

(1314) 5/12/2019 «مقال الخميس» «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى – فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ» هل المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين؟!
يناير 29
6 min read
0
0
0
وهل يمكن العين تشوف المكتوب على الجبين من غير مراية؟!
تعالوا نسأل:
هل لو أجبر مسلمٌ، تحت تهديد السلاح، صاحبَ أي ملة على الدخول في «دين الإسلام»، ونطق صاحب الملة بالشهادتين، وقام المسلم بتعليمه الصلاة، فصلى صاحب الملة بصلاة المسلمين:
هل يقبل الله إسلامه؟!
إذن فهل يُعقل أن يقسم الله تعالى الناس إلى فريقين:
– فريق أجبره على الإيمان به واتباع رسله:
وهؤلاء هم أهل الجنة؟!
– وفريق أجبره على الكفر به ومعصية رسله:
وهؤلاء هم أهل جهنم؟!
فإذا سألتك أيها القارئ الكريم:
من أي الفريقين أنت: فماذا تقول بالدليل الذي يثبت صحة قولك؟!
أولًا:
إن معظم معايش المسلمين قائمة على «العقيدة الجبرية»، وإن لم يُقرّوا بذلك، فحياتهم العملية تشهد بأنهم يؤمنون بأن «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، وعليه:
١- فنسبة «الطلاق» التي ترتفع بشكل جنوني:
لأنها إرادة الله الحاكمة على إرادة الإنسان: «ومعلش يا بنتي، ومعلش يا بني، فهذه إرادة الله».
٢- «عقوق الوالدين» الذي لم يسبق له مثيل من قبل:
لأنه قضاء الله النافذ الذي يستحيل رده: «فليفعل الأولاد في آبائهم ما شاؤوا».
٣- نسبة «المدخنين» من المسلمين، تفوق أي نسبة عالمية من حيث مخالفة المدخن ل تعاليم ملته:
«ادعو الله أن يتوب عليّ من التدخين»: ظنا منه أنه بعد دعاء الحجيج والمعتمرين سيجد نفسه كارها للتدخين.
إلى آخر المصائب التي تعود المسلمون أن ينسبوها إلى «قضاء الله وقدره»، منذ أحداث «الفتن الكبرى»، ومرورا بالخلافتين الأموية والعباسية، وإلى يومنا هذا، وأظن وإلى يوم الدين.
واللافت للنظر أن هذه «العقيدة الجبرية» التي دُوّنت فيها مئات الكتب، وسفكت بسببها الدماء، لا أصل لها في كتاب الله، ولا علاقة لها بأصول الإيمان الخمسة التي لم يشهد كتاب الله بغيرها، وهي «النساء / ١٣٦»:
الإيمان: «بِاللّهِ – وَمَلاَئِكَتِهِ – وَكُتُبِهِ – وَرُسُلِهِ – وَالْيَوْمِ الآخِرِ»
والتي لم يكن من بينها «قضاء الله وقدره» الذي أضافته المذاهب العقدية وحملته «المرويات»، لا لشيء إلا ليضعوا عن أكتاف المسلمين الأوزار التي كسبتها أيديهم.
ثانيًا:
إن مادة «قَدّرَ»، التي وردت في السياق القرآني، لا علاقة لها مطلقا بهذه «البدعة الجبرية» التي حاربت من أجلها المذاهب الباطنية والكلامية.
إن مادة «قَدّرَ» في السياق القرآني جاءت لبيان فعالية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، باعتبارها من دلائل الوحدانية، فتدبر:
* «وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
* «وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ»
* «إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً»
* «وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ»
إلى آخر ما ورد في القرآن فيما يتعلق بمادة «قَدّرَ».
١- لقد كان المشركون يؤمنون بهذه «العقيدة الجبرية» ويجعلونها مبررًا لشركهم، عقيدة «ملة» وشريعة «أحكامًا»، ويقولون:
* «لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا – وَلاَ آبَاؤُنَا»
* «وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ»
فيقول الله تعالى:
* «كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا»
ثم يأتي المحور الأساس الذي يجب أن يدور حوله الرد على مثل هذه الشبهات:
* «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ – فَتُخْرِجُوهُ لَنَا»؟!
والحقيقة:
* «إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ – وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ»
والأساس:
* «قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ – فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»
فلا صحة مطلقا لهذه «الجبرية»:
«لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا»
لأن الله تعالى:
«فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»
فقد خلق الناس بإرادة حرة، تختار بين الإيمان والكفر، بين الوحدانية والشرك.
٢- ولذلك عندما ضاق صدر رسول الله محمد، بما كان يقوله الكافرون المكذبون لنبوته، وما كان يواجهه من تحديات دعوته، إذا بالوحي ينزل عليه ويبلغه عن الله تعالى «الأنعام / ٣٥»:
* «وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ»
* «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ»
* «أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء»
* «فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ»:
# أي إذن فافعل يا محمد.
فكيف نتفاعل مع هذا المشهد، وكيف نعيش هذه الحالة التي يوجه الله تعالى فيها الكلام إلى من اصطفاه رسولًا ليحمل رسالته العالمية الخاتمة؟!
وهل الذي كان ينقص الناس في عصر التنزيل، وينقصهم على مر العصور، هو «الآيات» والبراهين الدالة على «الوحدانية»، وعلى صدق «نبوة» رسول الله محمد، فقط؟!
يقول الله تعالى لرسوله:
* «وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى – فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ»
وهل يُعقل أن يكون معنى الآية:
أن الله لا يريد الكفار أن يؤمنوا، ولذلك لم يشأ أن يجمعهم على الهدى، ليصبح كفرهم وشركهم بإرادة الله النافذة، التي يستحيل أن يتدخل فيها إنس ولا جان، ويكون المشركون بذلك على حق؟!
٣- طبعا هذا كلام لا محل له من الإعراب، ذلك أن مشيئة الله اقتضت، كما ذكرت، أن ي خلق الإنسان بإرادة حرة تمكنه من الاختيار بين البدائل، فأمامه طريق «الهدى» وطريق «الضلال»، وعليه أن يختار، ولذلك قال تعالى بعدها:
* «إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ – وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ – ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»
فما هي قيمة الأموات الذين يتحركون بين الناس في هذه الدنيا، وهم لا يسمعون، ولا يتأثرون، ولا يستجيبون لدعوات الرسل، إلا إذا كان الله تعالى قد خلقهم مخيّرين بين الاستجابة وعدم الاستجابة، فلم يستجيبوا، ويعيشون أمواتا غير أحياء؟!
وهل ينفع إيمان المرء وهو في سكرات الموت؟!
يقول الله تعالى:
«يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ – لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ – أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً»
فإذا كان الله تعالى قد خلق هذه النفس «مجبرة» على الإيمان أو على «الكفر»، ألا يكون الحساب والجزاء في الآخرة، «كوميديا إلهية» كما يقول محمد شحرور؟!
ثالثًا:
وتعالوا نتدبر جيدًا هذه الآيات:
يقول الله تعالى مخاطبا رسوله محمدا «يونس / ٩٩-١٠١»:
«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ»
١- «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ – كُلُّهُمْ جَمِيعاً»
إن هناك حقائق إيمانية عقلية منطقية، تتعلق بالفهم الواعي لحقيقة الوحدانية وفعالية أسماء الله الحسنى في هذا الكون، وهذه الحقائق يجب أن يتشربها قلب المسلم قبل أن يفتح المصحف ليفهم القرآن.
وفي مقدمة هذه الحقائق تنزيه الله تعالى عن الظلم:
فلماذا قال الله تعالى في الآية السابقة «كُلُّهُمْ جَمِيعاً»، ألم تكن كلمة «كُلُّهُمْ» تكفي لبيان المراد؟!
والجواب:
لقد خلق الله الإنسان بـ «الفجور» و«التقوى»، وبيّن له ثمرة اختيار كل طريق، فقال تعالى:
«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»
«قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»
وخلق الأسباب والطرق والآليات الموصلة إلى «الفجور» والموصلة إلى «التقوى»، وعلى الإنسان أن يختار.
ولو شاء الله إيمان من في الأرض «كُلُّهُمْ»، بحيث لا يختلف ول ا يشذ منهم أحد، أي «جَمِيعًا»، لفعل، ولكنه لم يشأ ذلك لما سبق بيانه، ولذلك قال لرسوله:
٢- «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ»؟!
ثم بيّن للرسول أن لهذا «الإيمان» طريقًا يجب أن يسلكه الإنسان، وهو الطريق الوحيد الذي أذن به الله وفق الشريعة التي أرسل بها الرسل، ولذلك قال تعالى:
٣- «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ»
ثم جاء ببيان أن الذي يختار السير في طريق «الكفر»، فقد اختار «الرجس» الذي هو من عمل الشيطان، وأن اختياره هذا نتيجة عدم تفعيله لآليات عمل قلبه، وليس لأن الله «أجبره» عليه، فقال تعالى:
٤- «وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ»
إن الذين «لاَ يَعْقِلُونَ» هم الذين لم يتربوا على تفعيل آليات عمل قلوبهم، وعلى النظر والتفكر في دلائل الوحدانية، للوقوف على فعالية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، فقال تعالى:
٥- «قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»
ثم نأتي إلى «النتيجة الأهم» في هذا السياق، وهي أن «الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ» لو جئت بآيات الآفاق والأنفس كلها ووضعتها أمامهم، لن يؤمنوا:
٦- «وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ»
وهذا من باب توبيخ الغافلين عن النظر في دلائل الوحدانية، الجاحدين المعاندين الذين استحبوا الكفر على الإيمان، وهم في الحقيقة كثر، ويعيشون بين المسلمين.
رابعًا:
ليس كل ما يحدث في هذا الوجود البشري يرضى الله تعالى عنه:
يقول تعالى «الزمر / ٧»:
«إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ – وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ – وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ»
ويقول الله تعالى «التوبة / ٩٦»:
«يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ – فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ»
وليس كل ما يحدث في هذا الوجود البشري يُحبه الله:
فالله تعالى يقول «الروم / ٤٥»:
«إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»
ويقول تعالى «الشورى / ٤٠»:
«إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»
ونحن نرى الذين لا يحبهم الله ولا يرضى عنهم، لعدم التزامهم بالدين الذي أمر الناس اتباعه، يعيشون سعداء في أكبر الدول حضارة وتقدما، ويُحققون نجاحات يجنون من ورائها الملايين والمليارات.
ونرى الذين يتصورون أن الله يحبهم ويرضى عنهم، لالتزامهم بما يعتقدون أنه الدين الذي أمر الله اتباعه، يعيشون سعداء في أصغر الدول بداوة وتخلفا، تحت مستوى الفقر، لاعتقادهم أن الدنيا فتنة «ولو شاء الله» لجعلهم أغنى أغنياء العالم.
وقد غاب عن الفريقين:
أنه صحيح أن كل ما يحدث في هذا الكون يحدث بمشيئة الله وإذنه، ولكن وفق السنن والأسباب الحاكمة لهذه الكون، والتي لا تعرف هوية من يستخدمها:
فالشمس تشرق على المؤمن والكافر، وحبة القمح تنبت على يد المؤمن والكافر، والموت لا يُفرق بين مؤمن وكافر.
والذي اختار السير في طريق التقوى وتزكية النفس، فهو في نعمة تقتضي الشكر على مدار الساعة، بصرف النظر إذا كان من أصحاب الملايين، أو من أصحاب الملاليم، ولذلك جعل الله «الشكر» مقابل «الكفر»، فتدبر:
* «إِن تَكْفُرُوا – فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ – وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ»
* «وَإِن تَشْكُرُوا – يَرْضَهُ لَكُمْ»
ولذلك لا تقول «أراد الله» وإنما قل «شاء الله»:
فعندما تقول لصديقك: «إن شاء الله نتقابل غدا»
ليس معناه: «إن أراد الله أن نتقابل غدا»
وإنما معناه: «إذا أوجد الله أسباب اللقاء تقابلنا»
ذلك أن الله تعالى يقول:
«وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا – إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ»
أي: إلا بوجود الأسباب المؤدية إلى هذا الفعل.
وقد يكون للإنسان نفسه دخل في هذه الأسباب، فعندما يلعب الطالب طوال السنة ويرسب، لا يقول إنها «إرادة الله»، لأن هذه هي «الجبرية» التي لا يعرفها «دين الإسلام»، وإنما يقول:
«إنها مشيئة الله التي لم آخذ بأسبابها».
* فهل أخذ المسلمون بأسباب التقدم الحضاري، وأصبحوا خير أمة أخرجت للناس؟!
* وهل أخذ الوالدان بأسباب تربية أولادهم التربية الصالحة، وأصبحنا نرى نماذج لـ «بيوت مؤمنة صالحة»؟!
* وهل أخذ «المفكرون الإسلاميون» بأسباب إعادة بناء «دين الإسلام» في قلوب المسلمين، وأصبحنا لا نرى على وسائل الإعلام المختلفة غير التركيز على هذه «الفريضة الغائية»؟!
* الحقيقة:
أن المسلمين وأئمتهم ومفكريهم، منذ قرون مضت، يحرثون في الهواء، وها هي الأرض التي يعيشون عليها جرداء، لا زرع فيها ولا ماء.
محمد السعيد مشتهري



