

(1161) 4/8/2018 «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»
يناير 30
4 min read
0
0
0
لو عرف المسلمون الله حق المعرفة لحافظوا على سلامة قلوبهم، وما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وما تركوا أولادهم لشياطين الإنس والجن يُفسدون قلوبهم وهم لا يشعرون!!
لو عرف المسلمون الله حق المعرفة، لأخذوا حذرهم من مرض «الطغيان» الذي يصيب «القلب» إذا تعدى حدود الله، وعاش حياته يعبد هواه، ويرفض الحق الذي أنزله الله!!
لقد طغى فرعون حتى أصبح «طاغوتًا» يقول للناس أنا ربكم الأعلى، فيقولون له سمعنا وأطعنا، ولكم أن تتخيّلوا أنه من أجل هذا «الطغيان» أرسل الله إلى فرعون رسولا:
* «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»
أولًا:
إن المتدبر للسياق القرآني يعلم أن الله خلق النار لطواغيت ملل الكفر كلها:«النفاق – الكفر – الشرك – الهوى»
وأن «طغيان القلب» من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان فيجعله يفقد آليات التفكر والتعقل والتدبر … آليات عمل القلب، لذلك وصف الله ملل الكفر هذه فقال تعالى:
* «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ»
* «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا»
* «أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ»
فلماذا وصف الله ملل الكفر، الذين هم أهل جهنم، بأنهم أضل من الأنعام؟!لأن «الطاغوت» الذي يسكن قلوبهم يمنعهم من الفهم الواعي لـ «كلام الله»، وذلك على مر الرسالات.
ثانيًا:
إن «داعش» ليست وحدها «الطاغوت» الذي يُحرّف ويُلحد في «كلام الله» ويُفسد في الأرض، فكل من تحدث عن «كلام الله» بغير منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من «كلام الله».
فهو من «الطواغيت» التي تفسد في الأرض.
ولذلك، وفي سياق بيان حرية الاعتقاد، وأن على المرء أن يختار إما «الإيمان» أو «الكفر»، أي إما «الرشد» أو «الغي»، قال تعالى:
* «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»
لقد جعل الله الكفر بـ «الطاغوت» مقابل الإيمان بـ «الله»:
* «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ»
لبيان أن من اختار «الإيمان بالله»:
* «فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا»
و«الْعُرْوَة» فتحة يتعلق منها الشيء، وكلما كانت متينة لا تنقطع بثقل وحمل الشيء، حافظت على المحمول، ووُصفت بـ «الْوُثْقَى» لبيان مدى إحكامها «لا انفِصَامَ لَهَا» وأنها لا تنقطع.
وهذا هو «دين الإسلام»، بشرط أن يدخله الإنسان من باب «آيته العقلية القرآنية»، حيث ثبات ورسوخ القواعد والأصول الإيمانية، فلا يستطيع «الطغيان» أن يخترق قلبه.
ثالثًا:
ومن طغيان القلب وتغييب آليات عمله، أن «الملحدين في آيات الله» لم يكتفوا بالإلحاد في أحكام القرآن، وذهبوا يُلحدون في ذات الله تعالى!!
يقول أحدهم عن دقة المنهج والمصطلحات المستخدمة في كتابه:
«إن دقة المصطلحات في الكتاب ترقى إلى أدق المستويات العلمية سابقًا وحاليًا ومستقبلاً»
وبصرف النظر عن هذا الغرور الشيطاني، المتمثل في قوله:
«سابقًا وحاليًا ومستقبلاً»
فإن الكاتب يعتبر أن علم الله بالموجودات «علم رياضي»!!
فتعالوا نأخذ بعض العبارات التي ذكرها في هذا الكتاب تحت عنوان «علم الله»:
١- يقول: «دلنا على ذلك العقل المصوغ من روح الله»
فأين دقة المصطلحات في قوله إن العقل مصوغ من روح الله؟!
كيف يخلط بين «المجاز»، كقول يعقوب لبنيه:
«وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ»
والحقيقة في قوله «العقل المصوغ»؟!
فكيف يُصاغ «عقل» من «روح الله»؟!
٢- يقول: «وبما أن الروح هي سر اكتساب المعرفة فقد أعطاها الله للإنسان ليكون خليفة له»
إن كلمة «الروح» مذكر، والكاتب استخدمها كما يستخدمها «أئمة السلف» باعتبارها الشيء الذي يغادر جسم الإنسان عند الوفاة!!
والحقيقة أن التي تغادر جسم الإنسان عند الوفاة هي «النفس»، حاملة معها «الصندوق الأسود» للإنسان، وليس «الروح».
إن «النفس» هي سر اكتساب المعرفة وليس «الروح».
إن «الروح» من أمر الله، يستحيل أن يعلم إنس ولا جان ماهيته ولا ماذا يفعل في جسم الإنسان بعد نفخه فيه:
* «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»
وماذا يفعل «الروح» بعد نفخه في فرج مريم:
* «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا»
رابعًا:
والأخطر من ذلك قوله:
«إن الله أعطى الروح للإنسان ليكون خليفة له»!!
والذي يقول، كما يقول بعض أئمة السلف، إن لله خليفة في الأرض «كافر بالله تعالى»، فتعالوا نحدد معنى كلمتين هما المحور الأساس لفهم هذه المسألة:
– «الخَلْق»: وهو الإيجاد من عدم.
– «الجَعْل»: وهو إيجاد من موجود أصلًا.
يقول الله تعالى:
* «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي – خَلَقَ – السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ – وَجَعَلَ – الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ»
فـ «السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» خلقت أولًا، وعلى أساس ما حملته من سنن كونية جعل الله «الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ».
١- يقول الله تعالى في سورة البقرة «الآية ٢٩»:
* «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
لقد بدأ السياق بخطاب الله للناس جميعًا يحد ثهم عن بداية خلق السماوات والأرض، ثم أتبعه بالحديث عن بداية خلق الإنسان الذي خُلقت السماوات والأرض من أجله:
* «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ»
إن قوله تعالى للملائكة:
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»
ليس المقصود بـ «خليفة» آدم، ذلك أن الخليفة إنما يكون عند موت أو غياب «المستخلف» ومن هنا جاء اسمه، والله تعالى حي قيوم لا يموت ولا يغيب.
٢- إن آدم من «عالم الخلق»، أي الإيجاد من عدم، والخلافة من «عالم الجعل»، حيث يخلف الناس بعضهم بعضا، والخليفة هو من يَخْلُف غيره، والله منزه عن أن يخلفه أحد.
إذن فالمقصود بالخليفة «آلية الاستخلاف» التي تتحقق في «بني آدم» وليس في «آدم».
ولما كانت «آلية الاستخلاف» يترتب عليها عداوات وخصومات وتقاتل وسفك للدماء بغير حق، وأن الملائكة فهموا ذلك من فعل «الجعل»، جاء سؤالهم يحمل نفس الفعل:
* «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ..»
إذن فـ «الخليفة» ليس ممثلًا عن الله، ولا وكيلًا عن الله، ولا متحدثًا رسميًا يُبلّغ الناس ما يريده الله تعالى:
«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»
محمد السعيد مشتهري