

(1269) 4/4/2019 من الذين يستحقون أن ينصرهم الله؟!
يناير 29
3 min read
0
1
0

«الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ – أَقَامُوا الصَّلاَةَ – وَآتَوُا الزَّكَاةَ – وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ – وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ – وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ»
أولًا: معنى التمكين:
«التمكين» هو إعطاء «الفعل» ما يصح به.
ويجب أن نفرق بين:
١- التمكين في الشيء:
يقول الله تعالى «٨ / الأعراف»:
* «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ»
وهو تمكين الإنسان من متطلبات الحياة التي تضمن استمرارها، ولذلك ذكر في هذا السياق «المعايش»:
«وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ»
٢- تمكين الشيء:
يقول الله تعالى «٥٢ / النور»:
* «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»
ولماذا لم يحدث هذا التمكين للذين آمنوا وعملوا الصالحات؟!
لأن الله اشترط لهذا التمكين شرطًا، وهو:
* «يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»
وطبعا لا تعليق.
ويقول الله تعالى عن تمكين ذي القرنين في الأرض:
* «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا»
٣- إذن، فإذا كان الفعل لا يصح:
– إلا بوجود «القدرة» على أدائه، يكفي للتمكين فيه هذه القدرة.
– إلا مع وجود «الآلة»، فالتمكين فيه يستلزم الآلة.
– إلا بـ «العلم» فالتمكين فيه يستلزم العلم.
* «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ – أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ – فَيُؤْمِنُوا بِهِ – فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ – وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
فلا «إيمان» بدون «علم».
ثانيًا:
إن الذين نصروا الله فاستحقوا نصره، هم الذين أقروا بنعم الله عليهم أن خلقهم الله مختارين، فاختاروا أن يقيموا مجتمعًا إيمانيًا صالحًا يبدأ بـ «البيت» المؤمن:
١- الذي تُقام فيه الصلاة:
حيث توثيق الصلة بالله طائعين خاضعين، في خمس محطات يتوقف فيها كل شيء ليجددوا العهد مع الله بتحمل مسؤولية تفعيل نصوص آيته القرآنية سلوكًا عمليًا في حياتهم.
٢- الذي تؤتى فيه الزكاة:
حيث يُطهَّر أفراده قلوبهم من الشح، ويزكّون أنفسهم بما فرضه الله عليهم من حق للسائل والمحروم:
* «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
ومن حق «معلوم» يحدده ولي الأمر:
* «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ – لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
٣- الذي يُؤمر فيه بالمعروف:
والمعروف هو ما حمله القرآن من أحكام وتوجيهات تربوية تعمل على زيادة إيمان المسلمين وتقواهم، ومن ذلك قوله تعالى:
* «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»
وليست «الصلاة» التي تؤدى في دقيقة والقلب مشغول بأمور الدنيا، وأحيانا يتابع المسلسل التلفزيوني!!
٤- الذي ينهى فيه عن المنكر:
فلا تُرتكب في هذا البيت معصية، ولا يُشم فيه رائحة منكر من المنكرات التي حرّمها الله، وفي مقدمتها «الخبائث» التي يستحلها المسلمون بعد أن ألفوها، وأصبحت معروفًا يتوارثه الأجيال.
فانظر إلى شكل المسلم وهو «يُدخّن سيجارته»، في بيته أمام أولاده أو خارجه، واسأل نفسك ما هذا الذي يفعله، وألا يستحي أن يظهر أمام أولاده بهذه الصورة القبيحة التي لا محل لها من الإعراب؟!
ويزداد قبح صورة المدخن عندما يسأله ابنه لماذا تمنعني من «التدخين» طالما أنه شيء طيب؟!
* «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ»
ثالثًا:
لقد أفسدت القراءات القرآنية المعاصرة البيوت التي لم تؤسس على تقوى الله من أول يوم، وفرح أهل الهوى بفتاوى التنوير وخرجوا يُفسدون في الأرض.
لقد أظلمت بيوت المؤمنين، فلم تعد قادرة على مقاومة المنكرات وتغييرها بداخلها، ولذلك تعيش معيشةً ضنكًا، حتى وإن كان أصحابها من أصحاب المليارات، لأن الذي خلقهم هو القائل:
* «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى»
* «قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا»
* «قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى»
فكل مسلم قضى حياته بعيدا عن «الآية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، ولم يعمل على تفعيل نصوصها في حياته، وانشغل بغيرها من التوجهات الفكرية والعقدية المختلفة، سيحشر مع هؤلاء الذين نسوا آيات الله.
لقد اختلت موازين الحق عندما حكمت موازين الباطل حياة المسلمين، ولم يعد نور القرآن يضيء بيوتهم، واكتفوا بمشاعل «الفكر الإسلامي» الذي لم يعرف يومًا طريقه إلى «العمل الصالح».
لقد حكم «الفكر الإسلامي» حياة المسلمين بعد أن هجروا «العمل الصالح»، حتى أني في يوم من الأيام نشرت بوستا أقول فيه:
* «يا أهل الخير مين عنده عمل صالح أشتغل فيه ولو غفير؟!»
لقد حكم «الفكر التنويري» حياة المسلمين، فكر بلا عمل، وأقوال بلا أفعال، وملتقيات تنويرية «اقرأ وتعلم ثم ناقش وتكلم».
ثم يسألني الأب:
وماذا سأفعل في جواز أولادي، وقد أصبح «ما هو كائن» حاكمًا على «ما يجب أن يكون»؟!
فكان جوابي:
وهل يمكن أن يثمر «الجذر الفاسد» ثمارًا طيبة؟!
محمد السعيد مشتهري