top of page

(1061) 14/3/2018 «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ»

يناير 30

5 min read

0

3

0

أولا: تعريف المصطلحات

١- «التفسير»:

مأخوذ من «الفَسْر»، أي البيان والإبانة والكشف عن المُغطّىَ، نقول «أسفر الصبح» إذا أضاء.

# «تفسير القرآن»:

يعني الكشف على معاني «كلماته»، حسب «مسمياتها» التي عرفها ونطق بها «لسان العرب»، على وجه «الحقيقة» أو «المجاز».

إذن فـ «التفسير» يتعلق بالكشف عن معاني «الكلمات».

يقول الله تعالى:

«وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً»

فلا يأتون الرسول بأي شبهة، مما ذُكِر قبل هذه الآية، إلا ونزل القرآن بالكشف عن حقيقتها، بأفضل وجوه المعاني.

٢- «التأويل»:

مأخوذ من «الأَوْلِ»، وهو الرجوع لعاقبة الأمر، والكشف عن الغاية المرادة منه، نقول «آل الأمر» إلى كذا، إذا «صار إليه».

# «تأويل القرآن» يعني الكشف عن «غايات»، و«مقاصد»، «الآيات»، من حيث فعاليتها في الواقع الخارجي، وما ستؤول إليه.

إن التأويل ليس تفسيرًا لمعاني الكلمات، ووصف الآيات بأنها «ذات تأويل» هذا بالنسبة لفعالية معانيها خارج الكلمة، أي أن الوصف لما يتعلق به الشيء لا بذات الشيء.

مثال:

«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»

فهل الأحسن ما سيؤول إليه «التطفيف» في الكيل والوزن، بالنسبة للبائع «المطفف»، وبالنسبة للمشتري، أم «الإيفاء» فيهما؟!

إن تأويل «إيفاء» الكيل وإقامه الوزن، هو الواقع العملي التي سيؤول إليه، وهو إقامة الحق والعدل بين الناس.

ثانيًا:

إن «تأويل الآية» منظومة علمية تشمل:

(أ) معنى الكلمة القرآنية.

(ب) معنى الآية التي وردت فيها الكلمة.

(ج) معنى السياق الذي وردت فيه الآية.

ولقد وصف الله تعالى آيات الكتاب بأنها «محكمة» فقال تعالى:

* «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ»

وبأنها «متشابهة»، فقال تعالى:

* «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ»

وبأن بعضها «محكم»، وبعضها «متشابه»:

«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»

نفهم من ذلك أن قوله تعالى:

«مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»

لا يمكن أن يتناقض مع الآيتين السابقتين.

وعليه نفهم أن الله يخاطب قارئ القرآن، حسب ما يحمل من إمكانات علمية لفهم آياته، فقد يجد صعوبة في فهم بعض الآيات.

وقد يشتبه عليه البعض، لعمق أساليبها البلاغية، أو لعدم إدراك مقاصدها، فيذهب إلى تأويلها على غير الحقيقة.

وقد يستغلها الذين في قلوبهم زيغ لإحداث فتنة بين الناس، ولذلك قال تعالى بعدها:

«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ»

إن قوله تعالى عن الذين في قلوبهم زيغ:

«فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ»

يُبيّن أن الآية تصف حال الناس بالنسبة إلى تلقي القرآن، الذي آيته «محكمة متشابهة»، فيتمسكون بظاهر الآيات، ويقومون بتأويلها حسب هواهم، لإحداث فتنة بين الناس.

إنهم ليسوا أهل علم وتدبر، فخفي عليهم وصف الله لآيات كتابه بـ «المحكمات المتشابهات».

لقد كان عليهم أن يعلموا أن «ظاهر» الآية التي «اشتبه» عليهم فهمها، لها «قلب»، قد يكون موجودًا في السياق القرآني، ولكنه خفي عليهم، وقد يُفهم عن طريق «علم البيان»، الذي يعلمونه، لأنهم أهل اللسان العربي، ولكنهم يجحدونه!!

مثال:

عندما يقرؤون قوله تعالى:

«الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»

فإن الذي يذهب إلى أذهانهم أن لله «عرشًا» يجلس عليه!!

وفي نفس الوقت يعلمون أن لـ «ظاهر» هذه الآية «قلبًا» موجودًا في السياق القرآني، فلماذا لم يجعلوه يمر أيضا على أذهانهم، وهو قوله تعالى:

«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»

إن هذه الآية هي الحاكمة على فهم الآية الأولى، التي جاءت بصيغة «مجازية» يعلمها العرب من قبل نزول القرآن، ولا تفهم على «حقيقتها».

ليصبح المعنى:

إن فعالية أسماء الله الحسنى تشمل ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، في هذا الوجود، دون وصف لذات الله، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرًا.

ثالثًا:

عندما نتدبر قوله تعالى:

* «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»

ثم قوله تعالى بعدها:

* «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ»

فالمعنى أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن دون أن يتدبروا آياته، وقد خاطبهم الله بقوله:

«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

وهذا معنى «لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ» – «وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ»

أي أنهم «جُهّال»، كـ «جهلاء» اليوم، لا يفقهون آياته، ولا يعلمون ماّل مقاصدها.وعندما نتدبر قوله تعالى:

* «وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

ثم قوله تعالي بعدها:

* «هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ»

نعلم من الآيتين أن «تأويل الآيات» يشمل «القرآن كله»، فللآية المحكمة تأويل، كما أن للمتشابهة تأويلًا.

و«التأويل» هنا يعني تبيّن معاني القرآن الظاهرة «المحكمة»، التي تحمل في قلبها «المتشابهات»، التي يرونها يوم القيامة «واقعًا» مشاهدًا «خارج» النص القرآني.

وهذا ما فعله «العبد الصالح» مع «موسى» عليه السلام:

* «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً»

* «ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً»

لقد شاء الله أن يغفل موسى، عليه السلام، عن الحكمة من الإتيان بهذه الأحداث الثلاثة، ليتعلم بعد ذلك درس «الصبر» واقعًا مشاهدًا ليس للعبد الصالح دور فيه:

«وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي»

رابعًا:

إذن فما معنى قوله تعالى:

«وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ»

لقد أنزل الله القرآن لهداية الناس، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهل يمكن أن يجعل من آيات هذا القرآن ما لا يعلم تفسيره، أو ما سيؤول إليه معناها، إلا هو سبحانه؟!

١- إن مفتاح فهم هذه الآية في الجملة التي جاءت بعدها، وإن كانت منفصلة عنها من حيث المعنى، وهي قوله تعالى:

«وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»

فلماذا «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»، وماذا عن غير «الراسخين»؟!

ولماذا لم يقل الله تعالى:

«الرَّاسِخُونَ فِي الإيمان»، والقضية أصلا قضية إيمانية:

«يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»؟!

لأن فهم القرآن، وتفسير وتأويل آياته، قضية «علمية»، قد قامت أصلا على قواعد «إيمانية».

فـ «الراسخ في العلم» هو الذي يعلم أولا «العلم» الذي به يفهم القرآن ويستنبط أحكامه.

فيعلم كيف يتعامل مع القرآن بمحكمه ومتشابهه، وكيف يواجه الشبهات التي يقذف بها «الملحدون» ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويل آياته على غير الحقيقة، ولا حتى المجاز!!

وهذه الآية خير برهان على أن من تكلم في القرآن بغير علم ففي قلبه زيغ، لوقوع الراسخين في العلم في مقابلة أهل الزيغ.

٢- ليس في القرآن آية استأثر الله بتأويلها إلا الآيات المتعلقة بـ «عالم الغيب»، والتي أشار الله إليها بضرب المثل.

وبرهان ذلك أن الله أثبت لـ «الراسخين في العلم» فضيلة فهم القرآن، لأنه يستحيل أن يكون معنى قولهم:

«آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»

أنهم آمنوا به وهم يجهلون معنى آياته؟!

فما إذن أهمية وصفهم بـ «الرسوخ في العلم»، ثم أي «علم» هذا إذا لم يكن «علم» فهم القرآن؟!

وإذا كان «المحكم» يستوي في فهمه جميع من يفهم القرآن، ففي أي شيء كان رسوخ هؤلاء العلماء؟!

إن تسميتهم «راسخين» تقتضي أنّهم يعلمون أكثر من «المحكم» الذي يستوي في علمه كل من يفهم لسان العرب، إذن ففي أيّ شيء كان «رسوخهم»؟!

فما الذي استأثر الله تعالى بعلمه وتأويله غير «عالم الغيب»، الذي لا يستطيع إنس ولا جان أن يقترب منه أصلًا؟!

٣- إذن فيمكن بيان كيفية التعامل مع تفسير وتأويل القرآن على النحو التالي:

(أ) كلمات لا يجهلها العربي الذي يعلم قدرًا من اللغة العربية.

(ب) كلمات لا تفهم إلا بالرجوع إلى مراجع اللغة العربية.

(ج) آيات لا يفهمها إلا «أهل العلم» بكيفية التعامل مع القرآن.

(د) آيات يستحيل فهمها على حقيقتها لأنها من عالم الغيب.

ولذلك أعود وأذكركم بما قلته في المنشور السابق عن هذه الآية:

وهذا معنى «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ» أي وما يعلم تأويل هذه الآيات إلا الذين يحملون «أدوات العلم» التي نص عليها الله في كتابه.

محمد السعيد مشتهري

يناير 30

5 min read

0

3

0

منشورات ذات صلة

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page