

(1171) 17/8/2018 أين «تقوى الله»، و«الوعي الإيماني»، عند المؤمنين؟!
يناير 30
٥ min read
0
0
0
قبل ظهور القراءات القرآنية «الشاذة»، المعاصرة والتنويرية والقرآن وكفى، كان التدين السلفي الحنبلي، رغم تشدّده، له مكانته في حياة المسلمين وأولويته في تعاملاتهم المالية والتجارية.
ومن قاعدة التدين السلفي الحنبلي، وهو مذهب عقدي من عشرات المذاهب العقدية «السُنّية» التي أشركت بالله ما لم ينزل به سلطانًا، انطلقت الجماعات الجهادية والمنظمات الإرهابية!!
أولًا:
وسط هذا المناخ المشحون بالتشدد الديني السلفي المذهبي، ظهرت القراءات القرآنية الشاذة لتضع عن المسلمين هذا التشدد، وتبيّن أن أئمة سلف «فرقة أهل السنة» بشر غير معصومين، وانقسموا:
١- فريق ذهب إلى وجوب تنقية التراث الديني «السني» وقبول ما وافق منه القرآن، وهؤلاء ظلوا داخل دائرة:
* «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
٢- وفريق ذهب يقرأ القرآن ويبتدع أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان بدعوى «المعاصرة»، حتى لو كان هذا على حساب هدم بنية السياق القرآني، وهؤلاء الذين قال الله فيهم:
* «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا»
* «أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
* «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
٣- وفريق ذهب إلى أن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه، لا يحتاج كي نفهم آياته ونستنبط أحكامها، إلى أي مصدر معرفي من خارجه، لا إلى لغة عربية ولا إلى علم سياق، وهؤلاء الذين قال الله لرسوله فيهم:
* «خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ»
ثانيًا:
١- أما عن القراءات القرآنية السلفية الشاذة، التي قامت على مصدر تشريعي صنعه رواة الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، فقد نقضت أصولها وقواعدها في الثمانينيات، في دراسة علمية «مقارنة».
ثم دعوت علماء من مختلف الفرق الإسلامية لمناقشة هذه الدراسة في مؤتمر تحت عنوان «السنة والتشريع بين أزمة التخاصم والتكفير»، ولم يمنع إقامة هذا المؤتمر إلا علماء أهل السنة، على الرغم من أن هذه الدراسة «مقارنة» تخص جميع الفرق، وسبق الإشارة إلى هذا الموضوع في أكثر من منشور!!
٢- أما الذين ذهبوا إلى وجوب تنقية التراث الديني «السني» وقبول ما وافق القرآن، فهناك عشرات المنشورات على هذه الصفحة تبيّن أن هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن تدبر القرآن، ولا عن الأزمة العقدية التي حذر الله المسلمين من الوقوع فيها، بقوله تعالى:
* «… وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
٣- والذين ذهبوا يقرؤون القرآن وفق مبادئ «الماركسية المادية» واستخفوا عقول المسلمين بقولهم إنها «قراءة معاصرة»، وسعد بها المساكين الذين لا يعلمون، فتشهد الصفحة منذ عام «٢٠١٣م»، بعشرات المنشورات، أن أقل ما يقال فيهم إنهم «ملحدون» مُوجّهون لهدم القران.
٤- وهناك من سقطوا على المسلمين من السماء، لا يعلمون شيئًا عن علوم اللغة العربية، ولا عن علم السياق، ولا الفرق بين «الاسم» و«المُسمّى»، ولا أن القرآن يحمل فقط الكلمات، أما «مُسمّياتها» فخارج القرآن، فكيف يبين القرآن نفسه بنفسه؟!
وهؤلاء أجهل من الجهل نفسه، وبرهان ذلك عشرات المنشورات بعنوان «منهجية القرآن وكفى والتقول على الله بغير علم»، ومنشورات «فقه الناطق والمنطوق»
ثالثًا:
وخلال مسيرة «المنهجية العلمية» في نقض «المنهجية العشوائية» التي قامت عليها القراءات القرآنية الشاذة، السابق الإشارة إليها، لم تشهد الصفحة تعليقًا علميًا واحدًا من أنصار وأتباع أصحاب هذه القراءات يثبت عدم صحة ما جاء في أي منشور من مئات المنشورات.
وهذه «المأساة الفكرية العقدية» أخطر على المسلمين من «المنظمات الإرهابية السلفية»، لأنها مأساة تكشف عن خلو قلوب المتابعين لأصحاب هذه القراءات من «التقوى»، وعن تغييب «وعيهم الإيماني»!!
فمثلا: هل يُعقل أن يكون الإيمان برسول الله محمد واتباع رسالته، ليس شرطًا لدخول الجنة؟!
ومع أني كتبت أكثر من منشور عن هذا الموضوع، ومقالا صفحة كاملة في جريدة «المقال» بعنوان «عندما تحرف القراءات العصرية مفهوم النبوة».
يُصر بعض أصدقاء الصفحة على أن «اليهود والنصارى» في الجنة وإن لم يؤمنوا برسول الله محمد، فتعالوا نتذكر بعض الآيات القاصمة لظهورهم الفكرية.
١- يقول الله تعالى:
* «وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا – قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً – وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
إذن فـ «الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى» مشركون، فكيف يستقيم هذا مع قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى… وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»؟!
إن «الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى» هم التابعون لـ «ملة إبراهيم»، الذين آمنوا برسول الله محمد، واتبعوا رسالته، لقوله تعالى بعدها:
٢- «فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا – وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ – فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ – وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»
فما معنى أن يؤمن «أهل الكتاب» بمثل ما آمن به المؤمنون برسول الله محمد، وإلا فهم في شقاق؟!
ثم على أي أساس يدخلون الجنة والله تعالى يقول:
٣- «أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى – قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ – وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَ هُ مِنْ اللَّهِ – وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»
فهل قوله تعالى «كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى» جاء على سبيل المدح أم الذم؟!
٤- «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»
والسؤال:
لماذا ذكر الله «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» في هذا السياق، وما علاقتهم بقبلة المسلمين؟!
إن العلاقة واضحة في سياق الآيات السابقة لهذه الآية، بل وبتدبر قول الله تعالى بعدها:
٥- «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ – وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ – وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ – وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ»
فإذا كان «الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ»، وهم العلماء من «أهل الكتاب» سيدخلون الجنة، فما فائدة هذه الآية والآيات التي سبقتها، وهي صريحة في أنهم من «الظَّالِمِينَ»؟!
٦- «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ – وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
إن «الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ» يعلمون من كتبهم خبر بعثة رسول الله محمد، فجاء التشبيه بالأبناء على وجه «المجاز» لإفادة علمهم اليقيني ببعثة رسول الله محمد، ولذلك عقبه الله بقوله:
«الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ»
فهل يُعقل، في إطار ما سبق بيانه، وهناك عشرات الأمثلة غيره، أن يكون الله تعالى قد وعد ملل الكفر التي كانت موجودة في عصر التنزيل، ونزل القرآن يخاطبها..، وعدهم بالجنة مع كفرهم برسول الله محمد وبرسالته؟!
رابعًا:
ومن أغرب ما يمكن أن يتصوره عاقل، أن يرى المتابعين لصفحة «المهندس الدكتور محمد شحرور»، مئات المعجبين بمنشوره الذي أفتى فيه بجوار دخول «مكة» لغير المؤمنين برسول الله محمد، وأداء مناسك وشعائر «الحج»، وقوله:
«كذلك أريد التأكيد على أن الحج دعوة لكل الناس، وليس وقفاً على أتباع الملة المحمدية، لقوله تعالى:
«وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»، وليس «لله على الذين آمنوا»
وقد قمت بالرد على هذه الشبهة في منشور الأمس.
ولكن ما يشغل بالي حقيقة، وأعتبره من أكبر المصائب التي حلت بالمسلمين، أن نجد ما يتجاوز الألف مُعجب على منشورات لا تحمل إلا «إلحادًا في آيات الله وأحكامها»!!
فأتعجب … ما طبيعة هذه القلوب … وماذا تحمل من علم … وعلى أي أساس تُعجب … وما علاقتها بـ «دين الإسلام» … إذا كانت هذه المنشورات لا تحمل إلا كفرًا صريحًا بالله وبرسوله وبالقرآن؟!
ولذلك، وكعادتهم، لم ولن نجد لأحد من هؤلاء المعجبين بهذا الإلحاد، «علمًا» يقدمه دفاعًا عن شيخهم مندوب «الماركسية المادية» المخترق قلوب من هم على شاكلته.
إن من لم يغضب قلبه عندما يرى «الجهل» نجمًا في السماء، هذا لم يدخل الإيمان قلبه.
محمد السعيد مشتهري