

(1330) 23/1/2020 «مقال الخميس» «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً» «جرائم عقدية فيسبوكية»
يناير 29
5 min read
0
0
0
هناك من يُذيّلون منشوراتهم:
بـ «معًا لنُلْحِد في ديننا»
بـ «معًا لننقد تراثنا»
بـ «معًا لندخل جنهم بعون الله وتوفيقه»
إلى آخر ما تحمله المنشورات من جرائم عقدية فيسبوكية مشكلتها ليست في من كتبها، وإنما في من أحبها وأعجب بها!!
# أولا:
الجريمة الأولى: يسأل سائل:
أنا بحب ممارسة الجنس مع الرجال فقط … شو حكم هذا الفعل؟!
فيجيب «نجم العشوائية الدينية»:
«مبدئيا ما أنت عليه مخالف لكل مبادئ الأديان وسنن الله في الكون، لكنه ليس كفرًا ولا عقاب عليه»
* أقول:
يقول الله تعالى «الأعراف / ٨٠-٨١»:
«وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ – أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ»
إذن فقد سمى الله إتيان الرجال «فَاحِشَة»، وقال الله تعالى عن عقوبة هذه الْفَاحِشَةَ «النساء / ١٦»:
«وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ – فَآذُوهُمَا – فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا – فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا – إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً»
فالضمير في «يَأْتِيَانِهَا» يعود إلى كلمة «الْفَاحِشَةَ» الواردة في الآية التي سبقتها «النساء / ١٥»:
«واللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ»
وليس موضوعنا في هذا المقال الحديث عن فاحشة «السحاق» بين النساء، وفاحشة «عمل قوم لوط» بين الرجال، وإنما موضوعنا عن:
١- هل من يُحب «إتيان الرجال» ويُصر عليه، كافر؟!
الجواب: نعم: كافر ومشرك ومنافق … كما كفر قوم لوط؟!
٢- وهل عليه عقوبة؟!
الجواب: نعم وهي: «فَآذُوهُمَا»:
و«الإيذاء» هنا ليس بمعناه اللغوي الذي ورد في آيات كثيرة منها:
* «إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى»
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى»
* «لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى»
وإنما المعنى أكبر من ذلك وأعظم، بقرينة أن «الأذى» ارتبط في سياق «إتيان الرجال» بشروط وقيود، تماما كما ارتبط في سياق اعتزال النساء في المحيض، وقول الله تعالى:
«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ – قُلْ هُوَ أَذًى – فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ – وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ»
فقول الله تعالى «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء» أمر تحريم، وعلة التحريم «قُلْ هُوَ أَذًى»، سواء كان للمرأة أو للرجل.
إن الذي يأخذ المعنى اللغوي بمعزل عن السياق هو «الجاهل» الذي لا يعلم شيئًا عن منظومة «تدبر القرآن».
فتعالوا نقارن معنى «الأذى» الذي يقتضي اعتزال النساء في المحيض، «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء»، والمقيد بـ «حَتَّىَ يَطْهُرْنَ»:
بمعنى «الأذى» الوارد في سياق إتيان الرجال، «فَآذُوهُمَا»، والذي يقتضي الإعراض «فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا»، والمقيد بـ «فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا».
لنعلم: أن علينا أن نبحث مع أهل الخبرة عن:
ما هي العقوبة التي تقع على «اللَّذَين يَأْتِيَانِهَا» بالشروط التي حددها السياق وهي:
أن تكون «مستمرة» حتى التوبة والإصلاح، «فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا»، ثم بعد التوبة والإصلاح تتوف العقوبة «فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا»؟!
مع العلم أن العقوبة التي أوقعها الله على قوم لوط، «الْمُجْرِمِين الظَّالِمِين»، كانت قاسيةً جدًا، فتدبر:
* «وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً – فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ»
وتدبر قول الله تعالى:
«فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا – جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا – وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ – وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»
ثم بعد ذلك يأتي مفتي ونجم العشوائية الدينية «الفيسبوكية» ويقول عن من يُحب «إتيان الرجال»:
«ليس بكافر ولا عقاب عليه»!!
