

(1331) 27/1/2020 «مقال الاثنين» «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» فهل مَنْ ضَرَبَ امرأته يكون قد تعدى حدود الله وظلم نفسه؟!
يناير 29
9 min read
0
2
0
إلى متى يظل المسلمون أسرى التقليد الأعمى والاتباع بغير علم، يتبعون متبوعين لا يفقهون، وينقلون عنهم ما لا يعلمون لجهلهم بلغة القرآن العربية، وعدم درايتهم بعلم السياق القرآني؟!
إلى متى يعقد المسلمون عقود نكاح باطلة، تقوم على قولهم «على كتاب الله وسنة ورسوله» في الوقت الذي يجهل فيه العروسان ما في كتاب الله وما في سنة رسوله؟
إن كلمة «على» في قولهما «على كتاب الله …» هي «الشرط» الذي يقوم عليه عقد النكاح، والذي يعني موافقة العروسين على الالتزام بأحكام كتاب الله وخاصة «أحكام الزواج».
فعندما يقول أبو العروس للعريس:
«زوجتك ابنتي على كتاب الله وسنة رسوله»
ويرد العريس:
«قبلت زواجها على كتاب الله وسنة رسوله»
والعروسان لا يعلمان ما هي أحكام الزواج الواردة في كتاب الله، فزواجهما باطل من أساسه، ويحرم اقترابهما من بعض، ولو أفتى بحليته شياطين الإنس والجن.
لقد اشترط والد الفتاة على موسى، عليه السلام، شرطًا ليزوجها له وقال:
«عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ – فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ»
فإذا لم ينفذ موسى الشرط الذي حملته كلمة «على» لن يتزوج الفتاة.
# أولًا:
١- فإذا ذهبنا إلى «ما هو كائن» في حفلات «الخطبة» و«النكاح»، ونظرنا إلى الحضور، يستحيل أن نجد بينهم مؤمنين أسلموا وجوههم لله، لأنهم يعلمون حكم التواجد في مثل هذه المنكرات، حيث يقول الله تعالى:
«وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ:
(أ): أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا
(ب): وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا
* إذن فماذا نفعل:
(ج): فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ – حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
* وإذا لم نفعل؟!
(د): إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ – إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ – وَالْكَافِرِينَ – فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً»فتدبروا واعرفوا: من هم «الْمُنَافِقُون» ومن هم «الْكَافِرون»؟!
٢- وإذا ذهبنا إلى «ما هو كائن» على وسائل التواصل الاجتماعي، نجد المسلمين مشغولين بقضية «ضرب الزوج امرأته»، ويقولون يستحيل أن يكون معنى «وَاضْرِبُوهُنَّ» الوارد في سورة «النساء / ٣٤» هو الضرب المعروف باليد أو بأي شيء.
* أقول:
ما علاقتكم أ نتم بكتاب الله وأحكامه، وبقوله تعالى «وَاضْرِبُوهُنَّ»، والخطاب أصلًا للمؤمنين والمؤمنات الذين أسلموا وجوهههم لله:
فإذا نظرنا إلى معظم بيوت المسلمين، نجدها لم تقم أصلا على «أحكام الزواج» الواردة في كتاب الله، وإنما على مصالح دنيوية تحكمها شهوات النفس:
وإلا ما وصلت إلى هذه الحالة التي لا تختلف كثيرا عن بيوت غير المسلمين، إلا في بعض المظاهر الإسلامية التي كان يلتزم بها المنافقون في عصر التنزيل، ونزل القرآن يكشفها للمؤمنين.
# ثانيًا:
«من الجرائم العقدية الفيسبوكية»:
بصرف النظر عن الأخطاء اللغوية التي تملأ جميع منشوراته، والتي حذفتها من منشوره الذي أعلق عليه، وإلا أصبح درسًا في تصحيح اللغة، يسأل صاحب المنشور سؤالًا يقول إنه «سؤالٌ صعبٌ»، وهو:
كيف نجمع بين قوله تعالى في تلك الآيتين:
قول الله تعالى «النساء / ١٢٨»:
«وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ…»
وقول الله تعالى «النساء / ٣٤»:
«… وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ …»حيث تصبح المعادلة كالتالي:
* نشوز الزوج = صلح
* نشوز الزوجة = ضرب
لماذا، هل علشان الزوجة يعني ضعيفة، طيب لو كانت بتلعب ملاكمة يكون الحل هو الصلح؟!
