

(1238) 9/2/2019 «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
يناير 29
4 min read
0
1
0
عندما نتدبر سياق آيات سورة المدثر نعلم أن «ملة الكفر» اجتمعت على التشكيك في صدق «نبوة» رسول الله محمد، وادعاء أن هذا القرآن من تأليفه، وأنهم كانوا ينتظرون نزول الآيات للطعن فيها والاستهزاء بها.
ومن الشبهات التي أثاروها ما نزل في سورة المدثر من وصف لجهنم، وأن «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ»، فظنوا أن المقصود هو «عدد» الملائكة، ولم ينتبهوا إلى بيان الله بعدها بأن المقصود «العدة» وأن ذكرها جاء «فتنة» لهم، فقال تعالى:
* «وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً»
* «وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ»
ثم جاء بعدها ببيان «علة» هذه «الفتنة»، فقال تعالى:
* «لِـ يَسْتَيْقِنَ ال َّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
فجاءت لام العلة «لـ» لبيان وجود شبهات وجدل عقيم قد سبق نزول هذه الآية، وكان حول «عِدَّة» أصحاب النار، ولماذا هم «تِسْعَة عَشَر»؟!
والحقيقة أن «العلة» جاءت لبيان اكتساب «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» اليقين بصدق «نبوة» رسول الله محمد، وبصدق القرآن الذي نزل يكشف عن حقيقة الشبهات التي كانت مثارة.
ثم جاءت الآثار المترتبة على «فتنة العدة» معطوفة على ما سبق، فقال تعالى:
١- «وَ.. يَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا»
أي جعلنا الكشف عن حقيقة «عدة» أصحاب النار سببًا في زيادة إيمان المؤمنين، وقطع الشك من قلوب «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، ومن المؤمنين أيضا، لذلك عطف عليها:
٢- «وَ.. لاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ»
أما «المنافقون» ومعهم باقي «ملل الكفر» الأخرى، فهؤلاء وقعوا في «الفتنة»:
٣- «وَ.. لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ»
لقد وقعوا في «الفتنة» التي محورها الأساس هو:
* «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
فها هم يُصرّون على الطعن في القرآن، والخوض في ماهية «العدة»، كما يفعل اليوم أصحاب «معجزة العدد ١٩»، وأعطوا ظهورهم لاحتمال تصديق«الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» بما نزل به القرآن.
والغريب أن «الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ» اعتبروا ورود «الفتنة» في هذا السياق من باب ضرب «المثل»، أي ليست على سبيل «الحقيقة»، أي هي من «المتشابهات»، ومع ذلك أثاروا حولها الشبهات وخاضوا فيما لا علم لهم به.
إن «الفتنة» في «العدة» أو في «العدد» قائمة على الكفر بالله تعالى، والله تعالى قادر على تعذيب أهل جهنم بـ «كلمة كن»، وما كان ذكر «العد ة» إلا لـ «فتنة» الكافرين والذين في قلوبهم مرض.
إذن ما الحكمة، يا أصحاب بدعة إعجاز «العدد ١٩»، وراء الخوض في مسألة غيبية يستحيل أن تدركها عقولكم، ثم تقيمون عليها «معجزات إلهية عددية كبرى»:
* «آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ»؟!
لقد وقعتم في فتنة «العدد ١٩» بسبب «إغواء الشيطان» لكم، هذا الإغواء الذي انطلق من «سقر» التي «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ»، فإذا بنتائجه «المبهرة» تفتن «الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ».
أما «المؤمنون» فيذهبون إلى «جراب الساحر» ويستخرجون منه أضعاف أضعاف النتائج التي أخرجها الساحر للناس، وكلها تُسقط مئات الأمثلة التي حملتها كتب «الإعجاز العددي».
إن من خاض في هذه الفتنة «فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا».
ومن اتقى هذه الفتنة «فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
لذلك قال الله تعالي ردا على سؤالهم عن «المثل»:
* «كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
لأن الله وحده «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»، وإسناد الإِضلال إلى الله باعتبار أنه سبحانه موجِد الأسباب المؤدية إليه، كما أنه سبحانه موجِد الأسباب المؤدية إلى الهداية، على حد سواء.
ومما يؤكد أن «العدة» غير «العدد»، قوله تعالى بعدها:
* «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ»
ذلك أن «الجنود» جمع «جند»، وليس «جندي»، و«الجند» اسم لـ «جماعة» الجيش، واستعير في هذا السياق لبيان أن الـ «تِسْعَة عَشَر» ليس «عدد» أفراد، وإنما عدد جماعات لكل جماعة عمل معين، ولا حصر لها.
وكل هذا من باب «المجاز» وليس الحقيقة.
والسؤال:
فلماذا ذكر الله هذه «الفتنة» للناس؟!
قال الله تعالى:
* «وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ»
فهل يُعقل أن تكون الذكرى هي «المعجزات العددية» التي قامت «على مر العصور» على فتنة «العدد ١٩» ظنًا من أصحابها أن هذا العدد هو «العدة»، و«اللاحقون» يسرقون من «السابقين» نتائج أعمالهم؟!
* تدبروا:
إن الضمير في «وَمَا هِيَ» يعود إلى «الفتنة» وليس إلى «العِدَّة»، والسبب في فتنة الناس بـ «عالم الغيب» أنهم أعطوا أنفسهم الحق في الحديث عما لا يعلمونه ولا يدركون حقيقته.
إن القلوب المؤمنة هي التي تتعظ بـ «الذكرى»، أما القلوب الضالة فتتخذ «الذكرى» للجدل العقيم والمماحكة و«الإعجاز العددي».
عندما يشير القرآن إلى شيء من «عالم الغيب» فذلك من باب «المتشابهات» التي لا يخوض فيها إلا الذين في قلوبهم زيغ، لقوله تعالى «الآية ٧ / آل عمران»:
«..فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ – وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ – وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا..»
والسؤال:
كيف يترك الله تعالى «الشيطان» يفتن الناس بنتائج عددية «مبهرة» تَخْرُج من نصوص «الآية القرآنية العقلية»؟!
والجواب:
لقد ذكرت في منشور سابق الإجابة على هذا السؤال، وذلك في سياق الحديث عن «فتنة الشيطان»، وعن قول الله تعالى:
*«..لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ..»؟!
ألم يقل الله بخصوص «فتنة عدة الملائكة»:
«وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»؟!
إن فتنة «عدة» الملائكة جاءت حالًا من أحوال الذين كفروا، أي ما جعلنا «عدتهم» للذين كفروا إلاّ «فتنةً لهم» ليقوموا بتأويل «العدة» التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
ولكن أصحاب «المعجزات العددية» اكتشفوا «السر» الذي لم يكن يعلمه الله تعالى، فقالوا إن «العدة» = «١٩ ملك»!!
فلا تدبر للقرآن، ولا لغة عربية، ولا علم سياق..، ويُقحمون أنفسهم في مسائل تتعلق بعالم الغيب، ويقيمون عليها «معجزات عددية» توقعهم في «سقر»، ويومها سيعلمون من هم الـ «التِسْعَة عَشَر» القائمون عليها.
وللموضع بقية
محمد السعيد مشتهري



