

(1233) 5/2/2019 فتنة «الأرقام» وتدبر «القرآن»
يناير 29
6 min read
0
0
0
لم يكن يتوقع التابع والمتبوع أن يأتي اليوم الذي تُدفن فيه «المعجزات العددية» في مقابر «الجهل بالقرآن»، واتباع حروف لها «قيم عددية» لم يعرف علماء الرياضيات معناها إلا من خلال منظومة «الآيات الكونية» التي عاشوا بداخلها من قبل بعثة رسول الله محمد بقرون من الزمن.
فهل نزل القرآن يطلب من الناس البحث عن مجموع القيم العددية لحروف كلمات آية، ثم مقارنته بمجموع آية أخرى، أو البحث عن مضاعفات الأعداد، ثم بناء على النتائج يُقرّرون ما إذا كانوا سيدخلون في «دين الله الإسلام» أم لا؟!
أم نزل القرآن يطلب من الناس أن يتدبروا آياته «المقروءة» بأي لغة من لغات العالم، والنظر والتفكر في تناغمها مع مقابلها الكوني في الآفاق والأنفس، الذي لا يوجد عاقل في العالم لا يعرف معناه؟!
لو وضعت كلمة «الشمس» أمام أي إنسان يتكلم بأي لغة من لغات العالم، ومنها طبعا اللغة العربية، وقلت له ما «معنى» هذه الكلمة، ولم يكن قد سبق له أن شاهد «الشمس»، أي لم تنطبع صورتها في قلبه، يستحيل أن يقول لك ما معنى هذه الكلمة.
ويستحيل أن يفهم أي إنسان «آية واحدة» من القرآن دون أن يكون «مُسَمّى» كلماتها مطبوعًا في قلبه، الأمر الذي يعني أن البرهان على صدق القرآن «آيات» وليس «كلمات»، و«سور» وليس «جملًا» يقوم «إعجازها» على «حساب الجُمّل» أو على «الأبجدية العدنانية».
وهذا معنى قوله تعالى:
«كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا (آيَاتِهِ) وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ»
ولكن أين «أُوْلُوا الألْبَابِ»؟!
# أولًا:
لقد شهدت ساحة «الإعجاز العددي»، من قبل بعثة رسول الله محمد بقرون من الزمن، اختلافًا كبيرًا في مناهج «العد» وآلياته، وكلُّ صاحب «إعجاز» يؤكد صحة نتائجه ويتهم الآخرين بالخطأ.
وقضيتي ل يست مع وجود «إشارات» دالة على وجود «توازن ونظم عددي» بين الكلمات القرآنية، وإنما مع استخدام كلمة «معجزة» وإقامة عليها منظومة من الأحكام ما أنزل الله بها من سلطان.
فلماذا لا يقول أصحاب «المعجزات العددية» إن نتائجهم مجرد إشارات إلى وجود توازن عددي بين آيات القرآن وكلماته، خاصة وأنه لم تخلو نتائج كل واحد منهم من إشكاليات جعلت، على سبيل المثال، «عدنان الرفاعي» يقول:
إن «المعجزة الكبرى» قامت على قراءة «حفص عن عاصم»، وعلى الذين يتبعون القراءات الأخرى أن يبحثوا عن معجزة «مصاحفهم» العددية.
هل لا يعلم أصحاب «المعجزات العددية» أنه لم يأت أحد من لدن آدم عليه السلام وإلى يومنا هذا، بقاعدة رياضية «مضطردة» يقيم عليها نتائج «معجزته العددية»؟!
وهل يمكن أن تحكم نظرية الاحتمالات «الآيات الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» الرسل على مر العصور؟!
# ثانيًا:
المنهجية الهرمنيوطيقية:
بالإضافة إلى عشرات «القواصم» التي قصمت ظهر «بدعة المعجزات العددية في القرآن» وحملتها المنشورات السابقة، لم أكن أتصور أن يصل التلاعب بقلوب المفتونين بهذه البدعة إلى حد الاستغفال!!
١- لقد نُشرت عشرات الدراسات المتعلقة باسم «آدم» وعلاقته باسم «عيسى» وبيان وجوه «الإعجاز» حول عدد ورود كل منهما في القرآن، وحول كذا وكذا…، إلا أن أصحابها لم يقتربوا من المحور الأساس للموضوع وهو قوله تعالى:
* «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ»
فتعالوا نتعامل مع هذه الآية ببدعة «التوازن بين المعنى ومجموع القيم العددية» التي انفرد به «عدنان الرفاعي» في معجزته الكبرى، والمفترض بناء على هذا التوازن أن تتساوى مجموع القيم العددية للجملة:
«مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ»
مع مجموع القيم العددية للجملة:
«كَمَثَلِ آدَمَ» ومفهوم ضمنيًا «عِندَ اللّهِ»
هذا من حيث «المعنى»، فإذا حذفنا العامل المشترك بين الجملتين وهو «عِندَ اللّهِ»، أصبحنا أمام:
«مَثَلَ عِيسَى» المفترض أن يتساوى مجموع قيمه العددية مع «كَمَثَلِ آدَمَ»، فهل حدث هذا؟! لا لم يحدث، ولن يحدث:
* «مَثَلَ عِيسَى»:
مَ = «٤» + ثَ = «٢٥» + لَ = «٢» + عِ = «١٢»
ي = «٦» + سَ = «١٥» + ى = «٦»، المجموع: ٧٠
* «كَمَثَلِ آدَمَ»:
كَ = «١٠» + مَ = «٤» + ثَ = «١١» + لِ = «٢» + آ = «١» + دَ = «١٦» + مَ = «٤»، المجموع = ٤٨
وهناك عشرات الأمثلة المستخرجة من «جراب الحاوي»، والتي لم ينشرها «الساحر» لأنها ستكشف تهافت «السحر» الذي جاء به.
٢- ومن «المنهجية الهرمنيوطيقية» المتعلقة ببدعة نزول عيسى آخر الزمان، وإضافة إلى ما ذكرته في المنشور السابق، أن «عدنان الرفاعي» لم يقرأ يوما قوله تعالى «الآيات ٣٤-٣٥ / الأنبياء»:
* «وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ»
* «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»؟!
فهل لم يكن «عدنان الرفاعي» يعلم معنى كلمة «الْخُلْدَ» وهو أن يظل الإنسان حيًا لا يأتيه الموت كما يأتي سائر البشر، الأمر الذي يؤكد موت «عيسى» كسائر البشر على وجه القطع واليقين؟!
إلا إذا كان «عدنان الرفاعي» يؤمن أن «عيسى» ليس «بشرًا» ولم «يذق الموت» فيكون قد كفر بقوله تعالى بعدها:
* «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»
وعليه أن يقول للنصارى:
أنتم على الحق المبين، فقد تبين لي بـ «الأرقام» أن «عيسى» ليس بشرًا.
٣- ولعدم وجود قاعدة رياضية ثابتة تُقام عليها النتائج، نرى أن «الساحر» يستخدم مرة الجمع، ومرة الضرب، وثالثة القسمة، ومرة يستخدم أرقام السور، ومرة أرقام الآيات، وأخرى عدد الكلمات.
ومن هذه العشوائية «الهرمنيوطيقية» ما ينشر من أننا إذا حسبنا عدد الكلمات من أول سورة الكهف وحتى كلمة «تِسْعا» في الآية:
«وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا»
سنجد أنها = «٣٠٩»!!
وبناء على هذه المنهجية العشوائية من المفترض:
(أ) أن يكون عدد كلمات سورة الصافات من أولها وحتى لفظ «مِئَةِ أَلْفٍ» الوارد في «الآية ١٤٧»:
«وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»
أن يكون عددها = مِئَةِ أَلْفٍ كلمة!!
(ب) أن يكون عدد كلمات سورة البقرة وحتى لفظ «سَبْعَ سَمَاوَاتٍ» في قوله تعالي «الآية ٢٩»:
« … ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ … »
أن يكون عددها = سبع «٧» كلمات!!
وقس على ذلك جميع الآيات التي حملت سياقاتها «أرقامًا» و«أعدادًا».
ثالثًا:
واستمرارًا في مسلسل المعجزات العددية، وفتنة الأرقام العشوائية، وأن كل من أراد أن يركب هذه الموجة يبحث له عن مركب جديدة لم يركبها أحد من قبله.
ومن الذين اطلعت على مؤلفاتهم حول «المعجزات العددية في القرآن»، «الدكتور أحمد محمد زين المناوي» الذي اقتبس فكرته من «إقليدس» اليوناني، المولود «٣٠٠ ق.م»، أبو الهندسة، الذي كان من أوائل من استخدموا ما يُعرف في علم الرياضيات بـ «الأعد اد الأولية».
١- «الأعداد الأولية» هي الأعداد الأكبر من «١» ولا تقبل القسمة إلا على «١» وعلى نفسها.
فـ «العدد ٦» ليس عددًا أوليًا لأنه يقبل القسمة على «١»، «٢»، «٣»، «٦».
و«العدد ٧» عدد أولي يقبل القسمة على «١» و«٧» فقط، طبعا ليكون الناتج عددا صحيحًا.
ولماذا لم يعتبروا الرقم «١» من الأعداد الأولية؟!
قالوا: لأن أي عدد صحيح أكبر من «١» يمكن تفكيكه إلى حاصل ضرب أعداد أولية.
مثال ذلك: ٥ × ٣ = ١٥
ولن نحصل على هذه القيمة العددية «١٥» إلا نتيجة هذه العملية الحسابية، ومهما أضفنا لها «الرقم ١» فسنحصل على نفس النتيجة:
٥ × ٣ × ١ × ١ × ١ = ١٥
إذن فما أهمية الـ «١»، وعليه لابد من إخراجه من من ظومة «الأعداد الأولية».
وتم ترتيب «الأعداد الأولية» على النحو التالي:
«٢ – ٣ – ٥ – ١١ – ١٣ – ١٧ ـ (١٩) – ٢٣ …. إلى آخره»
٢- ولقد قامت على كل هذه الإعداد «معجزات عددية» ملئت شبكة الإنترنت، ولا يعلم أصحابها الأصول التي قامت عليها وآليات عملها، وإنما أخذوها كـ «أعداد» ممن سبقهم، واتبعوا نفس معادلاتهم الرياضية، والقيم العددية التي كانوا يستخدمونها.
فتعالوا نضرب مثالا نتعرف من خلاله على منهجية جديدة في إثبات وجود «إعجاز عددي في القرآن»، وكيف أنها وإن اختلفت في المنهج والآليات، إلا إنها لم تختلف في النتائج مع «المعجزات العددية» الأخرى.
قوله تعالى «الآية ٥٩ / الأنعام»:
* «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ»
يقول إن عدد كلمات الآية = ٣١ كلمة، وهذا «عدد أوّلي»، ولكن الأهم من ذلك أن السورة التي ترتيبها «٣١» في المصحف وهي سورة لقمان خُتمت بالآية الوحيدة في القرآن التي جاءت بتفصيل مفاتح الغيب، فانظر كيف ارتبطت «مفاتح الغيب» بـ «العدد الأولي٣١».
فتعالوا نقف على ما في «الآية ٣٤ / لقمان» من «إعجاز»:
«إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
* «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» = ٥ كلمات من «الأعداد الأولية».
* إذا أضفنا الكلمتين: «وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ» يكون المجموع = ٧، من «الأعداد الأولية».
* إذا أضفنا الأربعة: «وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ» المجموع = ١١، من «الأعداد الأولية».
* إذا أضفنا الست: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً» = ١٧، من «الأعداد الأولية».
* إذا أضفنا الست: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» = ٢٣، من «الأعداد الأولية».
أقول:
وليس معنى الإشارة إلى مثل هذه الدراسات أني مع منهجية أصحابها، أو مع ما توصلوا إليه من نتائج، وإنما أردت فقط بيان أن الاعتماد على «فتنة الأرقام» في إثبات صدق «نبوة» رسول الله محمد، وفي إثبات حجية «القرآن»، مصيبة إيمانية كبرى.
ومن هذه المصيبة الإيمانية الكبرى أن يقيم «الدكتور أحمد محمد زين المناوي» على نتائج «معجزته العددية» ما يؤكد نقله التراث الديني المذهبي من معلومات عن حياة الرسول، فيقول:
تأمّل.. آخر مفتاح من مفاتح الغيب الخمسة هو:
«وَمَا تَدْر ِيْ نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ»
قد انتهى بكلمة «تَمُوتُ»، التي تحمل الترتيب رقم «٢٣» ضمن كلمات الآية.
ولاحظ أن العدد «٢٣» يماثل تمامًا عدد أعوام الوحي، وهي الفترة التي قضاها النبيّ في تلقّي الوحي من ربه وتبليغه للناس.
ولكن الأعجب من ذلك أنك إذا قمت بجمع هذه الأعداد الأوّليّة الخمسة:«٥ + ٧ + ١١ + ١٧ + ٢٣ = ٦٣
وهو عمر النبي!!
أقول:
تعددت «المعجزات العددية» و«النتائج واحدة»
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري