

(1259) 14/3/2019 أبت العربية أن «تتنصر»، والنصرانية أن «تتعرب»
يناير 29
٦ min read
0
2
0
قولٌ مأثور يُبيّن قيمة اللغة العربية وأهميتها.
هل يعلم المسلمون أن من العلماء المسيحيّين من شاركوا في النهضة الثقافية العربية، وكان القرآن مرجعهم في تعلم اللغة العربية، بل ويعتبرونه المصدر الأول في الاستشهاد النحوي واللغوي؟!
ويسهل الوقوف على من هم هؤلاء عن طريق شبكة الإنترنت، ومنهم:
* حنين بن إسحاق:
وهو من أكبر من ترجموا اليونانية والسريانية إلى العربية، وترجم لأفلاطون وأرسطو وغيرهم، ودرس الطبّ، وكان من فصحاء اللغة العربية وشاعرًا بارعًا، تتلمذ على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ «سيبويه».
* إميل بديع يعقوب:
ومن أشهر مؤلفاته «معجم الإعراب والاملاء»، و«موسوعة علوم اللغة العربية»، و«شرح كت اب الألفاظ الكتابية».
واللافت للنظر في «معجم الإعراب والاملاء» المقدمة، حيث بدأها الكاتب بالآية القرآنية:
«وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً»
وكتب أسفلها: القرآن الكريم (طه: ١١٤).
فإذا اطلعت على هذا الكتاب، يصعب أن تقنع نفسك بأن الكاتب غير مسلم.
* نصيف اليازجي:
كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وترجم الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، ومن أشهر مؤلفاته «طوق الحمامة» وهو مختصر نثري موجز في علم النحو.
* الأب لويس معلوف:
من أشهر مؤلفاته «تاريخ آداب اللغة العربية»
* بطرس البستاني:
من أشهر مؤلفاته «أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام»، و«أدباء العرب في الأعصر العباسية»
* ولا ننسى مؤلفات «جبران خليل جبران» التي تميّزت بأسلوبها البلاغي الرفيع.
أولًا:
عجيب أمر الذين يخرجون من بطون أمهاتهم «مسلمين» ويظلون أسرى مذاهب آبائهم الدينية، وعند بلوغهم النكاح واكتمال رشدهم، يتزوّجون على «مذهب الإمام»، وأبناؤهم يتزوّجون على «مذهب المأموم»، ولا علاقة لهم بلغة القرآن العربية!!
قرونًا من الزمن والمولود يولد على مذهب آبائه الديني، لا حول له ولا قوة، ولم يهتم الآباء بتربية الأبناء تربية إيمانية قرآنية تجعل قلوبهم تعشق لغة القرآن العربية، الأمر الذي اقتضى أن يصل المسلمون إلى «ما هو كائن» اليوم.
ثم يخرج علينا من يقول:
إن «القرآن» رسالة عالمية ويستحيل على الله العادل أن يشترط لدخول الجنة أن تتعلم شعوب العالم اللغة العربية.
ثم كيف تكون «اللغة العربية» هي الباب الوحيد لدخول الناس «دين الله الإسلام» وقبول إيمانهم وإسلامهم؟!
أقول:
عندما أراد «علماء النصارى» ترجمة كتبهم إلى اللغة العربية، تعلّموا اللغة العربية وأجادوا كتابتها والتحدث بها، بل ونبغوا فيها.
ولو أراد «علماء المسلمين» أن يرث الأبناء عن آبائهم الفهم الواعي لعلوم اللغة العربية، لأصدروا الفتاوى التي تحرم عدم دراية المسلم بلغة القرآن العربية التي يستحيل أن يفهم القرآن إلا بها.
لقد كان اليهود والنصارى، في عصر التنزيل، من الناس الذين خاطبهم الله وطلب منهم أن يأتوا بسورة من مثل سور القرآن، إن كانوا يشكّون في صحة نسبته إلى الله، أي كانوا أهل فصاحة وبلاغة وإلا ما خاطبهم الله بالقرآن «العربي».
والسؤال:
لماذا لم يرث أبناء اليهود والنصارى اللغة العربية عن آبائهم؟!
والجواب:
إذا كان أبناء المسلمين لم يرثوا اللغة العربية عن آبائهم، فهل يُعقل أن يرث أبناء اليهود والنصارى اللغة العربية عن آبائهم؟!
إذن فهل المشكلة في الأبناء أم في ضلال الآباء؟!
وإذا كان الله تعالى قد حذر الأبناء من ضلال الآباء، وحَمّل الأبناء مسؤولية إيمانهم بـ «نبوة» رسوله محمد، وإقرارهم بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على ذلك.
إذن فما عذر الأبناء الذين خاطبهم الله بمصيرهم في الآخرة وهم مازالوا على قيد الحياة، فقال لهم «١٧٣ / الأعراف»:
* «أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»
ثانيًا:
تعالوا نكون منطقيّين مع أنفسنا ونحدد من نحن:
١- إذا كن ا نؤمن بأن الله قد بعث رسوله محمدًا إلى قومه فقط، وانتهت رسالته بوفاته، كما انتهت رسالة موسى وعيسى بوفاتهما.
إذن فلماذا نشغل أنفسنا بفهم القرآن، وبقراءته قراءة معاصرة مستنيرة، وبالبحث عن معجزاته العددية … ما علاقتنا بهذا القرآن التاريخي الذي ورثه المسلمون كما ورث اليهود والنصارى التوراة والأناجيل؟!
* «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
٢- أما إذا آمنا ببعثة رسول الله محمد إلى الناس جميعًا، وأن الله جعل كتابه الخاتم يحمل في ذاته «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله، وهو هذا «القرآن» الذي بين أيدي الناس اليوم.
إذن فيستحيل أن يقبل الله هذا الإيمان إلا إذا كان له واقع عملي في حياة «الذين آمنوا» يختلف عن واقع جميع الملل والنحل الموجودة في العالم والتي قامت على «التدين الوراثي».
إن الواقع الذي يشهد بصحة إيمان «الذين آمنوا»، والذي يختلف عن واقع جميع الملل الأخرى، هو:
(أ) واقعٌ لا يعرف «التدين الوراثي».
(ب) واقعٌ يتربى فيه الأبناء على الفهم الواعي لأصول الإيمان الخمسة.
(ج) واقعٌ تسري فيه «اللغة العربية» في قلوب «الذين آمنوا» سريان الدم في أجسادهم.
ثم نتدبر قوله تعالى:
* «وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً»
وخلي بالك من هذا الشرط «وَهُوَ مُؤْمِنٌ».
كما لاحظ أن من صفات المنافقين أنهم:
* «وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً – وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ – فَثَبَّطَهُمْ – وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ»
واعلم:
أربعة ع قود مضت على توجهي الديني «نحو إسلام الرسول» وأنا أرى هذه الآية في معظم، بل أكاد أقول كل، من عرفتهم خلال هذه الفترة، والسبب:
يكاد يكون من المستحيل أن يُغيّر المسلمون «ما هو كائن» في حياتهم إلى «ما يجب أن يكون» وفق ما أمرهم الله، والله تعالى يقول:
* «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»
ولأنهم لم يُغيّروا، تركهم الله لـ «ما هو كائن»، وفتح عليهم أبواب الدنيا كلها:
* «فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ – فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ – حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ – أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ – فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ – وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»
ثالثًا:
إن هذا «القرآن» الذي بين أيدي الناس المسلمين اليوم حفظته قلوب المؤمنين قبل تدوينه في الصحف، فكان «النطق» هو الأساس، ونحن ننطق بالقرآن اليوم كما نطق آباؤنا وأجدادنا، وذلك في إطار تعهد الله بحفظ «الذكر».
لقد رفع الآباء الفاعل ونصبوا المفعول …، وفعلنا مثل ما فعلوا، والذين يقولون إن القواعد النحوية وُضعت بعد نزول القرآن ولا يصح قياس القرآن بها الآن، أقول لهم نعم، هذا صحيح، ولكن:
إن الذين وضعوا القواعد النحوية نقلوها من على ألسنة الذين كانوا يقرؤون القرآن عن ظهر قلب، وكانوا يجعلون القرآن حاكمًا على هذه القواعد بتتبعهم استعمالات هذه القواعد في السياق القرآني.
فهل غاب الله عن الوجود فترة تدوين أمهات كتب علوم اللغة العربية، ثم بعد أن تم تدوينها عاد ليباشر تعهده بحفظ «الذكر»؟!
«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
إن الذين يقولون بوجود بعض الجمل القرآنية تخالف قواعد النحو هؤلاء هم «الملحدون» ومن اتبعهم من «الببغاوات» الذين ينقلون عنهم ما لا يعلمون، وما لا يفقهون.
ولقد ذكرت في المنشورات السابقة بعض الأمثلة للرد على شبهاتهم الملحدة، وأضيف المزيد:
١- يقول الله تعالى «١٢٤ / البقرة»:
* «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»
الشبهة:
الصحيح أن يقول «الظَّالِمِون»، أي الظالمون لا ينالون عهد الله، فلماذا جعل الفاعل منصوبًا وقال «الظَّالِمِينَ»؟!
الجواب:
إن «الظَّالِمِينَ» ليست فاعلًا، وإنما الفاعل «يَنَالُ» المرفوع، وسبب هذا اللبس هو عدم ظهور علامة الرفع «الضمة» على «عَهْدِي»، فجعلوا «الظالمين» فاعلًا مؤخرًا، و«عهدي» مفعولًا مقدمًا.
ومعلوم عند أهل اللغة والبيان أن الفاعل يجب أن يكون مقدمًا على المفعول، خاصة في الجمل التي تَحْتَمل اللبس، فإذا أمنا اللبس جاز تقديم المفعول على الفاعل، ومثال ذلك الجملة التي بدأت بها الآية:
* «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ»
فإذا افترضنا أن هذه الجملة غير مُشكَّلة، فلن يُخطئ في فهمها مؤمن لأنه يستحيل أن يكون «إبراهيم» فاعل الابتلاء «إِبْرَاهِيمُ» ويكون الله هو المفعول الواقع عليه الابتلاء «رَبَّه».
فلمّا استحال هذا الفهم، تقدّم المفعول «إِبْرَاهِيمَ» على الفاعل «رَبُّهُ» وهذا من الأساليب البلاغية التي لا تنفد عطاءاتها.
٢- وتعالوا إلى الآية التي لا يعلم الملحدون غيرها كبرهان على دخول اليهود والنصارى الجنة، وإن لم يؤمنوا برسول الله محمد، وهي قوله تعالى «٦٩ / المائدة»:
«إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ..»
يقولون:
إن اسم «إِنَّ» هو جملة:
«الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ»
فكان يجب أن تُنصب كل كلماتها، فلماذا جاءت «الصَّابِئُونَ» مرفوعة، وقد جاءت مثلها منصوبة «٦٢ / البقرة»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ..»؟!
وأيضا في «١٧ / الحج»:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى»؟!
والجواب:
عندما يأتي اسم الموصول «الَّذِينَ» مرة واحدة في الجملة نقول على سبيل المثال:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ»
فـ «الصَّابِئِينَ» اسم «إِنَّ» منصوب.
أما إذا اشتملت الجملة على أكثر من «اسم موصول»، كقوله تعالى:
«إِنَّ (الذِينَ) آمَنُوا وَ(الذِينَ) هَادُوا وَالصَّابِئُونَ..»
هنا تختلف المسألة، ويختلف الإعراب:
١- فلا يلزم أن تكون الجملة التي بدأت باسم الموصول الثاني في «وَالذِينَ هَادُوا» تابعة للجملة الأولى «إِنَّ الذِينَ آمَنُوا».
٢- ولا تكون «الواو» في جملة «وَالذِينَ هَادُوا..» واو عطف على «إِنَّ الذِينَ آمَنُوا» وإنما «واو» استئنافية لاستئناف جملة جديدة.
٣- وتصبح الجملة الثانية «وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ..» منفصلة عن الجملة الأولى ولا تخضع لإعرابها، وهو ما يُسمى بـ «عطف الجمل».
* عندما تغيب «المنهجية العلمية» عن قلوب المسلمين:
فلا تسألني لماذا تصرخ منشورات الفيس بوك من «المنهجية العشوائية» وتقول لأصحابها:
اتقوا الله، وانصحوا المسلمين بإعادة الدخول في «دين الله الإسلام» من باب الآية القرآنية «العربية» العقلية.
فليس هناك شيء يستحق أن نحدث المسلمين عنه غير أن يكونوا مؤمنين أسلموا وجوههم لله تعالى.
محمد السعيد مشتهري