

(1063) 16/3/2018 «الصُحْبَة» وحجية «منظومة التواصل المعرفي»
يناير 30
4 min read
0
1
0
تقوم حجية «منظومة التواصل المعرفي» على حجية «النص القرآني»، فإذا لم يوجد «نص قرآني» فلا وجود لها أصلًا، فأنا الذي وضعت أصولها وقواعدها، وأنا أعلم الناس بها.
فـ «كلام الله» المقروء في كتابه «القرآن»، يستحيل أن يفهمه أحد من الإنس أو الجان، إلا إذا كانت كل كلمة من كلمات القرآن، لها «صورة ذهنية» في قلب القارئ، من قبل قراءته للقرآن.
وهذه «الصورة الذهنية» لا وجود لها أصلا داخل القرآن، وإنما نقلتها «منظومة التواصل المعرفي» للمسلمين، وانطبعت في قلوبهم خلال مراحل التعليم المختلفة.
وطبعا لم تحمل «منظومة التواصل المعرفي» معنى ومُسمّى الكلمة للمسلمين فقط، وإنما لشعوب العالم أجمع من لدن آدم عليه السلام.
أولًا:
وردت كلمة «الص احب» بمشتقاتها في كتاب الله، فقال تعالى في سورة النجم، في سياق دفع الاتهامات عن الرسول، عليه السلام:
* «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»
وقال تعالى في سورة التكوير:
«وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ»
و«الصحبة» حسب لسان العرب، وفي السياق القرآني، تعني «المرافقة»، سواء كانت موجودة أصلًا، أو اكتسبت مع الوقت، وعليه تأخذ أسماءً دالة على الحالة.
١- الأخ: سواء كانت «المرافقة» حقيقية، كالمشارك لآخر في الولادة، أو مجازية، كالمشارك في دين أو مودة أو حرفة.
٢- الخليل: عندما يصل إخلاص «المرافقة» والمحبة إلى القلب فتصبح من نسيجه، بعد أن وصلت «خلاله».
٣- الرفيق: الذي تكون «مرافقته» للآخر متعلقة بمهمة، كعمل أو سفر..، حَسُنَت أو سَاءت.
٤- الصديق: الذي تقوم «مرافقته» على «الصدق».
٥- القرين: «مرافقة» شيء بآخر، ويكون في الخير والشر، فـ «الزوج» يطلق على كل من «الرجل» الذي قرينته «امرأة».
ثانيًا:
فإذا ذهبنا إلى إسقاط مفهوم «الصحبة» على عصر الرسالة الخاتمة، سنجد أنها تربط «النبي» بـ «قومه» حسب طبيعة «المرافقة» السابق بيانها.
ولذلك فإن القول بـ «عدالة الصحابة»، الذي قام عليه ما يُسمى بـ «علم الحديث» عند أهل السنة، والقول بـ «عصمة الأئمة»، الذي قام عليه «علم الحديث» عند الشيعة، قول باطل من أساسه يُسقط حجية «الأحاديث» منقواعدها.
١- ألم يكن من بين من «صحبوا» النبي «منافقون»، لم يعلمهم هو شخصيًا، ونزل القرآن يبين للمسلمين هذه الحقيقة ليحذروا؟!
وأن نفاق «أهل المدينة» التي يعيش فيها الرسول أشد من غيرهم، فقال تعالى:
* «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِن ْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ..»؟!
بل لقد أقاموا «مسجدًا» بجوار مسجد النبي، ولم يعلم النبي أنهم منافقون، فنزل القرآن ينهي النبي عن الصلاة في هذا المسجد:
* «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ … وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى – وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»
* «لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ – فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ»
٢- ألم يكن هناك في نفس الوقت، ممن صحبوا رسول الله، من مدحهم الله ورضي عنهم، وشواهد ذلك كثيرة، منها:
* «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»؟!
وقوله تعالى عن صفات الذين آمنوا مع رسول الله:
* «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»
* «تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً»
* «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»
* «ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ»
* «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»
ثالث ًا:
ألم يُبيّن الله تعالى أن الذين آمنوا برسول الله كانوا فريقين:
«الأنصار»، و«المهاجرون»؟!
ولقد قال تعالى في حق «الأنصار» وحبهم لـ «المهاجرين»:
* «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ..»؟!
١- إذن بأي منطق إيماني، أو حتى غير إيماني، ينكر «الملحدون» ما حملته «منظومة التواصل المعرفي» من أسماء بعض المهاجرين والأنصار؟!
وعلى أي أساس منطقي نرفض ما حملته «منظومة التواصل المعرفي» من حقيقة أن من «صاحب» النبي في الغار هو «أبو بكر» «الصديق»، ليس بإجماع المؤرخين فقط.
وإنما بإجماع أئمة سلف أكبر فرقتين من الفرق الإسلامية «السنة والشيعة»؟!
٢- وبأي منطق «فيسبوكي» نترك «الملحدين» ي ثيرون الشبهات حول «الصاحب في الغار»، وتحريف معنى «الغار» ومعنى «الصاحب» حتى لا يكون ما حملته «منظومة التواصل المعرفي» بيانًا للنص القرآني:
* «إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ»
* «إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا»
* «ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ»
* «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»؟!
٣- لأنهم لو قبلوا حجية «منظومة التواصل المعرفي» في بيان ما أجمله «النص القرآني» من أخبار وأحكام.
فإن عليهم أن يقبلوا أن هذه «المنظومة» هي التي نقلت للمسلمين جميعًا كيفية أداء «الصلاة»، من قيام وركوع وسجود، وعدد ركعاتها، وعدد الصلوات ومواقيتها، متصلة الحلقات بـ «المسجد الحرام»، وبـ «مسجد المدينة» الذي كان يصلي فيه رسول الله.
فكان من الطبيعي أن يكفروا بـ « علوم اللغة العربية، وبـ «منظومة التواصل المعرفي»، وبـ «علم السياق»…، والعيب ليس فيهم، وإنما في من صنعوا منهم «بجلهم» نجومًا للفكر المعاصر والمستنير.
رابعًا:
إن المعارف والثقافات والعادات التي يتشربها قلب الإنسان من البيئة التي يعيش فيها، هي التي تشكل شخصيته خلال مشوار حياته.
فإن كانت تنطلق من قلب آمن بالله، وصدّق رسوله محمدًا بناء على «الآية العقلية القرآنية» التي حملها للناس، فإن «تبعية» هذا القلب تكون لـ «سبيل المؤمنين» الذين دخلوا «دين الإسلام» من باب «الآية العقلية القرآنية» هي «التبعية الحقة».
أما «تبعية» أتباع الفرق الإسلامية لمذاهبهم العقدية التي ولدوا فيها، وعاشوا حياتهم يقدسون تراثها، أو يهدمونه، فإنها «التبعية الباطلة».
إن «التبعية الباطلة» هي تنطلق من قلوب لا ترى «دين الإسلام» إلا في هدم التراث الديني لـ «الفرقة الإسلامية» التي تربت في أحضانها.
ولن تظهر نتيجة هذه «الفتنة» إلا يوم الحساب حيث:
* «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ»
* «وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا»
* «كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ»
* «وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ»
اخلعوا لباس الفِرْقة الذي تلبسونه، لأنه الذي سيقودكم إلى جهنم، وبئس المصير.
محمد السعيد مشتهري



