

(1208) 21/12/2018 عباد «محمد شحرور» وعبيده
يناير 29
4 min read
0
13
0
كثير من المتابعين لمنشورات الصفحة، يظنون أن عدم استكمال الرد على «محمد شحرور» في موضوع من الموضوعات، معناه أني لا أملك العلم الذي أرد به عليه في باقي موضوعاته الإلحادية.
وعلى الرغم من أني ذكرت لهم، عبر الخاص، عدم صحة هذا الظن، وأني قد بيّنت في أكثر من منشور أن مشروعي الفكري يهتم بـ «الأصول» و«التأصيل»، وليس بـ «الفروع».
وأني قد قمت بهدم كل الأصول التي قامت عليها قراءات «شحرور» الإلحادية للقرآن، ولذلك لم أهتم بالرد على كل ما أقامه بعد ذلك على هذه الأصول من موضوعات، باعتبار أني أخاطب قومًا يعلمون أن فساد جذر الشجرة معناه فساد فروعها.
ومع ذلك، أرسل لي أحدهم هذا الرابط الذي يحمل الفيديو المرفق، وموضوعه بيان الفرق بين «العباد والعبيد»، قائلًا ما معناه:
طيب هذا الموضوع «العباد والعبيد» يعتبر من الأصول فتفضل رد عليه، خاصة وأن «شحرور» قد جاء فيه بـ «علم» وبـ «تدبر للقرآن» لم ولن يأت به أحد من العالمين!!
والحقيقة أن موضوع «العباد والعبيد» فصل من فصول كتاب «الإسلام والإيمان – منظومة القيم»، وقد قمت بهدم الأصول التي قام عليها هذا الكتاب في عشرات المنشورات، ومع ذلك لا مانع من كشف «الجهل» المستور في فصول الكتاب.
ونأخذ على سبيل المثال فصل «العباد والعبيد».
أولًا:
١- لقد ظهرت القراءات القرآنية المعاصرة لجعل «دين الإسلام» و«أحكام القرآن» متناغمين مع «ما هو كائن» بين الناس في عالمنا المعاصر، حتى لو استلزم الأمر استخدام السحر والشعوذة، والإلحاد في الآيات القرآنية بلا ضوابط من علم أو لغة أو منطق!!
٢- لقد ظهرت القراءات القرآنية المعاصرة لإرضاء من يتهمون «دين الإسلام» بالتخلف والإرهاب، وأن أحكامه لا تلبي متطلبات العصر، ولو كان هذا الإرضاء يستلزم أن يقدموا لهم قرآنًا جديدًا تتفاعل أحكامه مع «ما هو كائن» في حياة الناس!!
٣- لقد ظهرت القراءات القرآنية المعاصرة لتقدم للناس صورةً مشوَّهة للقرآن «لا يفهمها العرب أنفسهم»، ظهرت لتقدم قرآنًا بلا «آية» تثبت صدق «نبوة» الرسول الذي بلغه للناس، قرآنًا يفهمه الناس بلا تخصص لغوي، وإنما فقط «استفت قلبك»!!
٤- لقد ظهرت القراءات القرآنية المعاصرة لتقيم «إسلامًا» بلا مسلمين، و«إيمانًا» بلا مؤمنين، و«دينًا» بلا متديّنين، فكانت هي والأصوليّة السلفية والأصولية الإرهابية المتطرِّفة سواءً، فإذا كانت السلفية والإرهابية تطرّفت «مذهبيًا» فإن القراءات المعاصرة تطرّفت «إيمانيًا»!!
ثانيًا:
تعالوا نقف على المحاور الرئيسة لموضوع الفيديو:
* المحاور:
أليس جميع الأنبياء توجهوا إلى أقوامهم بقولهم: «اعبدوا الله»، أليست هذه هي العبادة والعبودية أيضًا؟!
# شحرور:
هناك ثنائيات ثلاث:
١- الطاعة والمعصية
٢- المغفرة والتوبة
٣- الثواب والعقاب
وهذه الثنائيات لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الإنسان مختارًا، أي أطاع مختارًا وعصى مختارًا، بحيث يستطيع أن يتوب، وهناك مغفرة، وثواب وعقاب.
ثم قال «شحرور»:
«عَبَدَ» من أفعال «الأضداد»، في اللسان العربي، تعني «الطاعة» وتعني «المعصية».
وأنا مطيع عابد، وأنا عاصي عابد.
فعندما قال تعالى:
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» الذاريات / ٥٦
أي يطيعونني بإرادتهم، ويعصونني بإرادتهم، ومن أجل هذا خلقتهم.
وقال: وهذا معنى كل أفعال «عَبَدَ» في القرآن.
* المحاور:
إذن «عَبَدَ» لا تعني بالضرورة الجانب الإيجابي، وإنما أيضا الجانب السلبي.
# شحرور:
تعالوا إلى الجانب السلبي:
«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» الزمر / ٥٣
فـ «عبادي» هنا هم الذين عصوا ربهم، وأسرفوا في ذنوبهم، ومع ذلك يخاطبهم بـ «يا عبادي»
والجانب الإيجابي:
«قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ» إبراهيم / ٣١
الاثنان من عباد الله، وقد جمعتهم الآية «ق / ١٠-١١»
«وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ»
«رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ»
ويوم القيامة «غافر / ٤٨-٤٩»:
«قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ»
أي حكم بين الناس المختارين في «طاعة» الله وفي «معصيته».
ثالثًا:
سأتوقف عند هذه النقطة لأهدم كل ما سيقيمه «شحرور» عليها بعد ذلك من إلحاد في آيات الذكر الحكيم.
إن «محمد شحرور» لا يعلم أصلًا معنى «الأضداد»، ولا يعلم شيئا عن «ميزان الصرف» في اللغة العربية، ولأنه يتبع منهج «الهرمنيوطيقا» السابق بيانه في أكثر من منشور، وهو باختصار:
منهج يقوم على البحث في مراجع «اللغة والمنطق وعلم النفس» وانتقاء الآراء التي توافق مذاهب الفلاسفة بناء على أفكار مسبقة في أذهانهم، لإثارة الجدل حول موضوعات تجعل منهم نجومًا في عالم الفلسفة.
ولأن «محمد شحرور» يتبع هذا المنهج في قراءاته الإلحادية للقرآن، انتقى معنى «العباد والعبيد» الذي يخدم هواه الإلحادي، ولكن هذه المرة لم يكن هذا الانتقاء من مراجع «اللغة العربية» المتخصصة في «الأضداد»، وإنما كان من مراجع «الجهل» الذي يحمله في قلبه.
إن هناك كتبًا متخصصة في دراسة «الأضداد» في اللغة العربية وفي القرآن، ومنها كتب: الأصمعي، والسجستاني، وابن السكيت، والأنباري.
والقاصمة التي هي من عشرات القواصم التي قصمت ظهر قراءات «شحرور» الإلحادية للقرآن هي:
في أي كتاب من كتب «الأضداد» وجد العلامة «محمد شحرور» أن الفعل «عَبَدَ» من كلمات الأضداد؟!
لقد أقام «شحرور» فصلًا كاملًا من كتابه «الإسلام والإيمان» باسم «العباد والعبيد»، على قاعدة أن الفعل «عَبَدَ» من كلمات الأضداد، وهو ليس كذلك.
فسقط الفرع، أي فصل «العباد والعبيد» بسقوط الأصل، أي كتاب «الإسلام والإيمان»، كما بينا ذلك في منشورات عام «٢٠١٤م».
رابعًا:
إذا تحدثنا عن «الأضداد» فيما يتعلق بمادة «عبد»، ومعنا الميزان الصرفي، نجد:
أن «المُعَبَّد»، يأتي بمعنى «المُذَلَّل»
ويقال بالضِّدِّ: «المعبَّد» الرجل المخدوم المكرَّم المعظَّم، باعتبار أن الناس مذلَّلون له مستعبَدون في خدمته.
و«العَبَد»، بفتح الباء، هو: الغَضَبُ، يقال عَبِدَ عليه عَبَدًا وعَبَدَةً، فهو عَبِدٌ وعابِدٌ: غَضِب، وأَن ِفَ.
# ولذلك عندما قال «شحرور» عند قوله تعالى:
«قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»
قال إن معناها: فأنا أول الكافرين بهذا الولد.
* سأله المحاور:
ولماذا لم يقل الله مباشرة «فأنا أول الكافرين»؟!
أي لماذا قال: «فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»؟!
هرب العلامة «محمد شحرور» من الإجابة بقوله: «حتى لا يكون هناك تناقض»!!
فأي تناقض هذا أيها «الجاهل»، وهي مسألة بدهية أصلًا!!
إن الفعل «عَبِدَ»، بكسر الباء، غير الفعل «عَبَدَ»، بفتحها، وما ورد في الآية:
«ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون»
بضم الباء، من: عَبَدَ يَعْبُدُ، من باب كَتَبَ يكتُب.
لا «يَعْبَدُون» من عَبِدَ يَعْبَدُ، كأنِفَ يأنَفَ، وهو من باب فَرِحَ يفرَح.ولذلك عندما يقول الله تعالى لرسوله:
«قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»
فلا تلحد في معنى «فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»، وتقول «فَأَنَا أَوَّلُ الكَافِرِين» لجهلك بعلم الصرف، لأن المعنى حسب الميزان الصرفي وعلم السياق:
«فأَنا أَوّلُ من يَعْبُدُ اللهَ على أنه واحدٌ لا وَلَدَ لهُ»
خامسًا:
أما ما قاله عن حديثه عن معنى «العبد» بالمفهوم «الإيجابي»، واستدلاله بقوله تعالى:
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»
وقول الله تعالى «طه ١٤»
«إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي»
وقوله تعالى «البينة ٥»:
«وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»
وقول «شحرور»:
إن «العبادة» شيء، و«الشعائر» شيء آخر، «فَاعْبُدْنِي» شيء، «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» شيء آخر.
ثم قوله:
نعبدك بـ «الصراط المستقيم»
ونستعين بك بـ «الصبر والصلاة»
أقول:
هذا هو منهج «القص واللصق»
وهو ما أسميه بـ «العك الديني»
القائم على «الهرمنيوطيقا»!!
محمد السعيد مشتهري



