top of page

(1207) 9/12/2018 وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا

يناير 29

5 min read

0

0

0

منذ قرون مضت، والمسلمون يعيشون داخل «منظومة فقهية» تقوم على مصدرين للتشريع:

الأول: «كتاب الله» الذي أنزله الله على رسوله محمد.

الثاني: «كُتب الناس» التي دَوّنَها أئمة الفرق الإسلامية كلٌ حسب المذهب العقدي والفقهي الذي ينتمي إليه، بعد وفاة الرسول بقرنين من الزمن على أقل تقدير.

ولقد كانت النتيجة المنطقية لاتباع المسلمين لمصدرين للتشريع:

الأول: مصدر إلهي

والثاني: مصدر بشري

١- أن يرث الأبناء عن الآباء «تراثًا دينيًا» اختلط فيه الحق بالباطل، والآية بالرواية، والقطعي بالظني، والصحيح بالضعيف.

٢- أن يأتي عصر التدوين فيقوم جهابذة أئمة السلف بغربلة هذا التراث الديني وتدوينه في أمهات الكتب التي بين أيدي المسلمين اليوم، كلٌ حسب معايير فرقته العقدية والفقهية.

وكانت النتيجة:

أن أصبح المقبول عند فرقة غير مقبول عند أخرى، والصحيح عند مذهب عقدي أو فقهي «من مذاهب الفرقة الواحدة» غير صحيح عند مذهب آخر «من نفس الفرقة»!!

٣- أن يعيش المسلمون حياتهم:

يَعْمَلُون ويَتَزوّجون ويُربّون أولادهم وينظرون إلى مستقبل أحفادهم..، وهم خارج «حدود الله» التي أمرهم الله ألّا يتعدّوها، فقال تعالى في سياق بيان أحكام الطلاق:

* «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا – وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ – فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»

أولًا:

لقد جاء النص على الالتزام بحدود الله وعدم تعدّيها، بل وعدم الاقتراب من الحد الفاصل بين الحلال والحرام خشية الوقوع في الحرام، جاء في سياق بيان «أحكام الشريعة»، ومنها:

١- أحكام الصيام:

* «… وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» البقرة / ١٨٧

ولم يأت النهي عن الاقتراب من الحدود إلا في هذه الآية المتعلقة بـ «أحكام الصيام»، وذلك لأن هذه الأحكام تتعلق بـ «شهوات النفس» التي قد تدفع الصائم إلى الاقتراب من الحرام فإذا به يقع فيه، وهو لا يدري أنه كان متبعًا لخطوات الشيطان:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ – وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ – فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ…»

٢- أحكام الطلاق:

يقول الله تعالى «البقرة / ٢٢٩»:

أ – «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ – فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ – وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»

ثم تدبر عدد المرات التي ورد فيها بعد ذلك ذكر «حدود الله»:

* «إِلاَّ أَن يَخَافَا – أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ – فَإِنْ خِفْتُمْ – أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ – فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ – تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا – وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ – فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»

ثم تدبر قوله تعالى بعدها «البقرة / ٢٣٠»:

* «فَإِن طَلَّقَهَا – فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ – فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا – إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ – وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ – يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»

نعم: «يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، ولكن يعلمون ماذا؟!

هل يعلمون «اللغة الإنجليزية» ليقرأ بها الإنجليزي ترجمة القرآن فيفهم معنى الحدود التي نزلت بـ «اللسان العربي» وما حمله من أساليب بيانية بلاغية يستحيل ترجمتها لأي لغة في العالم؟!

لقد وصف الله «الْقَوْم» بأنهم «يَعْلَمُونَ» في سياق بيان «حدود الله»، وهذا الوصف خير برهان على أن «أحكام القرآن» لا يتحدث عنها إلا «الذين يعلمون» لغتها العربية وأساليبها البيانية.

ب – ويقول الله تعالى «الطلاق / ١»:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً»

نعم: «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ».

وإن من تعدي «حدود الله» أن يكون المسلم جاهلًا بـ «لغتها العربية» ويُفتي في أحكامها بـ «غير علم»، أو يكون تابعًا لـ «جاهل» بعد أن صعد نجمه في سماء «الجهل».

٣- أحكام الميراث:

* «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ – وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ – يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا – وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» النساء / ١٣

«وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ – وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ – يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا – وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ» النساء / ١٤

نعم: «يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا – وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ».

فلماذا لا يخاف «الملحدون» من هذا العذاب الأليم، وهم يُفتون في أحكام القرآن بغير علم، ويقولون:

«وفقنا الله وهدانا وإياكم إلى عذاب السعير»؟!

٤- أحكام الظِّهار:

* «فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ» المجادلة / ٤

«وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، ولكن للكافرين بماذا؟!

للكافرين بـ «حدود الله» كلها، التي بَيّنها الله في القرآن، وليس فقط الأحكام السابقة، بدليل قوله تعالى في أول آية في القرآن تحدثت عن حدود الله «الآية ١٨٧/ البقرة»، والمتعلقة بأحكام الصيام:

«كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»

فكلمة «كَذَلِكَ» تشير إلى أن بيان «حدود الله» ليس قاصرًا على «أحكام الصيام» وإنما يشمل «أحكام القرآن» كلها، وقد خص الله الناس بالبيان باعتبار أنه لا يخلو كتاب إلهي من بيان «حدود الله» للناس، لعلهم يتقون الله ويعملون بأحكامها.

ثانيًا:

فإذا تدبرنا السياق الذي وردت فيه «الآيتان٢٣١-٢٣٢»، المشار إليهما في البوست المرفق، والذي يبدأ بـ «الآية ٢٢١» وينتهي عند «الآية ٢٤٢»، نعلم حقيقة ما ذكرته سابقًا:

أن المسلمين يعيشون حياتهم، يَعْمَلُون ويَتَزوّجون ويُرَبّون أولادهم وينظرون إلى مستقبل أحفادهم…، وهم خارج «حدود الله» أحكام القرآن، الأمر الذي يفرض عليهم إعادة النظر فيما هم عليه اليوم من تدين وراثي مذهبي.

والسؤال:

١- فلماذا خاطب الله «الذين آمنوا»، في سياق بيان أحكام الطلاق «البقرة / ٢٣١»، وقال لهم:

* «وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا»؟!

إنه التحذير الخطير الذي يجب أن ينتبه إليه كل مسلم:

إن «أحكام القرآن» نزلت لتضع «حدودًا» لتصرفات «الذين آمنوا» وتضبط نظام حياتهم ومعايشهم، وإن عدم الالتزام بهذه الحدود يعني «الاستهزاء بآيات الله»، وهؤلاء هم:

* المسلمون الذين يلتزمون ببعض بالأحكام التي توافق هواهم، ولا يلتزمون بالتي تخالف هواهم.

* والمسلمون الذين يُحرّفون الكلم عن مواضعه ليوافق مذاهبهم العقدية.

* والمسلمون الذين يُلحدون في أحكام القرآن لتوافق توجهات منظمات الإلحاد العالمية.

هؤلاء جميعًا هم الذين يقول لهم الله تعالى:

«وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا»

٢- ولماذا خاطبهم في نفس السياق «البقرة / ٢٣٢» وقال لهم:

* «مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»؟!

فهل معنى هذا أن الإنسان الذي «آمن بالله واليوم الآخر» و«عمل صالحًا» سيدخل الجنة، حتى وإن لم يؤمن برسول الله محمد، ولم يتبع كتابه؟!

طبعًا لو كان الأمر كذلك، إذن فليفرح «الملحدون» ويسعدون، لأنهم الذين يقولون بهذا استنادًا إلى قوله تعالى «البقرة / ٦٢»:

* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ»

* «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»

* «وَعَمِلَ صَالِحًا»

* «فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»

٣- عندما نتدبر كلمة «مِنكُمْ» التي وردت في قوله تعالى:

* «مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»

نعلم أن الله تعالى يخاطب بهذه الأحكام:

«الذين آمنوا بالله»، و«برسوله محمد»، ويقيمون «أحكام القرآن» في حياتهم ومنها «أحكام الطلاق».

فكيف يُدخل الله تعالى الجنة من «آمن بالله واليوم الآخر» و«عمل صالحًا»، دون الإيمان برسوله محمد وباتباع كتابه؟!

وأين نذهب بأصول الإيمان الخمسة، التي ذكرها الله مجتمعة في قوله تعالى «النساء / ١٣٦»:

* «… وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا»

ولذلك فعندما يذكر الله الأصل الأول «الإيمان بالله» ويتبعه بالأصل الخامس «الإيمان باليوم الآخر»، فإن هذا يتضمن الأصول الثلاثة الأخرى «وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» بما يُعرف بـ «المفهوم الضمني» … أَفَلاَ تَعْقِلُونَ؟!

ولذلك أقول:

إن الذي يقيم تَدَيّنه على «الإيمان بالله واليوم الآخر»، وعلى «العمل الصالح» فقط دون الإيمان برسول الله محمد واتباع كتابه وإقامة أحكامه في واقع حياته، أنه في «جهنم» خالدًا فيها.

ثالثًا:

لقد بيّن السياق القرآني أن «حدود الله» هي «أحكام القرآن» التي يحرم تعدّيها، ولقد وصفها الله بـ «الآيات» وختم بيان أحكام الطلاق بقوله تعالى «البقرة / ٢٤٢»:

* «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»

إن قوله تعالى: «يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ» أي لـ «المؤمنين».

وعليه نفهم من سياق الآيات السابق ذكرها أن شروط التعامل مع «أحكام القرآن» هي:

١- أن يكون الإنسان مؤمنًا بالله تعالى.

٢- أن يكون مؤمنًا برسول الله محمد.

٣- أن يكون مؤمنًا بوجوب اتباع القرآن.

٤- أن يقوم بتفعيل آليات عمل القلب: آليات التفكر والتعقل والتدبروالتفقه..، عند تعامله مع القرآن.

٥- أن يكون «عالمًا» بلغة القرآن وأساليبه البيانية، كما سبق بيان ذلك عند الحديث عن قوله تعالى:

* «وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»

ولكن لماذا كل هذه الشروط؟!

لأننا لا نتعامل مع كتاب إلهي فقط، كالذي نزل على موسى وعيسى، عليهما السلام، وإنما مع «كتاب إلهي» + «آية إلهية» حملها هذا الكتاب.

وإذا كانت «الآية الإلهية» لا تفتح أبواب خصائصها الفنية والإبداعية إلا لـ «علماء» من التخصصات المختلفة، فإن «الكتاب الإلهي» لا يفتح أبواب فهم نصوصه إلا لـ «علماء» يعلمون أساليبها البيانية والبلاغية.

محمد السعيد مشتهري


يناير 29

5 min read

0

0

0

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page