

(1199) 17/11/2018 «وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»
يناير 30
4 min read
0
2
0
يستحيل أن تكون القامات الفضائية «الهوائية» على الفهم الواعي لعلوم اللغة العربية، ولعلم السياق القرآني، وإلا ما سقطوا هذا السقوط المُخزي في كثير من قراءاتهم الإلحادية لأحكام القرآن، وخاصة ما تعلق منها بـ «أصول الإيمان».
لقد حملت، إلى الآن «المنشورات الثلاثة عشر» القواصم التي قصمت ظهر الملحدين في أحكام القرآن، والتي أثبتت للتابعين لهم الذين فَرّوا من أمامها، أن عليهم جميعًا الدخول في «دين الإسلام» الذي لم يدخلوه أصلًا!!
نعود إلى مسرح الأحداث لنعيش مع رسول الله محمد، ومع البث المباشر لـ «الآيات ١٧٦- ١٨٨» من سورة آل عمران، استكمالًا لما أشرت إليه في المنشور قبل الأخير.
أولًا:
لقد بدأ سياق الآيات بقوله تعالى «الآية ١٧٦ / آل عمران»:
«وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ»
وهم «المنافقون»، و«الذين هادوا»، وبينت أن «الذين هادوا» الذين كانوا معاصرين لرسول الله محمد لم يرد ذكرهم في القرآن كله إلا في سياق «الذم».
أما «الَّذِينَ هَادُوا»، «وَالنَّصَارَى»، الوارد ذكرهم في الآيات «البقرة/ ٦٢ – المائدة/ ٦٩ – الحج/ ١٧» فهؤلاء الذين كانوا معاصرين للرسل وآمنوا بهم واتبعوهم.
والذين كانوا يؤمنون بكل رسول يرسله الله إليهم، «مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»، هم «الأمة القائمة» التي لم تعلن إسلامها بسبب الابتلاءات التي كان يتعرض لها من كان يتبع رسول الله مع بداية عصر التنزيل، والتي نفهمها من جملة «فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ» في قوله تعالى «الآية ١٠٩/ البقرة»:
* «وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ – لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً – حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم – مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ – فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ – إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
وتدبروا جيدا هذه الجملة: «مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ»
لأن الذين «تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» ولم يتبعوه، هم الذين اشتروا الكفر بالإيمان، الذين قال الله فيهم بعد ذلك «الآية ١٧٧/ آل عمران»:
* «إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ – لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً – وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»
لقد كان «أهل الكتاب» يؤمنون بخبر بعثة رسول الله محمد، لأن الخبر كان موجودًا في عصر التنزيل في «التوراة والإنجيل».
فلما تأكد الخبر، وبعث الله رسوله محمدًا، سلّم «أهل الكتاب» الشيطان «إيمانهم»، وأخذوا «الكفر» بدلا عنه.
ثانيًا:
مِنَ المسلمين مَنْ يسأل:
لماذا ترك الله الكافرين يتمتعون بنعمه التي لا تحصى، ويتحكمون في مقدرات الشعوب المسلمة، زراعيًا وصناعيًا وتجاريًا، ولم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؟!
١- لأن الله أقام الوجود البشري على «سُنن» من عمل بها أعطته ما يريد، بصرف النظر عن ملته الدينية، ومن لم يعمل بها لم تعطه شيئًا، وإن كان من أولياء الله الصالحين.
٢- كيف الله تعالى يقول:
«وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»؟!
نعم، هذا صحيح، ولكن أين هم «المؤمنون» الذين دخل الإيمان قلوبهم فأسلموا وجوههم لله تعالى، وليس الذين ورثوا الإيمان والإسلام وهم في بطون أمهاتهم؟!
إن الله تعالى «يُمهل ولا يُهمل»، فيترك الكافرين والمشركين والمنافقين يتمتعون بدنياهم التي أقاموها على «سُنن الكفر» وآليات «الإصرار» على معصية الله.
فقال تعالى «الآية ١٧٨/ آل عمران»:
* «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ – أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ – إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً – وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
إن معنى «يُمْلِي لَهُمْ» أي يتركهم الله يعيشون وفق «سُنن الكفر» التي اختاروها بإرادتهم، فينتج عن ذلك ازدياد إثمهم «لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا»، وتكون العاقبة «وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ».
