

(1266) 28/3/2019 لماذا تتحامل على من يطالبون بتنقية التراث وتصفهم بـ «المنافقين»؟!
يناير 29
3 min read
0
0
0
سؤال يأتيني كثيرًا، وأجبت عليه في أكثر من منشور، ولكن المنافقين لا يفقهون.
إن الموضوع جدٌ خطير، وما يُنشر على الفيس يُنذر بخطر عقدي كبير، يُهدد مستقبل الأجيال القادمة، ولو أن كل مسلم فكر في موضوع المنشور وسأل نفسه قبل أن يُعجب به:
ما علاقة هذا المنشور بمصيبة المسلمين العقدية، وجهلهم بلغة القرآن العربية، ما وجدنا معجبًا واحدًا للمنشور وصاحبه.
لذلك ستكون إجابتي على هذا السؤال من أول الطريق:
أولًا:
إن الذين آمنوا بصدق نبوة موسى وعيسى، عليهما السلام، لم يؤمنوا على أساس صحة نسبة التوراة والإنجيل إلى الله، وإنما على أساس صحة نسبة «الآيات الحسية» إلى الله، هذه الآيات التي أيد الله بها الرسل، والدالة على صدق بلاغهم عن الله.
وعلى مر الرسالات، لم يحدث أن آمن الناس بـ «الكتب الإلهية» دون أن يشاهدوا «الآيات الحسية» الدالة على صدق «نبوة» الرسل الذين حملوا هذه الكتب إليهم.
وعندما سأل قوم النبي محمد، عليه السلام، عن «الآيات الحسية» التي أيده الله بها كما أيد السابقين، وقالوا له «٥٠ / العنكبوت»:
* «وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ»
* «قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ – وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
ثم نزل القرآن يُبيّن لهم أن الآية الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد شيء مختلف، ذلك أن «الآيات الحسية» تنتهي فعاليتها وفعالية الكتب الإلهية بموت الرسل.
أما فعالية الكتاب الإلهي الخاتم فقائمة بين الناس إلى يوم الدين، الأمر الذي اقتضى أن تكون آيته قائمة أيضا إلى يوم الدين، فكان «الكتاب» هو نفسه «الآية».
ولذلك قال الله تعالى بعدها للمكذبين:
* «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
إذن فهذا الكتاب الخاتم، القرآن المبين، هو نفسه «الآية الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، ولم يشر هذا القرآن من قريب أو من بعيد إلى وجوب اتباع قول بشر، بعد وفاة رسول الله، ولو كان هذا القول قول الرسول نفسه.
والسؤال:
لمصلحة من يُضيّع مسلم «عاقل» عمره، أو جزءًا من وقته، في نقد أو نقض أقوال بشر، نقلوها عن بشر..، بدعوى وجوب تنقية «دين الله الإسلام» مما علق به من أباطيل، إلا إذا كان صاحب المصلحة هو «إبليس» شخصيًا؟!
فهل «دين الله الإسلام» يمكن أصلًا أن يأتيه الباطل؟!
فلماذا تشغل بالك، وبال المساكين الذين يتبعونك، بحياة «البخاري» السني، أو ب حياة «الكليني» صاحب الكافي الشيعي، وكم كان يقضي كل واحد منهما من وقت في جمع حديث واحد، ثم تمسك الآلة الحاسبة لتثبت أن هذا معناه أن الواحد منهم لم يكن يأكل ولا ينام؟!
ما هذا السفه وهذا الاستغفال لعقول الغافلين الجهلاء؟!
إن الذين ينشغلون بنقد ونقض تراثهم الديني، تابعون ومتبوعون، أقل ما يقال فيهم إن «الإيمان لم يدخل قلوبهم»، حتى لو وصلت نجوميتهم فوق السماوات السبع، لماذا؟!
لأن حياة المسلم محسوبة عليه مع كل شهيق وزفير، والموت سيأتيك بينهما، والذين لا يعلمون هذه الحقيقة سيدخلون جهنم داخرين، والله تعالى يقول «٦١ / يونس»:
* «وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ»
فتدبر:
«وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ» – «وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ»
هذه هي حياتك الدنيا بجناحيها وبينهما «الجوهر» الذي يحركهما:
«وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ»
والتلاوة هي الاتباع
لذلك يستحيل أن يوجد قلب مؤمن، أسلمت دماؤه لله تعالى، ويعلم أن الله مطلع على ما بين شهيقه وزفيره لأنه سبحانه القائل بعدها:
* «وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ»
ثم ينشغل بين الشهيق والزفير بغير القرآن.
قرأت لأحدهم قوله:
إذا سئلت لماذا خلقنا الله، أجاب البعض لكي نعبده.
ثم يسأل:
هل عبادتنا له سوف تزيد من قدسيته أو ملكوته أو رفعة قدره أو جلاله؟!
فإذا بعشرات التعليقات، إن دلت على شيء فإنما تدل على حجم المصيبة العقدية التي يعيش بداخلها المسلمون، التابعون والمتبوعون.
فلماذا هذا السؤال أصلًا وما أهميته، والله تعالى يقول:
* «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»؟!
إن «اللام» في «لِيَعْبُدُونِ» لام العلة، أي خلقتهم لعلة، وهذه العلة هي أن يعبدون، وجوهر العبادة إظهار خضوعهم لله ولا يشركون بعبادته أحدًا،وقد بيّن الله ذلك بعدها بقوله تعالى:
* «مَا (أُرِيدُ) مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا (أُرِيدُ) أَن يُطْعِمُونِ»
أي أن الله خلق الناس مختارين، ولكن لن يقبل منهم إلا ما كان معبرًا عن الفهم الواعي لحقيقة الوحدانية، وتفعيل هذا الفهم سلوكًا عمليًا في حياتهم، التي لن تنتظم شرعًا إلا إذا لم تتعد حدود الله.
نعم لقد خلقنا الله تعالى لأنه سبحانه يريد منا أن نعبده، ولو كره الملحدون والمنافقون والعشوائيون الببغاوات.
محمد السعيد مشتهري