والحقيقة إن «إلي اختشوا ماتوا».
# ثانيًا:
الجريمة الثانية: يقول صاحبها:
كيف يمكن فهم قوله تعالى:
«فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق – وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»
إذا كان الضرب، حسب الموروث هو الضرب بالسيف، فأيهما أسهل ضرب العنق أم الضرب فوق العنق والذي يشمل عظمة الجمجمة القاسية والصلبة جدا؟!
وأيهما أسهل لحظة الاشتباك في المعركة، البحث عن البنان «الأصابع»، وملاحقتها لضربها وقطعها، مع أنها محمية بمقابض بعض السيوف، أم قطع اليد مباشرة من المعصم أو الذراع أو الساعد مثلا؟!
ثم بعد أن وضع الشبهات قال:
«إن تلك التساؤلات يجب ألا تكون موجودة، وأنها إنما نتجت بسبب فهمنا الخاطئ والسطحي للمقصود بالضرب فوق الأعناق وضرب كل بنان وأنه يجب أن يكون له معنى آخر مختلف تماما، أعظم وأكبر وأعمق من سطحيتنا، ولا شك أن هذه هي الحقيقة التي علينا مراجعتها والبحث عنها»
ثم ذهب يُفتي، ومن فتواه:
«وهنا نجد الله تعالى يوحي إلى أولئك الملائكة بأن يزودوا المؤمنين باستراتيجية حربية وقتالية في منتهى الروعة والعظمة والإبداع والإعجاز والإيجاز ولا سيما عندما يكون المؤمنين أقل عدة وعددا من عدوهم في أي زمان أو مكان»
ويقول:
«ونجد والإبداع الإلهي يوجز هذه الاستراتيجية العظيمة في «سبع» كلمات فقط، بدقة مدهشة في قول الله تعالي «الأنفال / ١٢»:
«فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُ مْ كُلَّ بَنَانٍ»
وبتأمل الآية سنجد فيها إشارة لاستراتيجية حربية من خلال العمل والتركيز في جانبين:
الجانب الأول:
«الضرب فوق الأعناق».
نلاحظ الدقة في قوله «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق»، فكيف يكون ذلك؟!
والحقيقة أنه قال كلامًا عن هذه الكيفية يخجل العاقل أن يعيده هنا في «مقام العلم»، ليصل إلى نتيجة هي:
«فاضربوا فوق الأعناق ستكون بمعنى:
سيطروا على كل المواقع والأماكن الواقعة فوق مستوى الأعناق، والتي هي المرتفعات والتباب والجبال والسماء … تمركزوا فيها لتفصلوها وتبعدوها عن سيطرة العدو»!!
الجانب الثاني:
«وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»:
ما هو كل بنان يجب ضربه، وكيف يتم ضربه؟!
ثم يأتي «المفتي الفيلسوف» بآية لا علاقة لها بكلمة «بَنَانٍ»، وهي قول الله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا – كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»
وفهم أن معنى «بَنَانٍ» هو معنى «بُنْيَانٌ»، ثم قال:
«إن كل جزء ومكون من مكونات هذا (البنيان) المرصوص هو (بنان) يساهم ويساعد في بناء البنيان الكلي أي (القوة) النهائية أو القصوى للجيش … أي (اقطعوا) عنهم طرق الإمدادات سواء من المقاتلين أو الأسلحة أو الغذاء والتموينات المختلفة»
* أقول:
وهذا أحد ضحايا «القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم»، وهو يحمل جريمة عقدية من جرائمها، هو الذين اتبعوه، فتعالوا نتعلم كيف نفهم السياق القرآني.
