

(1071) 27/3/2018 «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»
يناير 30
5 min read
0
0
0
وماذا لو كان كثيرٌ من المسلمين عبيدًا لـ «شهوة التدخين»!!
لقد أنزل الله كتابه الخاتم ليكون حجة على الناس جميعًا، إلى يوم الدين، وأمر أتباع رسوله محمد «وليس أئمة السلف» بتحمل مسؤوليتهم تجاه تفعيل نصوص «آيته العقلية القرآنية».
وعندما يأمر الله المؤمنين المسلمين بتحمل مسؤولية تفعيل نصوص «آية عقلية» فإن هذا معناه أنه يأمرهم أن يكونوا جميعًا «علماء» يحملون الأدوات العلمية التي تمكنهم من فهم نصوص «آيته العقلية» واستنباط أحكامها.
ولن يكون واقع المسلمين المذهبي، وتدينهم الوراثي، وتخلفهم الحضاري، وعبادتهم لشهواتهم، وإلحادهم في أحكام شريعتهم..، في يوم من الأيام ناسخًا لـ «دين الإسلام».
إن الله تعالى يترك «ما هو كائن» لاختيارات الناس، ولن يجعله حاكمًا على «ما يجب أن يكون»، ليبقى «الإسلام المذهبي» في جانب، و«دين الإسلام» في جانب، فلا يلتقيان أبدا.
أولًا:
قد يعيش إنسان مُعِمِّر مئة سنة بصحة جيدة، وهو يُدخّن السجائر، ويشرب الخمر، ويزني..، أي يفعل الفواحش التي حرّمها الله…
فهل هناك مؤمن مسلم عاقل، يمكن أن يعتبر عدم إصابة هذا الرجل بأضرار صحية، دليلا على أنه لم يرتكب فواحش، من وجهة نظر القرآن، لأنها لم تصبه بضرر؟!
لقد حرّم الله على المؤمنين المسلمين أشياءً ليبتعدوا عنها تمامًا، سواء علموا أضرارها أم لم يعلموا، سواء عاقبهم عليها في الدنيا وخسف بهم، أم لم يعاقبهم.ولكن هناك من المسلمين من يريدون أن يجعلوا من أنفسهم آلهة تشارك الله في حكمه!!
لقد ارتكب المسلمون أكبر كبيرة من كبائر الإثم يوم تفرقوا في «دين الإسلام»، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا..، وتركهم الله يحاربونه، ويحاربون رسالته، ويُلحدون في أحكام شريعته، ولم يخسف بهم الأرض.
فقط، جعلهم يعيشون معيشة ضنكا، فأصبحوا في ذيل الحضارة، بعد أن كانوا خير أمة أخرجت للناس!!
وإلى يومنا هذا، يخرج على المسلمين «جُهّال»، لا يملكون لفهم القرآن غير «هواهم»، يقولون ما لا يعلمون، وإذا قرؤوا القرآن لا يفهمون، وإذا فهموا لا يتدبرون.
ثانيًا:
ذكرت في المنشور السابق أن «المحرمات» في السياق القرآني لا تأتي جميعها بصيغة «التحريم»، وذكرت أقسامها، استنادًا إلى الآيات القرآنية.
ويستحيل، «عند العقلاء»، أن ينزل القرآن ببيان جميع المحرمات التي ستظهر بين الناس إلى يوم الدين، ولذلك كان من الطبيعي أن ينص القرآن على تحريم أشياء كانت معلومة للعرب في عصر التنزيل.
ولكن الله وضع قاعدة عامة على أساسها يعلم المسلمون أحكام الحلال والحرام، الطيب والخبيث، إلى يوم الدين.
فنزل القرآن يقول لأهل الكتاب المكذبين لرسالة رسوله محمد، أن التبشير بمجيء هذا الرسول موجود في كتبكم، فقال تعالى يأمرهم باتباع الرسول النبي:
* «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ»
إذن، فالسياق يحدثنا عن قضية كانت مثارة في عصر التنزيل، ونزل القرآن ببيانها، وأن من أهل الكتاب من كانوا يعلمون أن هذا الرسول سيبعثه الله للناس جميعًا،وأنه عندما يُبعث ســ:
* «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ»
فهل معنى هذا أن الله أرسل رسوله ليأمر أهل الكتاب فقط؟!
أم أن ما نفهمه من السياق، من قبل ومن بعد، أن الرسول جاء برسالة تحمل كذا وكذا…، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأيضا:
* «وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ»؟!
# «الطّيب»: ما لا ضُر فيه ولا قذارة.
# «الخبيث»: ما أضر، وكان وَخيم العاقبة، لا يقبله العقلاء.
ولذلك، ومن باب «الخبائث»، حرّم الله على المسلمين «لحم الخنزير»، وشعوب العالم تأكله، فهل نجعله حلالًا؟!
وهذا هو «الأصل العام» و«التشريع الحاكم» لأحكام الحلال والحرام في كتاب الله، المُلْزِم للذين دخلوا في «دين الإسلام» في عصر التنزيل، واتبعوا النور الذي يحمله الكتاب، لذلك قال الله بعدها:
* «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
إن «الفاء» في «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ» تسمى «فاء الفصيحة»، أي وبناء على ما علمتم يا أهل الكتاب من شهادة التوراة والإنجيل، وأن شريعة هذا النبي الخاتم تتصف بهذه الصفات، إذن:
فآمنوا به، وأيّدوه، وقّووْه، وانْصُروه، واتبعوا رسالته، تكونوا من المفلحين.
ثالثًا:
إن كلمة «شَهْوة» اسم، مصدر «شَها»، وهي ما «يُشْتَهَى» من «الملذَّات» المادية، والرغبة في دوام الاستمتاع به، كشهوة الأكل، شهوة الجنس… فهي «حالة نفسية» مصحوبة بـ «لذة».
ولكن، عندما تخرج هذه «الشهوة» عن الحدود التي نص الله عليها، ومنها عدم الاقتراب من «الشهوات المُحرّمة»، ثم يتمادى المرء في ارتكاب هذه المحرمات وتقول له نفسه «هل من مزيد» فتصل به إلى «الشذوذ الجنسي».
هنا يجب أن نتوقف عند قصة قوم لوط، عليه السلام:
لقد أهلك الله قرية بأكملها من أجل هذه «الحالة النفسية» التي تحولت إلى «شهوة شيطانية»، لا يصل إليها الشياطين أنفسهم:
«إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»
طبعا، لم يصبح هؤلاء القوم فوجدوا أنفسهم فجأة يرتكبون هذه الفاحشة، وإنما هي مسيرة حياة، اتسعت خلالها دائرة ارتكاب الشهوات المحرمة، حتى وصلت بأصحابها إلى الهلاك.
والذي يهمنا معرفته في هذه القصة، هو مفهوم وتعريف «الشهوة» حسب ورودها في السياق القرآني.
فيقول الله تعالى في الآية السابقة:
* «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ»
ثم بيّن المقصود بـ «أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ» بقوله تعالى بعدها:
* «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ»
إذن فالقضية ليست في الأصل هي «إتيان الرجال»، وإنما هي «الشهوة»:«إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً»
أي إن الذي دفعكم إلى فعل شيء لم يسبقكم إليه أحد هو «الشهوة»، التي كانت سببًا في هلاكهم جميعًا:
* «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِي َهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ – مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»
# وهل عندما يُخرج «المدخن» السيجارة لـ «يُدخّنها»، ألا يحدث هذا بدافع «شهوة» الاستمتاع بـ «لذتها» التي اعتاد عليها سنوات حتى أصبح عبدًا لها، لا يستطيع أن يفارقها؟!
لذلك يحرص المدخنون «المسلمون» على إيجاد مخرج لهم ينقذهم من عذاب جهنم إن هم ماتوا «مدخّنين»!!
والحقيقة التي قد تكون صادمة لهم جميعًا، أنهم لن يجدوا «مطلقا» أي عالم «يحترم العلم» الذي يحمله، فتوى تنقذهم من هذا المصير الذي ذهبوا إليه بإرادتهم، واختيارهم أن يكونوا «عبيدًا» لهذه «السيجارة».
يقول الله تعالى:
«أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَك َّرُونَ»؟!
نعم «أَفَلا تَذَكَّرُونَ»؟!
يتذكرون ماذا؟!
رابعًا:
أن «التدخين» كبيرة من «كبائر الإثم»، لأنه تحول من «شهوة» طارئة إلى «عاهة مستديمة»، كيف؟!
يقول الله تعالى، ردا على الذين يفترون عليه الكذب، ويقولون ما لا يعلمون، وأنهم سيدخلون النار أياما معدودة فقط:
«بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً – وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ – فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ – هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
إن كلمة «سَيِّئَةً» تعني سيئة واحدة، ثم ماذا حدث بعد هذه السيئة الواحدة؟!
حدث كما حدث لقوم لوط، لقد كانت «الشهوة» هي الدافع وراء ارتكاب هذه «السيئة»، بدليل أن صاحبها أتبعها بسيئة، ثم بأخرى، ثم اتسعت دائرة «السيّئات» حتى أحاطت به، فلم تعد سيئة، وإنما خطيئة «وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ»!!
والنتيجة:
«فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ – هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
إن السيجارة الأولى «سيئة»، والثانية «سيئة»، والثالثة «سيئة»، وهكذا هي حياة المدخن اليومية، قد «أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ»، فهو يعيش داخل دائرة «الخطيئة»:
«فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ – هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
إنكم لن تجدوا طوق نجاة «قرآنيًا» ينقذكم من نار جهنم، لا عند أئمة السلف، ولا عند أصحاب القراءات القرآنية، ولا عند أصحاب القراءات المعاصرة، ولا المستنيرة!!
بشرط أن يكون السؤال:
هل «تدخين السجائر» من «الطيبات» أم من «الخبائث»؟!
* «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ – إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ – لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ»
وإياك أن تقول:
سأتوب بعد تدخين كل سيجارة، لأنك في هذه الحالة ستكون أول من يقص شريط افتتاح جهنم!!
وإياك أن تكون من أصدقاء الصفحة، لأنك تقريبا ستولي الأدبار، واحتمال لا تعد!!
محمد السعيد مشتهري