

(1230) 2/1/2019 المصحف و«القرآن» وفتنة الشيطان
يناير 29
5 min read
0
1
0
عندما تُذكر كلمة «المصاحف» علينا أن نعلم أن مرجعية ما ذكروه مرجعية بشرية تراثية اسمها «علوم القرآن»، أي العلوم التي تبحث فيما يتعلق بـ «القرآن».
وانتبهوا جيدًا إلى جملة «ما يتعلق بالقرآن»، أي ليس لها أي علاقة بـ «البناء المحكم للقرآن» الذي وصفه الله بقوله تعالى:
* «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
فكيف يصف الله القرآن بصفة الاستقامة ثم تأتي «علوم القرآن» وتنفي عن القرآن هذه الصفة، بما ابتدعه أئمة السلف من علوم وصل عددها حتى نهاية القرن الثامن الهجري إلى «٤٧» كما ذكر ذلك الزركشي في «البرهان»، وإلى «٨٠» في القرن التاسع الهجري كما ذكر ذلك السيوطي في «الإتقان»؟!
أولًا:
إن على المسلمين عامة، وعلى أصحاب «بدعة الإعجاز العددي في القرآن» خاصة، أن يقولوا لنا:
هل دخلوا في «دين الله الإسلام» من باب «المصاحف» التي مرجعيتها «علوم القرآن» وهذه هي العلوم:
علم الرسم العثماني، والقراءات، ومشكل القرآن، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وأصول التفسير، وأحكام التلاوة ووقفات السجدة وعلامات الوقف ومصطلحات الضبط…، والتي كلها مسائل خلافية على مستوى جميع الفرق الإسلامية؟!
أم دخلوا في «دين الله الإسلام» من باب «القرآن» الذي مرجعيته «الله تعالى»، ويبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس، بمعزل عن كل ما ليس له علاقة بكلمات القرآن سواء كان مكتوبًا على الهوامش، أو فوق الكلمات كعلامات الوقف ومصطلحات الضبط؟!
ثانيًا:
إذا كان هدف أصحاب «بدعة الإعجاز العددي في القرآن» هو إثبات صحة نسبة هذا القرآن إلى الله، ونشر ذلك أمام وبين العالمين، إذن فما علاقتهم بـ «علوم القرآن» التي حملت لهم الخلاف حول «القراءات» وحول «الرسم العثماني»؟!
ثم كيف يستبعد أصحاب «بدعة الإعجاز العددي في القرآن» الخلاف حول الناسخ والمنسوخ من حساباتهم، ولا يستبعدون الخلاف حول «الرسم العثماني»، والاثنان من رحم «علوم القرآن»؟!
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ؟!
وهل يعلم المسلمون أن أمهات كتب «علوم القرآن» تحوي دراسات علمية عن كل شيء يتعلق بالقرآن بما في ذلك «الإعجاز البياني والعددي»؟!
هل يعلمون أن هناك مؤلفات عدد الآيات، وعدد السور، وعدد الكلمات، وعدد الحروف بوجه عام، وعن عدد مرات «تكرار» كل حرف في القرآن، وهل يتوازن معنى الكلمة المختلف حروفها مع قيمها العددية؟!
ثالثًا:
١- كلمة «أَلَّا» وردت في المصحف بهذا الرسم، باستثناء عشرة مواضع كتبت مفصولة «أَنْ – لَا»، والمعنى واحد في الحالتين.
فهل تتوازن القيم العددية مع المعنى؟!
٢- كلمة «نعمة» تكتب بالهاء وقيمتها العددية «٧»، باستثناء عشر موضع تكتب بالتاء المفتوحة، وقيمتها العددية «١١»، ومثلها عشرات.
فهل تتوازن القيم العددية مع المعنى؟!
٣- كلمة «إنما» حرف واحد رسما ومعنى «إ، ن، م، ا»:
«إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ»
باستثناء موضع واحد انفصلت فيه النون وأصبحت مشددة في قوله تعالى:
«إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ»
فهل تتوازن القيم العددية مع المعنى؟!
٤- كلمة «مما» جاءت كلها موصولة باستثناء ثلاثة مواضع جاءت «من ما» بزيادة نون.
فهل تتوازن القيم العددية مع المعنى؟!
٥- هل تعد البسملة من السورة أم لا؟!
خلاف كبير يقصم ظهر «الإعجاز العددي»، فهناك من يعتبرها من السورة، وهناك من يستبعدها، ويُبرّرون هذا الخلاف بأن القرآن نزل على سبعة أحرف.
٦- والذين قالوا إن المقصود بقوله تعالى:
«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»
هو سورة الفاتحة، إذن تكون آياتها سبع آيات، وتكون البسملة آية منها، وتكون الآية السابعة هي:
«صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ»
أما إذا قلنا إن البسملة ليست بآية من الفاتحة، وإنما توضع كفاصل بين السور، يصبح علينا أن نفصل الآية السابعة هكذا:
* «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ» آية.
* «غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ» آية.
ومئات المسائل التي يستحيل معها أن نقول أننا جئنا بـ «المعجزة الكبرى» وإنما نقول جئنا بـ «إشارات عددية محكمة».
رابعًا:
وبناء على ما سبق قام الخلاف في عدد الآيات:
١- فمنهم من أجمعوا على أن القرآن «٦٢٠٠ آية»، ومنهم من قال «٦٢١٠»، ومنهم من قال «٦٢١٤»، ومنهم من قال «٦٢١٧»، ومنهم من قال «٦٢٢٠».
٢- وقام الخلاف حول عدد كلمات القرآن:
فمنهم من قال «٧٧٩٣٤»، ومنهم من قال «٧٧٤٣٧»، ومنهم من قال «٧٩٢٧٧»، ومنهم من قال «٧٦٠٠٠».
واختلفوا حول حروفه، وظنوا أن إضافة حرف داخل البناء المحكم للقرآن في مصحف من المصاحف، وعدم إضافته في مصحف آخر من «علوم القرآن» وليس من «القرآن».
مثال ذلك قوله تعالى في مصحف:
أ- «تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ»
وفي مصحف آخر بزيادة «من»:
* «تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ»
ب- «وَأَوْصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ»
ثم بحذف الألف:
* «وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ»
فهل هذه الألف الزائدة هنا والناقصة هناك، وإن أثرت في «القيم العددية» فهل تؤثر على «المعنى» الذي هو الأصل؟!
ج – وهل «الواو» الموجودة في كلمة «وسارعوا» في قوله تعالى:«وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ»
عندما تحذف فتكون الآية:
«سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ»
هل هذا يؤثر على المعنى العام لدلالة الكلمة، كما أثر على قيمها العددية؟!
د- وهل حذف «دال» من كلمة «يَرْتَدِدْ» في قوله تعالى:
«مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ»
لتصبح الآية:
* «مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ»
هل هذا يؤثر على المعنى، وإن أثر على القيم العددية؟!
وغير ذلك من الأمثلة.
خامسًا:
على المسلمين جميعا أن يحدّدوا موقفهم الإيماني من «علوم القرآن» التي قامت عليها «بدعة الإعجاز العددي في القرآن».
على المسلمين جميعا أن يحدّدوا موقفهم الإيماني من قوله تعالى:
«الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
وأين هو هذا الكتاب المحكم؟!
هل هو «المصحف» بهوامشه وملحقاته وسجداته ووقفاته ورسم كلماته العثماني؟!
أم هو «القرآن» الذي:
١- حملت المصاحف كلماته بمعزل عن كل ما هو بشري.
٢- الذي تتفاعل كل كلمة فيه، «على مستوى جميع المصاحف» مع مقابلها الكوني الذي يستحيل فهم معناها بمعزل عنه، سواء أضيفت للآية كلمة أو حذفت منها.
٣- الذي تعهد الله بحفظ كلماته، ليست المدونة في «المصاحف» فقط، والتي يستحيل قراءتها وفهم معناها دون وجود صورة ذهنية لمُسمّاها الموجود خارج القرآن، والذي به «يتذكر» الإنسان هذا المعنى، لذلك لم يقال الله تعالى إنه حفظ القرآن وإنما قال إنه حفظ الذكر، أي حفظ «الكلمة» القرآنية و«مُسمّاها»، فقال تعالى:
* «إِنَّا نَحْنُ نَزَّل ْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
سادسا:
إن ما أبهر العالمين من نتائج «بدعة الإعجاز العددي في القرآن» ما هو إلا «فتنة إلهية» للذين في قلوبهم مرض، الذين يتصوّرون أن الله تعالى أنزل «طلاسم» لا معنى لها، ثم طلب من أهل اللسان العربي أن يأتوا بمثلها؟!
١- كيف يستند مؤمن أسلم وجهه لله في إثبات أن القرآن من عند الله على «المرويات» فيقول مثلما قالت الرواية بنزول عيسى آخر الزمان؟!
٢- كيف يستند مؤمن أسلم وجهه لله في إثبات أن القرآن من عند الله على «علوم القرآن» فيقول:
إن «المعجزة الكبرى» قامت على «الرسم العثماني» برواية «حفص عن عاصم»؟!
٣- كيف يستند مؤمن أسلم وجهه لله في إثبات أن القرآن من عند الله استنادًا إلى القيم العددية لكلمة «هيروغليفية» جاء رسمها هكذا «أَعْطَيْنَكَ» ولا يوجد لها معنى مطلقا في قواميس لغات الإنس والجن بدون أن نضع لها الألف الصغي رة التي بين النون والكاف، وتحسب ألف وتضاف إلى القيم العددية كباقي الحروف؟!
«فَمَا لِهَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً»؟!
ثم يخرج علينا من يحثنا عن الوهم والسراب، وأني أستحق الشفقة لأني جاهل بمعجزة الرفاعي الكبرى، والعصر الرقمي، وأن الوجود يتم التعامل معه بالعلم والأرقام ……. والحقيقة أن مثل هؤلاء يجب الدعاء لهم بالشفاء.
كلمة للأصدقاء:
معذرة على كثرة المنشورات التي سبقت ما تنتظرونه من الحديث عن آيات سورة المدثر، بسبب:
أن هذا الموضوع الذي أسميه «بدعة الإعجاز العددي في القرآن» ليس موضوعًا عاديًا، ولا شبهة متهافتة، وإنما موضوع تشربته قلوب المسلمين ظنا منهم أنه البرهان على أن القرآن من عند الله، خاصة عندما تأتي نتائجه مبهرة تقشعر منها الأبدان!!
وقد تكون مفاجأة عندما نعلم أن هذه النتائج المبهرة، التي لا يستطيع عاقل أن يكذبها أو ينكرها، قد جعلها الله تعالى «فتنة» للذين في قلوبهم مرض، تماما كما جعل سبحانه تعليم «السحر» لأهل السحر «فتنة»، فقال الملكان لهم:
«إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ»
ومع ذلك كفروا وأفسدوا في الأرض.
«وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ»
نعم: «لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ»
وسنعلم كيف تكون «الفتنة» ولمن تكون، في المنشور القادم.
محمد السعيد مشتهري