# ثالثًا:
تعالوا نتدبر سياق الآيات «الأنفال / ٩-١٢»:
يقول الله تعالى:
* «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ – فَاسْتَجَابَ لَكُمْ – أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ»
ففي معركة عسكرية، استغاث رسول الله والذين آمنوا معه بربهم، فاستجاب لهم وأمدهم بما يحقق لهم النصر على أيديهم وبمساعدة الملائكة، لتطمئن بذلك قلوبهم، وليعلموا أن النصر لم يكن بسبب قوتهم فقط، فقال تعالى:
* «وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى – وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ – وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ – إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
ولم يكن تحقق النصر بسبب الإمداد بالملائكة فقط، فعند الله من الإمدادات ما لا يُحصى، ومن ذلك قوله تعالى:
«إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ – وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ – وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ – وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ – وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ»
١- إنه الإمداد الأول:
«آية النعاس» الخارقة للعادة، فتدبر لماذا جاءت كلمة «مِّنْهُ» في قوله تعالى:«إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً (مِّنْهُ)»؟!
ألم تكن جملة «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً» كافية لبيان معنى «الأمن» و«الأمان»؟!
لقد جاءت كلمة «مِّنْهُ» لبيان أن هذا «النُّعَاسَ» كان آية إلهية «من الله» وليس نتيجة إرهاق، وذلك لاستحالة أن يأتي هذا «النُّعَاسَ» إلا لـ «الآمن» وليس أثناء معركة دائرة على أشدها.
٢- الإمداد الثاني:
«وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ»
«لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ»: من كل ما تعلق بأجسادكم مما تسببه المعارك للجنود، فإذا بهم في حالة من القوة والنشاط غير العادي.
٣- الإمداد الثالث:
«وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ»
الذي كان يوسوس لكم بـ «الهزيمة».
٤- الإمداد الرابع:
«وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ»
عبر بأداة الاستعلاء «عَلَى»، أي بعد أن سكنت القلوب وامتلأت بالطمأنينة، فشبهها بإناء مملوء بالماء تم تغطيته بإحكام حتى لا يخرج شيئا منه.
٥- الإمداد الخامس:
«وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ»
ذلك أن الخائف لا تثبت قدمه في المكان الذي يقف به.
٦- الإمداد السادس:
ثم تأتي «إِذْ» للمرة الثالثة:
أي تذكروا نعم الله عليكم: إذ …، وإذ … و:
* «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ:
(أ): فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ
(ب): سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ
وكل ما سيأتي بعد ذلك، والذي يبدأ بـ «الفاء الفصيحة» فهو استكمال لأمر الله لـ «الملائكة» بعد «فَـ ثَبِّتُواْ»، وليس للمؤمنين:
(ج): فقال تعالى: «فَـ اضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ»
والتعبير بـ «فَوْقَ الأَعْنَاقِ» من بلاغة الصياغة القرآنية وأسلوبها البياني، ذلك أن في الحروب يغطي الجنود رؤوسهم وأعناقهم وأجسادهم بلباس الحرب، فجاء أمر الله للملائكة:
* بضرب الرؤ وس من أعلى، وهذا معنى «فَوْقَ الأَعْنَاقِ».
ولكون فعل الملائكة يكون على كيفية خارقة للعادة، يصبح هذا التعبير «فَوْقَ الأَعْنَاقِ» كناية عن قطع الأعناق.
(ء): وقال تعالى: «وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»
و«البنان» اسم جمع «بَنَانَة»، وهي «الأصبع».
* ويصبح مدد الله تعالى للمؤمنين يشمل ضرب الأعناق، لإتلاف أجساد المشركين، وضرب البنان، لإبطال صلاحيتها للقتال، وهذا كله بكيفية خارقة للعادة، وليس بأسباب القطع المعتادة.
ثم بعد ذلك يأتي هذا الفيلسوف المفتي، التابع للقراءات القرآنية الإلحادية، ويقول إن «البَنَان» هو «البُنْيَان»!!
الحقيقة:
أننا في أزمة «فهم»، وياليتها كانت أزمة «فكر».
وأزمة «إلحاد» وياليتها كانت أزمة «كفر».
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»
أما عن «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري