

(1234) 6/2/2019 «وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ»
يناير 29
5 min read
0
0
0
نعم «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ» أهل العلم والتدبر.
إن «الآية القرآنية العقلية» التي حملها كتاب الله الخاتم:
* ليست في أساليبها البلاغية التي كان ينطق بها لسان العرب، ونزل القرآن يخاطبهم بها.
* وليست في بنية نظم آياتها المحكم، ودلالة الكلمة على المعنى التي تُسقط وحدها جميع نظريات «الإعجاز العددي» من قواعدها.
* وليست في ضرب الأمثال التي حملتها وأذهلت قلوب الناس، وفي مقدمتهم «أهل اللسان العربي»:
* «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا»
* «وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَض ْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»
* «وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
* «وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ»
ليست «الآية القرآنية العقلية» في كل هذا بمعزل عن تفاعل كل كلمة من كلماتها مع مقابلها الكوني الذي لولاه ما عرف أهل اللسان العربي أن يقرؤوا كلمة واحدة منها.
أولًا:
«المثل»:
تشبيه المعنوي «الغيبي»، بالمادي «الحسِّي» المشاهد، كتشبيه الكفر بالظلمة، والكلمة الطيبة بالشجرة، يُقال هذا مِثْله ومَثَله، شِبْهه وشَبَهُه، أو فِقهُه كفقهِه، ولونُه كلونِه، وطعمُه كطعمِه.
وإذا قيل: هو مِثْلُه في كذا، فهذا يعني مُساوٍ له في جهة دون جهة.و«المَثُلَةٌ»:
العبرة بعد إنزال العقوبة «الآية» الإلهية، وجمعها الْمَثُلاَتُ: «وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ»
ويَرِد المثل في القرآن على معاني متعددة:
١- الصفة:
* «مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»: أي صفتها.
* «سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا»: فجعل القوم أنفسهم مثلا.
٢- الحال:
«مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً»: حالهم كحال الذي استوقد نارًا.
٣- العبرة:
«فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ»: أي عبرة لغيرهم.
٤- الآية:
«إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ»
فقد جعل الله تعالى «عيسى عليه السلام» آية لبني إسرائيل.
# والسؤال:
فما علاقة «عيسى» بهداية الناس جميعًا آخر الزمان؟!
ثانيًا:
إن الوقوف على الحكمة من ضرب «الأمثال» يحتاج إلى تفعيل آليات التفكر والتذكر والتعقل، فبدونها لا يمكن تحصيل «العلم».
يقول الله تعالى:
* «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»
* «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
ثم في سياق الرد على شبهات المكذبين، وحث المؤمني ن على طلب العلم، وفي أدق مسألة تكتب فيها المجلدات، وهي «بيت العنكبوت»، جاءت الآية التي تحث الناس على «آلية التعقل».
يقول الله تعالى:
* «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»
* «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
* «وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ»
لقد نزل القرآن يُبيّن للناس أن القضية ليست في الحصول على مؤهلات علمية، وإنما في «تعقل» ما يحمله الإنسان من علم.
ولذلك قال تعالى في هذا السياق:
* «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
ثالثًا:
لقد كانت «الأمثال»، من قبل بعثة رسول الله محمد، جزءًا أساسًا من لغة العرب ومن أساليبهم البيانية، ونزل القرآن يخاطبهم بهذه «الأمثال» وجاء معظمها للرد على شبهات المكذبين العقدية التي كانت منتشرة بين الناس.
# وهذه مسألة في غاية الأهمية، أن نعلم ونحن نتعامل مع «أمثال القرآن»، خاصة ما كان يتعلق منها بـ «عالم الغيب»، أن هذه الأمثال جاءت للرد على إشكاليات عقدية كانت موجودة ومنتشرة بين الناس.
فعندما ضرب الله المثل بـ «الذباب»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنق ِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»
ومن قبله ضرب الله المثل بـ «العنكبوت»، ظن المكذبون أن الفرصة قد جاءتهم للطعن في هذا القرآن، وأنه من كلام «محمد»، لأن الله يستحيل أن يشغل نفسه بالذباب والعنكبوت.
فأنزل الله تعالى:
* «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»
* «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ»
* «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
* «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ»
إن جملة «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا» هي الدليل على أن هذه الآية قد سبقها جدل واتهامات ل له ولرسوله من أجل الطعن في هذا القرآن.
والذي يهمني بيانه في هذا السياق هو:
١- أن القاعدة الإيمانية أن الله لم يشأ إضلال الإنسان، وإنما شاء أن يجعل في الكون طريقًا للهداية وطريقًا للضلال.
فإذا اختار الإنسان بإرادته أن يسير في طريق الضلال «ضَلّ» بإرادته، ولكن بمشيئة الله لأن الله هو الذي جعل له طريقين فاختار طريق الضلال.
وإذا اختار الإنسان بإرادته أن يسير في طريق الهدى «اهتدى» بإرادته، ولكن بمشيئة الله الذي جعل له طريقين فاختار طريق الهدى.
٢- أن الاستفهام إما أن يكون حقيقيًا ويراد به «العلم» بالشيء، وهنا تأتي الإجابة في الغالب بـ «قل».
وإما يأتي من باب التهكم، فلا جواب له بـ «قل».
فعندما ضرب الله المثل بـ «البعوضة» ورد المكذبون بقولهم «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً» كان ذلك م ن باب التهكم، فبيّن الله بعدها أن المقصود بضرب المثل هداية من يريد الهداية، وضلال من يريد الضلال:
* «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ»
وعندما يكون القرآن هو الذي يحمل هذا المثل للناس، يصبح «القرآن» ذاته سببًا في هداية الناس وضلالهم، وهذا ما بينه الله تعالى بقوله «الآية ٢٣ / الزمر»
* «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»
* «ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ»
وكما قال تعالى «الآية ٧ / آل عمران»:
* «فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ – وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ – وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا – وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ»
رابعًا:
لقد قال الله تعالى في سياق ضرب المثل بـ «البعوضة»:
* «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ»
* «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
* «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ»
وقال تعالى في سياق ضرب المثل بـ «عدة» أصحاب النار:
* «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ»
* «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
* «كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
* «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ»
* «وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ»
والسؤال:
هل هناك علاقة بين المثلين «البعوضة وعدة أصحاب النار» والشبهات التي كانت مثارة حولهما وخاصة من أهل الكتاب، ثم نزل القرآن للرد عليها وتحذير المؤمنين من الخوض فيها؟!
ونتدبر جيدا لفظ «ذِكْرَى» وعلاقته بما سبق بيانه عن تفعيل آليات التفكر والتذكر والتعقل عند التعامل مع منظومة ضرب الأمثال في القرآن.
مع ملاحظة أني لا أتحدث هنا عن بيان آيات سورة المدثر، وإنما عن العلاقة بين المثلين فقط، وفي إطار قوله تعالى «التوبة / ١٢٤-١٢٥» الذي يجب أن نتدبره جيدًا:
* «وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا»
* «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ»
* «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ»
# وبهذه المناسبة العلمية القاصمة لظهور أصحاب وأتباع «بدعة الإعجاز العددي»، وخاصة أصحاب بدعة «التوازن بين المعنى والقيم العددية».أتشرف أن أهديهم هذه القاصمة الجديدة من قلب جهنم نفسها.
فمن أمثلة الصورة التمثيلية المنتزعة من الخيال، تمثيل طلع شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم بصورة رؤوس الشياطين:
والسؤال:
هل شاهد «أصحاب المعجزات العددية» رؤوس الشياطين، أم هذا ما كان يجري في خيالهم، ونزل القرآن يقصم ظهورهم به؟!
إنه تمثيل منتزع من الخيال، «كعدة أصحاب النار»، ولا واقع له مطلقا، فتدبر «الآيات ٦٢-٦٥ / الصافات»:
* «أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ»
* «إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ»
«إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ»
«طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ»
وإذا كانت «المعجزة الكبرى» قد قامت على عدة أصحاب النار الـ «تِسْعَةَ عَشَرَ»، إلا أنها لم تخرج من «جراب الحاوي» هذا «التوازن الشيطاني» مع «قيمه العددية»:
«شَجَرَةُ الزَّقُّومِ» = «فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ»؟!
# شَ = «٢١» + جَ = «١٩» + رَ = «٨» + ةُ = «٧» + ا = «١» + ل = «٢» + زّ = «٢٤» + قُّ = «١٤» + و = «٥» + مِ = «٤».
المجموع = ١٠٥ / «١٩» = «سحر عدناني مبين».
# ف = «١٣» + تْ = «١١» + نَ = «٣» + ةً = «٧» + لّ = «٢» + ِل = «٢» + ظ ّ= «٢٨» + ا = «١» + لِ = «٢» + مِ = «٤» + ي = «٦» + نَ = «٣».
المجموع = ٨٣ / «١٩» = «سحر عدناني مبين».
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري



