top of page

(1310) 7/11/2019 «مقال الخميس» «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ – إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ» «هل عندما قالوا إن المجانين في نعيم كان ذلك لأنهم ينطقون بالحق؟!»

يناير 29

5 min read

0

0

0

عندما يحصل أحد أولادك على أعلى معدلات الذكاء في العالم، ثم يتصرف تصرفًا يُغضبك فتنهره وتقول له: هو انت مجنون؟!:

فما الذي دفعك لتنطق بهذا اللفظ «مجنون» بالذات، وليس بلفظ آخر، وأنت تعلم أن ابنك «بنتك» عبقري؟!

أولًا:

«الجنون» لغة: اشتق من الفعل الثلاثي «جنن»، وله عدة معاني أهمها:١- المعنى الأول «الستر»:

أ: يقال «جن الشيء» يجنه، جنًا: أي ستره.

ب: وكل شيء «ستر عنك» فقد جن عنك.

ج: وسمي «الجن» بهذا الاسم لاستتارهم.

د: ويقال جن الليل: عندما يشار إلى شدة ظلمته التي «تستر» ما فيه عن الأبصار.

هـ: ويطلق على الولد في بطن أمه جنين، لأنه «مستور».

* وهذا المعنى الذي يتعلق بـ «ستر شيء» عندما يكون متعلقا بالإنسان فإنه يعني ستر «غياب» آليات عمل قلبه، فلم تعد تُفكّر ولا تعقل ولا تفقه ما يحدث حولها، سواء كان سترًا كليًا لهذه الآليات أم جزئيًا.

* وهذا المعنى الأول يوافق ما ذهب إليه الطب النفسي في تعريف معنى الجنون، وحصره في اضطراب يحدث في وظائف الدماغ، نتيجة عوامل فسيولوجية أو وراثية، ويعتبر هذا الاضطراب مرضًا نفسيًا تتوقف خطورته على طبيعته وحدوده.

٢- المعنى الثاني «العَجَبْ»:

ويطلق «الجنون» على كل شيء يثير العَجَب:

أ: جنون الطير: إشارة إلى كثرة ترنمه في طيرانه.

ب: جنون الذباب: إذا كثر صوته.

ج: جنون الفكر: إذا خالف المفكر أنماط التفكير في المجتمع.

* وهذا المعنى الثاني يتعلق بالسلوك غير الطبيعي المثير للعجب.

ولذلك عندما كان المكذبون يتهمون الرسل بـ «الجنون» كانوا يستخدمون لفظ «جِنّة» فيقولون:

«إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ»

وهم يقصدون «مسّه الجن فصار في حالة خبل وجنون».

ثانيًا:

ويعتبر الطب النفسي أن «جنون الفكر»، حتى لو كان إبداعًا غير مسبوق، نوعًا من الأمراض النفسية التي تدخل ضمن النوع الأول، بدعوى أنه يحدث نتيجة اضطراب في وظائف الدماغ تجعل المفكر يُفكر بصورة جنونية.

والسؤال:

لقد اتُهم الرسل كلهم بـ «الجنون»، فقال تعالى:

«كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ»

فما هو نوع هذا «الجنون» الذي كان الناس يتهمون الرسل به؟!

إن «الجنون» الذي كان الناس يتهمون به الرسل هو «جنون الفكر» الذي جاء مخالفًا لما كانت «الآلهة المزيفة» تقيمه بين الناس، وهذا ما أفاده قول الله تعالى، فتدبر:

* «إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ»

* «إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ»

* «وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ»

* «بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ»

إذن فـ «جنون الفكر»، الذي كان يقصده المكذبون للرسل، ليس من أنواع الجنون السابق ذكرها في المقدمة، والمصاب بها كثير من أصحاب التوجهات الدينية السلفية والتنويرية والمعاصرة، الذين لا يعلمون أين وكيف المسير إلى دين الله الحق.

إن «جنون الفكر»، الذي كان يقصده المكذبون للرسل، هو «الحق» الذي كان يحمله الرسول للناس:

* «بَلْ جَاء بِالْحَقِّ – وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ»

إن «المجنون» في مجتمع «الكفر والشرك» هو «العاقل المُبدع» الذي يحمل رسالة الله سلوكًا عمليًا في حياته، ولذلك يكرهه الناس:

* «أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ – بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ – وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ»

والسؤال:

لماذا يكره الناس «الحق»، وتغيير ما هو كائن في حياتهم إلى ما يجب أن يكون، وفق «الحق» الذي أنزله الله تعالى:

«وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ – وَبِالْحَقِّ نَزَلَ – وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً»؟!

وهل تربى المسلمون وأولادهم وأحفادهم على اتباع «الحق» الذي أنزله الله تعالى، وما البرهان على هذا الاتباع، وماذا بعد الحق إلا الضلال:

«فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ – فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ – فَأَنَّى تُصْرَفُونَ»

ثالثًا:

إن أزمة المسلمين «العقدية» التي يجب أن يُخرجوا أنفسهم منها فورا، قبل أن يموتوا، هي نفس أزمة المكذبين الذين قال الله تعالى لهم:

«أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ – مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ – إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ»

إنها أزمة «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ»!!

إنها أزمة «أَوَلَمْ يَنظُرُواْ»!!

التي جاء بيانها في الآية التالية:

«أَوَلَمْ يَنظُرُواْ – فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ – وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ – وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ – فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ»

إنها أزمة «وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ»!!

إنها أزمة «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ»!!

فكم عدد المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم خارج هذه «الأزمات العقدية»، من المليارين مسلم، وكم عدد الذين بهم «جِنّة» وفوّضوا أمرهم لله؟!

والحقيقة أنها أزمة:

«أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ»

الحقيقة أنها أزمة «تفكر» في الأسباب التي جعلت المسلمين يعيشون كالذين يتخبطهم «الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»، وتمر الشهور والسنوات وهم لا يغيّرون ما أنفسهم، ويكفيهم تلقي التهاني بأعياد الميلاد السعيد!!

رابعا:

تعالوا نقوم بتفعيل «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ»، ونتدبر السياق الذي وردت فيه الآية «الأعراف / ١٨٤»، لنقف على حقيقة «الجِنَّةٍ» التي كان المكذبون يتهمون بها الرسول، وهل هي «الجِنَّةٍ» التي أصيب بها المسلمون وهم سعداء بها:

١- يبدأ السياق «الأعراف / ١٧٢-١٨٥» ببيان ما يجب أن يتربى عليه كل مؤمن أسلم وجهه لله، وهو أن يعلم أنه ولد وهو يشهد بـ «الربوبية» وبصدق «الوحدانية»، فيقول الله تعالى «الأعراف / ١٧٢-١٧٤»:

* «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»

* «أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»

* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

٢- فماذا فعل الناس بعد أن خرجوا إلى الدنيا، يقول الله تعالى «الأعراف / ١٧٥-١٧٧»:

* «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا – فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ – فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ»

* «وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا – وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ – وَاتَّبَعَ هَوَاهُ – فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ – إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ – أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث – ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا – فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»

* «سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ»

٣- نعم «سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ» الذين مثلهم «كَمَثَلِ الْكَلْبِ»، وهم مختارون بين أن يسلكوا طريق الهدى أو طريق الضلال، فقال تعالى «الأعراف / ١٧٨»:

«مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»

٤- ثم يبيّن الله تعالى أن مصير الضالين هو جهنم، وأنهم لم يدخلوها إلا لأنهم «لَمْ يَتَفَكَّرُواْ»، فيقول الله تعالى «الأعراف / ١٧٩»:

* «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ – كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ – لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا – وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا – وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا – أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ – أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»

٥- إن ضرب المثل بالكلاب والأنعام يشير إلى حقيقة الأزمة «العقدية» التي يعيش بداخلها المسلمون، وأنها أزمة غياب تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر … آليات عمل القلب، وذلك فيما يتعلق بتدينهم الوراثي، وأن هذه الغيبوبة التي يعيشون فيها لا تعني إلا أنهم ينتظرون الموت «وزي ما تيجي تيجي»!!

فأين هم الذين يخاطبهم الله بعد ذلك بقوله «الأعراف / ١٨٠»:

«وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى – فَادْعُوهُ بِهَا – وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ – سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»

فإذا نظرنا إلى عدد المسلمين المعجبين بالملحدين في آيات الله وأحكامها، أمثال محمد شحرور، نستطيع أن نفهم حقيقة الدين الذي عليه هؤلاء.

٦- ولذلك يلفت الله تعالى نظر الناس إلى وجود أمة تظل متمسكة بـ «الحق» إلى يوم الدين، مهما كانت التحديات التي تواجهها، فقال تعالى «الأعراف / ١٨١»:

«وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ»

٧- وليحذر الذين يعيشون في غيبوبة «الدنيا» ولهوها، يظنون أن الله تعالى غافل عنهم، فليحذروا لأنهم «مستدرجون» الله يمهلهم ولا يهملهم، فقال تعالى «الأعراف / ١٨٢- ١٨٣»:

* «وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ»

* «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ»

٨- فيستحيل أن يكون من جاء بهذه الرسالة الحقة، التي حملت للناس للهدى، وخيرتهم بينه وبين الضلال، يستحيل أن يكون به «جِنَّةٍ»، لأن هذه «الجِِنّة» تتعارض مع مهمة «الإنذار المبين»، لذلك ختم الله هذا السياق بقوله تعالى «الأعراف / ١٨٤- ١٨٥»:

* «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ»

* «أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ»

والسؤال:

وأنت تعيش مع هذه الآيات، وما حملته من وعد ووعيد، وأساليب بلاغية تجعل الحجر ينطق، هل تشعر بأن من تعرفهم من المسلمين لهم علاقة بهذه الآيات وبتفعيلها في حياتهم؟!

وأنت تعيش مع هذه الآيات، هل تشعر بأنك خارج «غيبوبة الدنيا»، وأنك من السعداء الذين بشرهم الله بالجنة فقال تعالي:

«وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا»

الذين التزموا بقول الله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً – وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»؟!

أم تشعر أنك تعيش في «غيبوبة الدنيا» وتنتظر من يخرجك منها، ولن يفعل ذلك أبدا غيرك، وشيء آخر اسمه «ملك الموت».

محمد السعيد مشتهري

ملاحظة:

أخبرني أحد من أثق فيهم من الأصدقاء، أن هناك أصدقاء يُعجبون جدا بما أنشره، ولكنهم لا يسجلون إعجابهم بالمنشور الذي أنتقد فيه «شحرور»، والحقيقة إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن بهم «جِنَّة».

يناير 29

5 min read

0

0

0

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page