

(521) 14/10/2016 (الصديق Mhmad DS)
عدد المشاهدات : 192
الآن أستطيع أن أجيبك
لقد خصصت لتعليقاتك السابقة
التي تقول أني تهربت من الرد عليها، لتشتيت وتمييع الموضوع
خصصت لها منشورا خاصا، هو هذا المنشور
وأنا أعلم، أنك ستعلم
أن هذا المنشور جاء للرد على كل تعليقاتك السابقة
ويكشف عن مدى جهلك بما كتبه د. شحرور، خاصة في كتابه الأخير
الذي كان بعنوان: السنة الرسولية والسنة النبوية
خاصة وقد رأيت في حوارك مع الصديق أحمد سعيد
أنك تدافع عن د. شحرور
وتقول إن ما نقلته أنا عنه
كان من كتاب كتبه في عام ١٩٩٠م
وقت أن كان يتخذ « التقية » رخصة
ويحاول ألا يصدم بفكره المسلمين مرة واحدة
لذلك أظهر لهم إيمانه بحجية التراث الديني
وما يحمله من مرويات أهل السنة
والآن جئت لك في هذا المنشور بما كنت تجهله
وهو ما قاله د. شحرور في آخر مؤلفاته التي نشرها عام ٢٠١٤م
حتى لا تخرج علينا مرة أخرى وتقول
إن ما نقلته عنه كان في بداية دعوته، وقت أن كان يتخذ « التقية » رخصة
ووقت أن كان يكتم فهمه الصحيح للسنة
الذي أظهره بعد ذلك
وعلى كل حال
فإذا كان ذكر اسم د. شحرور يزعككم
فأنا لم أذكر اسمه في المنشورات السابقة
إلا لأنه أصبح ظاهرة خطيرة
تهدد التزام المسلمين بالشريعة القرآنية
أما ما سأنشره بعد ذلك
فستفهمون من تلقاء أنفسكم
من هو هذا الذي يعمل على تفريغ الشريعة القرآنية من جوهرها
محمد السعيد مشتهري
(522) 15/10/2016 (لماذا يريدون تحريف كلام الله)
عدد المشاهدات : 207
نريد أن نتدبر الآيات التالية:
١- « أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »
٢- « وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ »
٣- « سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُ ونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا »
ما المقصود بـ « كلام الله » في الآيات السابقة؟! هل هو:
أولا: « كلام الله » الذي يشمل كلمات سور القرآن كلها، بداية بسورة الفاتحة، وحتى سورة الناس؟!
ثانيا: وهل عندما يقول الله تعالى:
« ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ »
هل « الكتاب »، الذي لا ريب فيه، والذي هو هدى للمتقين، هو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد؟!
ثالثا: وعندما يقول الله تعالى:
« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »
هل « القرآن »، الذي أمر الله بتدبره، هو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد؟!
رابعا: وعندما يقول الله تعالى:
« تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا »
هل « الفرقان »، الذي أنزله الله على عبده محمد، الذي يَفْرق بين الحق والباطل، فيكون للعالمين نذيرا، هو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد؟!
خامسا: وعندما يقول الله تعالى:
« فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ »
فهل « النور »، الذي أنزله الله، هو كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد؟!
سادسا: وعندما يقول الله تعالى:
« وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ »
هل « الذكر » الذي نُزّل على رسول الله محمد، هو كلام الله الذي تعهد بحفظه، فقال تعالى:
« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ »؟!
أجيب، فأقول:
إن كلام الله الذي أنزله على رسوله محمد، هو « الكتاب »، وهو « القرآن »، وهو « الفرقان »، وهو « النور »، وهو « الذكر »، وكل هذه صفات متعددة، لموصوف واحد، هو كلام الله.
أولا: الكتاب
يخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى:
« الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »
ولكن لماذا جعل الله الإخراج من الظلمات إلى النور، في هذه الآية للناس عامة، ثم جعله قاصرا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في سورة الطلاق، فقال تعالى:
« رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.. »
لبيان أن إخراج الناس من الظلمات إلى النور، لا يكون إلا بعد إسلامهم، وإقرارهم بأصول الإيمان، والتزامهم بأحكام الشريعة القرآنية.
ثانيا: القرآن
حمل في ذاته الآية الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، قال تعالى:
« قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »
فهل « القرآن » هو الذي حمل الآية الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، أما « الكتاب » فلم يحملها؟!
ثالثا: الفرقان
جعله الله منهجا يعيش به المؤمن، يحميه من التباس الحق بالباطل، فيعيش مطمئنًا يُبصر الأمور على حقيقها، قال تعالى:
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ »
فهل « الفرقان » هو الذي حمل المنهج، الذي يحمي المؤمن من التباس الحق بالباطل، أما « الكتاب »، و« القرآن »، فلم يحملاه؟!
رابعا: النور
جعله الله نورا مبينا، ليكون حجة على الناس، فمن آمن منهم به دخل في رحمة الله، وهداه الله صراطًا مستقيمًا.
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا »
فهل « النور المبين » هو البرهان والحجة، وهو الهادي إلى صراط الله المستقيم، أما « الكتاب »، و« القرآن »، و« الفرقان »، فليس كذلك؟!
خامسا: الذكر
الذي يذكر الناس بما هم عنه غافلون، بداية بدلائل الوحدانية، والإقرار بأصول الإيمان، وما يستلزم ذلك من عمل صالح، والتزام بأحكام الشريعة القرآنية.
ويستحيل أن يتذكر الناس ما تعلموه، وماعرفوه، دون مشاهدته، فآلية التذكر تحمل الصورة الذهنية
« الإسم والمسمى »، لذلك تعهد الله بحفظ « الذكر »، أي بحفظ الكلمة القرآنية ومقابلها الكوني، فقال تعالى في سورة الطلاق:
« .. فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.. »
نلاحظ في قوله تعالى: « أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَّسُولًا يَتْلُو ..»، أن « رسولاً » بدلٌ من « ذكراً »، يسمى بدل اشتمال، وذلك لأن هناك بين الرسول وكلام الله ملازمةً وملابسةً، كما قال تعالى في سورة البينة:
« .. حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً »
وهذه الملازمة بين الرسول وكلام الله، هي التي جعلت كل ما أنزله الله على رسوله، وتعهد بحفظه، هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، سواء كان كتابا، أو قرآنا، أو فرقانا، أو نورا، أو ذكرا، فتدبر:
« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ، وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ »
إن إسناد التبيين إلى الآيات « يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ » يستحيل أن يُقصد به بيان كلام الله المدوّن في الكتاب فقط، دون أن تكون صورته الذهنية الكونية مطبوعة في قلب الإنسان، وهو ما أسميه بالمقابل الكوني.
وكما أسند الله تعالى التبيين إلى الآيات، أسنده أيضا إلى الكتاب، فقال تعالى في سورة النمل:
« طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ »
وأسنده إلى القرآن، فقال تعالى في سورة الحجر:
« الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ »
وكل ذلك لبيان أن كلام الله، وآياته المبينات، قد حملها الكتاب، كما حملها القرآن، كما حملها الفرقان، كما حملها النور، كما حملها الذكر، فكلها كلام الله الذي: « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ »
نعم: لا ترادف في القرآن
ولكن لاحظ: أنه عندما يكون الموصوف واحدا، وتعددت صفاته، يكون لكل صفة معناها الخاص بها، وهذا « المعنى » هو الذي يستحيل أن يترادف مع معنى صفة أخرى.
فعندما يقول الله تعالى: « وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ »، فلا شك أن صفة المغفرة غير صفة الرحمة، ولكن هذا لا يجعلنا نقول: إن لله تعالى ذاتين، ذات اسمها الغفور، وذات اسمها الرحيم!!
إن جهل أصحاب القراءات الشاذة بعلم « البيان »، جعلهم يوظفون قاعدة علمية لا خلاف عليها أصلا بين العقلاء، وهي « لا ترادف في القرآن »، توظيفا غير منهجي، ولا علمي، يخدم هواهم.
لقد ذهبوا إلى أن كلام الله الذي حمله « الكتاب »، غير كلام الله الذي حمله « القرآن »، غير كلام الله الذي حمله « الفرقان »، غير كلام الله الذي حمله « الذكر »، غير كلام الله الذي حمله « النور »!!وبناء عليه، استطاعوا أن يُسقطوا أحكام الشريعة القرآنية التي لا تتمشى مع هواهم، بأن جعلوا تعدد صفات ما أنزله الله تعددا للذوات، فجعلوا طبيعة الآيات التي حملها الكتاب تختلف عن التي حملها القرآن، تختلف عن التي حملها الفرقان!!
وهذه هي القراءة المعاصرة للقرآن، التي ستذهب بالمسلمين إلى العالمية!!
محمد السعيد مشتهري
(523) 17/10/2016 (عالمية الرسالة الإلهية الخاتمة)
عدد المشاهدات : 187
لماذا لم يصل المسلمون إلى العالمية، وهم يحملون الرسالة الإلهية التي حملت في ذاتها الآية الدالة على صدق من أنزلها، وصدق من بلغها؟!
هناك من يقول إن السبب: قراءة المسلمين للقرآن قراءة سلفية، والقرآن يجب أن يُقرأ قراءة عصرية.
وهناك من يقول إن السبب: أن المسلمين يقرؤون القرآن بلسان غير الذي نزل به، والقرآن يجب أن يُقرأ باللسان العربي.
وآخرون يقولون أقوالًا لا محل لها من الإعراب.
واللافت للنظر، أن معظم هذه الآراء تتحرك كلها داخل « عالم الأفكار »، أو إن صح التعبير داخل عالم « الترف الفكري »، الذي لا علاقة له بواقع المسلمين، المتخلف عن ركب الحضارة منذ قرون مضت.
إن لكل عصر قراءته المعاصرة، ثم بعد موت أصحابها تصبح هذه القراءات تراثًا فكريًا، ويظل المسلمون على تخلفهم وتفرقهم وتخاصمهم، وهم يحملون كتاب الله، ويقولون: « سيُغْفَرُ لَنَا »!
فتدبر جيدا قول الله تعالى:
« فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ ، يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ، وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ، أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ ، أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ »؟!
أولا:
إن الأمم « لم » و« لن » تتقدم للّحاق بركب الحضارة، بتأليف الكتب، والقاء الخطب..، وإنما بتحويل ما يُكتب، وما يُسمع، إلى عمل، الأمر الذي لا يتحقق إلا بجهود أفرادها وتضحياتهم، من أجل أن تكون أمتهم خير الأمم، وخير شاهد على ذلك « كوكب اليابان ».
ثانيا:
إن الذين يتصورون أن المسلمين يمكنهم في يوم من الأيام، أن يصلوا إلى العالمية، دون مجتمع إيماني، يعمل الصالحات، ويقوم على تفعيل القرآن في واقع الحياة، هؤلاء لم يتدبروا القرآن.
فها هم المسلمون يقرؤون كتاب الله ليل نهار، وعندهم المئات من أمهات كتب التفسير، ومثلها دراسات قرآنية، ومنشوراتهم تملأ شبكات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لم يصلوا إلى العالمية، بل وينحرفون يوما بعد يوم عن صراط ربهم المستقيم!
ثالثا:
إن التطرف الديني، الذي حمله تراث التخاصم والتكفير، وفتاوى الإفساد في الأرض، يعيش بين المسلمين منذ قرون مضت، ولم يشعر به أحد، فقد كان مختفيًا في بطون أمهات الكتب!!
ولكن، عندما جاء من لهم مصلحة في إخراجه إلى أرض الواقع، أخرجوه من بطون الكتب، وقاموا بتفعيله في حياة الناس، فشعر بهم العالم، وأصبحوا يهددون أقوى الدول، حتى وصلوا إليها في عقر دارها.
والآن أصبحوا « دويلة »، لها شعب، وأرض، وشريعة تحكم بها، وأصبحت وسائل الإعلام تتحدث عنهم باسم « تنظيم الدولة الإسلامية ».
رابعا:
إن « الإسلام » ليس مشروعًا فكريًا، و« القرآن » ليس أكاديمية للبحث العلمي، ولم يرسل الله رسوله محمدًا ليعطي كل من أراد الدخول في الإسلام نسخة من القرآن، ويقول له: « عيش حياتك » مع نفسك!
لقد أنزل الله تعالى القرآن ليقيم مجتمع « الذين آمنوا وعملوا الصالحات »، وكل من يعتقد، أن الله أنزل القرآن ليقيمه كل مسلم مع نفسه، دون حاجة إلى مجتمع إيماني يعيش بداخله، ويتفاعل مع أفراده، فهو لا يعلم شيئًا عن القرآن الذي يحمله.
وأقول لهؤلاء الذين اتخذوا إلههم هواهم:
من هم الذين سيقيمون الشهادة على الناس، كما أقام الرسول الشهادة على قومه، فقال تعالى:
« وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا »؟!
فهل أقام الرسول الشهادة على المعاصرين له، من خلال أمة ومجتمع إيماني، أم ترك كل مسلم يقيمها « على مزاجه »؟!
إذن فعندما يأمر الله المسلمين أن يكونوا شهداء على الناس، فهل يُعقل أن يقيموا هذه الشهادة، من غير أمة يتحركون من خلالها؟!
خامسا:
وهل عندما أمر الله المسلمين أن يُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فقال تعالى:
« الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »
فهل أخرج الرسول الناس من الظلمات إلى النور، من خلال أمة ومجتمع « الإيمان والعمل الصالح »، الذي كان يتحرك به بين الناس، أم ترك كل واحد من المسلمين يقيم الشهادة « على مزاجه »؟!
إن إخرج الناس من الظلمات إلى النور، يستحيل أن يتحقق بـ « الكلام »، لأن القضية إذا كانت قضية كلام، فلماذا لم يخرج المسلمون أنفسهم من الظلمات إلى النور بـ « كلام الله »؟!
سادسا: وهل عندما اشتكى الرسول لربه من قومه، الذين اتخذوا « القرآن » مهجورا، فقال تعالى:
« وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا »
فهل كانت شكواه بسبب هجر قومه تلاوة القرآن وفهمه، أم بسبب عدم تفعيلهم للقرآن في حياتهم؟!
وهنا تأتي أهمية علم « البيان »، وبلاغة فعل « اتَّخَذُوا »، الذي يُبين أنهم كانوا يحملون القرآن، يدرسونه ويفهمونه، فكيف يتخذوه مهجورا، إلا إذا كان المقصود أنهم بعد أن حملوه، ودرسوه، وتبركوا به، لم يقوموا بتفعيله في حياتهم؟!
إذن فما الفرق، بين قوم الرسول، الذين اتخ ذوا القرآن ترفًا فكريًا، ولم يقوموا بتفعيله في حياتهم، وبين المسلمين اليوم؟!
لقد هدم المسلمون بأيديهم أمتهم، ولم يعملوا على إقامة الدين الذي ارتضاه الله لهم، ولا على إقامة مجتمع « الإيمان والعمل الصالح »، الذي هو طوق نجاتهم اليوم، فأظلمت قلوبهم، وتوقفت آليات عملها، « آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه..».
لقد ظل السلفيون قرونا يحلمون بإقامة « الخلافة الإسلامية »، وهناك اليوم من يحلمون بوصول قراءاتهم المعاصرة للقرآن إلى العالمية.
والسؤال: لماذا جنى السلفيون بعض ثمار ما كانوا يحلمون به، وأصبح لهم وزن وقيمة يُعمل لها ألف حساب، ولم يجن أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة إلا المعجبين؟!
محمد السعيد مشتهري
(524) 18/10/2016 (حوار مع الصديق مجدي شحاته)
عدد المشاهدات : 189
يقول في تعليقه على المنشور السابق:« لا أحد يمتلك الدين غير الله، و من يدعي غير ذلك فهو واهم ».أقول:هذه حقيقة، فمن يدعى أنه يمتلك دين الله، سنقول له ائتنا بدين مثله!ويقول:« كل مسلم له أن يفسر القرآن ويطبقه حسب فهمه و قدراته وليس حسب من يدعون أنهم علماء الدين »أقول:نترك علماء الدين « على جنب »، ودعنا نتحدث عن « المسلم » الذي يريد أن يفسر القرآن ويطبقه حسب فهمه و قدراته، ونسأله سؤالا منطقيا لا تحتاج إجابته إلى علماء دين، ولا غير دين:السؤال: كيف تنظر أيها المحاور إلى القرآن؟!أولا: هل باعتباره « كلام الله» الذي:« لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ »لأنه: « تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ »ثانيا: أم باعتبار أنه كان« كلام الله » قبل وفاة النبي، ثم بعد وفاته آتاه الباطل؟!فإذا كان الجواب على السؤال الأول بنعم، إذن فعلى المسلم ألا يدلي برأيه في تفسير آية، أو استنباط حكم منها، إلا بإذن من الله تعالى، أي إلا بنص قرآني يثبت صحة ما ذهب إليه.وإذا كان الجواب على السؤال الثاني بنعم، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم قد آتاه الباطل، وحرّفه البشر، إذن فمن حق المحاور أن يقول في القرآن « المُحرّف » ما شاء أن يقول، وأن يستنبط من الأحكام ما شاء أن يستنبط، دون أن يلومه أحد، أو يعترض عليه أحد، أو يؤذيه أحد.أما ما ذكره الصديق مجدي شحاته في تعليقه بعد ذلك، فهو قائم على الشبهة السابقة، ولا جدوى من الرد على ما ذكره، إلا بعد أن يحسم موقفه من السؤالين.وإلى أن يحسم موقفه، فأريد الرد على شبهة تتعلق بالتفسير الأحادي الذي ذكره في تعليقه، حيث قال:« لو كان كذلك لأنزل الله قرآنا أحادي التفسير لا يحتمل الاختلاف والتباين »يقصد لو كان الله يريد تفسيرا واحدا للقرآن، يقوم باتباعه الناس إلى يوم الدين، لأنزل تفسيرا لا يحتمل الاختلاف والتباين، ولكنه لم يفعل، لأنه شاء أن يكون التفسير « الفردي » متجددا، والتطبيق « الفردي » بلا إكراه، على حد قول الصديق مجدي.أقول:هذه حقيقة، لأن القرآن ليس كتابا إلهيا فقط، وإنما كتاب إلهي يحمل آية « معجزة » إلهية، ويستحيل أن يكون لنصوص هذه الآية تفسير سلفي ثابت، وإلا لكان الأَوْلَى أن يفسره الرسول بوحي من الله.ولكن السؤال:إن هذه « الآية القرآنية » تشمل آيات الآفاق والأنفس، المقروءة في كتاب الله، والمشاهدة في الكون، قال الله تعالى:« سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، وَفِي أَنفُسِهِمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ »فمن هؤلاء الذين سيُخرج الله على أيديهم ما تحمله آيات الآفاق والأنفس من كنوز، ودلائل « الوحدانية »؟!إنهم « العلماء »، الذين ورد ذكرهم في سورة فاطر، في سياق الحديث عن دلائل « الوحدانية »، فقال تعالى:« وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ »ويستحيل أن يكون السياق يتحدث عن علماء ملحدين، لادينيين، أو عن علماء لا علاقة لهم بالإسلام، ولا بالإيمان، ولا بمنظومة « تدبر القرآن »!إن خشية الله « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ »، وإخلاص العبودية لله « مِنْ عِبَادِهِ »، لا يتحققان إلا في إنسان آمن بوحدانية الله، وأقر بأصول الإيمان، والتزم بأحكام الشريعة الإلهية، وهؤلاء هم « العلماء » الحقيقيون.ومنذ أن بدأت مشروعي الفكري في الثمانينيات، وهذا هو مفهومي للعلم والعلماء، وأن الإسلام لن يصل إلى العالمية، إلا على أيدي هؤلاء العلماء.فكيف يستقيم هذا المشروع العلمي القومي، مع ترك المسلمين يدرسون ويستنبطون أحكام القرآن، كلٌ حسب فهمه، وحسب قدرته العقلية، والأصل أن يكون هذا المشروع العلمي القومي، العالمي، بأيدي خير أمة أخرجت للناس؟!ولكن، وكما يقول الشاعر:« لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي »محمد السعيد مشتهري
(525) 19/10/2016 (المختصر المفيد)
عدد المشاهدات : 247
لقد بعث الله نبيه الخاتم محمدًا بقرآن يحمل الآية الدالة على صدق نبوته وبلاغه عن الله، وطلب من المرتابين والمكذبين أن يأتوا بمثل سورة من سور هذا القرآن، فإن فعلوا أسقطوا «الآية الإلهية»، وأسقطوا «النبوة».
والذي يؤمن بأن القرآن آية إلهية، عندما يتدبر قوله تعالى:
«وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا، وَلَن تَفْعَلُوا، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»يعلم ما يلي:
أولا: أن من يش ك، في أي وقت وفي أي مكان، أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين، هو كلام الله، ورسالته الخاتمة التي حملت «الآية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، عليه أن يأتي بسورة واحدة من مثل سور هذا القرآن:
«وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ».
ثانيا: عندما طلب الله من المرتابين أن يأتوا بسورة من مثل سور القرآن، لم يكن المطلوب أن يأتوا بسورة بعد إعادة صياغة كلماتها في جمل جديدة، وبأسلوب بلاغي، مثل أسلوب الجمل التي احتوتها سور القرآن.
لأنه لو كان هذا هو المطلوب، لانتصر أهل اللسان العربي من الجولة الأولى، فما أسهل أن يأتوا بسور القرآن كلها، وليس بسورة واحدة فقط، وقد فعل ذلك حديثا قوم، كتبوا كتابا سموه «الفرقان الحق»، وادعوا أنه مثل القرآن، وهذا الكتاب منشور على شبكة الإنترنت.
«مفيش مشكلة، الموضوع سهل جدا، أي واحد يعمله قرآن»
ثالثا: عندما يطلب أحد منك أن تأتي بمثل شيء، فهذا معناه أن تأتي بكل تفاصيل هذا الشيء الدقيقة، ومعلوم أن الكلمة العربية مكونة من «اسم، وفعل، وحرف»، وبدون أن يكون للكلمة «مسمى» شاهده الإنسان من قبل، يستحيل أن يتعرف لا على «الكلمة» ولا على «المسمى».
لذلك عندما عرض الله على الملائكة مسميات الأشياء، وطلب منهم أن يأتوا بأسمائها:
« فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »
قالوا: « سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا »
لأنهم يستحيل أن يأتوا بأسماء هذه المسميات، التي عرضها الله عليهم، ولم يسبق لهم أن شاهدوها، ولا عرفوا أسماءها!
رابعا: لقد كان المطلوب من المرتابين والمكذبين لنبوة رسول الله محمد، أن يأتوا بـ «المسميات» وليس فقط بـ «الكلمات»، فإن قالوا: ها هي «المسميات» موجودة في الكون من حولنا، قالوا لهم:
إن الله طلب منكم «المثلية»، أي أن تخلقوا مثل هذه «المسميات»، إن كنتم صادقين في دعواكم أن هذا القرآن ليس من عند الله!
ولما كان المخلوق يستحيل أن يتصف بصفات الخالق، وأن مدّعين الإلهية على مر العصور عجزوا أن يخلقوا ذبابة:
« إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ »
وجه الله خطابه إلى المرتابين والمكذبين قائلا: «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا – وَلَن تَفْعَلُوا»
إن حفظ «الذكر»، يعني «حفظ الكلمة ومقابلها الكوني»، الذي يستحيل تذكر الكلمة دون معرفة مقابلها الكوني مسبقًا، إذن فقوله تعالى: «وَلَن تَفْعَلُوا» يعني أن الله تعالى سيحفظ هذا «الذكر» إلى يوم الدين.
خامسا: وإذا كانت حروف الهجاء العربية، التي تعلمها المسلمون في طفولتهم، منذ بعثة النبي الخاتم، وإلى يومنا هذا، هي نفسها حروف كلمات القرآن الذي بين أيدينا اليوم، ولا ينكر ذلك عاقل.
إذن فمن هذا الشيطان الجهبذ، الذي استطاع أن يقف أمام حفظ الله لـ «الذكر»، ومسح من الذاكرة العربية «الكلمة ومقابلها الكوني»، ثم ابتدع لهم منظومة من المفاهيم والدلالات الشاذة للكلمة القرآنية؟!
لقد عجز الشيطان أن يخترق كتاب الله الخاتم، القرآن الكريم، كما اخترق الكتب السابقة، فراح يخترق الكتاب بأسلوب ماكر، عن طريق تفكيك بنية السياق، وتحريف دلالات الكلمات، وإسقاط الأحكام، فيعبد المسلمون ربهم بغير الدين الذي ارتضاه لهم.
«وألف مبروك للشيطان الجهبذ»
سادسا: منذ عصر الرسالة الخاتمة، وإلى يومنا هذا، مرت قرون كثيرة، وكان على المسلمين، المؤمنين، المهتمين بمعرفة دينهم، الباحثين عن الحق، الذين يريدون قراءة القرآن قراءة معاصرة، أن يجيبوا أولا على هذا السؤال:
متى، على وجه التحديد، وأكرر «على وجه التحديد»، استطاع هذا الشيطان الجهبذ، أن يخترق منظومة «الذكر» المحفوظة بحفظ الله تعالى، ويحرف كلماتها، ومدلول مسمياتها؟!
متى كانت إقامة الصلاة دقائق، دقيقة وقت الفجر يتلو فيها المسلم بعض آيات القرآن وكذلك دقيقة وقت العشاء؟!
ومتى أصبحت الزكاة تزكية للنفس، وأصبح الصوم صيام النفس عن الشهوات، وأصبح الحج في أي وقت؟!
ومتى أصبح القتل غير القتل، والذبح غير الذبح، والقطع غير القطع، والشجرة غير الشجرة؟!
ثم متى أصبحت الشهور العربية ليست هي التي عرفها الناس من لدن آدم عليه السلام، فرمضان ليس هو، وذي الحجة ليس هو، والمحرم ليس هو؟!
«وألف مبروك للشيطان الجهبذ»
لذلك أقول لجهابذة القراءات القرآنية المعاصرة:
هناك علم اسمه «علم السياق القرآني»، فتعالوا نتعلم الدرس الأول منه، والمتعلق بجذر كلمة «قطع»، التي وردت في كتاب الله «٣٦» مرة، وذلك على النحو التالي:
أولا: بمعنى الفصل التام بين شيئين
١- « وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ » (البقرة ٢٧)
٢- « وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ » (الرعد ٢٥)
٣- « لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ » (الواقعة ٣٣)
٤- «مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ» (النمل ٣٢)
ثانيا: بمعنى الاجْتياز على وجه الاستعارة
١- « وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ » (التوبة ١٢١)
وقطع الوادي: انفصال ما سبق اجتيازه عن الذي نجتازه.
ثالثا: الانفصال بين شيئين على سبيل التشبيه
١- « وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ » (البقرة ١٦٦)
تشبيه لهيئة الكافرين، الذين خاب أملهم في الحصول على نعيم الآخرة، بمن يحاول الصعود إلى مك ان مرتفع وهو ممسك بحبل، حتى إذا أوشك الوصول إلى قمة هذا المكان، انفصل هذا الحبل عن جسده، فسقط هالكاً.
٢- «لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» (الأنعام ٩٤)
٣- « فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ » (الحج ١٥)
يشبه المكذب بآيات الله، بمن مدّ حبلا إلى أقصى ارتفاع استطاع، ثم قطع الحبل بيده فماذا سيحدث له؟!
رابعا: القطع المعنوي
١- « لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ » (آل عمران ١٢٧)
إن الطرف، في هذا السياق، هو الجزء الهام المتطرف من الجسد، كالرأس، أو اليدين، أو الرجلين، وهي استعارة لبيان استئصال زعماء الكفر.
٢- « فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ » (الأنعام ٤٥)
والقطع هنا كناية عن الاستئصال، بدلالة سياق الآية قبلها، ومثله قوله تعالى: – «وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ» (الحجر ٦٦)
– «وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ» (الأعراف ٧٢)
– « وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ » (الأنفال ٧)
٣- « لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ » (التوبة ١١٠)
٤- «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» (يوسف ٣١)
٥- «مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» (يوسف ٥٠)
وبتدبر سياق (الآية ٣١) من سورة يوسف، يتبين لنا أن القطع ج اء بالمعنى المجازي، وليس المادي، وذلك للمبالغة في بيان مدى ذهول النساء عندما رأين يوسف:
«فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ»
وهنا تظهر بقوة أهمية دراية المتدبر للقرآن بعلم السياق، وباللسان العربي، وبآليات التفكر والتعقل..، لأنه مهما وصل ذهول النساء إلى منتهاه، يستحيل أن يقطعن أيديهن بلحمها وعظامها بسكين وضع على مائدة الطعام!
خامسا: القطع المادي
١- «أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ» (المائدة ٣٣)
إن التدرج في العقوبة، يبين أن معنى القطع في هذا السياق هو الاستئصال، ثم تأتي جملة « مِّنْ خِلافٍ » لتكون قيدًا لهذا الاستئصال، ولبيان أن العضو المقطوع هو عضو مُخالف لعضو آخر.
٢- « وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ » (المائدة ٣٨)
ولقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن جزاء المفسدين في الأرض، «الآية ٣٣ السابقة»، فتأخذ حكمها، وقوله تعالى: « جَزَآءً بِمَا كَسَبَا » يُبيّن أن القطع جزاءٌ على فعل السرقة.
٣- « لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ » (الأعراف ١٢٤)
٤- « فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ » (طه ٧١)
٥- « لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ » (الشعراء ٤٩)
٦- « ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ » (الحاقة ٤٦)
٧- «مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَ ا» (الحشر ٥)
إن قوله تعالى « أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا »، يُبيّن المعنى المادي لـ «قَطَعْتُم»
سادسا: التفرق والتقسيم والتقطيع
١- « وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً » (الأعراف ١٦٠)
٢- « وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً » (الأعراف ١٦٨)
٣- «كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً» (يونس ٢٧)
٤- « فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ » (هود ٨١)
٥- « فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ » (الحجر ٦٥)
٦- «وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ» (الرعد ٤)
٧- « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ » (الرعد ٣١)
٨- « وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ » (الأنبياء ٩٣)
٩- « فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » (المؤمنون ٥٣)
١٠- « فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ » (الحج ١٩)
١١- « وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ » (محمد ١٥)
١٢- «أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ» (محمد ٢٢)
١٣- « أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ » (العنكبوت ٢٩)
فهل من المنطق، أن نترك كل دلالات كلمة «قطع» الواردة في السياق القرآني، والصور الذهنية لمسمياتها، «مقابلها الكوني»، التي حملتها قلوب الناس قرونا من الزمن، ليكون معنى القطع هو فقط «المنع» أو «الجرح»، لإرضاء منظمات حقوق الإنسان العالمية؟!
الحقيقة، وحسب أصول المنطق الذي يتعامل به أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، وحسب منهج البحث العلمي المناسب لهذا المنطق، كان الأكرم بأصحاب هذه القراءات، أن يعلنوا عدم اعترافهم أصلا بأن الآيات السابقة من القرآن الذي أنزله الله على رسوله محمد، حتى لا يخدعوا أنفسهم، وأنفس المساكين الذين يتبعونهم بغير علم.
(526) 20/10/2016 (النموذج الثاني للحوار العلمي مع الصديق Redaa Ramy)
عدد المشاهدات : 235
طلب مني اليوم الصديق Hazem Malek الرد على تعليق الصديق رضا رامي الذي ذكره تعليقا على المنشور بعنوان: «نموذج للحوار العلمي مع المعارض»، في ١٢ / ١٠ / ٢١٠٦
والحقي قة أنا لم أرد على الصديق رضا لأني لم أجد جديدا يستحق الرد عليه، ومع ذلك أعيد ما ذكرته في المنشور المشار إليه، ولكن بشيء من التفصيل:
الرد على البند «١»:
إن الذي قلته كما ورد في تعليق الصديق رضا رامي هو:
«فهذه الصلاة صلاة قصر، لظروف الحرب»
وفرق كبير بين قولي «لظروف الحرب»، وبين قول الصديق رضا في رده «البند ٢»:
«أن الأية ١٠١ لا علاقة لها بالحرب»
فأنا لم أقل «حرب»، وإنما قلت «ظروف الحرب»
واللافت للنظر، أن هذا الذي قلته شهد على صحته الصديق رضا بقوله بعد ذلك:
«وإنما علاقتها بالمُستضعفين، الذين تضطرهم (ظروفهم) للضرب فى أرض يصيطر عليها الكافرون».
هذا صحيح، وأنا أرى أن ظروف حرب الكافرين، لا تقل قلقا وخوفا عن الظروف التي يواجهها «المستضعفون» في الأرض من الكافرين، وعلى هذا أساس اعتبرت أن سياق الآيتين «١٠١، و١٠٢» سياق واحد
ثم من أين أتيت بقولك: «فى أرض يصيطر عليها الكافرون»؟!
أخرج لنا من فضلك هذه الآية التي فهمت منها، أن الآية التي تحدثت عن المستضعفين، ذكرت أن استضعافهم كان بسبب صيطرة الكافرين على الأرض؟!
أما إذا كنت فهمت، أن قوله تعالى: « إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا » يعني أن المستضعفين يعيشون في دولة يصيطر عليها الذين كفروا، فهذا الفهم لا علاقة له بسياق الآية التي تبدأ بقوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ»
فمن أين جئت أن المستضعفين هم الذين ضربوا في الأرض؟!
ثم هل تعلم أن الضرب في الأرض يعني مساحة مكانية وزمانية قد تستغرق وقتها أسبوعا؟!
ثم هل تعلم أن هناك «قاطعين للطرق» كانوا دائما يهددو ن الضاربين في الأرض؟!
الرد على الطرح الأول:
أنا عندما قلت إن الآيات كلها «من الآية ٩٧ إلى الآية ١٠٢»، تدور حول موضوع واحد، كنت أعني بهذا الموضوع «الخوف»، ومن ذلك طبعا «ظروف الحرب»
و«ظروف الحرب» هي المسيطرة على سياق الآيات التي ذكرتها، بل ومن قبل الآية ٩٧، فتعالوا نبين كيف هيمنت ظروف الحرب، وأن معنى الضرب في الأرض الذي ورد في سياق هذه الآيات يعني القتال في سبيل الله، فيقول الله تعالى:
١- «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً … الآية ٩٢»»
٢- « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا … الآية ٩٣»
٣- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً … الآية ٩٤»
٤- «لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ … دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. الآيتان ٩٥ – ٩٦»
٥- « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ… الآية ٩٧»
٦- « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ … الآيتان ٩٨ – ٩٩»
٧- « وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ … الآية ١٠٠»
٨- «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً. الآية ١٠١»
٩- «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ … الآية ١٠٢»
١٠- «فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً … الآية ١٠٣»
١١- «وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. الآية ١٠٤»
فإذا تدبرنا الآية «١٠٤» وجدناها تستكمل السياق الذي بدأ من الآية «٩٢»، والذي يتحدث عن أحكام القتال في سبيل الله، ودعاوى الاستضعاف التي كان يرفعها المنافقون للهروب من القتال، ومتى يكون الاستضعاف مشروعًا: « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ..»
وإذا تدبرنا قول ه تعالى في الآية «١٠٢»: «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ»، وعلاقته بالآية التي قبلها: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ»، فإن علم السياق يفرض علينا فهمًا واحدًا: «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ»، في حالة «إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ».
هذا هو سياق الآيات، فتدبروه جيدا، لتعلموا ما ورد فيه من أحكام:
أحكام القتل الخطأ والمتعمد، أحكام الضرب في سبيل الله «والمقصود به القتال»، الفرق بين القاعدين والمجاهدين، أحكام الذين تهربوا من القتال بدعوى الاستضعاف.
ثم أحكام الهجرة، والضرب في سبيل الله، وقصر الصلاة في حالة الخوف من فتنة الذين كفروا، ثم كيفية صلاة الخوف في حالة وجود النبي مع المقاتلين، وأخيرا بيان أن الفريقين المتحاربين كلٌ يخشى بأس الآخر:
« إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ »
أما باقي ما ذكره الصديق رضا رامي، فقد قام على أساس غير صحيح، وما استدل به من آيات استدلال ليس في مكانه، لذلك سأترك للأصدقاء الاطلاع على ما ذكره، وتدبره في ضوء ما ذكرته سابقا.
محمد السعيد مشتهري
(527) 21/10/2016 (علم السياق القرآني)
عدد المشاهدات : 238
هناك من يدّعون أن القرآن يجب أن يُفهم من داخله، دون الاستعانة بأي أداة من خارجه، لأن الله تعالى يقول:
« وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ »
« وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا »
وهؤلاء يخدعون أنفسهم، والمساكين الذين يتبعونهم بغير علم، إلا إذا كانوا قد سقطوا علينا من السماء، فإذا بهم ينطقون بحروف «اللسان العربي» الذي نزل به القرآن، ويقرؤون كلماته، ولم يسبق لهم أن عاشوا بين العرب، ولا ولدوا في بيئتهم.
إن هؤلاء الذين يضعون رؤوسهم في الرمال، ويدّعون أنهم يقرؤون القرآن قراءة معاصرة، دون الاستعانة بأي أداة من خارجه، عليهم زيارة أحد علماء النفس، ويسألوه:
كيف استطعنا قراءة القرآن اليوم، والتعرف على مسميات كلماته؟!
سيقول لهم:
منذ أن كنتم أطفالا، تعلمتم الأسماء والمسميات، وتعلقت صورها بأذهانكم، وكذلك جميع العلوم والمعارف.
فإذا لم تشاهدوا صورة «الكعبة»، ولم يقل لكم أحد أن هذا الشيء اسمه «الكعبة»، يستحيل أن تتعرفوا عليها ولا على اسمها عند رؤيتها.
وإذا لم تشاهدوا «بابا وماما» يصلّون، ويركعون ويسجدون، وقمتم بتقليدهم بالمحاكاة، كما تواصلت هذه المحاكاة بين المسلمين جميعا قرونا مضت، ولم يقل لكم أحد إن هذه هي «الصلاة» التي أمر الله المسلمين بإقامتها، فإنه يستحيل أن تتعرفوا عليها.
فإذا خرج عليكم من يدعي أن هذه «الكعبة» ليست هي «الكعبة» التي كانت في عهد الرسول، وأن هذه «الصلاة» ليست هي «الصلاة» التي صلاها الرسول، فقولوا له:
إن «الكعبة» التي يعرفها المسلمون اليوم، ليس لها صورة في كتاب الله، ولا عنوان الوصول إليها، وكذلك تفاصيل «الصلاة» التي يؤديها المسلمون اليوم.
إن معظم الآيات التي تحدثت عن «الصلاة» جاءت على سبيل «الخبر»، والباقي «أمر» بإقامتها، ولا توجد آية واحدة تُبيّن كيفية أداء هذه «الصلاة»، كما بيّنت آية «الوضوء» كيفيته بالتفصيل، مع أن هذا «الوضوء» شرط لصحة هذه «الصلاة»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ …»
إذن، فما هي هذه «الصلاة»، التي يُعتبر هذا «الوضوء» شرطًا لها؟!
وبما أنه لم تصل إلينا حقيقة تاريخية واحدة، تثبت أن هذه «الكعبة» ليست هي «الكعبة» التي يعرفها المسلمون اليوم، وأن هذه «الصلاة» ليست هي «الصلاة» التي يؤديها المسلمون جميعا اليوم، إذن فعلى أي أساس منطقي نقبل ادعاءات المحريفين؟!
إن المحرفين يتعاملون مع الكلمة القرآنية، «اسم، فعل، حرف» بذاكرة سلفية، وبصورة ذهنية تاريخية، وهم لا يشعرون، ثم يقولون: إن القرآن يجب أن يُفهم دون الاستعانة بأي أداة من خارجه!!
إن أزمة الأصدقاء «الترانزيت»، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، أزمة واحدة، فهم يتعاملون مع ما أنشره دون دراسة المنهجية العلمية التي أقمت عليها مشروعي الفكري، وهذه المنهجية العلمية، تحمل أدوات لفهم القرآن، يستحيل «طبعا من وجهة نظري» فهم القرآن دون الاستعانة بها مجتمعة.
إن «السياق القرآني» هو هذا القرآن الذي أمامنا، من سورة الفاتحة وحتى سورة الناس، أما «علم السياق القرآني» فهو «كيف نفهم» هذا السياق، وما هي الأدوات المطلوبة لذلك.
إن أدوات فهم القرآن، التي أقمت عليها مشروعي الفكري، هي:
أولا: «منظومة التواصل المعرفي»، وهذه لا علاقة لها بما يسميه أئمة السلف بـ «التواتر العملي» المذهبي، ولا علاقة لها مطلق ا بتراث أئمة السلف ومذاهبهم المختلفة، وقد فصّلت ذلك في مؤلفاتي، وفي حلقتين كاملتين «الثالثة والرابعة» من برنامج «نحو إسلام الرسول».
ومع أني دعوت أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، والأصدقاء الترانزيت، إلى الاطلاع على ما كتبته، وسجلته في حلقات عن هذه المنظومة، لم يستجب أحد، لذلك نراهم يتخبطون، ويقولون ما لا يعلمون.
أما الصديق رضا رامي، الذي يدعوني لاستكمال الحوار معه، فقد تفوق على كل المتخبّطين، والمحرّفين، والشتّامين..، وقال عن هذه «منظومة التواصل المعرفي»:
«ولو أنّ كل واحد منا اجتهد في دراسة الكتاب، ثم تدارس الناس ما انتهوا إليه، لتغير شكل الدّنيا، ولظهر لك ولغيرك أن ما بين كتاب الله وبين المنظومة النجسة التي تدعوا إليها بعد المشرقين».
وتعليقي على هذه الفقرة، أن «منظومة التواصل المعرفي»، التي وصفها بأنها «نجسة»، هي التي جعلت منه إنسانًا، تعلم في المدارس، وأصبح يتكلم، ويُحاور، ويجادل بغير علم.
ثانيا: علم اللسان العربي
ثالثا: علم السياق القرآني
رابعا: آليات التفكر والتعقل والتدبر… وهو ما أسميه بآليات عمل القلب.
خامسا: العلوم الكونية «آيات الآفاق والأنفس»
وكل هذه الأدوات تعمل مجتمعة، بهدف الوصول إلى فهم النص، «داخليًا»، وتفاعله مع مقابله الكوني، «خارجيًا».
ولذلك عندما نريد فهم النص، علينا:
أولا: الوقوف على ما تضمنه من أغراض، فقد تتعدد المعاني بتعدد الأغراض، وهنا يظهر الفرق بين «الفهم»، و«الفقه» الذي هو أخص وأدق من مجرد فهم معنى الكلمة أو الجملة، كما ورد في مراجع اللسان العربي.
وطبعا ليس المقصود بـ «الفقه» هنا المصطلح السلفي.
ثانيا: الوقوف على ما حمله السياق من أساليب بيانية، يستحيل فهم النص دون أن يكون متدبر القرآن على دراية بها.
فعندما يقول الله تعالى:
« تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا »
١- هناك مستوى ثقافي يفهم الآية على أنها تتحدث عن دلائل الوحدانية، وانتهى فهمه عند هذا الحد.
٢- وهناك مستوى ثقافي آخر يبحث عن معنى كلمة «سراج» في القرآن، فيجد قوله تعالى مخاطبا النبي:
«وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا»
فيعلم أن السراج شيء منير كالقمر: «وَقَمَرًا مُّنِيرًا»، ولكن ما هو؟!
فيجد قوله تعالى:
« وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا، وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا »
إذن فالسراج هو الشمس، ولكن ما الفرق بين جعل القمر «نُورًا»، وجعل الشمس «سِرَاجًا»؟!
فيجد قوله تعالى:
«وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا»
فيتوقف عند «وَهَّاجًا» فلا يجد لها معنى في كتاب الله مطلقًا.
فيذهب إلى مراجع اللسان العربي، فيجد أن المقصود بالسراج الوهاج الشمس وأنها وصفت بكونها سراجًا لأنها كالمصباح في إضاءته لما حوله، ووصف السراج بأنه وهاج مبالغة في شدة ضيائه وحرارته.
فكيف كان رسول الله (سراجا) ، و(منيرا)
ثم يقولون: والكلام على التشبيه البليغ، لتقريب صفة المشبه إلى الأذهان.
٣- وهناك مستوى علمي ينظر إلى الآية على النحو التالي:
لقد غاير السياق بين وصف الشمس ووصف القمر، فسمى القمر منيرًا لا مضيئًا لأنه جسم مظلم يعكس ما يسقط عليه من ضوء الشمس.
ثالثا: الوقوف على ما يُسمى في علم البيان «إيجاز حذف، وقصر»
ومن أمثلة «إيجاز الحذف» قوله تعالى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ»، فكيف يسأل القرية؟!
إذن المقصود «وسئل أهل القرية»، باعتبار شيوع الخبر في أهل القرية، وكأن القرية كلها تكلمت به.
أما «إيجاز القصر» فهو بُنْيَةُ الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف، مثل قوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ»
رابعا: الوقوف على الأساليب البلاغية
عندما يقول الله تعالى:
« وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ »
نحن نعلم أن الدّار تطلق على المكان أو القرية أو البلد التي يعيش فيها المرء، وتبوء الدار اتخاذها سكنًا، ولكن، ما معنى تبوء المرء «الإيمان»، وهل يصح أن يأتي «الْإِيمَانَ» مفعولاً لـ «تَبَوَّءُوا»؟!
يستحيل أن تجد الإجابة على هذا السؤال داخل القرآن، فستذهب للبحث عنها في مراجع اللسان العربي، وعندها ستعلم أن هناك ما يسمى بالاستعارة المكنية، بتشبيه «الإِيمان» بالمكان الذي يسكنه المؤمن.
وطبعا، لأن هذا المنشور ليس درسا في «علم السياق القرآني»، ولا في «علم البيان»، و«الأساليب البيانية»، فأكتفي بمجرد القول:
إن هناك مصدرا معرفيا خارج القرآن، يحمل عشرات الأدوات، التي يستحيل فهم النص القرآني دون الاستعانة بها.
والسؤال لجهابذة القراءات الشاذة للقرآن:
هل ما سبق بيانه، عن دلالات بعض كلمات آية واحدة من القرآن، يمكنكم التوصل إليه، من داخل القرآن؟!
يقول الصديق رضا رامي:
«ثم إنّك تقول عن هذا العلم:
«يست حيل فهم القرآن، واستنباط أحكامه دون الاستعانة به»
حسنًا؛ فهذه بعض الأحكام مثلاً، ونريد تطبيق قاعدة الاستحالة والاستنباط منها»
ثم جاء بالآية «١٠» من سورة الممتحنة، واستخرج منها ما حملته من أحكام، ثم سأل: «وما دخل علم السياق (بافتراض وجوده جدلاً) باستخراج حكم الله؟! وأين استحالة الفهم واستحالة الاستنباط في هذه الأحكام بدون علم السياق الوهمي هذا؟!
أقول: إننا لو جئنا بتلميذ من المرحلة الإعدادية، وقلنا له استخرج من هذه الآية ما حملته من أحكام، سيأتي بما أتى به الصديق رضا:
«حكم الله بامتحان المؤمنات المُهاجرات..، حكم الله بعدم إرجاع المؤمنات المُهاجرات..، حكم الله بعدم حلّ المؤمنات للكفار..، حكم الله بعدم الإمساك بعصم الأزواج الكوافر..، حكم الله بإيتاء الأزواج الكُفّار ما أنفقوا..، حكم الله بسؤال الأزواج الكوافر..، حكم الله بجواز نكاح..»أما ما حملته هذه الآية، وهذه الأحكام، من أساليب بلاغية، فالموضوع يطول شرحه.
إن كل الأدوات التي حملها مشروعي الفكري، لفهم وتدبر القرآن، هي مصادر معرفية خارج القرآن، ويستحيل فهم القرآن دون الاستعانة بها.
وكل الذين يدّعون فهمهم للقرآن، دون الاستعانة بأدوات من خارجه، هؤلاء نزلوا من السماء لتحريف كتاب الله، وإسقاط أحكامه، بدعوى أن الله تعالى قد فصّل كل شيء تفصيلا!!
محمد السعيد مشتهري
(528) 23/10/2016 (قصتي مع منظومة التواصل المعرفي)
عدد المشاهدات : 271
إذا بحثت عن جملة «منظومة التواصل المعرفي»، في أي محرك بحث على شبكة الإنترنت، فلن تجد لها صاحبًا، إلا «محمد السعيد مشتهري»، وأنها المحور الأساس الذي قام عليه مشروعه الفكري.
لذلك فإن «محمد السعيد مشتهري » هو وحده الذي يستطيع أن يتحدث عن «منظومة التواصل المعرفي»، ويُعبّر عن مفهومه لها.
لقد صَنَعَت كلماتها بيدي، وعندما رأيت أن هناك من استخدمها دون ذكر مصدرها، قمت بتوثيقها تحت رقم «١٣٩٧٨/ ٢٠٣٣، ت. د ١- ٠٢٦ – ٣٥٨ – ٢٧٧».
أولا: في نهاية السبعينيات، وقبل استكمال مشروعي الفكري الذي كتبته مع بداية الثمانينيات، كنت أقول مثل ما يقوله اليوم من أسميهم «أصحاب القراءات الشاذة للقرآن»، وأفعل ما يفعلونه في صلواتهم وصيامهم..، وطبعا لم أكن وقتها أعلم أني أقرأ القرآن «قراءة شاذة».
لم يكن وقتها لدى علماء الأزهر، وشيوخ السلفية، ما يستفتحون به مناظراتهم معي، بهدف استتابتي باعتباري منكرًا للسنة، إلا سؤالي عن:
كيف أصلي، وما هي هيئة الصلاة وكيفيتها، وعدد الصلوات، وعدد ركعاتها..، ولقد كانت هذه المناظرات شبه دورية، فلم يكن يتصور أحد، أن ابن إمام أهل السنة ينكر السنة!!
ثانيا: لقد سألت نفسي وقتها:
لماذا موضوع «الصلاة» بالذات، الذي يثيرونه دائما في المناظرات؟!
هل لأن الصلاة، التي ورثها المسلمون جميعًا، جيلا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، مع اختلاف مذاهبهم العقدية والتشريعية، ومع تخاصمهم وتقاتلهم، لا يوجد تفصيل لها في القرآن.
إذن، فإذا كنت أصلي كما يصلي المسلمون جميعًا، يصبح قولي بـ «القرآن وكفى» باطلًا، وبالتالي يسقط مشروعي الفكري، وإذا كنت لا أصلي كما يصلون، أصبحت زنديقًا مرتدًا.
ثالثا: لقد ارتبطت الصلاة، التي هي الفريضة الرئيسية بعد «الوحدانية»، بأوقات من النهار والليل، لها علاقة بالآيات الكونية، لتأكيد الصلة الإيمانية بين المؤمن وربه، وبين المؤمن والمجتمع الإيماني الذي خاطبه الله بقوله: «يا أيها الذين آمنوا».
ولقد استغل أئمة السلف والخلف خلو كتاب الله من تفاصيل إقامة الصلاة، لإيجاد سند شرعي يثبتون به حجية مروياتهم المذهبية، فذهبوا يقولون:
إن المصدر الثاني للتشريع، الذي حمل مرويات «السنة النبوية»، هو الذي جاء بتفاصيل الصلاة، تفعيلا لقوله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا».
وعلى الجانب الآخر، ذهب أصحاب القراءات الشاذة للقرآن إلى القول بوجود كل تفاصيل الصلاة في القرآن، ولكنها ليست كالصلاة السلفية الآبائية.
فمنهم من جعلها دعاءً وتسبيحًا في أي وقت، ومنهم من جعلهما في الغدو والآصال، ومنهم من جعلها تلاوة لبعض الآيات وقت الفجر ووقت العشاء، ومنهم من جعلها صلاتين، الفجر والعشاء.
ثم منهم من جعلها ثلاث صلوات: الفجر والظهر والعشاء، ومنهم من جعلها ست صلوات، الفجر والضحى والظهر والعصر والمغرب والعشاء..، وغير ذلك الكثير، وكلها من بدع الذين تخرجوا من مدرسة «القرآن وكفى».
رابعا: إن تعليم النص «نظريًا» مكانه الكتب والمحاضرات، و«عمليًا» مكانه المعمل والواقع المشاهد، وقد نزل القرآن بنصوص مجملة تحمل أحكاما واجبة الاتباع، لا تفصيل لها عمليا في كتاب الله، فمن أين عرف المسلمون معنى «الصلاة»، سواء كانت دعاءً، أو تسبيحًا، أو هيئة: قيامًا وركوعًا وسجودًا؟!
وهل يشك مسلم عاقل، أن رسول الله عرف معنى «الصلاة»، وصلى بها هو وصحبه، كما أمرهم الله تعالى في كتابه؟!
إذن فما هي هذه «الصلاة» التي صلاها الرسول وفصّلها الله تعالى في كتابه، بين كل الاجتهادات السابقة؟!
خامسا: إن الذي دفعهم، ودفعني من قبلهم، إلى قراءة القرآن قراءة شاذة، بعيدا عن المنهجية العلمية التي حملها قوله تعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»، وجود آيات تخبر الناس أن هذا القرآن حمل تفصيل وبيان كل شيء، فلماذا لا يكون قد حمل كل تفاصيل الصلاة؟!
لقد أصبحت المشكلة الآن مشكلة بحث وتنقيب عن تفاصيل الصلاة بين آيات الذكر الحكيم، فإذا وجد متدبر القرآن آية تتحدث عن تفصيل فريضة «الوضوء»، في سياق واحد، لم يتعد «٤٧» كلمة، فإذا بحث عن سياق واحد يُبيّن، «على الأقل»، معنى الصلاة وكيفية أدائها، لم يجد، إذن فماذا يفعل؟!يعني يروح يخبط دماغه في الحيط؟!
سادسا: وبعدين صلاة إيه إلي انتم فرحنين بيها يا سلفيين، وانتم يا أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، هوه «الزنا» مش أيضا فعل، طيب معناه إيه في القرآن؟! يعني عندما يقول الله تعالى:
« الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ »
فماذا تفعل المرأة ليكون اسمها زانية، وماذا يفعل الرجل ليكون اسمه زاني، ويُجلد كل واحد منهما مئة جلدة؟!
ثم عندما يقول الله تعالى:
« وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَزْنُونَ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا »
نلاحظ هنا أن فعل «يَزْنُونَ» جاء مباشرة بعد النهي عن الشرك، وعن قتل النفس بغير حق، وأن فاعله إذا لم يتب سيموت كافرًا مخلدًا في النار، وسيضاعف له العذاب.
طيب دا الموضوع طلع خطير، الذين «يَزْنُونَ»، ويموتون دون توبة، مخلدون في جهنم..، وليس في كتاب الله تعريف لمن هم الذين «يَزْنُونَ»!!
فيا جهابذة القراءات الشاذة للقرآن، يا من تضحكون على أنفسكم، وعلى المساكين الذين يتبعونكم، والذين يعجبون بانحرافكم عن صراط الله المستقيم، أقول لكم:
أين فصّل وبيّن الله تعالى هذا الشيء، الذي هو «فعل» الزنا؟!
إن القضية، سواء كانت عند السلفيين، أو عند أصحاب القراءات الشاذة للقرآن، ليست قضية تفاصيل الصلاة، وهل هي موجودة داخل أم خارج القرآن، إن القضية أكبر من ذلك بكثير.
إن هناك مشكلة كبيرة جدًا، وخطيرة جدًا، عند من يدّعون تدبرهم للقرآن، وهم في الحقيقة يريدون هدم أحكامه، فبعد أن عجز الشيطان عن اختراق القرآن، جاء هؤلاء باختراق من نوع جديد، اسمه «القرآن وكفى»!!
لقد عشت داخل هذه الشبهات فترة من الزمن، وبعد المعلومات المهمة التي حصلت عليها من المناظرات، والتي لا شك أني استفدت منها كثيرًا في قراءتي الجديدة للقرآن..، قررت أن أتوقف عن أداء أحكام الشريعة كلها، حتى أقيم فهمي للقرآن على منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم القرآن، بشرط أن يكون القرآن هو الذي أشار إليها.
لقد تفرغت لقراءة وتدبر القرآن، وكنت وقتها مدرسًا مساعدًا، أعلم أصول البحث العلمي، وحضرت الكثير من المناقشات العلمية لطلاب الدراسات العليا المتقدمين للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه، وكنت أسأل نفسي:
أولا: وقت أن كنت تقول «القرآن وكفى»، كنت تستند إلى قوله تعالى:
«مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ»، وقوله تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»، وقوله تعالى: « وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ».
فكيف يكون القرآن في ذاته تفصيلًا وتبيانًا لكل شيء، وليس فيه صور «الأسماء» ومسمياتها، و«الأفعال» وكيفية أدائها، و«الحروف» ودلالاته، ثم إذا بالقرآن يُحيلنا إلى مصدر معرفي خارجه لتعلم هذه الأشياء؟!
ثانيا: وقت أن كنت تقول «القرآن وكفى»، كنت تؤمن أن القرآن رسالة الله إلى الناس جميعًا، ولكنك إذا أعطيت القرآن لغير عربي، لن يفهم منه شيئا، فكيف يكون القرآن رسالة إلهية للناس جميعًا، ثم ينزل بـ «لسان العرب» فقط؟!
ثالثا: لولا أن خلفيتك يا «محمد السعيد مشتهري» وثقافتك عربية، ما استطعت أصلا، «ولا كل أصحاب القراءات الشاذة»، أن تقرأ كلمة من القرآن، ولا أن تفهم حرفا منه.
لذلك أقول:
إن عالمية القرآن يجب أن تقوم على أكتاف العرب المسلمين، و«اللسان العربي» يجب أن يكون حاكمًا على جميع الألسن، لأنه اختيار الله ولا شك أن في اختيار الله حكمة، قد تكون في أنه أفضل الألسن لحمل نصوص «الآية القرآنية» وبيان كنوزها البلاغية، وتفاعلها مع مقابلها الكوني، إلى يوم الدين.
إن الذي يتحمل مسؤولية تقصير المسلمين في نشر «اللسان العربي»، هم المسلمون أنفسهم، وليس القرآن.
رابعا: إن ا لكلمة القرآنية عبارة عن «اسم وفعل وحرف»، فهل ستقرأ القرآن بثقافتك ومعارفك العربية، وبالتالي لن تجد صعوبة في قراءة القرآن وفهم معظم آياته، ولو فهمًا عامًا؟!
أم ستقرأ القرآن باعتبارك غير عربي، وهنا عليك أن تتعلم اللسان العربي، وتقف على صور «الأسماء» ومسمياتها، و«الأفعال» وكيفية أدائها، و«الحروف» ودلالاته؟!
لقد وجدت أنه في الحالتين، سيكون «اللسان العربي» هو المصدر المعرفي، والأداة الأولى لقراءة القرآن، ولفهم آياته، واستنباط أحكامها، فسألت نفسي:
هل المدرسة التي تعلم فيها العرب «اللسان العربي»، موجودة داخل القرآن أم خارجه؟!كيف تكون داخل القرآن والعرب كانوا يتحدثون «اللسان العربي» قبل نزول القرآن بقرون من الزمن!!
خامسا: وهنا، وفي هذه اللحظة، سقطت من ذهني على الفور، ما كنت أظنها قراءة صحيحة للقرآن، فإذا بها قراءة شاذة، حكمها الهوى، بعيدًا عن منظومة «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ»، والمنهجية العلمية التي قامت عليها.
فكيف تكون الأداة الرئيسية، التي يستحيل قراءة القرآن واستنباط أحكامه إلا عن طريقها، وهي «اللسان العربي»، لا وجود لها أصلا داخل القرآن، ثم أخرج إلى الناس وأقول لهم «القرآن وكفى»؟!
ثم هناك قضية أخرى:
إذا كان «اللسان العربي»، الذي هو مفتاح قراءة وتدبر وفهم واستنباط أحكام القرآن، موجودًا خارج القرآن، فمن الذي نقله إلينا، لأن الناقل سيكون هو أيضا حجة واجبة الاتباع؟!
إن الإجابة المنطقية: أن الناقل هو «الناس»، ولكن كيف تكون معارف الناس حاكمة على كتاب الله، وهل في كتاب الله ما يشير إلى وجوب اتباع ما يحمله الناس من معارف، وكيفيات أداء، لم يأت تفصيلها في كتاب الله؟!
إن الإجابة المنطقية والشرعية: نعم
لأنه في سياق الحديث عن مناسك الحج، وبعد أن بيّن الله ما يجب على الحجيج فعله بعد الإفاضة من «عرفات»، قال تعالى:
« ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَف َاضَ النَّاسُ »
فتدبر قول الله تعالى للحجيج:
«ثم»، «أَفِيضُوا»، «مِنْ»، «حَيْثُ»، «أَفَاض»، «النَّاسُ»
فهل في كتاب الله آية واحدة تشرح لنا هذه الكلمات، وتخبرنا بمن هم «النَّاس»، ومن أي مكان أفاضوا، وما هو اسم هذا المكان؟!
ثم بدأت أقرأ الآيات المتعلقة بمناسك الحج، فوجدت البداية قوله تعالى: « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ »، فسألت نفسي:
أين أسماء هذه الأشهر المعلومات في القرآن، وهي معلومات لمن؟!
فهل يوجد مسلم عاقل، يقول: إن هذه الأشهر المعلومات علمناها من داخل القرآن؟!
ثم أين باقي أسماء الأشهر العربية، «باستثناء شهر رمضان»، التي قال الله تعالى عنها:
« إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ »
لقد حملت هذه الآية أمرًا إلهيًا واجب الاتباع، فهل يُعقل أن يأمرنا الله بعدم ظلم النفس في أشهر، ثم لا يذكر لنا أسماء هذه الأشهر، وهو القائل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»؟!
ثم إذا بكلمة «ضامر» تظهر أمامي، في قوله تعالى:
«وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»
فهل هناك معنى لهذا «الضامر» في كتاب الله؟! لم أجد، ووجدت معناه خارج القرآن، في مراجع «اللسان العربي».
ثم إن القرآن لم يذكر من أيام الأسبوع إلا «الجمعة والسبت»، فهل معنى هذا أن الأسبوع يومان فقط، كما فهم أصحاب القراءات الشاذة، أن الله لم يفرض على المسلمين إلا «صلاة الفجر وصلاة العشاء»، استنادا إلى أ نه سبحانه لم يذكر غيرهما في القرآن؟!
إننا إذا تدبرنا القرآن بهذه النظرة العلمية الفاحصة، فإن البراهين الدالة على بطلان هذه القراءات الشاذة للقرآن، وانحرافها عن صراط الله المستقيم، سنجدها بعدد كلمات القرآن.
ثم عندما تجلس على مائدة «تدبر القرآن» لتدرس وتتعلم، تعلم أن «اللسان العربي»، ليس هو المصدر المعرفي الوحيد الذي تعلمناه من خارج القرآن، فهناك مصادر معرفية أخرى خارج القرآن، لا تقل أهمية عن «اللسان العربي».
إن الأمر بالتفكر والتعقل والتدبر والنظر..، مصدر معرفي يحمله الإنسان ويتربى عليه خارج القرآن، وهو أداة من أدوات فهم القرآن، حسب مشروعي الفكري، وأسميها بـ «اليات عمل القلب».
وهناك «آيات الآفاق والأنفس»، وهي أيضا أداة من أدوات فهم القرآن، وهي بحر لا يسبح فيه إلا أهل السباحة.
وكل هذه الأدوات، التي حملتها المنهجية العلمية التي أقمت عليها مشروعي الفكري، تدور كلها حول ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي»، وقد فصّلتها وبيّنتها في كتابي الأول «المدخل الفطري إلى الوحدانية»، وفي حلقتين من برنامج «نحو إسلام الرسول – المشكلة والمنهج».
وأقول باختصار:
أولا: إن الكلمة القرآنية «الاسم والفعل والحرف» هي التي تفرض علينا الاستعانة بـ «منظومة التواصل المعرفي»، للوقوف على فاعليتها في واقع الحياة.
ثانيا: إننا أمام «منظومة عالمية»، وهي الكلمات «اسم، فعل، حرف» التي تواصلت حلقاتها بين الناس جميعا، عبر العصور، من غير انقطاع لحلقاتها، ولا خلاف حولها.
وأمامنا «منظومة أممية»، وهي الكلمات «اسم، فعل، حرف» التي تواصلت حلقاتها بين أفراد أمة من الأمم، من غير خلاف بينهم، ولا انقطاع لحلقاتها.
ثالثا: إن «منظومة التواصل المعرفي» ليست تواترًا عمليا، كما يظن البعض، إن «التواتر العملي» تواتر مذهبي، تواصلت حلقاته بين أتباع مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة.
أما «منظومة التواصل المعرفي»، فقد تواصلت حلقاتها «الأممية»، بين جميع المسلمين، أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة.
لذلك يمكننا القول: إن «التواتر العملي» جزء من «منظومة التواصل المعرفي».
رابعا: فإذا ذهبنا إلى فريضة «الصلاة»، فإن حجية «منظومة التواصل المعرفي»، تتعلق بالأصول العامة لكيفية الصلاة التي أدّاها ويؤديها المسلمون جميعا، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.
أما «التواتر العملي»، فقد أضاف إلى هذه الأصول العامة فروعًا وأحكامًا مذهبية، وخلافات فقهية، حسب الفرقة والمذهب العقدي المتبع.
إن هذه الفروع يُباح فعلها، إذا لم تخالف نصًا قرآنيا، وقد بيّنت ذلك في برنامج «نحو إسلام الرسول» السابق الإشارة إليه.
إن كيفية الأداء العملي للصلاة، ليست في ذاتها نصاً تشريعياً مستقلاً عن الأمر الإلهي «أقيموا الصلاة»، وإنما هي صورة عملية لما أجمله النص من أحكام، قد تعلمها المسلمون جميعا بالتقليد والمحاكاة، وليس بدراسة مرويات «السنة النبوية»، التي حملتا أمهات كتب الأحاديث المذهبية!
خامسا: إنني أتعامل مع القرآن باعتباره «آية إلهية» معاصرة لي اليوم، تحمل نصوصًا لها «مقابلها الكوني»، ولا علاقة لي بالأمس، فإذا جاءني اليوم شيئًا لم أكن أعلمه، قبلته وتركت ما كنت أعلمه بالأمس وراء ظهري.
محمد السعيد مشتهري
(529) 27/10/2016 (السياق القرآني وأزمة التدبر)
عدد المشاهدات : 190
عندما نتدبر سياق القرآن، من أوله إلى آخره، نجد أن تفاصيل معظم أحكامه جاءت في سياق تشريعي واحد، باستثناء أحكام الصلاة والزكاة، فلم يأت تفصيل لها في القرآن، وإنما جاءت في سياق خبري، يأمر الله فيه المسلمين بفعلها، أو يحذرهم من تركها، أو التهاون في أدائها.
فتعالوا نتفق أولا على عدة حقائق، فإذا اتفقنا، أصبح من السهل أن نبحث معًا عن حكمة استثناء أحكام الصلاة والزكاة من البيان والتفصيل القرآني.
أولا: كل شيء في هذا الوجود له «اسم»، و«مسمى»، ولولا «المسمى» ما كان «الاسم»، ولولا «الاسم» ما كان «المسمى»، فهما شيء واحد لا ينفصلان، ولقد حمل القرآن الكلمات، «اسم، وفعل، وحرف»، ولم يحمل مسماها، فجميع المسميات عرفتها الشعوب من خلال ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي».
ثانيا: إن قراءة أي كلمة من كلمات أي لسان من الألسن، من المستحيل أن تحدث دون سابق معرفة بكيفية النطق بحروفها، كما يستحيل الوقوف على معناها دون تعلق صورتها في ذهن القارئ، وهذا كله يتعلمه الإنسان خارج القرآن، عبر «منظومة التواصل المعرفي».
إن «منظومة التواصل المعرفي» هي التي حملت للناس، من لدن آدم، عليه السلام، جميع العلوم والمعارف والثقافات، وكيفيات أداء المهن، وكيفيات الأداء العملي للعبادات، لأتباع الديانات المختلفة، ولولاها ما كان الإنسان إنسانا، وما كانت هناك جدوى من إرسال الله للرسل، وما تقدمت الأمم والحضارات.
ثالثا: إن كلام الله تعالى، ليس هو الكلمات «الأسماء، والأفعال، والحروف» المدونة في الكتب الإلهية، وإنما هو التفاعل الحي بين هذه الكلمات ومسمياتها الموجودة خارج هذه الكتب، ولولا هذا التفاعل الخارجي، ما تكونت عند الناس الصور الذهنية لهذه الكلمات، وما فهموا كلام الله.
فإذا ذهبنا إلى القرآن الكريم، وجدنا أنه يحمل كلمات وجملا، يستحيل فهمها من داخل القرآن، وأن على القارئ المتدبر لآيات الكتاب الاستعانة بمصدر معرفي خارج القرآن، للوقوف على معناها.
١- مثال للكلمة:
كلمة «قُرُوء»، في قوله تعالى:
«وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»
فأين في القرآن معنى كلمة «قرء»؟!
وكيف يكون القرآن تبيانًا وتفصيلًا لكل شيء، ولم يُبيّن ما هذا الذي يتربصه المطلقات؟!
٢- مثال للجملة:
جملة «فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ»، في قوله تعالى:
«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ»
فأين بيان وتفصيل جملة «فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ»، ومتى أمرنا الله؟! فإن قلت بالفطرة، فإن هذه الفطرة مصدر معرفي خارج القرآن.
رابعا: نعلم أن «الوضوء» مفتاح الدخول إلى «الصلاة»، وقد وردت كيفية أدائه في سياق واحد، وبصورة تفصيلية عَلَقَت بأذهان المسلمين جميعًا، ولكن «الصلاة» نفسها، التي هي الأصل، لم تأت كيفية أدائها، لا في سياق واحد، مثل الوضوء، ولا في سياقات متعددة.
فتعالوا نتدبر هذا السياق الذي بيّن أركان «الوضوء» بصورة تفصيلية:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
انظر إلى هذا التفصيل الدقيق: «إِلَى الْمَرَافِقِ»، «إِلَى الْكَعْبَيْنِ» …، ثم تدبر ماذا قال الله تعالى قبل هذا التفصيل: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ».
إن الله تعالى يخاطب قومًا يعلمون جيدًا مفهوم «الصلاة»، وكيف يؤدونها، فما الذي كانوا يفعلونه بعد «الوضوء» حتى يكونوا من مقيمي الصلاة؟!
إنه لا يوجد في القرآن سياق واحد يُبين كيفية أداء «الصلاة»، مثل سياق الوضوء، سواء كانت بمعنى الدعاء، أو تلاوة القرآن، أو التسبيح، أوالسجود، أو القيام ثم السجود، أو الهيئة التي توارثها المسلمون جميعًا عن رسول الله.
خامسا: هل هناك مسلم عاقل يمكن أن يقبل أن يأتي تفصيل الوضوء في سياق واحد، أما الصلاة، فعليه أن يبحث وينقب عن تفاصيلها بين آيات الذكر الحكيم؟!
مثال، يقول الله تعالى:
«وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ ..»
فإذا تدبرنا قوله تعالى: «فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ»، علمنا:
١- أن المخاطبين يعلمون مسبقا ما هي هذه «الصلاة»، ولكن أين هي الآية التي بيّنت لهم مفهوم هذه «الصلاة» وكيفية أدائها؟!
٢- إن جملة «فَأَقَمْتَ لَهُمُ» لا علاقة لها بهيئة «القيام» التي هي ركن من أركان الصلاة، حسب الهيئة التي ورثها المسلمون جميعًا، ويبقى أن نبحث عن معنى «فَأَقَمْتَ لَهُمُ»، يعني ما الذي فعله النبي للذين معه؟!
فإذا استكملنا تدبر سياق الآية، نجد قوله تعالى: «فَإِذَا سَجَدُوا»، ويستحيل أن ينطق إنسان بحروف هذه الجملة، أو يفهم معناها، دون تعلق صورة «السجود» بذهنه، ولذلك فإن كل ما يتعلق بفعل «سَجَدُوا»، قد حصل عليه من مصدر معرفي خارج القرآن.
فلو أن شخصًا رآك «قائمًا» أو «ساجدًا» تصلي، ولم تكن لديه صورة ذهنية مسبقة لهذه الأفعال، وأنها تتعلق بصلاة المسلمين، فيستحيل أن يفهم ماذا يفعل هذا الرجل؟!
سادسا: إن كل محاولات فهم الكلمة القرآنية «اسم، فعل، حرف» من داخل النص القرآني فقط، محاولات فاشلة متهافتة، القصد منها هدم أحكام الشريعة القرآنية، ذلك أن القرآن لم يكن هو المصدر المعرفي الأول الذي استقى منه العرب، أهل اللسان العربي، معنى الكلمة القرآنية، ولا مفهوم القيام والركوع والسجود!!
لقد نزل القرآن بلسان العرب، الذي كانو ا يتحدثون به قبل نزول القرآن أصلا، فدلالات الكلمات القرآنية، وصورها الذهنية، كانت سابقة على نزول القرآن، أي أن القرآن خاطب العرب من خلال «منظومة التواصل المعرفي» التي حملت لهم الأسماء، والمسميات، وصورها الذهنية.
إن الذين يتصورون أن العرب كانوا «أعاجم»، ثم تعلموا اللسان العربي من القرآن، وأصبح القرآن هو المصدر المعرفي الأول للسان العربي، الذي تعلم النبي والعرب من خلاله الأسماء والمسميات..، هؤلاء كفروا بالقرآن، وبالآية الإلهية التي حملها للناس.
إن ما سبق بيانه من حقائق، طبعا من وجهة نظري، إذا اتفقنا عليها أصبح من السهل الاتفاق على أي شيء قام عليها، وإذا لم نتفق، إذن فما جدوى التعليقات، والحوارات ونحن مختلفون أصلا في القواعد الأصولية؟!
أما إذا أردنا ضرب بعض الأمثلة، على التعسف والعشوائية في محاولات البحث والتنقيب عن مفهوم الصلاة من داخل القرآن، فأقول:
١- هناك من ذهب إلى عصر زكريا، عليه السلام، ليفهم منه كيفية أداء الصلاة، فوجد الله تعالى يقول: «فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌۭ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ»، فقال: وجدتها، إنه «القيام»!!
ولكن فاته، أن موضوعنا ليس عن «القيام»، وإنما عن مفهوم كلمة «الصلاة» ذاتها؟!
نعم، لقد كان زكريا، عليه السلام، «قائما»، لكن كان بيعمل إيه بالضبط وهو قائم؟!
هل كان «قائما» يتلو القرآن، أم يدعو الله، أم يقيم هيئة الصلاة المعروفة بين المسلمين، من قيام وركوع وسجود، أم يقيم القيام والسجود فقط، أم يقيم السجود فقط؟!
أم أن كل هذه الهيئات، من قيام وركوع وسجود، ما هي إلا صفات للمؤمن، وغير مطلوب منه أن يفعل شيئًا، استنادا إلى وصف الله للذين آمنوا برسول الله محمد، بقوله تعالى:
«مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ..»
ومما يثبت عدم صحة هذا الفهم، أن «رُكَّعًا سُجَّدًا» حالان، لأن الرؤية بصرية «تَرَاهُمْ»، واختار من أحوالهم الركوع والسجود، دون القيام، لأن القيام لا يعني أن فاعله يصلي، فقد يكون واقفا لأي سبب آخر!أما الركوع والسجود فمن هيئات الصلاة التي عرفها العرب من لدن إبراهيم عليه السلام، فأراد أن يُصور إخلاص عبوديتهم لله تعالى، كأنهم يقضون حياتهم في صلاة وصلة دائمة بالله تعالى: «ركعاً سجداً».
٢- وهناك من ذهب إلى أهل الكتاب، يتعلم منهم كيف يُصلي، فوجد الله تعالى يقول:
«لَيْسُوا سَوَاءً، مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَـتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ»
إن أهل الكتاب «لَيْسُوا سَوَاءً»، فمنهم أمة قائمة على الحق، ومنهم أمة قائمة على الباطل، ومن أحوال الأمة القائمة على الحق، أن أفرادها يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون.
والسؤال: ما علاقة الأمة القائمة على الحق، بهيئة «القيام»، سواء كان القيام للصلاة، أم لغير الصلاة؟!
ثم إن الله تعالى يقول عن هذه الأمة: «يَتْلُونَ ءَايَـتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ»
فإذا أخذنا السجود بمعنى الخضوع: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ»، كان المعنى: «يَتْلُونَ»، أي يتبعون آيات الله، وهم «خاضعون»
أما إذا أخذنا السجود بمعنى الهيئة المعروفة، كان المعنى: يتلون آيات الله وهم ساجدون.
وبصرف النظر عن هل السجود بمعنى «الخضوع» أم بمعنى «الهيئة»، فما علاقة أمة النبي الخاتم محمد أصلا بما كان يفعله أهل الكتاب في عباداتهم، وأقرهم الله عليه؟!
الحقيقة هناك الكثير من الاجتهادات العشوائية، التي يتبع أصحابها كما أقول دائما، قاعدة «القص واللصق»، لإصرارهم على فهم القرآن من داخل القرآن، بدعوى أن الله تعالى يقول:
«وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»
«وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»
والسؤال: هل فهم النبي محمد، عليه السلام، كلمات القرآن «الأسماء، والأفعال، والحروف» لأنه تعلم اللسان العربي من داخل القرآن، أم أنه تعلم هذا اللسان من البيئة التي ولد فيها، قبل بعثته بزمن؟!
إذن فكيف نتحدث عن أحكام الشريعة القرآنية، ونختلف حول استنباط أحكامها، وباب الدخول إلى القرآن أصلا مغلق، لأننا لا نريد الاعتراف بـ «منظومة التواصل المعرفي»؟!
إن «منظومة التواصل المعرفي» هي التي حملت «اللسان العربي» لأهل الجزيرة العربية، قبل بعثة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، ثم للعرب جميعا على مر العصور، حتى وصل إلينا اليوم، فكيف نقول «القرآن وكفى»، إلا إذا كان القرآن «أعجميًا»؟!
محمد السعيد مشتهري
(530) 29/10/2016 (وسقطت «المنهجية العشوائية» في الهاوية، وبلا عودة)
عدد المشاهدات : 206
عندما كنت أحضر مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه، كانت هناك رسائل تُكتب في مجلد واحد، ويحصل صاحبها بامتياز على درجة «الماجستير، أو الدكتوراه» مع مرتبة الشرف الأولى، وأخرى تُكتب في مجلدات، ويحصل صاحبها على تقدير جيد جدا، أو جيد، أو قد ترفض.
إن الدراسات والبحوث العلمية لا تُعرف بالصوت العالي، ولا بحجمها، وإنما بما حملته من منهجية علمية، يتعلمها طالب الدراسات العليا، قبل أن يخط سطرًا واحدًا في بحثه.
وللأسف الشديد، فمعظم الذين يقرؤون القرآن يقرؤونه باعتباره كتابًا إلهيًا، كالكتب التي سبقته، وليس باعتباره كتابًا يحمل نصوص «آية إلهية» تتفاعل مع منظومة العلوم والمعارف التي تتحرك معها على مر العصور.
إن «اللسان العربي»، الذي هو مفتاح الدخول إلى قراءة وفهم القرآن، مصدر معرفي من مصادر «التراث البشري»، الذي حملت مراجعه المكتبة الإسلامية على مر العصور، حتى وصل إلينا اليوم.
إن «اللسان العربي»، الذي هو مفتاح الدخول إلى قراءة وفهم القرآن، الذي قال الله عنه: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»، «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، هو الموجود اليوم في مراجع اللغة العربية بالمكتبة الإسلامية، ولم، ولن، يسقط علينا من السماء.
إن البحث عن معنى الكلمة القرآنية «اسم وفعل وحرف» في مراجع «اللسان العربي»، هذا يعني أننا نتخذ «التراث البشري» مصدرا معرفيًا لفهم القرآن، يتساوى في ذلك القرآنيون، والسلفيون، والداعشيون، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، فافهم وتدبر، ومثال ذلك:
أنهم عندما خرجوا إلى المكتبة الإسلامية يبحثون في مراجعها عن معنى كلمة «قُرُوء»، في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»، ماذا فعلوا؟!
أولا: قبلوا ما فرضته عليهم آليات البحث في القرآن، وهي من صنع البشر، ومن ه ذه الآليات ما يسمى بـ «جذر» الكلمة.
ثانيا: إذا كان مفتاح فهم القرآن سيبدأ بالبحث عن «جذر» الكلمة، وهذه مسألة لا يتقنها حتى الذين تخرجوا من أقسام اللغة العربية، فكيف نخدع المسلمين لنُسوّق بينهم القراءات الشاذة للقرآن، ونقول لهم: «إن القرآن لا يُفهم إلا بالقرآن»؟!
ثالثا: بما أن «القرآنيين، والسلفيين، والداعشيين، وأصحاب القراءات الشاذة للقرآن..، سيخرجون جميعًا إلى المكتبة الإسلامية، بحثًا عن معنى الكلمة القرآنية، إذن:
فلنقف هنا، ونبدأ الحوار بالاعتراف بوجود مصدر معرفي يستحيل فهم القرآن دون الاستعانة به، ولتسمه كل طائفة بما شاءت، وتقول عنه ما شاءت أن تقول، ولنعترف بسقوط دعوى «القرآن وكفى» سقوطًا مخزيًا وفاضحًا.
رابعا: ولماذا «القرآن وكفى»، وأصحاب «القراءات الشاذة» بالذات؟!
لأنهم يرفعون أمام الناس راية: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ»، «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، ثم في الخفاء يذهبون إلى مراجع «اللسان العربي»، يُقدّمون لأصحابها فروض الطاعة والولاء، وينقلون عنهم تفسيراتهم واجتهاداتهم في فهم القرآن، فكانوا بعملهم هذا أسوأ حالا من السلفيين، لأن السلفيين لم يقولوا «القرآن وكفى»!!
خامسا: وماذا نقول لهؤلاء، عندما نراهم ينقلون من «التراث البشري» ما يخدم وجهات نظرهم، ويتركون وجهات النظر الأخرى؟!
فعلى سبيل المثال:
هناك من جهابذة القراءات الشاذة للقرآن من يرى أن القرآن من «قرأ» أو «من قرن»، وهذا خطأ محض، فلا علاقة بين «قَرَنَ» و«قَرَأَ».
ثم على الجانب الآخر، هناك من ينقل الموضوع من بابه، ويقول:
«والقُرْءُ مِنَ القَرْءِ، وهو الإِيضاح، وإِخراج المكنون، ومنه: القِرَاءَةُ، أي فهم المكتوب، وقد جاءت مشتقات القُرء كالتالي: قُرُوء/ قَرَأَ/ اقْرَأ/ ٱقْرَءُوا۟/ قَرَأت/ قُرْءَان/ قُرْءَانَه/ بِقُرْءَان/ يَقْرَءُون/ نَقْرَؤُه/ لِتَقْرَأَه/ فَقَرَأَه/ سَنُقْرِئُك/ قُرِئَ/ فالتِّلاوة تعنى نطق الكلام، بينما القرآءة تعنى وضوح المضمون، وفهمه، ومنه: القُرْءَان، لكون الأخير كتاب الله المُفَصِّل العربي لأيات الكون، والمُبيِّنُ لأيات الكتاب: كِتَـٰبٌۭ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ … إلى آخر آلاف الكلمات، ومئات الجمل.
إنه لا علاقة للتراث الديني، وما نقله من علوم اللسان العربي، بموضوع «التحدي الأكبر»، الذي ذكرته في منشور سابق، وهو:
«أنه يستحيل، فهم القرآن من ذات القرآن، دون الاستعانة بمصدر معرفي من خارجه»
فإذا كنت أنا قد سميت هذا المصدر الخارجي باسم «منظومة التواصل المعرفي»، فسَمّوه أنتم بما شئتم، بعد أن اعترفتم به، وقدمتم لـ «اللسان العربي» الذي حمله هذا المصدر لكم، فروض الطاعة!!
ولكن عليكم أن تعترفوا، أن دعوى «القرآن وكفى» قد سقطت في الهاوية، وبلا عودة، وأن تعلنوا ذلك للمساكين الذين اتبعوكم بغير علم.
محمد السعيد مشتهري
(531) 29/10/2016 (المذهبية التكفرية المعاصرة)
عدد المشاهدات : 216
منذ عقود مضت، وخلال رحلتي من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي، نقدت ونقضت مرويات ما يُسمى بالمصدر الثاني للتشريع،، على مستوى الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، وأقمت البراهين القرآنية على عدم حجيتها في دين الله، ودوّنت في ذلك ثمانية مجلدات، تم اختصارها في ثلاثة، تحت عنوان: نحو تأصيل الخطاب الديني، وقد تمت مصادرتها.
ولم تمض عدة أعوام حتى قررت التفرغ لدراسة كتاب الله، وألا أشغل نفسي والمسلمين بإشكاليات مرويات تراثهم الديني، لأنهم إذا درسوا كتاب الله، وفهموا آياته، سيسقط تلقائيًا هذا التراث الديني من تدينهم الوراثي، وما حمله من مرويات.
أقول هذا، لأن هناك «غلمان»، تطاولوا على مقام العلم والعلماء، وظنوا أن الخطب المنبرية، والموضوعات الإنشائية، سترفع من قدر جهلهم، والحقيقة:
أن ظنهم لم يخب.
https://soundcloud.com/user-985790851/sba1rugfiqsj
(532) 3/11/2016 (الشهادة العلمية والشهادة البصرية)
عدد المشاهدات : 181
هل إذا مات المسلم، وهو يشهد أنه «لا إله إلا الله»، وأن «محمدا رسول الله»، مات مشركًا؟!
فرق كبير بين أن نعتبر القرآن الكريم كتابًا إلهيًا كالكتب التي سبقته، والتي كان يحمل الرسول معها «الآية الحسية» الدالة على صدق «نبوته»، وبين أن نعتبر القرآن كتابًا إلهيًا، يحمل «الآية القرآنية»، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
فرق كبير بين أن نتعامل مع كتاب الله باعتباره «الآية القرآنية»، التي تعهد الله بحفظ نصوصها إلى يوم الدين، وبين أن نتعامل معه باعتباره تراثًا دينيًا آتاه الباطل بعد وفاة النبي، مثله مثل «مرويات» الرواة المنسوبة إلى النبي.
إن الذين دخلوا في الإسلام، على مر الرسالات الإلهية، لم يدخلوه من باب التصديق بالكتاب الذي أنزله الله على الرسل، وإنما من باب التصديق بـ «الآية الإلهية» الدالة على صدق «الله»، وصدق «النبي»، وصدق «الكتاب».
ولقد كانت الآيات الدالة على صدق الرسل آيات «حسية»، يؤمن بها من شاهدها، وتنتهي فاعليتها بموت الرسول، ثم تصبح خبرًا في ذمة التاريخ.
ولقد بعث الله نبيه الخاتم محمدًا، وأنزل عليه القرآن رسالة للناس جميعًا، ولم يؤيده بآيات «حسية».
والسؤال:
إذن فعلى أي أساس دخل الناس في الإسلام، وشهدوا أن رسول الله محمدًا حق، واتبعوا القرآن الذي أنزله الله على قلبه، وهم لم يشاهدوا بأعينهم البراهين الدالة على صدق «نبوته»؟!
الجواب:
لقد شاء الله ألا ترتبط «الآية» الدالة على صدق «النبوة» الخاتمة بشخص النبي، فإذا مات النبي لم تمت معه آيته، لذلك جاءت «آية قرآنية»، يحملها الكتاب في ذاته، لتكون حجيتها قائمة إلى يوم الدين.
لقد جاء كتاب الله الخاتم «آية قرآنية»، يؤمن بها من شهد «شهادة علمية» بفاعليتها في عصره، فهي ليست «آية حسية»، يرث المسلمون بعد وفاة النبي خبرها عن آبائهم، كما ورثوا تراثهم الديني.
لقد شهد من دخلوا في الإسلام، في عصر الرسالة الخاتمة، بالوحدانية، وأنه «لا إِله إِلا الله»، على أساس الآيات البيّنات التي شاهدتها قلوبهم «في الآفاق والأنفس»، بآليات التفكر والتعقل والتدبر..، كما شهدوا أن «محمدًا رسول الله» على أساس إقرارهم بصدق «الآية القرآنية» وحجيتها على العالمين.
لقد كانت شهادة أن الرسول حق، باب الدخول في الإسلام، بعد شهادة الوحدانية، يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
«كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
ولذلك، وحتى لا ينكشف أمر المنافقين، خرجوا يشهدون أن الرسول حق، وقالوا: «نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه»، وأقر الله موضوع هذه الشهادة «وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ»، ولكنه سبحانه كذبهم في حقيقتها «وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ».
إن المنافقين لم يدخلوا الإسلام من باب «الشهادة العلمية» بصدق «الآية القرآنية» الدالة على صدق النبي، الذي يشهدون أنه رسول الله، وإنما دخلوا الإسلام من باب النفاق، وشهدوا نفاقا، ولم تؤمن قلوبهم «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ».
إن المؤمنين الذين شهدوا في عصر الرسالة، أنه «لَا إِلَهَ إِلَّا الله»، لم يروا الله بأبصارهم، ولكنهم شهدوا «شهادة علمية» على الوحدانية، قامت على تصديقهم بالآيات البيّنات.
وإن المؤمنين الذين شهدوا في عصر الرسالة، أن «محمدًا رسول الله»، لم يروا «الآية الحسية» الدالة على صدق نبوته، ولكنهم شهدوا «شهادة علمية»، قامت على إيمانهم بفاعلية «الآية القرآنية»، من خلال تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر..، آليات عمل القلب.
واليوم، يجب أن يشهد المسلمون أنه «لَا إِلَهَ إِلَّا الله»، وأن «محمدًا رسول الله»، على أساس التصديق بالآيات البيّنات الدالة على «الوحدانية»، وبفاعلية «الآية القرآنية» القائمة بينهم.
والسؤال:
متى وأين شهد المسلمون، بجميع طوائفهم وتوجهاتهم العقدية والمذهبية المختلفة، «شهادة علمية» أن «محمدًا رسول الله»؟!
الجواب:
لم يحدث أن شهدوا «شهادة علمية» بفاعلية «الآية القرآنية» القائمة بينهم، لأنهم لو شهدوا ما تخلفوا عن ركب التقدم الحضاري، ولحافظوا على خيرية أمتهم، وعلى شهادتهم على العالمين.
إن الذين يتصورون أن القراءات المعاصرة، هي التي ستصل بالمسلمين إلى العالمية، عن طريق التحلل من أحكام الشريعة القرآنية، والذهاب إلى دول العالم بإسلام لا علاقة له بالدين الإسلامي الذي ارتضاه الله للناس جميعًا، هؤلاء قومٌ يجهلون.
إن عين التخلف، أن يظن «الجاهل» بدين الله، أن الإسلام يمكن أن يصل إلى العالمية، عن طريق «منظومة الفكر الإسلامي»، التي ظلت تتضخم وتتوحش قرونا من الزمن، ولم يستطع المسلمون أن يتقدموا خطوة واحدة نحو التقدم، فإلى أين تذهبون؟!
إن الله تعالى هو الذي وعد المؤمنين بالوصول إلى العالمية، وإقامة الشهادة على الناس، فتدبر:
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ»
ولكن أين هم «الَّذِينَ آمَن ُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»؟!
إن هذه هي القضية، وهذه هي الأزمة، وهذه هي القراءة المطلوب فهمها، والتركيز عليها، وليس الهروب منها، ووضع رؤوسنا في الرمال: أين هم الذين وعدهم الله تعالى بما يلي:
أولا: الوصول إلى العالمية: «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ»
ثانيا: تمكين الدين الذي ارتضاه لهم: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»
ثالثا: أن يعيشوا في أمن وأمان: «وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»
ولكنه سبحانه اشترط شرطًا لتنفيذ وعده: «يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»
إذن فالمشكلة، والمصيبة، أكبر من أن يجد المسلمون من يساعدهم على التحلل من أحكام الشريعة القرآنية، بقراءات معاصرة جاهلة، إنها مصيبة الشرك بالله: «يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»، لذلك لم، ولن، يصل المسلمو ن إلى العالمية.
إن المسلمين، على مر العصور، لم يشهدوا شهادة علمية، أن «محمدًا رسول الله»، ولم يقيموا إيمانهم برسول الله على فاعلية «آيته القرآنية» في كل عصر، لذلك قبلوا أن تكون مرويات الرواة مصدرًا تشريعيًا إلهيًا ثانيًا، فأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا.
ولكن الأغرب، والمستغرب، أن يخرج علينا من يقول:
إن من مات يشهد أنه «لا إله إلا الله»، وأن «محمدًا رسول الله»، مات مشركًا!!
قالوا:
لأن القرآن لم ينص إلا على شهادة واحدة، هي شهادة أنه «لا إله إلا الله»، فقال تعالى:
«شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
وقالوا:
إ ن الله أمر المؤمنين ألا يُفرّقوا بين الرسل، فقال تعالى في سورة البقرة:
«آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..»
أقول:
لقد بيّن الله تعالى، أن الذين يُفرّقون بين الرسل، هم الذين كفروا بالله ورسله، فقال تعالى في سورة النساء:
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا»
إن الذين قالوا: «نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ»، هم الذين كفروا بالله ورسله.
فهل الذين دخلوا في الإسلام، بعد أن شهدوا بـ «الوحدانية»، وشهدوا أن «محمدًا رسول الله»، على أساس فاعلية «الآية القرآنية»..، هل هؤلاء كفروا بالله ورسله، «وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ»؟!
«أَفَلَا تَعْقِلُونَ – أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ – أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ – أَفَلَا تَتَّقُونَ – أَفَلَا تَسْمَعُونَ – أَفَلَا تُبْصِرُونَ»
محمد السعيد مشتهري
(533) 9/11/2016 (يسألون عن حور الجنة، قلت: وماذا عن خزنة جهنم؟)
عدد المشاهدات : 263
لقد بدأت سورة البقرة ببيان هداية الكتاب للمتقين، الذين وصفهم الله تعالى بقوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»، أي الذين يُصدّقون بكل ما جاء به الكتاب عن عالم الغيب ويسلموا تسليما، دون أن يخطر ببال أحد منهم أن يسأل عن هذا العالم..، لماذا؟!
لأن الله تعالى خلق هذا الوجود البشري بوسائل إدراك لا تعمل إلا في «عالم الشهادة»، هذا العالم الذي تعلقت وانطبعت صور كلماته «الأسماء، والأفعال، والحروف»، في أذهان البشر منذ ولادتهم، فكيف يفهمون شيئًا لا يملكون وسائل إدراكه؟!
إن كل ما ورد في كتاب الله عن عالم الغيب، هو على سبيل التمثيل والتشبيه، أما الحقيقة فسنعلمها لما نموت، فانت مستعجل ليه يا ذكي؟!
وانتهى الموضوع، ونقطة، ومن أول السطر.
ولكن يبدو أن هناك مجموعة من المفكرين الإسلاميين قاموا بزيارة للدار الآخرة، للوقوف على حقيقة نعيمها وعذابها، ونقلوا إلينا عبر القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي، بثًا مباشرًا من هناك.
وها نحن نرى «الحور العين» عبارة عن دوائر من الطاقات المتجددة التي لا ينقطع عطاؤها أبدا، منها طاقات «ذكورية» وأخرى «أنثوية»، لكل ذكر أنثى من «حور العين»، ولكل أنثى ذكر من «حور العين»، وبذلك نكون قد حققنا العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الرجال والنساء.
كما نرى الآن أشجار الجنة وفروعها «قاصرات الطرف» المتدلية، التي يسهل قطف ثمارها، وهي ثمار كما نشاهد أيضا من الطاقة المتجددة، أي من «الحور العين»، ومغلفة بأغلفة خاصة، «مقصورات في الخيام».
لذلك أردت أن أقوم بمداخلة لبيان حقيقة هذا الفيلم الذي أنتجه أصحاب الخيال العلمي.
إن مشكلة هؤلاء المفكرين العصريين، أنهم تصوروا أن الذين يستمعون إليهم لا يعقلون، فنجحوا في نشر أفكارهم بصورة لافتة للنظر، ولم يسألهم أحد:
* كيف فهمتم ما يحدث في «عالم الغيب» بوسائل إدراك «عالم الشهادة»؟!
* وإذا كان الله تعالى قد أنشأكم نشأة جديدة، أدركتم بها ما يحدث في «عالم الغيب»، فكيف تطلبون من الذين يعيشون في «عالم الشهادة» أن يفهموا ما تقولون؟!
طبعا من حق أي إنسان أن يكفر بعالم الغيب، وبعالم الشهادة، والكافرون بهما كثر، أما أن يخرج علينا من يقول إنه يؤمن بـ «الوحدانية»، وأنه يقرأ القرآن قراءة معاصرة، ثم إذا به بقراءته المعاصرة يكشف للناس حقيقة ما يحدث في الآخرة؟!
إن أمثال هؤلاء، لم يبق لهم إلا أن يقولوا للناس: «ولقد رأينا الله جهرة»، وسنجد نسبة الإعجاب بهذه القراءات القرآنية العصرية غير متوقعة!!
إن ما سأقوله، بعد أن وضعت النقطة، وأنهيت الموضوع، ما هو إلا قراءة للنص القرآني المتعلق بموضوع «الحور العين»، حسب منهجي في فهم القرآن، وما أحمله من وسائل إدراك لا تعمل إلا في «عالم الشهادة»، دفاعا عن المنهجية العلمية في تدبر القرآن.المنهجية العلمية في تدبر القرآن
أولا: إن «عالم الشهادة»، الذي نعيش فيه، يقوم على تعلق مسميات الكلمات «الأسماء، الأفعال، الحروف» بأذهان الناس، فيعرفونها عند رؤيتها، أما ما كان من «عالم الغيب» فلم تتعلق صوره بأذهان الناس، لأنهم لا يملكون وسائل إدراكه، ولا شك أنهم يوم القيامة سيبعثون على صورة تمكنهم من إدراك ما يحدث في هذا العالم الجديد.
ثانيا: عندما شاء الله أن يُقرّب إلى أذهان الناس ما يرغبهم في نعيم الجنة، ويُخوفهم من عذاب جهنم، ضرب لهم المثل بكلمات من «عالم الشهادة»، هذا العالم الذي يعيشون فيه، ويعرفون مسميات كلماته، وتعلقت صوره بقلوبهم، فتدبر قول الله تعالى:
«مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا * فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ»
ثالثا: إن تقريب المعاني بأسلوب التمثيل والتشبيه، يُستخدم لإيصال معاني الترغيب والترهيب إلى قلوب الناس، فعندما يقرؤون قوله تعالى في وصف شراب أهل الجنة:
«مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آ سِنٍ – مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ – مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ – مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى»
يدركون متعة هذه النعم، وأنها جاءت للترغيب في نعيم الجنة، وعندما يقرؤون قوله تعالى في وصف شراب أهل جهنم: «وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا – فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ»
يدركون ما في هذا العذاب من آلام، وأنه جاء للترهيب من عذاب جهنم.
رابعا: إن «اللسان العربي» الذي نزل به القرآن، وحملته للناس مراجع اللغة العربية، تتحرك كلماته «الأسماء، والأفعال، والحروف» في «عالم الشهادة»، فإذا بحثنا في مراجع اللغة العربية عن معنى كلمة «حور»، حصلنا على عشرات المعاني التي تستخدم في سياقات ومجالات مختلفة، فإذا أضفنا إليها كلمة «عين»، حصلنا على الآتي:
«يقال: رجل أحور وامرأة حوراء، أن يشتد بياض العين، وسواد سوادها، وتستدير حدقتها، وترق جفونها، ويبيض ما حواليها، والحواريات: نساء الأمصار هكذا تسميهن الأعراب لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعراب بنظافتهن».
إن «الحور العين» مصطلح كان منتشرًا بين العرب، يُعبر عن صفات جمالية في المرأة، ونزل القرآن يخاطب العرب بما يعلمونه، ويكون له تأثير على قلوبهم.
لقد كان العرب يقولون في وصف المرأة الجميلة: «وكأنها من الحور العين»، فأراد الله أن يخاطب أهل اللسان العربي بما يحبونه، وجعل من نعيم الجنة، أن تتحول الزوجات المؤمنات في الجنة إلى «حور عين».
خامسا: لقد جاءت سورة الواقعة ببيان ألوان النعيم التي أُعدّت للسابقين المقربين، فتدبر:
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ . مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ . يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ . وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ . وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ . جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً . إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً»
فهل عرف العرب معنى كلمات هذه الآيات، وتعلقت صورها الذهنية بقلوبهم، وأدركوا قيمة ما تحمله من نعم، إلا قوله تعالى: «وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ»، فلا يعلمون عنه شيئا؟!
وهل فهم العرب معنى كلمة «مَوْضُونَةٍ»، التي جاءت في وصف السرر؟!
وهل حمل القرآن صورة لمعنى «مُتَّكِئِينَ»، لنعلم ماذا كان يفعل أهل الجنة «عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ»؟!
وهل كانت الصورة الذهنية لمشهد:
«يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ»
معلقة بأذهان العرب عند قراءة هذه الآية؟!
وهل عرف العرب معنى «فاكهة»، و«لحم الطير»، في قوله تعالى:
«وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ»
ولماذا يشتهون في الثانية ويتخيرون في الأولى؟!إذن فلماذا عندما وصل الحديث عن نعيم الجنة إلى قوله تعالى «وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ» قامت الدنيا ولم تقعد؟!
سادسا: يقول الله تعالى عن «الحور العين»:
«إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا»إن الجعل: تغير وتحول في خصائص الشيء، إذن نفهم من قوله تعالى: «فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا» أن الحديث عن نساء لم يكن أصلا أبكارا، وهن نساء الدنيا المتزوجات، يصبحن أبكارًا في الجنة، «حورَ عين»، بعد أن كن «ثيبات».
وقد يخرج علينا من يقول، إن قوله تعالى: «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا» جاء عند الحديث عن «أصحاب اليمين»، ولم يذكر الله في سياق أصحاب اليمين «الآيات ٢٧-٤٠» أي إشارة إلى الحور العين، فمن أين فهمت أن الضمير في «أَنشَأْنَاهُنَّ» يتعلق بـ «الحور العين»؟!
هنا تظهر أهمية «علم السياق»، وفاعلية آليات التف كر والتعقل..، آليات عمل القلب.
فعلى سبيل المثال:
كيف نفهم ورود قوله تعالى عن السابقين المقربين: «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، وعدم وروده لأصحاب اليمين؟! هل لم يدخلوا الجنة بما كانوا يعملون؟!
وكيف نفهم ورود قوله تعالى «وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ»، بالنسبة للسابقين المقربين، وعدم وروده بالنسبة لأصحاب اليمين، والله تعالى يقول عن نعيم أهل الجنة (بوجه عام):
«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ، وَفِيهَا مَا (تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ) وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
إن المتدبر لسياق آيات سورة الواقعة «٧ – ٥٦» يعلم أن المقصود بيان تعدد ألوان النعيم، وليس قصرها على فئة دون أخرى، وأن هناك ألوانًا من النعم المشتركة بين أصناف أهل الجنة، تُفهم ضمنيا من سياق الآيات، ولكن لقوم يُبصرون.
سابعا: يقول الله تعالى في سورة الرحمن، عن نساء الجنة:
«فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ»
والذي يُبيّن أن «قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ» من نساء أهل الجنة، قوله تعالى بعدها: «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ»، والعرب تقول «طَمَثَتِ الْمَرْأَةُ» إذا حَاضَتْ، و«طَمَثَ» الرجل امرأته إذا مسَّها وباشرها، و«الطَمْث» هو دم الحيض الذي يدل على براءة الرحم من الحمل.
وطبعا ليس المقصود بورود «الطمث» في هذا السياق، الحديث عن معناه الحقيقي، وإنما المقصود بيان صفات الجمال التي ستتمتع بها نساء الجنة، وذلك من باب الترغيب في نعيمها، وليس على وجه الحقيقة كما سبق أن بيّنا.
فإذا تدبرنا السياق الذي وردت فيه هذه الآية نجد أن الله تعالى يقول قبلها:
«مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَب ِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ»
فإذا ذهبنا إلى سورة يس، للوقوف على مزيد بيان لكلمة «مُتَّكِئِينَ»، وجدنا قوله تعالى:
«هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ»
ثم إذا ذهبنا إلى سورة الطور، وجدنا قوله تعالى:
«مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ»
وطبعا ليس معنى «زَوَّجْنَاهُم»، أي بعقود النكاح المعروفة في الدنيا، وإنما جعلنا الزوج «أي المرأة»، المشار إليها في آية سورة يس، «حورَ عيْنٍ» لزوجها.
ومجمل القول:
أن «الحور العين» صفة لنساء أهل الجنة، عموما، ومن ألوان نعيمها، والمرأة التي هي «زوج» الرجل في الدنيا، ستكون «حورَ عينٍ» له في الآخرة، هذا إذا كانت من أهل الجنة، أما غير «الأزواج» إذا دخلوا الجنة، فلا شك أن لهم، ولهن، مثل ما للأزواج من نعم، لا يعلمها إلا الله.
محمد السعيد مشتهري
(534) 11/11/2016 (حور عين في السياق القرآني)
عدد المشاهدات : 182
عندما نقرأ القرآن، نبحث عن «الحور العين»، نجد أن الآيات التي وردت فيها هذه العبارة هي:
أولا: قوله تعالى في سورة الدخان، «الآية ٥٤»:
«كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ»
طبعا عندما ننظر إلى هذه الجملة القرآنية، بمعزل عما قبلها وما بعدها، لن نفهم منها شيئًا، فما معنى كلمة «كَذَلِكَ»، ولماذا جاءت واو العطف في «وَزَ وَّجْنَاهُم»، ومن هم الذين تزوجوا، وما المقصود بـ «الحور العين»؟!
فإذا تدبرنا سياق الآيات التي قبلها، لنصل إلى بداية الموضوع، سنجد أن البداية هي «الآية ٥١»، وقوله تعالى:
«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ . كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ . يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ».
إذن فقد جاءت عبارة «حور عين»، في سياق الحديث عن النعيم الذي أعده الله للمتقين في الآخرة، فإذا تدبرنا الكلمات المستخدمة في هذه الآيات، نجد أن الله يخاطبنا بما نعرفه من أسماء ومسميات «عالم الشهادة».
فتعالوا نُكَوِّن صورة ذهنية عن هذا المشهد، الذي كان العرب يعلمون جيدًا معنى كل كلمة فيه، وهو مشهد المتقين، «يَلْبَسُونَ» ثيابا «مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ»، وهي أنواع من ثياب الحرير الفاخرة، يجلسون «مُتَقَابِلِينَ»، أي يجلس بعضهم قبالة بعض.
واستكمالا لهذا المشهد، يقول الله تعالى بعدها: «كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ»، أي كذلك هو نعيم الجنة، الذي أعده الله للمتقين، ومنه أن يقرن الله المتقين بما تقر به أعينهم، وتسعد به قلوبهم، كما تقرن الأزواج من نفس واحدة، وقد توسع هذا المشهد في سورة الصافات، فقال تعالى:
«إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ . أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ . فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ . يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ . لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ . وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ»
والآن علينا أن نتدبر قوله تعالى في هذه الآيات:
«فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ … وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ»ومعه قوله تعالى في سورة الدخان، السابق ذكره:
«يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ . كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ»
ثم نذهب إلى ما ذكرناه، في المنشور السابق، عن آيات سورة الواقعة، ونذكركم بما جاء فيها عن ألوان النعيم لأصحاب اليمين:
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ . فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ . وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ . وَظِلٍّ مَمْدُودٍ . وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ . وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ . وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ . إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً أَتْرَاباً . لأَصْحَابِ الْيَمِينِ»
وقبل أن نتدبر العلاقة بين ما ذكره الله في سورة الدخان:
«كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ»
وما ذكره في سورة الصافات:
«وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ»
ثم ما ذكره في سورة الواقعة:
«إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً أَتْرَاباً»
علينا أن نعلم:
أن هذا الوجود البشري جاء إلى هذه الدنيا، من «شهوة ولذة ومتعة»، ولكن العرب، في جاهليتهم، انحرفوا وبالغوا في توظيف هذه «الفطرة البشرية»، حتى أن مسألة «البكر والثيب» في النساء كانت موضع اهتمامهم، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في سياق تحذير نساء النبي، فقال لهن:
«عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا»
لقد نزل القرآن يُقر هذه «الفطرة البشرية»، ويضبطها بضوابط الشريعة، ويجعلها من ألوان النعيم في الجنة، ولكن ليس بوسائل إدراكنا لـ «الشهوة واللذة والمتعة» التي عرفناها في الدنيا!
إننا نشعر وندرك ونحس حسب وسائل الإدراك التي خلقنا الله بها لنعيش في «عالم الشهادة»، والمتدبر للقرآن يعلم أن كل ما ورد عن «عالم الغيب» ما هو إلا مجرد تمثيل وتشبيه لتقريب مفهوم نعيم وعذاب الآخرة، أما حقيقة ما سيحدث في الآخرة بعد البعث والنشأة الأخرى، فيستحيل أن يعلمها إنس ولا جان، ومن هذا المنطلق علينا أن نتدبر الآيات السابق ذكرها، وهي:
«كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ» – «وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ . كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ» – «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً أَتْرَاباً»
إن المتدبر لهذه الآيات، طبعا بوسائل إدراك «عالم الشهادة»، يعلم أنها تتحدث عن «نساء» اقترن بالمتقين، ومن صفاتهن الجمالية أنهن «حور عين»، وقد بيّنا ذلك في المنشور السابق.ومن صفاتهن أنهن يغضضن من أبصارهن: «قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ»، كناية عن العفة التامة، عيونهن قاصرات على أزواجهن، «كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ»، بيض، «بيضوات»، لا يقربهن ولا يمسهن إلا أزواجهن.
وهذه من ألوان النعيم التي أعدت لنساء الدنيا في النشأة الأخرى، ودليل ذلك قوله تعالى: «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً . عُرُباً أَتْرَاباً»
أما من لم يكن لهم أو لهن «أزواج» في الدنيا، فلا شك أنهم سيتمتعون بكل ما سيتمتع به الأزواج «الحور العين».
ونعود إلى سورة الصافات لنستكمل المشهد، الذي نراه يتسع ويتسع، وقوله تعالى عن حال المتقين في الجنة: «عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ».
و«السرر» جمع «سرير»، وهو الذي يعرفه الناس جميعًا، ويجلسون عليه ويتكئون ويضطجعون، يقول الله تعالى في سورة الزخرف: «وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ»، ولكن وكما قلنا ونقول، إن نعيم الآخرة ليس كنعيم الدنيا.
ويصبح المشهد الآن هو: «المتقون» يلبسون ثيابًا فاخرة «مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ»، ويجلسون «عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»، ويتمتعون بألوان النعيم التي ذكرتها آيات سور الدخان، والصافات، والواقعة.
ومن ألوان هذا النعيم، أن «السرر» تُغطى بـ «فرش»، فقال تعالى في سورة الرحمن: «مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ»
و«الفرش» جمع، ومفردها «فراش»، وهو ما يُفرش على «السرر»، وقد عبر عن السرر بـ «الفرش» لبيان مزيد من النعم، لأن: «بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ»، وإذا كنا في الدنيا نحشي الفرش بالقطن أو الصوف..، فإن فرش «السرر» في الجنة محشوة بنسيج من خيوط الذهب.
ثم تدبر قوله تعالى بعد الحديث عن «الفرش»:
«فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
فعلام يعود ضمير الجمع «فِيهِنَّ»، والسياق يتحدث عن المثنى «فيهما»؟!
هنا تظهر أهمية «علم البيان»، وما يحمله من الأساليب البلاغية التي لا توجد في أي لغة من لغات العالم، فالآية التي سبقت «فِيهِنَّ»، تحدثت عن «الفرش»، ولو كان المقصود بي ان أن «قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ» يجلسن على هذه «الفرش» لقال: «عليهن» قاصرات الطرف، وليس «فِيهِنَّ».
إنني عندما تذكرت ما فعله فرعون مع الذين آمنوا بموسى عليه السلام، فقال تعالى: «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ (فِي) جُذُوعِ النَّخْلِ»، وجدت أن المنطق يقول إن الصلب «على» الجذوع، وليس «فيها»، وهنا علمت أن المسألة فيها صورة بلاغية.
إن العدول عن حرف الاستعلاء «على» إلى حرف الظرفية «في»، يكون عندما يراد بيان تمكن شيء من شيء، تمكنا شديدًا، كتمكّن المصلوب من الجذع، وكأنه دخل في جسده، فأراد الله أن يُبيّن تمكن «قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ» من فرشهن، للدلالة على تغييب أجسامهن في الفُرُش، لأن «بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ»، كنايةً عن الترف والراحة.
وعلى الجانب الآخر، هناك تطمين للرجال، وهو شعورهم الدائم أن الحور العين: «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»، وقد بيّنت ذلك، ومعنى «الطمث»، في المنشور السابق، وكل هذا جاء من باب التشويق، عن طريق معطيات «عالم الشهادة» الذي نعيش فيه: «وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
ثانيا: والموضع الثاني الذي وردت فيه عبارة «حور عين» هو قوله تعالى في سورة الطور «الآية ٢٠»: «مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ»
طبعا الآن نستطيع أن نفهم هذا المشهد في إطار ما سبق بيانه، وأن الضمير في قوله تعالى:«وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ» يعود إلى المتقين، الـ «مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ»، ويؤكد ذلك تدبرنا للسياق الذي وردت فيه هذه الآية، والذي يبدأ بـ «الآية ١٧».
ثالثا: والموضع الثالث الذي وردت فيه عبارة «حور عين» هو قوله تعالى في سورة الرحمن «الآية ٧٢»: «حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ»
ولقد وردت هذه الجملة في سياق يبدأ من «الآية ٤٦» في وصف نعيم الجنة، وقد تكرر بعد كل مشهد قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، وكل المشاهد التي حملها سياق الآيات أصبحت مفهومة لنا الآن.
وما ذكرناه سابقا عن العدول عن صيغ ة المثنى إلى صيغة الجمع، في قوله تعالى: «فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
هو نفسه الذي نذكره في قوله تعالى: «فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ … حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ … لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
غير أن الأسلوب البلاغي اختلف، فأين توجد الحور العين الخيرات الحسان؟! قال تعالى:
«مَقْصُورَاتٌ (فِي) الْخِيَامِ»، فحرف الظرفية «في»، هو الذي يعود إليه الضمير «فِيهِنَّ»، أي في الخيام.
رابعا: والموضع الرابع والأخير الذي وردت فيه عبارة «حور عين» هو قوله تعالى في سورة الواقعة «الآية ٢٢»: «وَحُورٌ عِينٌ»، وقد بيّناه بالتفصيل في المنشور السابق.
إنه لمن الخطر الكبير على ملة «الوحدانية»، أن يقيم البعض فهمه للقرآن واستنباط أحكامه، على قاعدة «خَالِف تُعرف»، أي على مخالفة كل ما جاء به التراث الديني، ولو أدى ذلك إلى إسقاط أحكام القرآن كلها، «ملة وشريعة».
والحقيقة أنا لا أدافع عن شيء كفرت به، وهو «التراث الديني» للفرق والمذاهب المختلفة، وإنما أسس لمنهجية علمية، فلا يُعقل أن أهدم ما جاء به القرآن، وما حملته «منظومة التواصل المعرفي» من مسميات الكلمات، التي تتفاعل مع نصوصه، لأنه وافق ما حمله «التراث الديني» إلينا!!
محمد السعيد مشتهري
(535) 12/11/2016 (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ … لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ)
عدد المشاهدات : 1٬256
كتب الأستاذ الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة، تعليقًا على منشور الأمس، جاء فيه:
«عزيزي قرات كلامك في ضوء قواعد العربية، وعلم المعنى في اللسانيات الحديثة، وأرجو أن يسعنا الحوار من خلال:
* المنهجية العلمية لقواعد اللسان العربي المبين للقران الكريم.
* ومنهجية تنطلق من النص ودلالاته، ولا تقحم أفكارا على النص من خارجه لأن أصحابها أعجبوا بها.
ولولا أنه طلب أن يكون الحوار على أساس علمي منهجي، ما التفت إلى ما جاء في تعليقه، لقوله:
«ولا تقحم أفكارا على النص من خارجه لأن أصحابها أعجبوا بها»، لأن هذا القول مخالف أصلا للحوار العلمي.
ولكن، ومن منطلق المنهجية العلمية، طلبت من الدكتور داود أن يسند ما جاء في تعليقه إلى مصدره من مراجع اللغة العربية، ولكن لماذا؟!
لأني اطلعت على أشهرها، وأعلم حجم الخلاف الموجود فيها، فأردت أن آتي له بما يخالف ما جاء في تعليقه، من نفس الباب الذي انتقى منه وجها من الوجوه يوافق عقيدة أئمة السلف في تعريفهم لـ «الحور العين».
إن ما سطره أئمة السلف في أمهات الكتب، عن تعريف «الحور العين»، استنادا إلى مرويات منسوبة إلى النبي، هو الذي يستند إليه الانتحاريون في عملياتهم الإرهابية، وهو السند الشرعي عندهم أنهم من أهل الجنة، وأن «الحور العين» سيكن في شرف استقبالهم على أبوابها!
وبما أننا نتحدث عن «منهجية علمية» في فهم النص ودلالاته، فقد أردت أن أثبت للدكتور داود، أن كل ما جاء به في تعليقه، خارج دلالة النص القرآني، مصدره «مرويات» الرواة، الأمر الذي يستلزم أن يثبت أولا حجية هذه «المرويات» في دين الله، لأنه «دين الله»، وليس دين المفسرين، ولا المحدثين، ولا أصحاب معاجم اللغة العربية.
فإذا بي أجد الدكتور داود يقول:
«وهذا العلم، فأنا أستاذ فيه، يعني أعلم هذا العلم، وأناقش رسائل الماجستير والدكتوراه فيه..، يكفي هذا أم تريد المزيد»؟!
قلت له: وأنا أيضا كنت أناقش رسائل الماجستير والدكتوراه، ولو أن طالبًا من طلاب الدراسات العليا، قال لي إن ما جاء به في رسالته مرجعه أبجديات علمية، وأنا أستاذ فيها..، لأسقط رسالته فورا.
ولكن الغريب أن يعتبر الدكتور داود بعد ذلك، أن المنهجية وأصول الحوار العلمي، من الأمور الشكلية، ويطلب مني أن أدخل في صلب الموضوع، وأترك هذه الشكليات.
ويبدو أن الدكتور داود لا يعلم، أني دخلت في صلب الموضوع وأنهيته، في مقدمة المنشور الأول، وبعد ثلاث فقرات منه، حيث قلت:
«إن كل ما ورد في كتاب الله عن عالم الغيب، هو على سبيل التمثيل والتشبيه، أما الحقيقة فسنعلمها لما نموت، فانت مستعجل ليه يا ذكي، وانتهى الموضوع ونقطة، ومن أول السطر»
ثم قلت بعد ذلك:
«إن ما سأقوله، بعد أن وضعت النقطة، وأنهيت الموضوع، ما هو إلا قراءة للنص القرآني المتعلق بموضوع «الحور العين»، حسب منهجي في فهم القرآن، وما أحمله من وسائل إدراك لا تعمل إلا في «عالم الشهادة»، دفاعا عن المنهجية العلمية في تدبر القرآن».
والآن تعالوا ندخل مرة أخرى في صلب الموضوع، ونرى ماذا أضافت تعليقات الدكت ور محمد داود إلى ما ذكرته في المنشورين، الأول والثاني.
أولا: يقوم منهجي في فهم القرآن، على أدوات مستنبطة من ذات القرآن، في مقدمتها «اللسان العربي»، الذي حملته مراجع اللغة العربية، والذي يرشدنا إلى هذا اللسان، وسط ما حملته هذه المراجع من خلافات، هو تفاعل كلمات هذه المعاجم مع السياق القرآني، فالسياق هو الحاكم أولا وأخيرا.
وبعد الاطلاع على الخلافات التي حملتها مراجع اللغة العربية، حول مفهوم «الحور العين»، وبعد النظر في ما تناغم منها مع السياق القرآني، وجدت أن هذا المصطلح كان منتشرًا بين العرب قبل نزول القرآن، وكان يُعبر عن صفات جمالية في المرأة، وقد نزل القرآن يحدث الناس بما عرفوه وأدركوه في «عالم الشهادة».
* فماذا قال الدكتور داود؟!
قال: معني الحور العين لغة: حور جمع حوراء، والحوراء تدل علي بياض الجسد مع الجمال البالغ، وعين، بكسر العين، تدل على العيون الواسعة الجميلة، واللغويون والمفسرون وعلماء العربية فسروا «وزوجناهم بحور عين» أنهم خلق من خلق الله، وهن نساء، ولكنهن غير نساء الدنيا»والسؤال: ما الذي أضافه الدكتور داود في تعليقه إلى قولي: إن مصطلح الحور العين «يُعبر عن صفات جمالية في المرأة»؟!
ثانيا: عند حديثي عن قوله تعالي: «كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ»، قلت:
«أي كذلك هو نعيم الجنة، الذي أعده الله للمتقين، ومنه أن يقرن الله المتقين بما تقر به أعينهم، وتسعد به قلوبهم، كما تقرن الأزواج من نفس واحدة»
* فماذا قال الدكتور داود؟!
قال: «أما سياق الآيات في سورة الدخان، فهو سياق تعداد النعم، وكلمة «كذلك» في الأسلوب القرآني تعني وبنفس الأسلوب والطريقة من الإنعام والتفضل من الله على أهل الجنة».
والسؤال: ما الذي أضافه الدكتور داود في تعليقه إلى ما سبق أن قلته؟!
* قال الدكتور داود: «والواو في كلمة وزوجناهم للعطف، والعطف يقتضي المغايرة، والفصل بين النعم التي وردت في الآية، وبين وزوجناهم، لإفادة أن هذه نعمة جديدة تضاف الي النعم السابقة»
وأنا قلت عن هذا النعيم: «ومنه أن يقرن الله المتقين بما تقر به أعينهم، وتسعد به قلوبهم…»، أي أن من ألوان النعيم نعمة جديدة هي اقتران «الحور العين» بالأزواج.
ثالثا: لقد خاطب الله في سورة الرحمن الجن والإنس معًا، وهذا يدل على أن الجن محاسبون يوم القيامة على أعمالهم، ثواباً وعقاباً، كالإنس تماما، كلٌ بما يناسب نشأته الجديدة التي سيكون عليها في الآخرة، والتي لا يعلمها إلا الله، وهذه الآيات هي:
١- الآية ٣١: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ»
٢- الآية ٣٣: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ»
٣- الآية ٣٩: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ»
٤- الآية ٥٦: «فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
٥- الآيات ٧٢-٧٤: «حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
فإذا أضفنا إلى هذه الآيات قوله تعالى:
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»
وقوله تعالى:
«يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا على أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا على أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ»
علمنا أن الجن، كالإنس تماما، مكلفون بشريعة إلهية، بلغهم بها الرسل، فمنهم من آمن فيدخل الجنة، ومنهم من كفر فيدخل جهنم، وطبعا لا نعلم شيئًا عن حقيقة وطبيعة وكيفية استمتاع الجن أو الإنس بنعيم الجنة.
ولكن، ومن سياق «الآية ٥٦»، و«الآيات ٧٢-٧٤»، نعلم أن من باب الترغيب في نعيم الجنة، بما كان يعرفه العرب ويشتهونه، أن نساء الإنس في الجنة لم يطمثهن «إنس»، ونساء الجن لم يطمثهم «جن»، فكما أن للإنس «حور عين»، فكذلك للجن.
علما أن قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، يخاطب فريقين، وقد تكرر عشرات المرات، وبدأ بـ «الآية ١٣» قبل ذكر الجن، ولكنه تخلل سياق الآيات كلها.
لذلك أقول:
إن الله تعالى يستحيل أن يُرغب الناس في نعيم لم تنطبع صورته الذهنية في قلوبهم، وإن كانت على سبيل «المثل»، ولذلك عندما ذكر الله ألوان النعيم في الجنة، جاء بالكلمات التي لها صور ذهنية عند الناس، وإن كانت على سبيل التمثيل والتشبيه.
لقد كان العرب يقولون عن المرأة الجميلة: إنها «حور عين»، فنزل القرآن بما تعارفوا عليه، وكانوا يصفون المرأة المحصنة العفيفة بأنها «مقصورة في الخيام»، فنزل القرآن بما كانوا يح بونه ويشتهونه، وينقل لنا صورة للحياة البدوية، وكيف كان البدو ينظرون إلى النساء.
وعندما قال تعالى: «إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا»، كان العرب يعلمون أن الجعل هو تحول في خصائص الشيء، وأن قوله تعالى: «فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا» يعني أن هذا الشيء الذي أنشأه الله إنشاءً جديدا لم يكن أصلا بكرا، فعلموا أن المقصود نسائهن.
أما عن غير الأزواج، فقد سبق أن قلت في المنشور الأول:
«أما غير الأزواج، إذا دخلوا الجنة، فلا شك أن الله سيجعل لهم ولهن مثل ما للأزواج من ألوان النعيم، وسواء كانوا أزواجًا أو غير أزواج، فإن حقيقة هذه النعم لا يعلمها إلا الله.
فكيف يترك الباحث المسلم المؤمن هذا السياق القرآني، الذي نقل لنا ألوان النعيم بمدركات «عالم الشهادة»، ويذهب إلى مرويات الرواة، يأخذ منها أصول إيمانه؟!
* فماذا قال الدكتور داود؟!
قا ل: «أما صرف معنى أبكارا التي تخص نساء الدنيا، فهذا لا دليل عليه من النص، لأن إعادة إنشاء نساء الدنيا أبكارا، كواعب أترابا، ليكونوا في منزلة تليق بجمال الجنة، لا يعني أنهن «الحور العين»، والدليل كلمة وزوجناهم، التي تدل علي إنشاء صلة جديدة بالحور العين لم تكن موجودة من قبل، لأن زوجات الدنيا علاقة الزواج بهن سبقت في الدنيا»
وقال: قوله تعالي «لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان»، فيه دلالة صريحة على أن الحور العين لم يسبق لهن علاقة مع ذكر من أنس ولا من جان، وهذا مغاير لزوجات الدنيا».
أقول: لا تعليق
رابعا: وعند الحديث عن الضمير «فيهن»، في قوله تعالى:
«فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ»
قلت: «فأراد الله أن يُبيّن تمكن قاصرات الطرف من فرشهن، للدلالة على تغييب أجسامهن في الفُرُش، لأن (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)، كنايةً عن الترف والراحة».
إذن فأنا أرى أن الضمير يعود إلى الفرش.
* فماذا قال الدكتور داود؟!
قال: «وأما الضمير فيهن فقد جاء جمعا لأنه يعود على جمع يعود على كلمة الفرش أي في هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن لا ينظرون إلى غيرهم لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان»
وهل أنا قلت بغير ذلك؟!
محمد السعيد مشتهري