

(1257) 11/3/2019 الفرق بين «الآية القرآنية» و«الجملة القرآنية»
يناير 29
3 min read
0
9
0
لقد نزل القرآن باللغة التي كان ينطق بها لسان العرب، الأمر الذي يقتضي أن يكون قارئ القرآن على دراية كاملة بـ «علوم اللغة العربية»، لأنها المدخل الوحيد لمعرفته كيف يقرأ كلمات القرآن وكيف يفهم جملها.
أولًا:
إذن فأول الطريق إلى فهم القرآن والوقوف على أحكامه هو تعلم اللغة العربية على النحو التالي:
١- تعلم قواعد النحو والصرف.
٢- تعلم الأساليب العربية البلاغية «علم البيان».
ووفق هذا «العلم» يصبح المرء قادرًا على قراءة وفهم مراجع اللغة العربية وكتب الأدب الرفيع، وأيضا «الجمل القرآنية».
وهنا يمكن أن تكون لـ «ترجمة القرآن» دور في فهم كلمات وجمل القرآن، ولكن ليس في فهم نصوص «الآية القرآنية العقلية»، ذلك أن الفرق بينهما كالفرق بين الموت والحياة، وبين الزهور الصناعية والزهور الطبيعية.
وعلى هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، قمت بهدم الأصول والقواعد التي قامت عليها القراءات القرآنية الإلحادية المعاصرة والعددية.
ثانيًا:
إن تعامل المسلمين مع القرآن باعتباره كتابًا يحمل «جملًا عربيةً» منفصلة عن «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
كتعامل اليهود والنصارى مع كتبهم التي انفصلت بعد موت موسى وعيسى، عليهما السلام، عن «الآية» الدالة على صدق نبوتهما.
أضف إلى ذلك أن التدين الوراثي المذهبي الذي وُلد المسلمون به لم يعطهم فرصة إنارة قلوبهم بنور «اللغة العربية» الهادي لفهم نصوص «الآية القرآنية العقلية».
لذلك كان من الطبيعي أن يُصدّقوا الملحدين في أن للقرآن قراءات معاصرة تقوم على التفريق بين القرآن والكتاب، كما أن القرآن يُبيّن نفسه بنفسه وليس في حاجة إلى علوم اللغة العربية.
لقد قلت في منشور الأمس أن هناك كلماتٍ وجملًا في النص القرآني «مستترة»، ويجب أن يُقدّرها «يعرفها» قارئ القرآن من تلقاء نفسه، وإلا لم يفهم معنى النص كاملًا.
وأضيف إلى ما سبق ذكره قوله تعالى «٢٢ / الزمر»:
* «أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ»
ولكن سنتعامل مع هذه الآية بمنظور آخر يضيف إلى ما ذكرناه عن الكلمات أو الجمل «المستترة» في النص القرآني مزيد بيان وهو «التشبيه» فما هو؟!
التشبيه: أسلوب يدل على مشاركة:
١- طرف أول اسمه «المُشَبَّه» وهو الموضوع المقصود بيان قوته أو جماله أو قبحه.
٢- طرف ثاني اسمه «المُشَبَّه بِه» وهو الذي سيعطي لـ «المُشَبَّه» القوة أو الجمال أو القبح، ولذلك يجب أن تكون الصفة فيه أوضح وأقوى.
٣- وَجْه الشَبَه: وهو الصفة المشتركة بين المُشَبَّه والمُشَبَّه بِه.
٤- أداة التشبيه: التي تربط بين الطرفين.
* مثال:
محمد كـ الأسد في الشجاعة.
محمد: المُشَبَّه – الأسد: المُشَبَّه بِه – الشجاعة: وَجْه الشَبَه – أداة التشبيه: «كـ»
ثالثًا:
إن الذي يقرأ الجملة القرآنية:
«أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ»
ولا يشعر بأن هناك شيئًا ناقصًا في معناها، وذلك لورود الاستفهام الإنكاري «أَفَمَن» في أولها، والذي يقتضي أن تُستكمل بنفي المساواة بين شيئين على النحو التالي:
«أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ … (كَمَنْ) لم ينشرح صدره للإسلام وبقي على كفره»، سؤال؟!
إن الذي يقرأ هذه الجملة دون أن يكون في ذهنه معنى الجملة «المستترة» وهي «كَمَنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرَهُ …»، فقد قرأ «القرآن» ولم يتدبره، وتعامل مع «الكتاب» ولم يتدبر نصوص «الآية القرآنية العقلية».
١- إن «المُشَبَّه» في قوله تعالى:
* «أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ»
موجود وهو جملة:
«مَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ»
أما باقي أركان التشبيه فغير موجودة، وعلينا نحن تقديرها، وهي الجملة «المستترة»:
«كَمَنْ لم ينشرح صدره للإسلام وبقي على كفره»
وهنا نكون قد أظهرنا باقي أدوات التشبيه «المستترة»:
فأداة التشبيه «كـ» والمُشَبَّه بِه باقي الجملة، ووجه الشبه هو عدم التمييز بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل.
٢- وهذا مثال أكثر وضوحًا للرد على «الملحد» ونقول له:
نعم نستطيع أن «نُقدّر» كلامًا لم يرد في كتاب الله تعالى.
يقول الله تعالى «٢٤ / الزمر»:
* «أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ»
فماذا نقول بعد جملة:
«أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟!
فالتشبيه هنا أيضا لا يوجد فيه إلا ركن واحد وهو «المُشَبَّه»:
«مَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
أما «المشبه به» و«أداة التشبيه» و«وجه الشبه» فنحن الذين نقدرهم، كالمثال السابق، ونقول:
«كمن بيّض الله وجهه بدخول الجنة والنجاة من سوء العذاب»؟!
هل يستويان؟!
رابعًا:
لقد جعل الله تعالى الآية على صدق «نبوة» رسوله محمد «آية قرآنية عقلية» ليكون باب الدخول الوحيد إلى «دين الله الإسلام» منظومة أدوات معرفية مستنبطة من داخل القرآن وتدور حول محور واحد هو:
* «منظومة التواصل المعرفي»
والأدوات هي:
١- اللغة العربية التي كان ينطق بها لسان العرب من قبل بعثة رسول الله محمد.
٢- السياق القرآني.
٣- آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه… آليات عمل القلب.
٤- آيات الآفاق والأنفس التي هي «المقابل الكوني» للآيات القرآنية.
محمد السعيد مشتهري



