

(1236) 7/2/2019 «ضرب الأمثال بين عالم الغيب وعالم الشهادة»
يناير 29
5 min read
0
0
0
يرى بعض الأصدقاء أني أعيد وأزيد في بعض المسائل إلى درجة أن أصبحت منشوراتي «مُمِلّة لهم»، والحقيقة غير ذلك تماما للأسباب التالية:
* أن توجهي الديني «نحو إسلام الرسول» يقوم على «التأصيل العلمي» وهذه مسألة ليس من السهل استيعابها خاصة عندما تُعرض على «العوام» من الناس!!
إن كثيرًا من الأصدقاء لم يقفوا إلى يومنا هذا على «المنهجية العلمية» التي أقمت عليها توجهي الديني، ولا يريدون الوقوف عليها من خلال الموقع «نحو إسلام الرسول»!!
* أن المسائل التي انفرد بها توجهي الديني «نحو إسلام الرسول» وفي مقدمتها أن الباب الوحيد للدخول في «دين الله الإسلام» هو باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية»، مسائل أعطاها المسلمون ظهورهم، ويعتبرها بعض الأصدقاء ثانوية!!
* كثير من الأصدقاء لا يعلمون الحكمة من أن الله ختم «الآيات» الدالة على صدق «نبوة» الرسل بـ «آية قرآنية عقلية» انفرد بها رسول الله محمد.
* كثير من الأصدقاء لا يعلمون أهمية نزول «الآية القرآنية العقلية» باللغة التي كان ينطق بها لسان العرب، فقد ورثوا تدينهم من خلال قنوات الفرق الإسلامية المختلفة، وخرج كل واحد منهم يحمل سيفه السني أو الشيعي … في وجه منكر مذهبه العقدي.
* إن مسألة اختلاف المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم مسألة ذات حساسية مفرطة، وتسبب أزمة عقدية ونفسية لكثير منهم، الأمر الذي يفرض عليّ أن أعطيها على جرعات وليس على جرعة واحدة.
* إن الطريق إلى الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» يبدأ بالنظر في جميع المصاحف، ومطابقة كل كلمة بمسمّاها، «أي بمقابلها الكوني»، ومن يريد الدخول في «دين الله الإسلام» عليه أن يعلم:
أن الله طلب من الناس أن يأتوا بسورة تحمل «آيات» وليس جملة عربية تحمل «كلمات»، ومعلوم أن «الآيات» ليست في الأصل «كلمات» وإنما خلق الله «مُسمّيات» الأشياء من قبل نزول الكتب الإلهية، ثم ن زلت الكتب بأسماء «كلمات» هذه الأشياء.
* لذلك كان على المسلمين أن ينتبهوا جيدًا إلى أن الله تعالى طلب من المكذبين أن يأتوا بـ «مُسمّى» الأشياء التي يحمل القرآن «كلماتها»، أي أن «البرهان» على صدق «القرآن» ليس في «كلماته»، وإنما الإتيان بـ «الآيات القرآنية» المكونة لسورة واحدة من سورة القرآن مع «مقابلها الكوني».
ولذلك قال الله تعالى:
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – وَلَن تَفْعَلُواْ – فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ – أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
أولًا:
يجب أن نفرق بين ضرب الأمثال المتعلقة:
* بـ «عالم الشهادة» الذي يدركه الناس جميعًا بحواسهم.
* بـ «عالم الغيب» الذي يستحيل إدراك أشيائه لأن حواس الناس لم تشاهد «مُسَمّياتها» أصلًا.
ولذلك يضرب الله الأمثال لتقريب المقصود بيانه لأذهان الناس عن طريق ما تدركه حواسهم من عالم الشهادة الذي يعلمون «مُسمّيات» أشيائه، فعندما يقول الله تعالى «الآية ٣٥ / الرعد»:
«مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ»
١- فهل هذه «الأنهار» هي التي انطبعت صورتها «مُسمّاها» في قلوب الناس في الدنيا، أم جاءت على سبيل المثل وليس الحقيقة؟!
طبعا على سبيل المثل، ولا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
٢- هل عندما نجد جملة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» مكتوبة في موضع آخر هكذا «تَجْرِي تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» من غير كلمة «مِنْ»، فهل تغيّر معنى الآية نتيجة الحذف أو الإضافة؟!
لم يتغيّر شيء في المعنى، وجميع المصاحف التي بين أيدي المسلمين تحمل نفس الآية التي تخبر الناس بأن هناك أنهارًا تجري تحت الجنة.
ثانيًا:
١- ماهية «العدة» في عالم الشهادة:
* «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
* «وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
* «وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ»
* «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا»
* «يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ»
* «فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا»
* «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»
أقول:
نلاحظ من تدبر سياق الآيات أن الله تعالى يخاطب المؤمنين بكلمة «العدة»، في سياق بيان أحكام القرآن، الأمر الذي يعني أنهم كانوا يعرفونها.
٢- «العدة» في عالم الغيب:
* «وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا .. كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ .. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ»
* «قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ .. فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً»
أقول:
نلاحظ من تدبر سياق الآيتين أن «العدة» جاءت في سياق «الذم»، وهو أمر منطقي ل أن الذين أثاروا الشبهات حول «عدة أصحاب النار»، وحول «عدة أصحاب الكهف» هم «أهل الكتاب»، و«اليهود» خاصة.
فنزلت الآيات تحذر الناس من «فتنة» الخوض في مسائل الغيب.
٣- «العدة» غير «العدد»:
تعالوا نتدبر هذه الآيات:
* «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ»
* «قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ»
* «قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ»
إن الله تعالي عندما يريد أن يحدثنا عن عدد «أفراد» الشيء يأتي السياق بكلمة «عدد» وليس «عدة»، إلا إذا جاءت القرينة على أن المقصود «العدد»، كقوله تعالي:
«فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»
فـ «العِدَّة» هنا المقصود بها «عدد الأيام» التي لم يصمها الصائم، بقرينة «مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
ولذلك لم يقل الله تعالى في الآيات السابقة:
* «لِتَعْلَمُواْ (عِدَةَ) السِّنِينَ وَالْحِسَابَ»
٤- وتطلق «العِدَّة» على الشيء المعدود باعتبار ما يحمله من أفراد أو مجموعات، حسب القرينة التي يحملها السياق.
فنقول: «عِدَّةُ كُتُب»، وليس «عدد كتب»، ونقول «عدد صفحات» وليس «عدة صفحات» لأن «العدد» يأتي لعد «أفراد» الشيء «المعدود».
فعندما يقول الله تعالى:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا»
فإن داخل هذه «العِدَّةَ» مجموعات عددية من الشهور كل مجموعة بداخلها «عدد» أيام الشهر.
ولماذا قال الله تعالى:
* «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»
ولم يقل «وَأَحْصُوا الْعَدَد»؟!
لأن بداخل «العدة» ثلاث مجموعات «عددية» بثلاث حيضات.
ثالثًا:
وعندما يقول الله تعالى في وصف جهنم:
«عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ»
فإن السياق لا يحمل مطلقًا أي «قرينة» دالة على أن المقصود بـ «تِسْعَة عَشَر» هم أصحاب النار الذي ذكرهم السياق بعدها فقال تعالي:
* «وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً»
لأن هذه جملة جديدة مستأنفة، مضافة إلى السياق الذي سبقها في وصف «جهنم»، لبيان أن خزنة جهنم من الملائكة، كما قال تعالى في سياق آخر:
* «عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ»
ثم قال الله تعالى بعدها:
* «وَمَا جَعَلْنَا (عِدَّتَهُمْ) إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا»
ولم يقل الله تعالى:
«وَمَا جَعَلْنَا (عَدَدَهُم) إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا»
الأمر الذي يجعل «العدد» المتعلق بخزنة جهنم لا يعلمه إلا الله.
فمن أين جاء «الملحدون» في آيات الله، بأن داخل «عِدَّة» أصحاب النار يوجد «عدد» «١٩» «فرد» «ملك»، والله تعالى يقول في ختام الآية:* «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ»
للرد على هؤلاء الملحدين الذين توهّموا أن «عَدَد» أصحاب النار «١٩» ملك، استنادًا إ لى جملة «تِسْعَة عَشَرَ» التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
خاصة وأن القرآن قد أشار إلى أن «عدد» أبواب جهنم «سبعة» فقال تعالى:
«وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ – لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ – لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ»
وأشار إلى خزنة جهنم ولم يُبيّن لنا عددهم:
* «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا …»
والسؤال:
إذا كانت أبواب جهنم «سبعة»، و«عدة» أصحاب النار «١٩»، فكيف يتم توزيعهم على الأبواب ١٩ / ٧ = ٢ ونصف ملك تقريبا
وإذا قلتم «العلم عند الله» إذن فما علاقتكم أنتم بأصحاب النار وعدتهم، ومعلوم عند أهل العلم والتدبر، أن كل ما جاء في القرآن متعلقًا بعالم الغيب فهو من باب ضرب المثل، وعلى سبيل المجاز، وليس الحقيقة، بقرينة قوله تعالى بعدها:
* «وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ»
* «وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ»
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري



