

(1328) 16/1/2020 «مقال الخميس» «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا – وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا – لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»
يناير 29
8 min read
0
0
0
قلنا في المقال السابق إن أصل «الظلم»:
وضع الشيء في غير موضعه، فمن أشرك بالله وجعل الربوبية مستحقة لغيره، واتخذ مع الله ندًا، فقد وقع في «أظلم الظلم» لعدم القيام بحق الخالق في مقتضيات الإقرار بالوحدانية والعبادة، والتفريط في ذلك.
ويبدأ «أظلم الظلم» بـ:
١- الظلم في حق الله تعالى.
٢- ثم ظلم الإنسان لنفسه.
٣- ثم ظلم الأنداد الذين يتخذهم الإنسان سندا له من دون الله، سواء كانوا من أهل الإيمان، أو من أهل الشرك، فتدبر:
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً – يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ – وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ – وَل َوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ – إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ – أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً – وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ»
والند قد يكون:
(أ): كوكبًا: كالشمس والقمر.
(ب): جمادًا: كالأصنام والحجر.
(ج): حيوانًا: كالعجل والبقر.
(د): بشرًا: سواء ادعى الإلهية كـ «فرعون»، أو ادُّعِيَت له كـ «عيسى عليه السلام».
(هـ): أو قد يكون من المخلوقات الغيبية: كالجن والملائكة والشيطان.
ألا توجد هذه «الأنداء» اليوم في حياة الناس وداخل قلوبهم؟!
ألا توجد هذه «الأنداء» اليوم في حياة المسلمين وإن اختلفت صورها على هيئة «موبيلات» يمسكون بها ليل نهار، فإذا نادى المنادي «حي على الصلاة» قاموا إليها وقلوبهم وأذهانهم مع ما كانوا منشغلين به، فإذا قُضي ت الصلاة سارعوا إلى حمله!!
إن «حب الله» هو القاعدة التي يجب أن ينطلق منها أي حب آخر، وإلا كان المسلم «منافقًا»، ويا ليت كان حب المسلمين للأنداد «كَحُبِّ اللّهِ»، وإنما جاء أقوى بمراحل من حب الله إلى درجة «نسيان الله» أصلًا، وانظروا حولكم:
فيقول الله تعالى محذرًا الذين آمنوا «الحشر / ١٨-١٩»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ – وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ – وَاتَّقُوا اللَّهَ – إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ – فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ – أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»
ولذلك سيكون هذا المقال عن صور «ظلم الظلم» المختلفة التي جعلت المسلمين ينسون الله، نتيجة تدينهم الوراثي، و«جهلهم» بكيفية التعامل مع أحكام القرآن، واتباعهم «الأعمى» لمتبوعين هم أصلا من الذين «نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ».
# أولًا:
أزمة الملحدين مع قول المؤمن:
«أشهد أنه لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله»
يقولون:
إنكم قد جعلتم محمدًا شريكًا مع الله، والله تعالى يقول «آل عمران / ١٨»:
«شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
ولم يذكر الشهادة بأن محمدًا رسول الله.
* أقول:
إن الشهادة: «علم يقيني»، بشيء حدث، وأدركته وسائل إدراك الإنسان فور حدوثه، ويتحمل صاحبها مسئوليته أمام الله عند إدلائه بهذه الشهادة.
وفرق بين الشهادة التي تقوم على وسائل إدراك خلقها الله لإدراك عالم الشهادة «الحسي» الذي يعيش فيه الوجود البشري، وبين الشهادة التي تحدث في عالم الغيب، الذي يستحيل أن تدركه حواسنا ولا نعلم عن كيفية حدوثها شيئا.
ولكن عندما يحمل السياق شهادة أُوْلي الْعِلْمِ بالوحدانية «أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ» فذلك من منطلق إقرارهم بـ «دلائل الوحدانية» في الآفاق والأنفس، التي تدركها حواسهم وتشهد «أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ».
إن «أُوْلى الْعِلْمِ» الذين شهدوا بصدق «الوحدانية» على أساس الدلائل والبراهين التي أدركتها حواسهم في عالم الشهادة:
هم أنفسهم الذين يشهدون بصدق «نبوة» رسول الله محمد على أساس «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة لهم اليوم والتي تركها حواسهم في عالم الشهادة.
أما «الجهلاء» فلا شك أنهم لا يعملون، وإذا علموا لا يتدبرون، وإذا تدبروا لا يفهمون أننا عندما نشهد:
«أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وأن محمدًا رسول الله»
فإن هذه الشهادة «شهادة علمية» تقوم على البراهين المثبتة لموضوع الشهادة والمتعلقة بدلائل «الوحدانية وبصدق «النبوة».
وأن «المنافقين» عندما شهدوا «أن محمدًا رسول الله» وقالوا:
«نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»
كانت شهادتهم هذه «شهادة حسية» لوجود الرسول بينهم، ولكنها كانت «شهادة كاذبة» لأن ألسنتهم هي التي نطقت بها ولم تنطق قلوبهم، ولذلك قال الله تعالى:
«وَاللَّهُ (يَعْلَمُ) إِنَّكَ لَرَسُولُهُ – وَاللَّهُ (يَشْهَدُ) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ»
# ثانيًا:
إن الله تعالى الذي خلق كل ذرة في هذا الوجود، يعلم ما كان منها، وما هو كائن، وما سيكون، وإلا لكان صانع الطائرة الذي يعلم كل شيء عن وجود وفناء كل ذرة فيها من قبل تصنيعها، أحق بالإلهية من الله الذي نعبده، والذي قال في القرآن عن علمه الأزلي: