

(1013) 14/1/2018 «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
فبراير 2
٣ min read
0
1
0
المَحْق كـ «المَحْو» بمعنى إزالة الشيء، فنحن أمام:
– شيء يُزال ويتلف ويعاقب فاعله، وهو «الربا».
– وشيء يزيد ويربو ويُضاعف ثواب فاعله وهو «الصدقة».
وبين «الربا» و«الصدقة» علاقة «تضاد»، لأننا:
أولًا:
إذا نظرنا إلى «الصدقة» وجدناها تُنقص المال في الدنيا، ولكنها تزيد ثواب الآخرة لأن الله أمر بها، وقال لرسوله:
«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
ولقد بدأت هذه الآية بفعل الأمر «خُذْ» لبيان أن «الصدقة» فريضة، وأن هذه الف ريضة تُطهّر نفس «المُنْفِق» وتزكيها.
وقد أطلق الله عليها لفظ «الزكاة» لتشمل تزكية المال «الحسية»، وتزكية النفس «المعنوية».
– وإذا نظرنا إلى «الربا» وجدناه يزيد من مال الدنيا، ولكنه يُنقص ثواب الآخرة، لأن الله حرّمه.
«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»
ثانيًا:
«وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
إن الذي يؤتي «الصدقات» يؤتيها لـ «تزكو» نفسه و«تطهر» في الدنيا، و«يربو»، أي يضاعف ويزيد ثوابه في الآخرة.
لأجل ذلك نال المتصدقون شرف دعاء الرسول لهم، فقال تعالى:
«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَك َ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
إن بيان معنى قوله تعالى «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ» جاء بعدها «إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»، الأمر الذي يدل دلالة قطعية على أن معنى «الصلاة» هنا هو «الدعاء».
إن أصل معنى كلمة «الصلاة» في لسان العرب هو «الدعاء»، وليس «تلاوة القرآن»، أو «العمل الصالح»، كما يدّعي البعض، ذلك لأن هناك عشرات الآيات تأمر بتلاوة القرآن والعمل الصالح.
ولقد أُطلقت كلمة «الصلاة» على الفريضة التي أمر الله المسلمين بأدائها خمس مرات يوميًا، باعتبار أن المحور الأساس لهذه الصلاة هو «الدعاء»، ومنه فاتحة الكتاب.
والذي يؤتي «الصدقات» لتطهر نفسه وتزكو وتسكن، هو الذي «يقيم الصلاة» لتنهاه عن «الفحشاء والمنكر»، ولذلك كانت هناك علاقة تلازم بين «إقام الصلاة» و«إيتاء الزكاة»، والثواب في الدنيا والآخرة.
وعندما يأتي «الربا» في هذا السياق، ويقول الله تعالى:
«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
يجب أن تكون لنا وقفة مع مفهوم «الربا» وحكمه.
ثالثًا:
«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا»
الربا في لسان العرب هو «الزيادة»، يُقال «ربا الشيء يربو» إذا زاد ونما، ولكن هل كل زيادة في رأس المال تعتبر «ربا»؟!
لقد أجاب الله على هذا السؤال بقوله تعالى:
«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»
– إن «البيع» زيادة في رأس المال.
– و«الربا» زيادة في رأس المال.
والفرق:
– أن «البيع»: الزيادة على رأس المال جاءت عن طريق «وسيط» ليس من جنس ذات المال، سواء كان هذا الوسيط «عملا»، أو «سلعةً»، أو «خدمةً».
– أما «الربا»: فقد جاءت الزيادة على رأس المال عن طريق «المال نفسه»، أي أن المال أنتج «مالًا»، دون «عمل».
وتعالوا نلقي نظرة على السياق الذي ورد فيه تحريم «الربا»:
* «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ»
لماذا؟!
* «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا»
* «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»
إن مساعدة الفقراء والمساكين يجب أن تكون دون انتظار عائد مادي منهم، أو حتى معنوي، ولذلك فرض الله «الصدقات» مقابل ما كان معروفا في الجاهلية بالمعاملات الربوية، فقال تعالى:
* «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
* «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ»
ثم خاطب المؤمنين:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا»
* «إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»
وحذرهم:
* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»
وبيّن لهم طريق التوبة:
* «وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ»
ثم بيّن أن الذي حصل على قرض لضرورة معيشية، يجب إمهاله وقتًا، «إذا تعسر عن سداده»، دون أي زيادة «ربا» على القرض، فقال تعالى بعدها:
* «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»
ولو أنكم قدمتم له القرض على سبيل «الصدقة» فهو خير لكم:
* «وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
رابعًا:
إن المعاملات البنكية، بجميع أنواعها، لا علاقة لها «الربا».
إن «البنك» بدون أموال «المودعين» لا قيمة له، و«المودعون» يعتبرون «البنك» جهة يستثمرون فيها أموالهم نظير استفادة طرفي العقد:
البنك وأصحاب الأموال.
فمن أين تأتي شبهة «الربا»؟!
هذا عن باب «الإيداع».
أما عن باب «القروض»، فجميعها قروض «استثمارية»، وأحيانا يكون المستفيد من القرض أغنى من البنك نفسه، فهذه ليست بنوكا اجتماعية!!
إن مقابلة «الربا» بـ «الصدقة» يبين لنا معنى «الربا»، كما يبين بلاغة النص والسياق القرآني الذي حمل «علة» التحريم في جملة:
«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»
محمد السعيد مشتهري