ثالثًا:
ولما كان «المنافقون» في كل ملة هم الأخطر، وهم من «ملة الكفر»، كان من الضروري التمييز بينهم وبين المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا دينهم لله تعالى، فقال تعالى «الآية ١٧٩/ آل عمران»:
* «مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ – حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ – وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ – وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ – فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ – وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ»
إن «ملة الكفر» لا تحمل إلا «الخبائث»، و«ملة الإيمان» لا تحمل إلا «الطيبات».
والذين آمنوا بالله يؤمنون بجميع الرسل «فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ»، ولابد لاكتمال الإيمان ونيل الأجر العظيم، من تحقق شرط «تقوى الله».
إذن فلا يكفي لنيل الأجر العظيم في الآخرة الاكتفاء بـ «الإيمان» برسول الله محمد دون اتباع كتابه، لأن هذا «الاتباع» من مقتضيات «تقوى الله».
رابعًا:
ثم يستمر سياق الآيات لبيان أحوال ملل الكفر موقفها من «نبوة» رسول الله محمد واتباع كتابه، فيقول الله تعالى «الآية ١٨٤/ آل عمران»
* «فَإِن كَذَّبُوكَ – فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ – جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ»
والسؤال:
من هم الذين كذّبوا رسول الله محمدًا في عصر التنزيل، وفي أي شيء كذّبوه؟!
تأتي «الآية ١٨٦/ آل عمران» لتجيب على الجزء الأول من السؤال:
* «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ – وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ – وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ – أَذًى كَثِيراً»
* «وَإِن تَصْبِرُواْ – وَتَتَّقُواْ – فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ»
ثم تأتي «الآية ١٨٧/ آل عمران» لتجيب على الجزء الثاني من السؤال:
* «وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ – لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ – فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ – وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً – فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»
إذن فقضية «أَهْلِ الْكِتَابِ»، وقضية علمائهم «الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ»، أولًا وأخيرًا، هي قضية ما حملته «التوراة والإنجيل» من «خبر» بعثة رسول الله محمد ووجوب ابتاعه.
إن هذه القضية هي المحور الأساس لأزمة «اليهود والنصارى» في القرآن العظيم: خبر وجوب اتباع رسول الله محمد الذي نبذوه:
«وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً»
خامسًا:
فإذا ذهبنا إلى سورة الصف، وهي المصدر الوحيد الذي جاء باسم رسول الله الذي بشّرت ببعثة «التوراة والإنجيل»، نجد أن عيسى، عليه السلام، يخاطب «بني إسرائيل»، يخاطب «الذين هادوا»، يخاطب «اليهود»، ويقول لهم «الآية ٦/ الصف»:
* «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ – يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ – إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم – مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ – وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ – فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ – قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ»
فلماذا سمى عيسى الرسول الذي سيأتي من بعده باسم «أحمد»، وهذا الاسم لم يكن بين العرب من يعرف رسول الله به، لا قبل بعثه ولا بعد بعثته؟!
وهنا يجب أن تتدخل «اللغة العربية» لتقول كلمتها.
فهناك ما يُسمى بـ «أَفْعَلِ التّفْضِيلِ»، و«أَحْمَدُ» اسم على زِنَةِ «أَفْعَلِ التّفْضِيلِ»، وهو مُشتَق من «الْحَمْدِ».
فعندما نقول: سمير «حَامِد» ربه، أما يوسف فـ «أَحْمَد» منه، نكون بذلك قد فضلنا يوسف على سمير.
فأراد عيسى، عليه السلام، أن يقول للناس:
إن هذا الرسول الذي سيأتي من بعدي «أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ» لربه مني.
ثم تأتي «الآية ٩/ الصف» لنختم بها هذه المجموعة من المنشورات:
* «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ – بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ – لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ – وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»
والحقيقة أن هناك عشرات الآيات لم تشملها هذه المنشورات، تثبت بالدلالة القطعية، أن القامات الفضائية «الهوائية» من أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة والمستنيرة، والتابعين لهم بغير علم:
تثبت أنهم في الحقيقة: «مساكين» و«غلابة».
* وأعود إلى تفرغي لإعداد «موسوعة الفقه القرآني المعاصر»، وإن كان الأمر لا يخلو من اختراق هذا التفرغ من حين إلى آخر.
محمد السعيد مشتهري



