »
ما الذي نهى الله رسوله عن فعله، إذا مات أحد منهم؟!
٢٤- « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ »ماذا فعل الرسول لتكون هذه «الصلاة» سكنًا لهم؟!
هل وضع الصحابة أمامه ناحية القبلة، و«صلى عليهم»، كما يفعل المسلمون عند صلاتهم على الميت؟! وإذا كان لها مفهوم آخر، فمن أي مصدر معرفي عرفناه؟!
٢٥- « قَالُواْ يشُعَيْبُ أَصَلَوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ »
ماذا كان يقصد قوم شعيب بـ « أَصَلَوتُكَ »؟!
٢٦- « وَأَقِمِ ٱلصَّلوةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ »
ماذا كان يفعل النبي، عليه السلام: « طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ »؟!
٢٧- « أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّ مْسِ إِلَى غَسَقِ ٱلَّيلِ »
وماذا كان يفعل النبي: « لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ »؟!
٢٨- « وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً »
ما هي هذه «الصلاة »؟!
٢٩- « فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوةَ »
ما هي هذه «الصلاة »، التي ضيعها أهل الشهوات؟!
٣٠- « إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ »
ما الذي يجب على المسلم أن يقيمه لذكر الله؟!
٣١- وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا »
ما هي هذه «الصلاة »، التي يجب أن يأمر المسلم أهله بأدائها؟!
٣٢- « ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ »
ما هي هذه «الصلاة »، التي يجب على المسلم أن يخشع فيها؟!
٣٣- « أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَوَتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ »
« كُلٌّ قَدْ عَلِمَ » ماذا؟!
٣٤- « مِّن قَبْلِ صَـلَوةِ ٱلْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ، وَمِن بَعْدِ صَلَوةِ ٱلْعِشَآءِ »
ماذا يفعل المسلمون وقت الفجر، ووقت العشاء؟!
٣٥- « إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ »
فماذا يفعل المسلمون كي ينتهوا « عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ »
٣٦- « هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ »
ما هي هذه « الصلاة »؟!
٣٧- « إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً »
ما هي هذه « الصلاة »؟!
٣٨- « يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ ٱللَّهِ »
ما هي هذه « الصلاة »؟!
٣٩- « فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ »
ما هي هذه « الصلاة »؟!
٤٠- « ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ »
ما هي هذه « الصلاة »؟!
٤١- « وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى »
فماذا فعل المسلم؟!
٤٢- « فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ »
من هم هؤلاء؟! وعن أي « صلاة » يتحدث السياق؟!
٤٣- « فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ »
فماذا يفعل المسلم؟!
هذه هي معظم الآيات، التي وردت فيها كلمة « الصلاة »، من خلال البحث عن جذر الكلمة.فهذه كلمة واحدة، من كلمات القرآن، وأهميتها في أنها تحمل أمرًا إلهيا بإقام « الصلاة »، ولم يرد عن مفهوم هذه الكلمة، ولا عن معناها، أي شيء في القرآن، ويستحيل التعامل مع هذه الكلمة، بأي صورة من الصور، دون الاستعانة بما انفرد به مشروعي الفكري، وأسميه «منظومة التواصل المعرفي».
والسؤال: على أي أساس منطقي، قبل أن يكون شرعيًا، يخرج علينا أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، باجتهادات وتأويلات، ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يتبعهم المقلدون بغير علم، الذين يفترون على الله الكذب بقولهم: إن «اللسان العربي» هو لسان القرآن، فإذا سألناهم: وأين تعلمتم كيف تقرؤون حروف هذا «اللسان العربي»، هل من القرآن؟!
« يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ »
اذهبوا إلى نجوم القراءات الشاذة للقرآن، واسألوهم:
من أين جاؤوا بمفهوم كلمة واحدة من كلمات القرآن، اسمها « الصلاة »، ثم اطلبوا منهم أن يكفوا عن إضلالهم وتضليلهم للناس، وأن يتوبوا إلى الله، ويغلقوا مواقعهم وصفحاتهم أكرم لهم، لأنهم افتروا « ويفترون » على الله الكذب.
محمد السعيد مشتهري
(514) 6/10/2016 (الر د على مصطفي طه الراوي)
عدد المشاهدات : 219
الصديق مصطفى طه الراوى كتب تعليقا طويلا، على المنشور السابق، استلزم الرد عليه في هذا المنشور الخاص
يقول: « أول شىء ما هو هدف صلاة الله علينا؟! »
ويجيب: « إخراجنا من الظلمات إلى النور »
ثم يشرح لنا « الكيفية لصلاة الله التى هى صلة الله بك »، ويستند إلى الآية « ١ »، والآية « ٥ » من سورة إبراهيم:
« الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »
ويقول: « يبقى الهدف إخراجك من الظلمات الى النور »، والكيفية: «هى إرسال أو إنزال الآيات التى هى الكتاب »
ثم يقول: « يبقى صلة الله التى هى صلاة الله هى الكتاب »
إلى آخر ما ذكر عن الهدف من الصلاة
والملاحظة الأولي:
أن موضوع المنشور عن مفهوم ومعنى « الصلاة »، وليس عن الهدف منها، وعلي هذا لا يعتبر كل ما سبق له علاقة بالمنشور
ثم يقول: « يبقى عندي المثلث هو أنت تصلي، أى تعمل صلة مع الله، والله يعمل صلة معك، وانت تقيم الصلاة التى هى صلتك مع الناس لذكر الله، صلتك مع الناس دائما لابد أن تأتى بالزكاة، التى هى العمل الصالح، الذى يزكي نفسك عند الله »
والملاحظة الثانية:
الحقيقة أنا لم أفهم شيئا من هذه الفقرة، المفروض أن نأتي بمفهوم ومعنى الصلاة من مصدر معرفي، يحمل البراهين الدالة على صحة هذا المفهوم.
فماذا تقصد يا صديقي بهذا الكلام الذي ذكرته في هذه الفقرة؟! هل تقصد أنها مفهومك للصلاة؟! وإذا كان الأمر كذلك، فمن أي مصدر معرفي جئت بهذا المفهوم؟!
ثم يقول: « الله ضمن لك وقتين لكى تعمل معه الصلة، سورة النور: « من قبل صلاة الفجر »، ومن « بعد صلاة العشاء »، هذان الوقتان هما صلتك بالله، وكأنك تفتح يومك بالله وتنهيه بالله أيضا »
والملاحظة الثالثة:
نتدبر قوله « وقتين »، « الوقتان »، إذن هو يتحدث عن « أوقات »
وهذه الآية لا تتحدث مطلقا عن أوقات للصلاة، وإنما عن مساحة زمنية طويلة تبدأ من « بعد صلاة العشاء »، وتنتهي « قبل صلاة الفجر »!!
وهذه الآية دليل فقط على أن ما نقلته لنا « منظومة التواصل المعرفي » من أسماء الصلوات المفروضة، صحيح، وليست دليلا على مواقيت الصلاة، ولا على عددها، وهذا يعلمه من له دراية بعلم « السياق القرآني »
ثم يقول:
« كيف أعمل صلتى التى هى صلاتي بالله، هو أنزل لك كتاب، لتخرج به من الظلمات إلى النور، تعمل إيه بالكتاب ده؟! تتدبره، يبقى صلاة الفجر هى تدبر ما استطعت من آيات الله، لأنها هى الخريطة لصلاح عملك مع الناس، وأيضا صلاة العشاء هى أيضا تدبر بعض آيات الله »
والملاحظة الرابعة:
إذن مفهوم صلاة الفجر عند صديقي: تدبر ما استطعت من آيات الله، ومفهوم صلاة العشاء هى أيضا تدبر بعض آيات الله.
والسؤال: من أين جئت يا صديقي بهذا المفهوم؟! هل هذا الشرح موجود في كتاب الله، إذن فأتنا به؟!
أم جئت به من مصدر معرفي خارجي، فأتنا به؟! أم جئت به من عندك، إذن فأخبرنا؟!
ثم يقول أخيرا: « إقامة الصلاة هى علاقاتك مع الناس التى تبدأ بدلوك الشمس الى غسق الليل، وعلاقاتك هذه هى العمل الذى تقوم به مع الناس ومن خلاله يكون هو الميزان لك عند الله « عملوا الصالحات »، الموضوع بسيط جدا »
والملاحظة الرابعة:
فعلا يا صديقي، الموضوع أبسط من البساطة نفسها
محمد السعيد مشتهري
(515) 7/10/2016 (هل كان الرسول متبعا لملة إبراهيم حنيفا؟)
عدد المشاهدات : 220
هل كان الرسول متبعا لملة إبراهيم حنيفا؟!
إن التعامل مع القرآن الكريم يجب أن يكون من منطلق أنه كلام الله تعالى، وكلام الله يجب أن نتعامل معه بتقديس وعلم وأدب، وأعلم من الأصدقاء من استهانوا بقيمة القرآن العلمية، وتصوروا أن مجرد حضورهم المواعظ واللقاءات الفكرية، سيعصمهم من العشوائية الفكرية التي تهدم كل ما تعلموه.
لذلك عندما وضعت لنفسي منهجًا علميًا للتعامل مع القرآن، كان يجب أن يحمل هذا المنهج، أدوات لفهم القرآن، مستنبطة من ذات النص القرآني، بعد رحلة علمية واجهت فيها أنواع من التحديات، كان من الممكن أن يتحول منهجي من العلمية إلى العشوائية، لولا أن هذه الأدوات تم استنباطها من القرآن على أساس منهجي، كان من المستحيل أن أفهم القرآن بدونها، وهي:
أولا: اللسان العربي، « مصدر معرفي خارج القرآن »
لو أنني كنت غير عربي، ما استطعت أن أتعامل مع القرآن، ولا أن أستنبط منه أدوات فهمه، ولذلك كان يجب أن أعترف بالفضل للمدرسة التي تعلمت فيها كيف أنطق حروف اللغة العربية، وأكوّن منها جملة مفيدة، يفهما الناس، قبل أن أعرف القرآن أصلا.
كما يجب أن أعترف بالفضل للغة العربية، فبدونها ما استطعت أن أعلم أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وأن الوقوف على هذا اللسان العربي وعلومه، يحتاج إلى دراية بالمراجع التي حملت للناس قدرًا كبيرًا من هذا اللسان وعلومه، وفي مقدمة هذه العلوم «علم البيان».
ثانيا: آليات عمل القلب « مصدر معرفي داخل الإنسان »
عندما درست القرآن لأستخرج منه أدوات فهمه، علمت أن القرآن لا يُفهم إلا بآليات مركزها القلب، وهي: آليات التدبر والتفكر والتعقل والتفقه والنظر..، وفهمت لماذا أنزل الله تعالى القرآن على قلب النبي:
« وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ »
وبدون تفعيل هذه الآليات، يستحيل فهم القرآن واستنباط أحكامه.
ثالثا: السياق القرآني « مصدر معرفي داخل القرآن »
عندما أبحث عن مفهوم أو معنى كلمة من كلمات القرآن، في مراجع اللغة العربية أو اللسان العربي، يستحيل أن أقبلها إلا إذا قبلها سياق الآية التي وردت فيه، فالسياق القرآني هو الحاكم أولا وأخيرًا على مراجع اللغة العربية واللسان العربي.
رابعا: آيات الآفاق والأنفس « مصدر معرفي خارج القرآن »
يستحيل أن أفهم كلمة من كلمات القرآن، تتعلق بآيات الآفاق والأنفس، دون الاستعانة بأهل التخصص العلمي.
خامسا: منظومة التواصل المعرفي « مصدر معرفي خارج القرآن »
وهي المحور الأساس الذي تدور حوله الأدوات السابقة، وهي مفصلة في حلقتين « الثالثة والربعة » من برنامج «نحو إسلام الرسول – المشكلة والمنهج ».
وخلاصة هذه المقدمة، أنه يستحيل أن نفهم القرآن من ذات النص القرآني، يستحيل يستحيل، وأن الآيات التي يستدل بها من ليس لهم دراية بكيفية التعامل مع كتاب الله، ومنها قوله تعالى:
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا » ، « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ »، « وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ » ..، إلى آخر الآيات، أقول لهم:
اذهبوا بهذا القرآن الميسر، المفصل، واعطوه لغير عربي، واطلبوا منه أن يتلوه عليكم ويفسر لكم آياته، أفلا تعقلون؟!
أولا: إن من مناسك « الحج »، التي تؤدى في البلد التي نزل فيها القرآن بلسان أهلها العربي، منسك اسمه « الإفاضة »، يقول الله تعالى:
« ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ »
والسؤال: من هم هؤلاء « الناس»، الذين جعلهم الله مصدرًا معرفيًا خارج القرآن، لنتعلم منهم مكان وكيفية أداء « الإفاضة »، التي هي من مناسك فريضة الحج، ومنصوص عليها في كتاب الله؟!
أخبرونا يا من تعيشون داخل دائرة اسمها « الوهم »، بدعوى فهم القرآن من ذات القرآن، كيف تفهمون هذه الآية « على سبيل المثال » من داخل النص القرآني؟!
ثانيا: لقد أمر الله رسوله محمدًا والمؤمنين، باتباع ملة إبراهيم حنيفا، فقال تعالى:
« إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهَذَا النَّبِيُّ، وَالَّذِينَ آمَنُوا »
ويقول الله تعالى:
« ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »
ومن الأصول التي قامت عليها ملة إبراهيم، التي وردت في كتاب الله، بعد الإقرار بأصول الإيمان الخمسة، فريضة الصلاة، التي أقامها إبراهيم وذريته:
« رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ »
ويقول الله تعالى، على لسان إبراهيم عليه السلام:
« رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةًمِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ »
فهل أقام إبراهيم وذريته الصلاة أم لا؟! نعم أقامها، ولكن كيف؟! سنعلم بعد قليل، ولكن أليست ذرية إبراهيم هي التي سكنت الوادي، الذي عند البيت المحرم؟!
فأين هذا « البيت المحرم »، ومن أي المصادر المعرفية عرفنا مكانه، هل من خريطة جغرافية موجودة في كتاب الله؟!
ثالثا: لقد أمر الله تعالى إبراهيم، عليه السلام، أن يتخذ مساحة من الأرض، يبني فيها بيتًا للعبادة،يقول الله تعالى:
« وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »
ويقول الله تعالى:
« وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »ثم بيّن الله تعالى مكان هذا البيت، فقال تعالى:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ »
فمن أي المصادر المعرفية نعلم الفرق بين « بكّة » و« مكة »؟! وأين الموقع الجغرافي الذي تقع فيه « بكّة » أو « مكة »، التي وضع الله فيها أول بيت للناس؟! هل موجود في القرآن؟!
ثم هل ذكر أحد من المؤرخين، في العالم أجمع، أن « مكة » هذه لا وجود لها على الخريطة العالمية منذ قرون، ولا البيت الحرام، وأن أعداء الإسلام هم الذين ضحكوا على المسلمين وأوجدوا لهم هذا البيت؟!
وبناء على « نظرية المؤامرة » هذه، تصبح « الكعبة » ليست هي البيت الحرام، ويصبح كتاب الله محرفًا، لأن الله تعالى يقول: « جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ »، وتصبح « الجزيرة العربية »، التي بعث الله فيها النبي الخاتم محمدًا، أكذوبة!!
رابعا: عندما قال الله تعالى عن البيت: « فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ »، وقال تعالى: « وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى »، فهل « مقام إبراهيم » هو الموجود في البيت الحرام إلى يومنا هذا، أم أن أعداء الإسلام هم الذين وضعوه؟!
وعندما يخبرنا الله تعالى أنه أمر إبراهيم بالآتي:
« وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »فمن أي المصادر المعرفية نستطيع أن نقف على ماذا كان يفعل هؤلاء « الطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »؟!
فما هي هذه الهيئة، التي يتلازم فيها الركوع مع السجود، والتي أمر الله إبراهيم، عليه السلام، أن يطهر البيت للذين يقيمونها؟! ولماذا لم يقل الله تعالى في هذا السياق: « وَالْعَاكِفِينَ وَالرَّاكِعِين والسَّاجِدِين »؟!
الجواب: لأن تلازم الوصفين « وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ » دليل على أنهما يؤديان بكيفية أداء واحدة، فإذا عطف أحدهما على الآخر تفرقا واستقلا، وفي ذلك دليل قطعي على صحة هيئة الصلاة، التي نقلتها لنا « منظومة التوا صل المعرفي ».
وإذا كان الله تعالى قد جعل استقبال « القبلة » شرطا لصحة وقبول الصلاة، وهذه المعلومة وصلتنا أيضا عن طريق « منظومة التواصل المعرفي »، تفعيلا لقول الله تعالى:
« قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »
فعلى أي أساس « منطقي »، قبل أن يكون « شرعيًا »، لا نقبل مفهوم « إقامة الصلاة »، الذي حمله المسلمون جميعًا، بجميع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، في أذهانهم، من هيئة القيام والركوع والسجود، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، بصرف النظر عن خلافهم حول الفروع، كما بيّنت ذلك عند شرحي لـ « منظومة التواصل المعرفي »؟!
لقد ذكر الله تعالى ما ينص على صحة ما نقلته لنا « منظومة التواصل المعرفي » من هيئة الصلاة، وذلك عند بيانه لكيفية أداء الصلاة في حالة « الخوف »، ولو أن الصلاة كانت تعني ذكر الله والتسبيح والدعاء فقط، لاستطاع المرء أن يفعل ذلك في حالة الخوف بسهولة ويسر.
إن الآية التالية تثبت تهافت القول بأن الصلاة تعني الدعاء وتلاوة بعض آيات الكتاب، وذلك وقت الفجر، ووقت العشاء، لأن الذي يفعل ذلك يكون قد أعطى ظهره لكل الآيات السابقة وهو يحسب أنه يُحسن صنعا!!
يقول الله تعالى:
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ، وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ.. »
فما معنى « أَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ »، وما معنى « فَإِذَا سَجَدُوا »، في سياق الحديث عن ظروف معركة تسفك فيها الدماء؟!
وإذا كانت إقامة الصلاة سهلة وبسيطة بهذا الشكل الذي يدعيه من ليس لهم علاقة بمنظومة تدبر القرآن، إذن فقد كان كل مقاتل يستطيع أن يقيمها بتلاوة بعض آيات الكتا ب وهو على فرسه حاملا سيفه، فلماذا يجمع الرسول فريقًا من الجيش ليقيموا الصلاة، وفريقًا يكون من وراء الفريق الأول، ليحميه وقت « سجوده »، استجابة لقول الله تعالى بعدها:
« وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً »
ينصحني بعض الأصدقاء، ألا أهتم كثيرا بما يقوله اللادينيون، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، وأن أتوقف عن بيان البراهين الدالة على تهافت توجهاتهم الفكرية.
والحقيقة أني مطلع على التوجهات الفكرية لمعظم هؤلاء، وأعلم جيدًا من أين يأتي الأصدقاء المخالفين لي في الرأي بتعليقاتهم على هذه الصفحة، ولكني لا أكتب من أجل أشخاص، وإنما من أجل تأصيل حقائق بأدلتها العلمية القرآنية، حسب ما يمليه عليّ مشروعي الفكري.
محمد السعيد مشتهري
(516) 9/10/2016 (تهافت مفهوم الصلاة عند د.م. شحرور)
عدد المشاهدات : 2٬498
يقول د.م. شحرور، على صفحته:
« لقد رأينا أن من الضروري توضيح معنى الصلاة، جرياً وراء التوفيق، ورفع اللبس بين قوله تعالى في سورة الماعون: «فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون» واعتبار هذا القول موجهاً للمتقاعس عن أداء الصلاة بأوقاتها، كما ترى كتب التفسير، وبين قوله تعالى في سورة المرسلات: «ويل يؤمئذ للمكذبين … كذلك نفعل بالمجرمين»
ويقول: «واللبس يتلخص في أن الله سبحانه يتوعد المؤمن المتقاعس عن الصلاة بالويل، وهو واد سحيق من وديان جهنم، ويتوعد به في ذات الوقت المجرمين المكذبين»
ثم يقول: «ومن المستحيل أن يستوي في عدل الله سبحانه المسلم المؤمن المقصر في أداء الشعائر، والمكذب المجرم الكافر بوجود الله والمنكر للبعث ولليوم الآخر، وهو الذي يقول في محكم تنزيله: «أفنجعل المسلمين كالمجرمين . مالكم كيف تحكمون»
وحسب شروط البحث العلمي، يكون د. شحرور قد حدد بذلك مشكلة البحث، ثم جاء بالحل لهذه المشكلة، فقال: «والحل في رأينا».
وقبل مناقشته في الحل، أريد أن أبيّن أولا أن د.م. شحرور أخطأ في تحديد مشكلة البحث، وهذا يُسقط الحل الذي جاء به، ومع ذلك سأناقشه في المشكلة.
أولا: على أي أساس حدد د.م. شحرور مشكلته: أن الله تعالى يساوي المسلم المؤمن المقصر في أداء الشعائر، بالمكذب المجرم الكافر بوجود الله والمنكر للبعث ولليوم الآخر؟!
أجاب: لأن الله يقول في سورة الماعون: «فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون»، ويقول: «ويل يؤمئذ للمكذبين … كذلك نفعل بالمجرمين»
والسؤال: من قال إن مفهوم «الصلاة»، في هذا السياق، يعني أداء الكيفية المعروفة بالقيام والركوع والسجود، التي يؤديها المسلمون اليوم في أوقاتها، لماذا لا يكون مفهومها الدعاء؟!
أجاب: «كما ترى كتب التفسير»!!
وهذا هو التهافت الأول:
استناده إلى مصدر معرفي تراثي، في قضية خطيرة تمس أصول الإيمان.
ثانيا: يقول: «واللبس يتلخص في أن الله سبحانه يتوعد المؤمن المتقاعس عن الصلاة بالويل، وهو واد سحيق من وديان جهنم، ويتوعد به في ذات الوقت المجرمين المكذبين»
والسؤال: من أين جاء د.م. شحرور، أن «الويل» يعني: واديًا سحيقًا من وديان جهنم، توعد الله به المجرمين المكذبين؟!
الجواب: أكيد من عند «المفسرين»، التابعين لفرقة أهل السنة والجماعة!!
وهذا هو التهافت الثاني:
قيام مشروعه الفكري، الذي يدعي «المعاصرة»، على مرجعية «الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون».
والآن نأتي إلى ما قاله د.م. شحرور عن حل المشكلة.
أولا: «قال: لقد وردت الصلاة في التنزيل الحكيم بمعنيين محددين يختلف أحدهما عن الآخر في الشكل، ويلتقي معه في المضمون، فالصلاة في الحالتين صلة بين العبد وربه أساسها الدعاء، ولكن هذه الصلة أخذت منذ إبراهيم شكلين هما:
١ـ صلة بين العبد وربه، قالبها الدعاء، لا تحتاج إلى إقامة وطقوس، يؤديها كل إنسان له بالله صلة، على طريقته الخاصة، وقد وردت في التنزيل الحكيم «الصلاة» بالألف.
٢ـ صلة بين العبد وربه، لها طقوس وحركات محددة خاصة بها، كالقيام والركوع والسجود والقراءة، وتحتاج إلى إقامة، أي على الإنسان أن يقوم ليؤديها، وقد وردت في التنزيل الحكيم «الصلوة» بالواو، وهي من شعائر الإيمان».
والسؤال: من أين جاء د.م. شحرور بهذا الذي ذكره، عن اختلاف رسم الكلمة في السياق القرآني؟!
الجواب: طبعًا من عنده، فليس هناك في السياق القرآني ما يفيد هذا الذي ذكره!!
وهذا هو التهافت الثالث:
عدم ذ كره للمراجع التي استقى منها ما ذكره من معلومات، وهو الذي يدعي قيام قراءته العصرية للقرآن على أسس علمية.
ثانيا: استناده إلى آيات قرآنية، لتأييد ما ذكره عن سبب اختلاف الرسمين، وهي:
١ـ « رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِقَامِ (الصَّلَوةِ)، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ»
ثم قال بعدها: هنا «الصلوة» بالواو
٢ـ « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ، كُلٌّ قَدْ عَلِمَ (صَلَاتَهُ) وَتَسْبِيحَهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»
ثم قال بعدها: هنا «الصلاة» بالألف
أقول: صحيح أنها كتبت بالواو، ولكنها تنطق «ألفًا»، لذلك نجد على هذه الواو «ألفًا» صغيرة.ثم يذكر لنا سبب ورود «الصَّلَوة» بالواو، فيقول: «إنها جاءت بعد فعل الإقامة»، ليصل إلى أن معناها الهيئة، من قيام وركوع وسجود.
والسؤال: من أين جاء د.م. شحرور أن «الإقامة» تعني في هذا السياق، القيام والركوع والسجود؟!
هل هناك آية في كتاب الله وردت فيها هذه الكلمة «الصَّلَوة» مصحوبة بمعناه، وهو «القيام والركوع والسجود»، أي الهيئة المعروفة التي يؤديها المسلمون اليوم؟!
وهذا هو التهافت الرابع:
العشوائية الفكرية، التي لا تقوم على منهجية علمية
ثالثا: ويقول: «أما في الآية الثانية، فقد وردت الصلاة بالألف «صلاته»، والحديث فيها عن الطيور، ولما كنا نعلم أن الطيور لا تقيم «الصلوة» الطقسية المحددة بالركوع والسجود والقيام والقعود، فإننا نفهم أنها هنا بمعنى الصلة مع الله، وهي صلة تسبيح ودعاء يعلمها الطير، ولا نعلمها نحن، لولا أن أخبرنا تعالى بها وبوجودها».
أقول: إن قول د.م. شحرور، عن الآية «٤١» من سورة النور: «والحديث فيها عن الطيور»، هو أكبر دليل على هذه العشوائية الفكرية، التي تميز بها أصحاب القراءات القرآنية الشاذة، ذلك أن سياق الآية لا يتحدث عن الطيور فقط، وإنما أيضا عن «مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ »!!
إن كلمة «مَن» في قوله تعالى: «مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، تستخدم للعاقل، وكما أن في الأرض عقلاء، ففي السماء أيضا عقلاء، ومنهم «الجن»، ومنهم مسلمون: «وإنا منا المسلمون، ومنا القاسطون».
وهذا هو التهافت الخامس:
يستنبط أحكامًا بغير علم، ويتبع منهجًا عشوائيًا في استنباطه الأحكام، ثم يدّعي القراءة القرآنية المعاصرة!!
رابعا: وكعادته، يذكر مجموعة من الآيات، يخرجها من سياقها، ويُحرّف كلماتها، بنفس الطريقة التي بيّناها سابقًا، معتمدًا على أن جمهوره أصبح يثق في كل كلمة يقولها، ولا يهتم بالتحقق من صحة ما ينشره.
إن كلمة «صَلَوة» لم تكتب في القرآن كله، إلا وفوق «الواو» ألف صغيرة، للدلالة على أن أصل هذه الواو، «ألف»، وبذلك تتساوى «صَلَوة» مع «صلاة» في القراءة والمعنى.
إننا عندما نقرأ أو نسمع الرسمين «صَلَوة، وصلاة»، نجد أن رسم الكلمة لا يؤثر على معناها الذي في ذهننا، طبعا حسب السياق الذي وردت فيه، ويبقى أن نبحث عن الحكمة في وجود هذه «الواو»، حتى ولو جاء الكشف عنها على يد الأجيال القادمة.
ولكن لماذا؟! لأن «الواو»، التي أصلها «ألف»، ليست قاصرة فقط على كلمة الصلاة، ولذلك إذا أردنا أن نضع قاعدة تبين سبب اختلاف الرسمين، علينا أن نطبق هذه القاعدة على كل الكلمات المشابهة، مثل: «الزَكَوةَ، الحَيَوةِ، الرِبَوا»، وقد حملت الواو ألفًا صغيرة!!
إن من المفسرين من ذهب إلى أن «الواو» في كلمة «صَلَوة»، كتبت في سياق الأمر الإلهي بإقام الصلاة، ويقصد بها، كما ذهب د. شحرور، الهيئة المعروفة بالقيام والركوع والسجود، ولكن الذي يُبطل هذا الرأي قول الله لرسوله:
« خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ»
إن قوله تعالى: « وَصَلِّ عَلَيْهِمْ»، يستحيل أن يكون معناه: أقم «هيئة الصلاة» المعروفة عليهم، وإنما المقصود «ادعوا لهم»، بدليل قوله تعالى بعدها: «إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ«، فالذين يدفعون الصدقات للنبي، عندما يسمعون دعاء النبي لهم، تسكن قلوبهم وتسعد.
النتيجة: أن كلمة «صَلَوة»، التي كتبت بالواو، وردت هنا بمعنى «الدعاء»، وليس الهيئة المعروفة من قيام وركوع وسجود، كما ذهب د. شحرور.
وعلى العكس من ذلك، فقد وردت كلمة «صلاة» التي كتبت بالألف، في سياق الحديث عن إقامة الصلاة ذات الهيئة المعروفة، والتي تؤدى في مواقيتها، فقال تعالى:
« وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»
ودليل ذلك، أن الأمر بالمحافظة على الصلاة، وعلى مواقيتها، لم يأت إلا في سياق الحديث عن هيئة الصلاة المعروفة، من قيام وركوع وسجود، قال تعالى:
«حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ».
وأيضا في سياق الحديث عن قصر الصلاة، في حالة الحرب والخوف، «سورة النساء الآية ١٠٢»، وردت كلمة السجود: «فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ»، لبيان أن الحديث عن هيئة الصلاة المعروفة.
ثم بيّن الله تعالى، في الآية «١٠٣ من سورة النساء»، أن هذه الصلاة، التي رُسمت بالألف، يجب أن يقيمها المسلم في مواقيتها، فقال تعالى:
«فَإِذَا قَضَيْتُمُ (الصَّلَاةَ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ، فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا (الصَّلَاةَ) إِنَّ (الصَّلَاةَ) كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا»
والآن أذكركم بقول د.م. شحرور، في سياق حديثه عن الشكل الأول للصلاة:
«صلة بين العبد وربه، قالبها الدعاء، لا تحتاج إلى إقامة وطقوس، يؤديها كل إنسان له بالله صلة، على طريقته ال خاصة، وقد وردت في التنزيل الحكيم الصلاة بالألف».
إن قضية اختلاف رسم الكلمة القرآنية، مضى على دراستها وبحثها قرونًا من الزمن، على أيدي علماء اللسان العربي، واللغة العربية، والمراجع في هذا الموضوع كثيرة، ومنها ما هو منشور على شبكة الإنترنت.
فهل استغل أحد هؤلاء العلماء مسألة اختلاف رسم الكلمة القرآنية، في توجيه المعنى لإسقاط أحكام الشريعة القرآنية، كما فعل أصحاب القراءات الشاذة للقرآن؟!
لقد جعل أصحاب القراءات الشاذة للقرآن إقامة الصلاة مجرد تلاوة لبعض آيات القرآن، عند الفجر، وعند العشاء، ثم يعيش المسلم حياته بعد ذلك حسب هواه، المهم أن يلتزم بـ «القيم الإسلامية».
فإذا ذهبنا إلى كتاب الله نبحث فيه عن هذه «القيم الإسلامية»، وعن الآيات التي جاءت ببيانها، حتى لا يُفتي كل صاحب هوى على هواه، وجدنا أنفسنا أمام منظومة من الأحكام القرآنية يستحيل أن يقوم المسلم بتفعيلها بمفره، وحسب هواه!!
لقد فرّغ أصحاب القراءات الشاذة للقرآن أحكام الشريعة القرآنية من محتواها، بدعوى أن القرآن صالح لكل عصر، حتى أصبحت المرأة المسلمة لا تستر غير السوأتين، لأن أصحاب القراءات الشاذة للقرآن لم يحرموا ذلك!!
إننا إذا نظرنا إلى معظم النتائج التي توصل إليها أصحاب هذه القراءات، وجدنا معظمها يعمل على هدم أحكام الشريعة القرآنية، باسم:
«القراءة المعاصرة»، أو «القرآني وكفى»، أو «القيم الإسلامية وكفى»..، استنادا إلى بعض آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: «ولقد يسرنا القرآن للذكر»، «ما فرطنا في الكتاب من شيء»، «وكل شيء فصلناه تفصيلا».
أن الأزمة ليست أزمة أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، إن الأزمة الحقيقية أزمة «الجهلاء» الذين يتبعون أصحاب هذه القراءات بغير علم، الذين جعلوا لهذه القراءات قيمة ومكانة لا تستحقها مطلقا.
وسأضرب مثلا واحدا لإثبات صحة وصفي لهؤلاء بـ «الجهلاء» وهو قوله تعالى في سورة فاطر:
«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»
والسؤال: هل يصح قراءة هذه الآية برفع اسم لفظ الجلالة، فنقول: «اللهُ»، ونصب العلماء، فنقول: «العلماءَ»؟!
الجواب: إن فعلنا ذلك نكون قد أشركنا بالله تعالى، لأن هذا معناه أن الله هو الذي يخشى العلماء.
إن الذي يعصمنا من هذا الشرك هو العلم، وأكرر: العلم، ومن هذه العلوم علم «اللغة العربية»، الذي تعلمناه في المدارس الابتدائية، وعرفنا منه قواعد «النحو والصرف»، ومتى تكون الكلمة مرفوعة، ومتى تكون منصوبة.
والسؤال: لماذا أمر الله رسوله أن يُعرض عن «الجاهلين»؟!
لأن «الجاهل» أخطر بكثير من الذي لا يعلم، فالذي لا يعلم مشكلته أن يعلم، أما «الجاهل» فمشكلته أن يخلع أولا ثوب الاتباع بغير علم، ثم يتعلم، وهذا أمرًا عسيرًا على «الجهلاء».
منذ سنوات، وأنا أجد أسلوبي أصبح حادًا، ولم أكن كذلك من قبل، وأصبحت غليظ القلب، ولم أكن كذلك من قبل، ولست سعيدًا بذلك، وحاولت بشتى الطرق علاج هذه المشكلة، ولم أنجح، لماذا؟!
لأنني منذ عقود من الزمن، وأنا أعيش داخل دائرة الحوار مع «الجهلاء»، الذين يفترون على الله الكذب باسم «المصدر الثاني للتشريع»، أو باسم القراءات المعاصرة، فهم سواء.
وكنت في نفس الوقت أتزود من نور القرآن، بتدبر آياته وفق منهجية علمية، إلى أن أصبح قلبي لا يطيق ما يراه، وما يسمعه من «الجهلاء»، ويحتاج أن يسكنه الله تعالى برحمته، وهذا لم يحدث إلا مع الأنبياء:
«فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك»
لماذا؟َ لأن مهمة الأنبياء أن يبلغوا رسالات ربهم، كاملة غير منقوصة، لذلك يؤيدهم الله بنصره وبرحمته، حتى يكتمل الدين وتتم النعمة.
وأنا لست نبيًا، لذلك كان عليّ أن أواجه التحديات بنفسي، فانشغل من حولي بأسلوبي «الغليظ»، وذهبوا عني، وعن العلم الذي أحمله، انتصارًا لكرامتهم!!
إن العالم عندما يحاور عالمًا مثله، ويحتد أحدهما على الآخر، نجد أن العالم الذي ظن أنه تعرض للإهانة، يترك إهانته على جانب، ويسعد بالأدلة والبراهين العلمية التي كان يجهلها، وكان جهله بها سببا في إصابته بسهم الإهانة.
أما عندما يحاور عالم جاهلا، يعلم علمًا مغلوطًا، ويجادل بغير علم، فيحتد عليه العالم لإصراره على جهله، فإن هذا الجاهل يترك نور الأدلة والبراهين القرآنية، ويمشي وراء الدفاع عن شخصه، وعن كرامته، الأمر الذي يُبيّن لنا الحكمة من قول الله لرسوله: «وأعرض عن الجاهلين».
لقد سقطت القراءات الشاذة للقرآن، منذ عقود مضت، وقد كتبت في ذلك عدة منشورات، منها ما كان بعنون: «شحرور وأزمة الفكر الإسلامي، في ١١- ١٠ ـ ٢١٠٤، على هذه الصفحة، ومن ذلك في كتابه «الكتاب والفرقان»، الباب الثالث، الفصل الثاني، وهو يتحدث عن حجية السنة، فإذا به يستند إلى مرويات فرقة أهل السنة والجماعة، وهي:
١- «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله»
يقول: «حديث شريف أخرجه الموطأ».
٢- «ألا أني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه»
يقول: «الكتاب والسنة»: «الرسالة»، «جامع الأصول في أحاديث الرسول»
٣- «أوتيت القرآن ومثله معه»
يقول: «القرآن والسبع المثاني»: «النبوة».
ثم يخرج علينا أنصاره «الجهلاء» ويقولون: إنه الجبهذ الأوحد، الذي هدم التراث الديني!!
فهل يعلمون أن د.م. شحرور أقام مشروعه الفكري المعاصر على مصدرين للتشريع: كتاب الله ومرويات فرقة أهل السنة والجماعة، بصرف النظر عن صحيحها وضعيفها، لأن ما يقوله هو «الصح»!!
لقد سقطت القراءات الشاذة للقرآن، ولكن لم يسقط أصحابها، لماذا؟!
لأن الله تعالى ترك هذه القراءات فتنة للناس، كما ترك لهم المصدر التشريعي الثاني فتنة، يتخذونه دينًا إلهيًا، يسفكون به الدماء بغير حق.
« أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ »
محمد السعيد مشتهري
(517) 11/10/2016 (على هامش منشور….. هل تعلم من أنت ؟)
عدد المشاهدات : 213
لقد أصبحت شعوب العالم اليوم، تهتم ببرامج «التنمية البشرية»، خاصة التي تقول للإنسان: « هل تعلم من أنت؟! »، فهل عرف المسلمون من هم، لذلك تقدموا، وأصبحوا في مقدمة منظومة التقدم الحضاري؟!
إن شعوب العالم فيها « العالِم »، و« الجاهل »، و« المفلس »، و« غير المتعلم »، فهل المسلمون جميعًا: إما علماء، أو جهلاء، أو مفلسون، غير متعلمين؟!
إن شعوب العالم تتداول بين أفرادها هذه المصطلحات، فيقولون: هذا عالم، هذا جاهل، هذا غير متعلم، هذا مفلس، فهل لا يوجد بين المسلمين من يحملون هذه الصفات؟!
إن « العالِم »، حسب مشروعي الفكري، ليس هو الحاصل على شهادة علمية متوسطة أو عليا، وقد سبق بيان ذلك في أكثر من منشور ومقال، وإنما هو الذي يعلم شيئًا، ويستطيع إقامة البرهان على صحته، لذلك قلت في تعريف « العالِم »:
« هو من يستطيع أن يقيم البرهان على صحة ما يعتقده، في أي مجال من مجالات العلوم، ولا يتحدث إلا ببرهان، ولا ينتقد إلا بأسلوب علمي، فيأتي بالنص الذي يريد نقده أو نقضه، ويقيم البرهان على عدم صحته»
إن قولي: « من يستطيع »، يعني: من عنده الاستطاعة أن يفعل ذلك، أي أن يكون « عالما » بما يقول، وهذا يعلمه من له دراية بمبادئ اللغة العربية، التي حملها اللسان العربي الذي نزل به القرآن.
إنني لم أذكر مطلقا، خلال رحلتي الفكرية، أن « العالِم » هو الحاصل على الشهادات العلمية، وأن « الجاهل »، هو من لم يحصل على شهادة علمية، متوسطة أو علي ا.
ولذلك قلت عند تعريف الجاهل: « الذي يعلم معلومات غير صحيحة، ولا يحاول دراسة البراهين الدالة على عدم صحتها، ولا يطلع على المراجع التي تثبت ذلك »
إن قولي في تعريف « الجاهل »: « الذي يعلم الذي يعلم معلومات غير صحيحة »، كقولي في تعريف « العالِم »: « هو من يستطيع أن يقيم البرهان على صحة ما يعتقده ».
إن جميع شعوب العالم تستخدم المصطلحين في كثير من المواقف، والتعاملات، فهل خطر ببال أحد ممن وصفوا بالجهل، وخاصة التلاميذ الذين يصفهم أستاذهم بالجهل، أن هذا الوصف يعني عودة وصاية الفقهاء وعلماء السلف على أمتنا « التي لا وجود لها أصلا »؟!
هل خطر ببال أحد ممن وصفوا بالجهل، أن هذا الوصف ينذر بخطر عظيم قادم، وهو خطر العودة إلى الجاهلية الأولى، وتقسيم الناس إلى عالم وجاهل ومفلس؟!
« مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »
إن الأصدقاء « الترانزيت »، الذين يظهرون على صفحتي فجأة، وكلما قرؤوا أو سمعوا عن موضوع أو مقال نشرته، يخالف ما ذهب إليه شيخهم وإمامهم، تنهال تعليقاتهم مرة واحدة بصورة مخزية ومكشوفة، وهم معذورون، فهكذا تربوا في مدارس الفكر الإسلامي المستنير.
إن الأصدقاء « الترانزيت »، لا يعلمون شيئًا عن مشروعي الفكري، وإذا أراد أحد الأصدقاء أن يلفت نظرهم إلى ذلك، ويضع لهم الروابط التي تتدل على جهلهم بهذا المشروع، أعطوا ظهورهم لما قدمه، واستمروا في كلامهم المرسل، وجدلهم العقيم، وخير شاهد تعليقاتهم على هذه الصفحة.
لذلك أرجو من الذين يريدون التأكد من صحة ما يقدمه الأصدقاء « الترانزيت »، أن يستقطع من وقته ساعة كل يوم، ويطلع على تعليقاتهم، ليقف بنفسه على هذه العشولئية الفكرية، فمرة يُعجبون جدا بما أنشره، ومرة أصبح « سلفيا »، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا!!
ويبدو أنني عندما تحدثت عن الظروف التي عشت فيها، والتحديات التي واجهتها أثناء رحلتي من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي، وقلت في منشور: « تهافت مفهوم الصلاة عند د.م. شحرور»:
« منذ سنوات، وأنا أجد أسلوبي أصبح حادًا، ولم أكن كذلك من قبل، وأصبحت غليظ القلب، ولم أكن كذلك من قبل، ولست سعيدًا بذلك..»
لقد وجدوها فرصة للهروب من « إفلاسهم » العلمي، وذهبوا ينالون من شخصي، وتحولوا إلى أطباء نفسيين، لعلي أجد عندهم الدواء الشافي، وأعطوا ظهورهم لقولي بعدها:
« منذ عقود من الزمن، وأنا أعيش داخل دائرة الحوار مع «الجهلاء»، الذين يفترون على الله الكذب باسم «المصدر الثاني للتشريع»، أو باسم القراءات المعاصرة، فهم سواء ».
وتركوا قولي:
« وكنت في نفس الوقت أتزود من نور القرآن، بتدبر آياته وفق منهجية علمية، إلى أن أصبح قلبي لا يطيق ما يراه، وما يسمعه من «الجهلاء»، ويحتاج أن يسكنه الله تعالى برحمته، وهذا لم يحدث إلا مع الأنبياء »:
« فبما ( رحمة من الله ) لنت لهم، ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك »
إن هؤلاء لم يفهموا معني ( رحمة من الله )، وأنه لولا هذه ال رحمة، لظهرت بشرية النبي، ولأصبح فظًا غليظ القلب، كما عاتبه الله في مواقف أخرى.
ولكن لماذا في هذا السياق بالذات أنزل الله رحمته على رسوله؟! لأن المنافقين كانوا بين صفوف المؤمنين، ومنهم من لم يكشفهم الله لرسوله حتى وفاته:
« وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ »
ولذلك، وبعد أن قال الله لرسوله، في مرحلة من مراحل الدعوة:
« وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ »
قال له بعد ذلك:
« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ »ولذلك قلت، في ختام المنشور الذي أشرت إليه سابقا:
« وأنا لست نبيًا، لذلك كان عليّ أن أواجه التحديات بنفسي، فانشغل من حولي بأسلوبي « الغليظ »، وذهبوا عني، وعن العلم الذي أحمله، انتصارًا لكرامتهم »!!
إنني لم أغضب في يوم من الأيام، من أجل دنيا، ولا من أجل أشخاص، خلال رحلتي الفكرية، وكنت سعيدًا أن أجد نار الغضب لا تشتعل في قلبي إلا عندما أرى أو أسمع شيئًا فيه افتراء على الله ورسوله.
لقد كانت دائرة « الجهل » بدين الله وشريعته القرانية، تتسع يوما بعد يوم، وتضيق أمامها دائرة العلم، وأصبح الحديث عن « المنهجية العلمية »، وعن أدوات تدبر وفهم القرآن، حديثًا غريبًا على مسامع المسلمين.
كنت أرى المفكرين الإسلامين، والتابعين لهم، يعيشون حياتهم الفكرية دون الإحساس بالمصيبة التي تنتظر المسلمين يوم الحساب، وهي مصيبة «الشرك بالله »، التي أعطوها ظهورهم، حتى لا ينفض« السامر » من حولهم.
إن موسى، عليه السلام، عندما ذهب إلى ميقات ربه، استخلف أخاه هارون في قومه:
« وَقَالَ مُ وسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »
تتدبر قول موسى لأخيه: « وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ »
وعندما رجع موسى من ميقات ربه، اشتعلت نار الغضب في قلبه، حتى أنه ألقى الألواح التي فيها الهدى والرحمة، فهل غضب لأن قومه لم يلتزموا بأحكام الشريعة الإلهية، التي يفخر أئمة السلف والخلف بموضوعاتها، التي حملتها المكتبة الإسلامية، وكتُبت فيها مئات المراجع المذهبية؟!
لقد غضب موسى، عليه السلام، من أجل «الشرك بالله »، فبعد أن رجع من ميقات ربه، وجد قومه قد عبدوا العجل:
« وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ، وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ »
ولقد وصل اشتعال غضب موسى إلى أن فعل شيئًا لو فعله أحد اليوم لقُتل على الفور، لقد ألقى الألواح، وتقاتل مع أخيه:
« وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا، قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي، أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ، وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي، فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ، وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ »
تدبروا كلام هارون، عليه السلام، ودفاعه عن نفسه، ثم تدبر قول الله تعالى بعدها: « وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ، أَخَذَ الْأَلْوَاحَ، وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ »
« وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً، وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ »
فماذا تنفع الألواح، التي حملت أحكام الشريعة، وفصلت كل شيء، مع قوم أشركوا بالله، ولا يخافونه، ولا يرهبونه؟!
إن المفكرين الإسلاميين، أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، منهم من يعلن صراحة على منبره أنه تابع لفرقة أهل السنة والجماعة، ومنهم من يحمل مشروعه الفكري تراثهم ومروياتهم، وقد ضربت مثالا على ذلك في المنشور قبل الأخير.
إن فرقة أهل السنة والجماعة، وجميع الفرق والمذاهب العقدية الأخرى، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، ولقد حذر الله تعالى هؤلاء من الشرك، إن لم يخلعوا ثوب الفُرقة والمذهبية:
« .. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »
فلماذا لم يأخذ هذا التحذير الإلهي من الشرك، مكانه الذي يستحقه، في منظومة الفكر الإسلامي، خاصة وأن الله تعالى يخاطب به المسلمين، المؤمنين؟!
لقد توعد الله تعالى، وليس محمد مشتهري، الذين يجادلون في الله بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، بالعذاب السعير:
« .. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ . وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ »
وقد قلت في المنشور المشار إليه:
« والآن: هل تعلم أن من يجادل في الشريعة الإلهية بغير علم، من أصحاب السعير؟! »إن كلمة « والآن »، ثم الجملة التي أتت بعدها، تعني:
والآن، وبعد ما بيّناه سابقا من تعريف للمصطلحات « الأربعة »، تعالوا نفهم ماذا يحدث لو أننا أسقطنا هذه المصطلحات على واقعنا الإسلامي؟!
ثم جئت بعد ذلك بقوله تعالى:
« وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ … أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ »
إن هذه النقط « .. » تعني أن ما بين نهاية الجملة الأولى، وبداية الجملة الثانية، شيئًا، كان يجب قراءته من المصحف، وهو ما ذكرته الآ ية سابقا.
إن الله تعالى ليس له ذات يجادل الناس بشأنها، وإنما له آيات دالة على وحدانيته، وفاعلية أسمائه الحسنى، وهذا ما يُبينه قوله تعالى في موضع آخر:
« إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ، إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ »
وآيات الله، كما سبق أن بيّنت في أكثر من مقال، هي آيات الذكر الحكيم، المدونة في كتاب الله، ومقابلها الكوني، من آيات الآفاق والأنفس، وحسب مفهومي هذا، فأنا أرى أن الآية تحذر من التقول على الله تعالى بغير علم، « بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ »، سواء كان هذا التقول يتعلق بالآيات القرآنية أم بالمقابل الكوني لها.
لذلك فإن الذين اعترضوا على استخدامي لكلمة شريعة، وقالوا إنها « شرعة » وليست شريعة، والذين ظنوا أن محمد مشتهري هو الذي سيُدخل المجادلين في آيات الله عذاب السعير، هؤلاء هم الذين نزلوا علينا من السماء، وهم يفهمون كلمات القرآن، دون الاستعانة بأي مصدر معرفي من خارجه!!
فهل يعلم هؤلاء، أن القرآن لا يحمل بداخله مُعجما لمعاني كلماته، لا لكلمة « شِرْعَة »، ولا لفعل « شَرَعَ »، فمن أين نعلم مفهوم ومعني هذه الكلمات؟!
يقول ابن منظور في لسان العرب، مادة « شرع »:
« وَالشِّرْعَةُ وَالشَّرِيعَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَشْرَعَةُ الْمَاءِ، وَهِيَ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ الَّتِي يَشْرَعُهَا النَّاسُ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا وَيَسْتَقُونَ، وَرُبَّمَا شَرَّعُوهَا دَوَابَّهُمْ حَتَّى تَشْرَعَهَا وَتَشْرَبَ مِنْهَا، وَالْعَرَبُ لَا تُسَمِّيهَا شَرِيعَةً حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ عِدًّا لَا انْقِطَاعَ لَهُ، وَيَكُونُ ظَاهِرًا مَعِينًا لَا يُسْقَى بِالرِّشَاءِ »
فأين نجد هذا المعنى، « مَشْرَعَةُ الْمَاءِ» لكلمة « شرعة »، أو غيرها، في كتاب الله؟!
إن قول ابن منظور: « وَالْعَرَبُ لَا تُسَمِّيهَا شَرِيعَةً حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ عِدًّا لَا انْقِطَاعَ لَهُ »، يُبين أن «الشريعة الإلهية »، التي حملها كتاب الله، لا انقطاع لها، لأن الله تعهد بحفظها.
إنني عندما تشتعل نار الغضب في قلبي، فذلك لما أراه يحدث أمامي من نجوم الفكر المستنير، والمقلدين لهم بغير علم، من تفكيك للنص القرآني، وتحريف لأحكامه، والذي لا يغضب عندما تنتهك أحكام الشريعة القرآنية، فقد قسى قلبه.
والسؤال: من الذي يحكم على الناس، بأن فلان « عالم »، وفلان «جاهل »؟!
الجواب: هم الذين يحكمون على أنفسهم، فالحكم لا يأتيهم من خارجهم إلا إذا هم استدعوه، وقالوا له « ائتنا »!!
إن التلميذ البليد، الذي يقول له المدرس أمام الطلبة، « يا جاهل »، فقد وصفه بناء على ما أظهره التلميذ لأستاذه، وليس الأستاذ هو الذي وصفه بما ليس فيه!!
إن الذين يخرجون إلى الناس، أوعلى شبكات التواصل الاجتماعي، يتحدثون عن أحكام الشريعة، ويُفتون بغير علم، هم الذين يعلنون عن أنفسهم، والله تعالى يقول:
« وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه ِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ، كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا »
والقفو: الاتباع، فهذا نص قرآني، يُحرّم الاتباع بغير علم، فيَحرُم على المسلم أن يخرج إلى الناس، ويُحدثهم في دين الله، أو يُفتي، دون أن يملك برهانًا علميًا على صحة ما يقول.
وليس شرطًا أن تكون حاملا للمؤهلات العليا، أو لما فوقها من الدرجات العلمية، كي تقدم هذا البرهان، فإنك إذا قلت للناس: لقد حرم الله لحم الخنزير في كتابه الخاتم، وأخرجت لهم الآية الدالة على ذلك، فأنت « عالم ».
والغريب أن هناك من يزنون العلم، وقيمة العالم، بـ « الكيلو »، فيضعون مؤلفات المفكر الإسلامي المستنير على الميزان، فإذا بها تزن « طنًا »، ظنا منهم أنه سيحصل بذلك على جائزة نوبل!!
إن قمية العالم في المنهجية العلمية التي أقام عليها مشروعه الفكري، فقيمته كيفًا وليست كمًا، فإذا كنت من الباحثين عن الحق، الذين يخافون الله ويرهبونه، فاستقطع من وقتك ساعة كل يوم، وتدبر ما ألفه من يقفون اليوم في مقدمة أصحاب القراءا ت القرآنية المعاصرة، وأخبرنا على هذه الصفحة بنتيجة تدبرك.
إنك لن تجد غير الحديث عن أحكام الشريعة القرآنية، ومحاولة إلباسها لباس التقدم والتحضر والمعاصرة، ولو كان ذلك على حساب هدمها من قواعدها الإيمانية.
إن الانشغال بالبحث والتنقيب عن أحكام الشريعة، سواء كان ذلك للتحلل منها، أو للالتزام بها، لا ولن يفيد، إلا من أقام إسلامه على الإقرار بأصول الإيمان، وفي مقدمتها « الوحدانية ».
فأين الإنتاج العلمي، لأصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، من بحوث ودراسات قرآنية، « نظرية وعملية »، الذي يحاول إنقاذ أتباع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، من المصيبة الكبرى التي تنتظرهم في الآخرة، إذا هم لم يخلعوا ثوب المذهبية؟!
محمد السعيد مشتهري
(518) 12/10/2016 (نموذج لـ «الحوار العلمي» مع المعا رض)
عدد المشاهدات : 219
لقد طلبت كثيرًا من الأصدقاء، الذين ينتمون إلى حزب المعارضين، أن يتبعوا منهج «الحوار العلمي» في الحوار، عند نقدهم، أو نقضهم، لما أنشره على هذه الصفحة، ولكن للأسف دون جدوى.
ولكن الصديق « Redaa Ramy » فتح باب الأمل، في أن يكون هناك حوار علمي، تقابل فيه الحجة بالحجة، ويقابل فيه البرهان بالبرهان، فالحقيقة أشكره على ذلك.
أولا: كنت قد ذكرت في تعليق سابق، على المنشور « هل كان الرسول متبعا لملة إبراهيم حنيفا؟!» ما يلي:
« السياق يبدأ بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن ( تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ) إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. فهذه الصلاة ( صلاة قصر )، لظروف الحرب، وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف، والرسول بصفته الدينية والقيادية يقوم بإمامة كل طائفة ».
* فقال، تعليقا على الفقرة السابقة:
« وهذا خلط وجهل بيّن، لا يفعله إلاَّ أصحاب القرآءات الأبوية السلفية للقرءان، وسأضطر إلى تصويبه لك، لعلّك تنتبه فيما بعد، وتتعلم شيئًا ممن تصفهم بأصحاب القرآءات الشَّاذة.
* ثم قال:
١- الأية التى يقول الله تعالى فيها: « وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ » هى الآية رقم ١٠١ من سورة النساء، وهى لا علاقة لها بالحرب أو بظروف الحرب التى توهمتها من قريب أو بعيد. وإنّما ستتناول صلاة الحرب الآية التى تليها « ١٠٢».
٢- وإنّما الأية هُنا تتحدث عن الذين يُسافرون فى ربوع الأرض لأسباب مُختلفة (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ)، فُتلقى بهم السُبل إلى بلاد يُهيمن عليها الكُفار، فعليهم أن يُقصروا من صلاتهم، ومن ثمّ فإن قولك: « فهذه الصلاة ( صلاة قصر )، لظروف الحرب »، هو أول وهم وخطأ فى تعليقك القصير.
* أقول:
جزاك الله خيرا، أن بيّنت لي جهلي بانفصال الآيتين عن بعضهما، وأن الآية الأولى، التي تحمل رقم « ١٠١ »، غير الثانية التي تحمل رقم « ١٠٢ »، فأشكرك على هذه المعلومة القيمة.
علما بأني كفرت، بالقرآءات الأبوية السلفية للقرءان، ولغير القرآن، منذ ثلاثة عقود، ولكنك لا تعلم!!والسؤال: ماذا تعمل « واو » العطف بين الآيتين، وما هي أهميتها؟!
لا ترهق نفسك، فأنا سأجيبك، فأقول:
أولا: « واو » العطف، التي جاءت في أول الآية « ١٠٢ »: « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ »، جاءت وسط منظومة من الآيات تتحدث عن موضوع واحد، وهو:
الضرب في الأرض، سواء كان للهجرة، أو للجهاد في سبيل الله، أو لابتغاء فضل الله، وما إذا كان سيصاحب ذلك خوف من فتنة الذين كفروا.
ويبدأ سياق هذه الآيات من الآية « ٩٧ »، وينتهي عند الآية « ١٠٢ ».
وجاءت الآية « ١٠٠ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً… الآية».
ثم جاءت الآية « ١٠١ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا… الآية».
والضرب في الأرض، حسب ما ورد في السياق القرآني، ولسان العرب مادة « ضرب »، يعني:
« الخروج في الأرض تاجرا أو غازيا »، وهذا ما بيّنه السياق القرآن في قوله تعالى:
« عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ:
١- يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ
٢- وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله
ويؤيد أن القتال في سبيل الله من الضرب في الأرض، قوله تعالى:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا .. الآية »
وفي الحالتين، يمكن للضاربين في الأرض أن يقصروا من الصلاة بشرط:
« إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »
ثم جاءت الآية « ١٠٢ » معطوفة على موضوع ما قبلها بـ « واو العطف »، فقال تعالى:
« وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ … الآية »
فقوله تعالى: « وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ »، والخطاب للنبي، يبيّن له فيه تفاصيل وأحكام الح الة الثانية من الضرب في الأرض، وهي حالة القتال في سبيل الله، وما يصاحبها من قلق وخوف، ويقول له: فلتكن صلاتك على النحو التالي:
« فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ، وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذَا سَجَدُوا … الآية »
إن قوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »، يبين أنهم كانوا على هيئة ثم سجدوا، وهذه الهيئة هي هيئة الصلاة التي يؤديها المسلمون جميعاً، وتعلموها بالتقليد والمحاكاة، جيلا عن جيل، عبر «منظومة التواصل المعرفي – الأممية »، وليس عن طريق « التواتر العملي – المذهبي ».
* قال:
٣- أيضًا فقولك فى مسألة القصر يدل على جهلك بمُرادِ الله فى الأية، ولذا وجدتك تقول: « وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف ». فقولك بالأوأوة (أو) يُظهر أنّك لم تحسم أمرك بعد، ولكننى أزيدك من الشعر بيتًا، وأقول لك: أن كلا الاحتمالين الذين طرحتهما خطأ. فلماذا؟!
* وقبل أن يجيب الصديق على سؤاله « لماذا؟! »، أقول له:
إن الله تعالى قال: « أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ »، ولم يُبين لنا في القرآن شيئًا عن كيف تؤدى هذه الصلاة، إلا قوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »، ومنه علمنا أن المقصود هو هيئة الصلاة المعروفة للمسلمين جميعًا، ولكن من أين نعلم هل كان السجود سجودا واحدا أم أكثر؟!
لذلك قلت: « وقد تكون ركعة أو اثنين حسب طبيعة الموقف »، أي حسب ظروف المعركة، وحسب ما أعلمه عن عدد ركعات الصلاة، الذي وصلنا عبر « منظومة التواصل المعرفي »، أي حسب مشروعي الفكري.
فكان الواجب على الصديق « رضا رامي »، أن يتعرف أولا على مشروعي الفكري، وعلى أدوات فهمي للقرآن، التي ألزمت بها نفسي، ثم يناقشني في هذه الأدوات، فإذا أسقطها، أسقط مشروعي كله.
* قال:
٤- نبدأ بتدبر قوله تعالى: « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ ».
وواضح من الأية أنّ الخوف راجع للفتنة وليس القتال، وبينهما فرق عند المؤمن بالقُرءان وحده ممن تسميهم بأصحاب القرآءات الشّاذّة، وذاك كونه يعلم من ربّه أن كتابه من الدّقّة بمكان بحيث تتحدد فيه المعانى بدقّة وإحكام، ولا ينبنى عنده على معارف الأبآء كما تدعوا له.
فالفتنة هُنا تعنى وجود فاتن يتمتّع بالصيطرة، والطرف الأخر « وهم المؤمنون هنا » أغراب وضُعفآء، ويُخالفون الكُفار المصيطرين، ولا يسيرون على هواهم، فتقع الفتنة من المُصيطر على الضعيف لفتنته عن مسلكه.
* أقول:
إن الله تعالى قال: « وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »
إذن فتنة الذين كفروا للمسلمين، التي رخصت لهم بقصر الصلاة، فتنة عامة، في أحوال الضرب في الأرض كلها، وليس فقط في حالة القتال.
ولكن واو العطف التي صاحبت الآية « ١٠٢ »، هي التي فهمنا منها أن المقصود هو ا لحالة الثانية من الضرب في الأرض، وهي القتال في سبيل الله، كما سبق بيانه.
ثم إن تعريفك للفتنة يعلمه معظم الناس، والدنيا كلها فتنة لأنها هي المصيطرة على معظمنا، ولكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟!
* قال:
٥- ومن هُنا جآء القصر لتحاشى الفتنة، وهذا لا يكون بتخفيض الركعات (!!!) كما قلت بغير علم.
* أقول:
طبعا أكيد جاء القصر لتحاشي الفتنة، والفتنة في الآية « ١٠٢ »، هي المعركة الدائرة، والتي قال الله فيها للمقاتلين المسلمين:
« وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً … وَخُذُوا حِذْرَكُمْ … إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا »
* قال:
٦- كذلك فالمؤمن بالقرءان وحده يعلم أنّه يلزمه ترتيل الكتاب حتّى يصل لكامل الحدّ، ومن ثمّ فسيبحث فى كتاب ربّه عن كيفية القصر، وسيجدها بيُسر فى قول الله تعالى من سورة البقرة:
« حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ ﴿٢٣٨﴾ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ ﴿٢٣٩﴾ ».
ولاحظ أيها الفقيه وجود الخوف والصلاة فى كلتا الأيتين: ١٠١، من سورة النسآء، و٢٣٩ من سورة البقرة!!
وبالتالى فعلى من يخاف إن أظهر صلاته وهو فى بلاد يُصيطر عليها الكافرين فعليه أن يقصر من هيئتها، فتكون بلا قيام ولا سجود كما فى بقية الصلوات (بما فيها صلاة الحرب)، وإنّما يُؤديها وهو راجل أو راكب دون أن يُلاحظه أحد، وتكون بقلبه وبما يريد أن يدعوا ربّه به أو يُسبحه أو يُعظّمه بلا تنبيه للعدوّ الكافر.
* أقول:
هناك علم يسمى بعلم « السياق القرآني »، يستحيل فهم القرآن، واستنباط أحكامه دون الاستعانة به.فسياق الآية « ١٠٢ » من سورة النساء، يتحدث حالة « الخوف » التي تفرضها ظروف المعارك الحربية، وقد أمر الله رسوله أن تقام الصلاة في وقتها « جماعة »، بالهيئة التي يعرفها المسلمون اليوم، بدلالة قوله تعالى: « فإذا سجدوا ».
أما سياق الآية « ٢٩٣ » من سورة البقرة، فيتحدث عن وجوب المحافظة على أداء الصلوات في مواقيتها، ولكن بهيئة بيّنها الله بالتفصيل: « فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا »، وذلك في حالة « الخوف ».
ولم يُقيد السياق هذا الخوف بشيء، كما قيده في الآية « ١٠١ » من سورة النساء، فقال تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا »، وهذا معناه: « إن خفتم من أي شيء ».
ومن الخطأ أن تقول: « فعليه أن يقصر من هيئتها، فتكون بلا قيام ولا سجود كما فى بقية الصلوات (بما فيها صلاة الحرب)!!
فأين نذهب بقوله تعالى: « فَإِذَا سَجَدُوا »؟!
* قال:
٧- وبالتالى فلا علاقة للرسول بصلاة الخوف على الإطلاق، وحدّها مُستمرّ ومُلزم للمؤمنين (بالقُرءان وحده) حتّى يُغادروا الحياة.
كل هذا الجهل وجدناه فى الكلمات القلآئل التى علقت بها، فما بالك بما سنستخرجه من بلايا من مقال كامل؟!
أتمنى أن تُغيّر ما بنفسك لتُدرك ولو شيئًا يسيرًا مما فاتك خلال رحلتك لدعوة الناس للمنظومة الأبآئية.
* أقول:
أهلا بك وسهلا في أي وقت، وفي انتظار ما ستخرجه لنا من بلايا من « مقالاتي ومنشوراتي » الموجودة على هذه الصفحة.
محمد السعيد مشتهري
(519) 13/10/2016 (القراءة المعاصرة بفقه السلف)
عدد المشاهدات : 230
أولا:
لقد بدأ الدكتور المهندس محمد شحرور، الفصل الثاني « السنة »، من الباب الثالث، من كتابه « الكتاب والقرآن قراءة معاصرة »، بقوله:
« لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا »
ثم بيّن كيف نتخذ الرسول أسوة حسنة، واستدل على ذلك برواية من مرويات فرقة أهل السنة والجماعة، وهي:
« تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله »
ثم ذكر مصدر هذه الرواية، مسبوقا بقوله: « حديث شريف » أخرجه الموطأ، يقصد مالك بن أنس في الموطأ، ولم يذكر كلمة « بلاغًا » التي وردت بعد التخريج، أي أن هناك من بلّغ مالك هذه الرواية!!
فإذا ذهبنا إلى أئمة الحديث، لفرقة أهل السنة، وجدناهم يقولون عن رواية مالك بن أنس في الموطأ، إنها جاءت في باب النهى عن القول بالقدر، « بلاغًا »، وهذا يعتبر انقطاعًا يُضعف الرواية، فهل يعلم الدكتور المهندس محمد شحرور هذه المعلومة؟!
وهل يعلم أن هناك رواية أخرى، رواها الترمذي، تقول: « إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي »، وأن هذه الرواية يستند إليها الشيعة في إثبات حجية مروياتهم، وقال الترمذي عن هذه الرواية: هذا حديث حسن غريب.
وبمقارنة الروايتين، نجد أن العامل المشترك بينهما هو « كتاب الله »، فأضاف إليه أهل السنة « وسنتي »، وأضاف إليه الشيعة « وعترتي أهل بيتي »، ثم اخترقت رواية الشيعة مرويات أهل السنة، على حين غفلة من محدثيها، فلما استيقظوا ضعّفوها!!
ثانيا:
ولكن ماذا يقصد د. شحرور بقوله عن رواية مالك: « حديث شريف »، وهو يرفض أصلا استخدام كلمة « حديث »، حيث قال عند تحديده مفاهيم المصطلحات التي يستخدمها، في سياق حديثه عن القرآن والسبع المثاني:
مع ال علم بأن أسس التشريع الإسلامي هي الكتاب والسنة، وهذا صحيح، ولكن ليس الكتاب والحديث »؟!
وإذا كان د. شحرور لا يعترف إلا بـ « الكتاب والسنة »، ولا يعترف بـ « الكتاب والحديث »، فلماذا لم يُبيّن لنا الفرق بين « كتب الحديث »، و« كتب السنة »، وأين نجد كلا منهما، خاصة وأنه يتحدث في أهم فصل، وهو « تحديد المصطلحات »؟!
وإذا كان الدكتور المهندس محمد شحرور، يحمل مشروعًا تنويريا يقوم على قراءة القرآن قراءة معاصرة، فهل الذين يؤمنون بهذا القرآن هم فرقة أهل السنة فقط، ولذلك اتخذ أمهات كتبها مرجعًا، باعتبارها « الفرقة الناجية »؟!
أم أن المسلمين جميعا، بعد « الفتن الكبرى »، قد تفرقوا إلى فرق ومذاهب عقدية مختلفة، وكان يجب على د. شحرور ألا يُعطي ظهره لمرجعيات هذه الفرق، إلا إذا كان يعتبرها غير إسلامية، وهذه من بدهيات البحث العلمي؟!
ثالثا:
لقد حدد د. شحرور مفهوم المصطلحات التي يستخدمها، فقال:
١- الكتاب والسنة: هما « الرسالة »، واستند في ذلك إلى رواية:
« ألا أني أوتيت هذا ( الكتاب ) ومثله معه »، وذكر مصدرها، ولم يشر في هذا السياق عن تخريج هذه الرواية ودرجتها، ولا يفعل ذلك مطلقا من له دراية بأبجديات كتابة البحث العلمي، خاصة وأنه يتحدث عن تعريف المصطلحات!!
٢- القرآن والسبع المثاني: هما « النبوة »، واستند في ذلك إلى رواية « أوتيت ( القرآن ) ومثله معه »
ثم قال: مع العلم بأن أسس التشريع الإسلامي هي « الكتاب والسنة » وهذا صحيح، ولكن ليس « الكتاب والحديث».
تدبر:
١- الكتاب والسنة = الرسالة: استنادًا إلى رواية
٢- القرآن والسبع المثاني = النبوة: استنادًا إلى رواية
ثم قال: وإذا كان الأمر كذلك فما هو تعريف السنة، لنضع الآن تعريفا معاصرا للسنة، ثم إذا به يتخذ المرويات سندا له في ت عريفه المعاصر للسنة، فيقول تحت عنوان: « الطاعة المستقلة »:
« وهكذا نفهم أن السنة النبوية هي اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق أحكام الكتاب، من حدود وعبادات وأخلاق، آخذا بعين الاعتبار العالم الموضوعي الذي يعيش فيه متحركا بين الحدود، وواقفا عليها أحيانا، ووضع حدود مرحلية للأمور التي لم ترد في الكتاب »
ثم قال: وفي هذا كان للرسول الأسوة الحسنة لنا إلى يوم الدين، بالحنف ضمن حدود الله، وفي وضع حدود حنيفية لبقية الأمور، وفي هذا قال: « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه »!!
والسؤال: كيف يكون للرسول الأسوة الحسنة لنا إلى يوم الدين، استنادا إلى رواية « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ( أو القرآن ) ومثله معه »، إلا باتخاذ مرويات الفرق، في الحالتين، مرجعا في دين الله؟!
رابعا:
إن د. شحرور يعتقد أن الله تعالى أنزل على رسوله وحيين، بنصين مختلفين:
١- نص « الكتاب »، الذي تعهد الله بحفظه.
٢- نص « السنة »، « ومثله معه »: وهي المرويات التي نقلها رواة الفرق والمذاهب المختلفة،وحفظها المحدثون بتدوينها في الكتب.
والسؤال: إن المصدر الثاني للتشريع، عند جميع الفرق والمذاهب المختلفة، هو الذي حمل لأتباعها ما يُسمى بـ « السنة »، أو بـ « الأحاديث »، وهذا المصدر له أهله ورجاله الذين يستحيل كتابة رواية من الروايات، أو الاستدلال بها، دون الرجوع إليهم.
فكيف يقتحم د. شحرور بيتا من العلم « له أهله »، دون أن يلتزم بشروط أهل البيت، بل ويبتدع فيه بدعًا لم يحدث أن قال أهل البيت بها، مخالفا بذلك أصول البحث العلمي؟!
ما الذي جعل د. شحرور يقترب من هذا البيت أصلا؟! هل يؤمن بحجية المصدر الثاني للتشريع في دين الله، لذلك ذهب إلى أهل هذا البيت يأخذ منهم المرويات التي تنفعه في تحديد المصطلحات المستخدمة في مؤلفاته؟!
وإذا كان لا يؤمن بحجية المصدر الثاني للتشريع في دين الله، فلماذا يقترب من هذا البيت أصلا، وهو المفكر المستنير، صاحب القراءة المعاصرة للقرآن، إلا إذا كان يريد أن يُمسك العصا من المنتصف، فيستطيع بذلك أن يُجَمّع حوله كل الذين يؤمنون بحجية مرويات السنة!!
إن الذي يؤمن أن الله أنزل على رسوله الكتاب « والقرآن »، ومثلهما معهما، ولم ير بعينه « المثلين »، ولم يقف بنفسه على حفظ الله لهما، ومات على ذلك، مات مشركًا، لقوله تعالى مخاطبًا رسوله والذين آمنوا معه:
« وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ».
إن على الذين يؤمنون بحجية رواية « ألا أني أوتيت هذا الكتاب ( أو القرآن ) ومثله معه » أن يتوبوا فورا، وأن يقيموا إيمانه وإسلامه على « الوحدانية »، فالبشر مهما بلغوا من التقوى والصلاح، لا يُستأمنون على حفظ دين الله تعالى، وخير شاهد على ذلك ما حدث للكتب الإلهية السابقة، من تحريف وتبديل وتغيير.
فعن أي منهج علمي يتحدثون، وعن أي قراءة معاصرة يُعجبون، وعن أي جهد جبار سيُخرج الدين الإسلامي إلى ا لعالمية يفرحون، وهم يحملون دينًا ما أنزل الله به من سلطان، وجد انتشارًا واسعًا، وإعجابًا يمثل ظاهرة خطيرة، لأنه اتخذ إلهه هواه!!
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ »وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ »وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ »وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً »فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ »أَفَلَا تَذَكَّرُونَ »
محمد السعيد مشتهري
(520) 14/10/2016 (أزمة الأصدقاء الترانزيت)
عدد المشاهدات : 183
الحقيقة لا أدري، لماذا يصر « الأصدقاء الترانزيت » على السقوط بـ « البراشوت » مباشرة على الموضوع الذي أنشره، ولا يبذلون جهدا للتجول في ساحة مشروعي الفكري، للتعرف على مسيرتي الفكرية، ورحلتي من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي، وها أنا أعيد ما سبق أن قلته على هذه الصفحة أكثر من مرة.
في أوائل الثمانينيات، انتهيت من تدوين مشروعي الفكري كله، والذي نشرت جانبا منه على موقعي، وعلى هذه الصفحة، ولم أستطع نشره كاملا عن طريق دور نشر، لاعتبارات أمنية وعائلية، فقد كان والدي يعمل مديرا عاما للوعظ بالأزهر، وإماما لأهل السنة، ورئيسا عاما للجمعيات الشرعية.
ولقد كان اسم مشروعي الفكري وقتها «السنة والحديث كمصدر ثان للتشريع »، كما هو منشور في صحيفة الأخبار في ١٤ / ٤ / ١٩٨٨م، ولقد قمت بطبع بعض النسخ، وتوزيعها على نخبة من علماء الفرق الإسلامية، تمهيدا لعقد مؤتمر تحت عنوان: « السنة والتشريع، بين أزمة التخاصم والتكفير ».
فهل يعلم الأصدقاء الترانزيت هذه المعلومة؟!
إن كثيرا من الأصدقاء، يتعاملون مع ما جاء في المنشور من أفكار، ويكتبون تعليقاتهم، وهم لا يعلمون شيئا عن مشروعي الفكري، ولا عن المنهجية العلمية التي اتبعتها لفهم القرآن، ولكن لماذا لم تصلهم أخبار محمد مشتهري؟!
لأن النجومية الفكرية تحتاج إلى وسيلة لإخراجها إلى دائرة الضوء، فيشاهدها الناس، ويعرفونها.
إن « أ. جمال البنا » عندما أفتى بأن التدخين في نهار رمضان لا يُفطر الصائم، خرج من عزلته، وأصبح نجما، يشاهده الناس على الفضائيات، شبه يوميا، وكان من أثر ذلك، أن باع كل مؤلفاته التي كانت تملأ مخزنا بالكامل، وازداد نشاطه، وتوسعت شعبيته.
وعندما استطاع « أ. إسلام البحيري » أن يصل إلى قناة لها وزنها الإعلامي، وأصبح له برنامج ثابت، وفجر قضايا قد قُتلت تفجيرا منذ عقود من الزمن، وما كان منه إلا أن نقلها عمن فجّروها، ظهر نجمه وأصبح حديث الساعة، فالناس لم تشاهد غيره، إعلاميا، فجّر هذه القضايا.
وعندما خرج د. شحرور بمشروعه الفكري، وفجر قضايا لم يسمع عنها المسلمون من قبل، وأسقط عنهم كثيرا من أحكام الشريعة القرآنية، بدعوى القراءة المعاصرة للقرآن، ظهر نجمه وأصبح حديث العالم.
فإذا نظرنا إلى الدائرة التي ظهرت فيها نجومية هؤلاء، وجدناه دائرة مذهبية، تابعة لفرقة أهل السنة والجماعة، تتعامل مع أحكام الشريعة القرآنية بمرجعية أئمة السلف، ويبدو أن هؤلاء النجوم يعتقدون أن فرقة أهل السنة هي « الفرقة الناجية »!!
إن الأستاذ جمال البنا، يريد تنقية « السنة »، بمفهوم أئمة أهل السنة، فيكتب كتاب « تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم ».
والأستاذ إسلام البحيري، يريد تنقية « السنة »، بمفهوم أئمة أهل السنة، فيدخل السجن لأنه قال في أئمة أهل السنة، ومنهم أئمة الحديث، وأصحاب الكتب الستة، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم، قال فيهم ما يُنقص من قدرهم ومكانتهم العلمية.
والدكتور المهندس محمد شحرور، يريد تنقية « السنة »، بمفهوم أئمة أهل السنة، وجميع المراجع التي استند إليها في مؤلفاته، سواء بنقد نصوصها أو لتدعيم مشروعه الفكري، هي مراجع أئمة أهل السنة والجماعة.
فلماذا فرقة أهل السنة والجماعة بالذات؟! ولماذا نفس أمهات الكتب التي تخرجت من مدرستها المنظمات التكفيرية والجهادية؟!
لأنها الفرقة التي تربوا فيها، وتعلموا دينهم على مائدتها.
ولبيان تهافت وسقوط هذه المشاريع الفكرية، التي « ضحكت على الناس » بدعوى الاستنارة والمعاصرة، والوصول إلى العالمية، أقول:
إذا كنتم حقا تبتغون وجه الله من نشر مشاريعكم الفكرية، فإن الله تعالى لم يأمركم باتباع مرويات السنة، ولا تنقيتها، لأنه هل يُعقل أن ينزل الله على رسوله نصوص وحي ثان، ثم يأمر المسلمين بتنقيته؟!
إن الله تعالى لم يأمر المسلمين إلا باتباع كتابه، وهذا الاتباع يحتاج إلى تدبر، وهذا التدبر يحتاج إلى أدوات، وإلى منهج علمي يبين كيفية استخدام هذه الأدوات.
فهل فعل د. م. شحرور ذلك عند استنباطه مفهوم « السنة النبوية » من كتاب الله؟! لم يفعل، وكانت الأداة الوحيدة التي يملكها هي هواه، وسأضرب مثالا واحدا على ذلك.
من النتائج التي توصل إليها د. م. شحرور، ودونها في ختام كتابه « السنة الرسولية والسنة النبوية »، رؤية جديدة، وهو حسب علمي آخر ما كتبه، تقريبا عام « ٢٠١٤م »، حتى لا يخرج علينا التابعون ويقولون، هذا الذي قاله كان في أول دعوته، « عام ١٩٩٠م »!!
قال د. م. شحرور عن السنة برؤيته المعاصرة:
(٥) الرسول (ص) معصوم من مقام الرسالة فقط …، ولكنه غير معصوم من مقام النبوة في الاجتهاد.
* أقول:
إذن فمقام الرسالة « مقام عصمة »، يستحيل مطلقا أن يأتيه الباطل.
* ثم يقول:
(٨) هناك نوعان من السنة الثابتة عن الرسول:
أولا: السنة الرسولية:
وهي الممثلة في ما ثبت عنه في الشعائر والقيم الإنسانية التي نجدها في الفرقان العام والخاص.
ثانيا: السنة النبوية:
التي نجدها موزعة في القصص المحمدي والأحاديث النبوية الخاصة بعين اجتهاداته من مقام النبوة.
* أقول:
وهل هناك سنة ثابتة وسنة غير ثابتة، والثابتة هي التي لها نوعان؟!
ثم تدبر قوله وهو يتحدث عن « السنة الرسالية »، أي عن مقام الرسالة:
« وهي الممثلة في ما ثبت عنه »، يقصد طبعا ما ثبت عن الرسول!!
فمن الذي سيقول للدكتور شحرور، ما الذي ثبت عن الرسول، وما الذي لم يثبت؟! أليس هم أئمة الحديث، لفرقة أهل السنة والجماعة!!
إذن، فقد سقط كتابه « السنة الرسولية والسنة النبوية »، رؤية جديدة « معاصرة »، من قواعده، لأنه بهذا المنهج المتهافت، عليه أن يتبع علماء الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، لفرقة واحدة فقط، وهي فرقة أهل السنة، فكيف بحال « السنة » عند باقي الفرق الإسلامية؟!
* يقول مؤكدا على إسقاط موضوع كتابه « السنة الرسولية والسنة النبوية »:
(١٠) تكون الطاعة المتصلة للسنة الرسالية في الشعائر الواردة في ما ثبت عنه من أحاديث رسولية في الشعائر، وفي القيم الإنسانية الواردة في الفرقان العام والفرقان الخاص.
* أقول:
أما الأحاديث الرسولية المتعلقة بالشعائر، وخاصة الصلاة، فهي بحر متلاطم الأمواج، وقد بيّنت ذلك في كتابي إشكاليات الخطاب الديني، فصل: « الرواية وأحكام الصلاة ».
لذلك أقول: إن د. م. شحرور أقام مشروعه الفكري علي قوائم متهافتة، ويبدو أنه تصور أنه يستطيع أن يُخفي وراء نجوميته، تهافت هذه القوائم، والمنهج الذي أقام عليه قراءته المعاصرة للقرآن.
ومن هذه القوائم المتهافتة، قوله إن الرسول معصوم من مقام الرسالة فقط، « وهذا صحيح »، ولكنه جاء بعد ذلك وقذف بمقام الرسالة في الهواء، بقوله عن الطاعة المتصلة للسنة الرسالية في الشعائر: « ما ثبت عنه من أحاديث رسولية »!!
إذن فهو يؤمن بحجية المصدر الثاني للتشريع، الذي حم ل الأحاديث الرسولية، ولكنه لا يتبع إلا ما « ثبت عن رسول الله »، أي لا يتبع إلا الرواة والمحدثين، وذلك في أهم باب وهو « السنة »، وفي آخر مرحلة من مراحل تطوره الفكري، الذي أصدر على أساسه هذا الكتاب.
ثم قال:
(١٥) طبقا لهذا كله علينا إعادة النظر جذريًا في ما يُسمى علوم الحديث، حيث رأيت أنها السنة، وصحة الحديث لا تعني أنه ملزم، وأنه قابل للقياس عليه، وأنه مصدر تشريعي.
أقول:
بعد أن اكتشف د. م. شحرور، « عام ٢٠١٤م » أن علوم الحديث هي السنة، فإذا به يقول: « صحة الحديث لا تعني أنه ملزم »، أي حسب فهمه الجديد للحديث، فإن صحة السنة لا تعني أنها ملزمة، لذلك يريد إعادة النظر في هذا المصدر الذي استقى منه السلف، ويستقي منه الخلف، علوم الحديث!!
ما هذا المنهج العشوائي، الذي لا أساس له، ولا برهان يحمله؟!
لقد أسقط د. م. شحرور بمنهجه العشوائي هذا، الطاعة المتصلة للسنة الرسالية، التي قال في (١٠)، إنها في الشعائر الواردة في ما ثبت عن الرسول من أحاديث رسولية!!
« وافرحوا يا مسلمين، فقد أسْقَطَ د. م. شحرور الشعائر عنكم أيضا »!!
وأخيرا يقول:
(٢١) وهكذا يتبين لنا تهافت أصول الفقه، التي وضعها الشافعي، والتي أطلق عليها: « الكتاب – السنة – الإجماع – القياس »!!
أقول:
وهكذا يتبيّن لنا، كيف يقرأ المفكرون المستنيرون القرآن قراءة معاصرة، قوامها التراث الديني للفرقة التي ولدوا فيها، وتربوا على مائدتها الفكرية الدينية، ثم يدّعون أنهم يحملون فكرًا مستنيرًا للعالم، وأفئدتهم هواء.
محمد السعيد مشتهري