

(1042) 21/2/2018 “وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ”
فبراير 2
2 min read
0
0
0
مع الآيات “١٩-٢١” من سورة فاطر.
بالنسبة للمعنى “الحقيقي” للّفظين لا يستويان، بل قد يكون “الأعمى” أفضل من “المبصر”.
وبالنسبة للمعنى البلاغي “المجازي” أيضا لا يستويان، فأعمى القلب والبصيرة لا يتساوى مع القلب الذي يُبصر صاحبه بـ “نور الإيمان”.
وهو تمثيل للإيمان والكفر، وللحق والباطل، وما يؤديان إليه من ثواب وعقاب.
ومهما كانت قوة الإبصار فإن صاحبها يستحيل أن يُبصر إلا في ضوء، والمؤمن يُبصر بـ “نور الإيمان” الذي في قلبه، والكفار لا يبصره لظلمة قلبه.
ولذلك عطف قوله تعالى:
“وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ”
إن الكافر أعمى، يتخبط في مسيرة حياته بين إدراك الحق وإنكاره، إنه “ضال”، وكفره “ظلمات” تخفي “نور” الحقيقة الإيمانية.
فكيف تستوي صفة الإيمان مع صفة الكفر؟!
وكيف تستوي أحوال المؤمن مع أحوال الكافر؟!
وكيف يستوي أثر الإيمان في حياة الناس مع أثر الكفر؟!
ولذلك عطف قوله تعالى مبينًا أثر الإيمان والكفر في حياة الناس:
“وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ”
فجاء بـ “الظِلّ” لبيان أثر الإِيمان على نفس المؤمن وفي حياته، فيلجأ إليه من شدة حر الشمس، فتطمئن به نفسه وتهدأ، وتعمل على بصيرة.
وجاء بـ “الحرور”، وهو شدّة حر الشمس، لبيان أثر الكفر على نفس الكافر وعلى حياته، حيث تضيق به نفسه وتضطرب وتتألم، ولا تتمكن من التعقل والتبصر.
فإذا وضعنا الجمل الثلاث أمامنا:
١- “وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ”
٢- “وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ”
٣- “وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ”
نلاحظ أن هناك شيئًا مُقدرا في الجملتين الثانية والثالثة يجب أن نفهمه “ضمنيا” وهو:
كلمة “تَسْتَوِي” في الثانية.
وكلمة “يَسْتَوِي” في الثالثة.
ولذلك أعاد حرف النفي “لا” فيهما دون الأولى.
إننا لا نستطيع أن نتحرك في هذه الدنيا ونحن نعيش في الظلمات، دون أنوار “حسية” ترشدنا وتهدينا، حتى لا نُهلك ونَهلك.
وهكذا هو “دين الإسلام” لا نستطيع أن نتحرك به دون أن تتشرب قلوبنا “نور القرآن”، حتى لا نَضل ونُضل، فتدبر:
* “قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ – يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ – وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ – وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”
# “وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ”
إن “المبصر” لا يرى شيئاً في “الظلمة”، إذا نظرنا إلى الفرق بين “الظلمات والنور” بالمنظار الحسي، أما إذا نظرنا إليهما بالمنظار القيمي المعنوي:
“فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”
وما أكثرهم على شبكات التواصل الاجتماعي
إن المتناقضين لا يستويان، فلماذا يذكرهما الله وهي مسألة بدهية، ويؤكدها في كثير من الآيات، ومن ذلك:
* “مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِ يَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ”؟!
# نعم: “أَفَلا تَذَكَّرُونَ”
* “وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ”
# فهل هذه المعلومة تحتاج إلى بيان؟!
نعم، لأن سياق “المقارنات” من أساليب القرآن البلاغية التي يستحيل فهم مثل هذه الآيات بمعزل عنها.
فقد شبه المسائل “الإيمانية” بأشياء “حسية”.
فشبه المؤمن والكافر بالبحرين:
فـ “المؤمن” كالماء العذب، “سَائِغٌ شَرَابُهُ”، دائم النفع.
و”الكافر” كالماء الملح الأجاج، لا يصلح للشرب.
إذن:
* “لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ”
* و”لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ”
والسؤال:
أين هم «الكافرون»، وما هي صفاتهم وسيماتهم، وأين يعيشون؟!
ولذلك قال تعالى مخاطبًا رسوله محمدا:
* “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ”
# نعم “إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ”
ولكن أين هم «العلماء»، «أُوْلُوا الأَلْبَابِ»، أهل «تدبر القرآن»؟!
محمد السعيد مشتهري