

لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، وترك للناس «آيته العقلية القرآنية» التي حملت نصوصها ما شاء الله أن يعلمه الناس عن مواقف وأحداث عصر التنزيل، وعن منهج وشرعة رسالته القائمة بينهم إلى يوم الدين.
# القاصمة «٩»:
يقولون إن القرآن لم يُجمع في حياة النبي، وإنما جمعه الصحابة مع على كذا وكذا …، أكثر من مرة، حتى جاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجمعه الجمعة الأخيرة، وكان لا يقبل الصحف إلا إذا كان عليها شاهدان.
طبعا من يؤمن بهذا «العبث» بدين الله لم يؤمن أصلا بحفظ الله لـ «الذكر»، ولم يدخل «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب الآية القرآنية.
# العاصمة «٩»:
لقد توفي رسول الله محمد، وترك للناس «آيته العقلية القرآنية»، التي تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر..، ولم تكن «آية حسية» تراها الأعين، وتنتهي فعاليتها بموته.
ولذلك قال الله تعالى:
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»؟!
ولكن هذه «الآية العقلية القرآنية» نزلت بـ «اللغة العربية» التي كان ينطق بها «لسان» قوم النبي، ووصلت إلينا اليوم كما نزلت، وحفظها الله في مراجعها التي بين أيدينا اليوم، ولكن:
١- لقوم يعقلون:
* «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
٢- لقوم يعلمون:
* «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
٣- لقوم يتقون:
* «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
٤- لقوم يعلمون أن القرآن «حُكْمُ الله» إلى يوم الدين:
* «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً»
٥- لقوم يعلمون أن القرآن العربي «علمٌ» وليس «هوى»:
* «وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ»
٦- لقوم يعلمون أن فهم القرآن يكون بـ «لسان» قوم «النبي»:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
وكان لسان قوم النبي «عربيًا»:
* «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ … بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»
٧- لقوم يعلمون أن «كلام الله» لا يُفهم بمعزل عن «الذكر»:
* «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
و«الذكر» ليس هو «كتاب الله» الذي يشير إلى «المكتوب»، ولا «القرآن» الذي يشير إلى «المقروء» وإنما مُسمّيات كلمات كتاب الله المقروء الموجودة خارجه، «مقابلها الكوني»:
* «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
ولذلك يستحيل فصل كلمات القرآن عن «مُسمّياتها» المحفوظة بحفظ الله للنص القرآني ذاته، لقوله تعالى «وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، وتعالوا نثبت ذلك بالبراهين القرآنية:
(أ) «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»
الكلمة القرآنية: «عَرَفَاتٍ»
مقابلها الكوني: جبل اسمه «عرفات» على أرض «السعودية».
الكلمة القرآنية: «الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»
مقابلها الكوني: «الْمَشْعَرِ» هو «المَعْلَم»، كما تقول «جاءني إشعار» أي إعلام، فـ «الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ» مَعْلَم من معالم الحج، وهو جبل يقع في منطقة تسمى «المزدلفة»، ينزل إليها الحجيج بعد الوقوف بـ «عرفات» ووصف بـ «الحرام» لحرمة المنطقة.
(ب) «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ»
فـ «الكتاب» كلمة قرآنية، فأين «مُسمّاه»؟!
و«الصلاة» كلمة قرآنية، فأين «مُسمّاها»؟!
«المُسمّيات» موجودة خارج القرآن:
فـ «الكتاب» نمسكه بأيدينا، و«الصلاة» نقيمها في المساجد.
والفعل «اتْلُ» غير الفعل «أَقِمْ»، و«التلاوة» لا تعني «القراءة» وإنما تعني «إتباع» المقروء، وهذا معناه أن الأمر «اتْلُ» أمرٌ باتباع القرآن ب جميع أحكامه ومنها أحكام «الصلاة».
أي أمر بإقامة الدين كله.
وعطف الأمر بـ «إقام الصلاة» على «تلاوة الكتاب» من باب «عطف الخاص على العام»، لبيان أهمية وعظم شأن هذه الفريضة، وجاء بـ «علة» هذا العطف فقال تعالى بعدها:
«إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»
(ج) «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»
فـ «الْمَسْجِد» كلمة قرآنية، فأين «مُسمّاها»؟!
مسمى «الْمَسْجِدَ» موجود خارج القرآن، في معظم دول العالم، و«الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» موجود على أرض «مكة» في دولة اسمها السعودية، وهو الذي دخله رسول الله يوم فتح مكة، فتدبر:
«وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ … هُمْ الَّذِ ينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»
(د) «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»
«الْحَجُّ»: كلمة أين «مُسمّاها»؟!
يراه العالم أجمع، على الفضائيات، في أوائل شهر سمّاه الله باسم «ذي الحجة».«أَشْهُرٌ»: كلمة أين «مُسمّاها»؟!
توارثتها الأجيال من لدن آدم عليه السلام لقوله تعالى:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»
ولذلك قال الله عنها: «أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ»
وعندما تلاعب العرب في هذه الأشهر، في جاهليتهم، بما كانوا يسمونه بـ «النسيء»، نزل القرآن ينص على كفرهم، وكفر من عمل عملهم إلى يوم الدين، لذلك قال تعالى بعدها مباشرة:
* «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ»
* «يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا»
* «يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً»
* «لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»
* «فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ»
* «زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ»
* «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»
(هـ) «مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ»
وهؤلاء الذين وصفهم الله بـ «الكفر» في عصر التنزيل، كانوا يعلمون «مسميات» هذه الكلمات:
«بَحِيرَةٍ» – «سَائِبَة» – «وَصِيلَة» – «حَام»
فإذا سألنا أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، الذين يكفرون بـ «اللغة العربية وعلومها»، أن يأتوا لنا من داخل القرآن بمعاني هذه الكلمات ما استطاعوا، وعشرات المنشورات تشهد عليهم!!
لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، ولم يترك للناس غير «آيته العقلية القرآنية»، أي «الذكر»، وكيفيات الأداء العملي لما أجمله النص القرآني من أحكام، والتي تعلمها بوحي «غير قرآني».
لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، ولم يترك وراءه أدنى شبهة تجعل «الذين آمنوا» ينقلبوا على أعقابهم:
* «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»
* «أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
لقد انقلبوا على أعقابهم، وقُتل الخليفة الثالث بأيدي «متأسلمة»، وسفكت دماء آلاف المسلمين في أحداث الفتن الكبرى، وتفرق المسلمين إلى فرق ومذاهب عقدية متخاصمة، إلى يومنا هذا.
لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، وقد حذر الله الذين آمنوا معه من «الشرك بالله» إن هم «تفرقوا في الدين»، الأمر الذي أعطوه ظهورهم وتفرقوا!!
ولذلك لا قيمة لتفرقهم هذا، ولا لأمهات كتبهم الدينية، ولا لأئمة سلفهم، ولا لخلفهم، سواء كانوا سلفيّين، أو قرآنيّين، أو عصريّين مستنيرين، لأن كل هؤلاء تابعون مقلدون خرجوا من تحت عباءة «الإسلام الوراثي»، والله تعالى يقول:
«لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ»
وإنما القيمة الحقيقة في أن يقيم المرء تدينه على أساس «الآية القرآنية» المعاصرة له اليوم، وليس الأمس، والتي بيّنت بعض ما يتعلق بها من «قواصم وعواصم» في ثمانية منشورات!!
محمد السعيد مشتهري