ثم يُفتي بغير علم ويقول:
إن «ضرب الزوجات» ممنوع في القرآن، لأننا لو تتبعنا معاني «ضَرَبَ» في المصحف وفي صحيح لغة العرب، نجد أنها تعني في غالبها «المفارقة والمباعدة» خلافًا للمعنى المتداول لكلمة «ضَرَبَ».
# ثالثا:
يقول إنه سؤال صعب:
كيف يكون علاج نشوز المرأة هو الضرب «النساء / ٣٤»، وعلاج نشوز زوجها هو «الصلح»، فأين العدل الإلهي؟!
* أقول:
طيب إيه رأيك: متشتغل انت إله، وتغير «القوامة»، وتخليها للمرأة؟!
١- تعالوا أولًا نبيّن معنى «النشوز»:
«النشوز» في اللسان العربي هو: الترفع والعلو والتباعد.
وفي العلاقة الزوجية:
سوء خلق تنشأ عليه المرأة «أو الرجل»، يجعل «الزوج» يتعالى على «زوجه» ويتعدى على حقوق الزوجية، ويحدث ذلك بسبب سوء اختيار أحد الزوجين للآخر، فإذا لم يُعالج عند بداية ظهوره، فإنه سيؤدي حتما إلى «الطلاق».
٢- وعلى هذا الأساس نفهم قول الله تعالى:
«وَاللاَّتِي (تَخَافُونَ) نُشُوزَهُنَّ:
فَعِظُوهُنَّ – وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ – وَاضْرِبُوهُنَّ:
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ:
أي فإذا تحقق المقصود بعد أي مرحلة من مراحل العلاج السابقة:
«فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»:
أي لم يعد هناك ما يدعو إلى تذكير المرأة بالعيوب التي جعلت زوجها يخاف من نشوزها.
٣- فإذا لم تنفع أي وسيلة من هذه الوسائل، في منع المرأة من الوصول إلى درجة «النشوز»، تأتي الوسيلة الأخيرة وهي «التحكيم»، فقال تعالى بعد ذلك مباشرة «النساء / ٣٥»:
«وَإِنْ (خِفْتُمْ) شِقَاقَ بَيْنِهِمَا – فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ – وَ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا – إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا – إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً»
# رابعًا:
وهنا أتحدث عن القاعدة التي يجب أن يقوم عليها «البيت المؤمن» من أول يوم، أي من مرحلة الاختيار، وقبل اتخاذ قرار الزواج:
إن البيت الذي لا تكون فيه «القوامة» للرجل، حسب هذا البيان الإلهي:
«بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ – وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ»
ليس بيتًا مؤمنًا تسكنه امرأة وصفها الله، قبل بيان مراحل علاج نشوزها، بقوله تعالى «النساء / ٣٤»:
«فَالصَّالِحَاتُ – قَانِتَاتٌ – حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ – بِمَا حَفِظَ اللّهُ»
وإن المتدبر لسياق هذه الآية، يعلم أن الله قسم الزوجات إلى صنفين:
١- الصنف الأول:
نساء صالحات مطيعات لله، يحفظن حقوق أزواجهنّ في غيبتهم:
«فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ»
إن «الباء» في قوله تعالى «بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» تسمى باء الملابسة، أي أن صلاح المرأة وطاعتها لزوجها، وحفظ حقوقه في غيبته، ليس تفضلا منها، وإنما استجابة لأمر الله تعالى.
٢- الصنف الثاني:
نساء نشزن عن «منظومة الصلاح» وتخلفن عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ الزوجية، ولم يحفظن حق الزوج في غيبته، وظهرت عليهن علامات النشوز بعد الزواج:
هؤلاء هن الناشزات المخاطبات بمراحل العلاج الثلاث:
«فَعِظُوهُنَّ – وَاهْجُرُوهُنَّ – وَاضْرِبُوهُنَّ»
إذن فالشريعة القرآنية لا تتحدث عن ضرب الزوج امرأته «بوجه عام»، وإنما تتحدث عن حالة خاصة جدًا لا تجد المرأة في ضرب زوجها إهانة لكرامتها.
# خامسًا:
منذ عقدين من الزمن، خرج مُلْحد من الملحدين في أحكام القرآن يقول للناس إن معنى «وَاضْرِبُوهُنَّ» في القرآن وفي صحيح اللغة ليس هو الضرب المعروف وإنما «المفارقة والمباعدة والتجاهل»، وعليه أصبحت «الببغاوات» تردد هذا المعنى إلى يومنا هذا.
١- ومن الأمثلة على هذا «الجهل» عندما يُضاف إليه «الغباء الديني»، نجد من يجدون مخرجًا لمعنى فعل «ضَرَبَ» الوارد في قول الله تعالى «الأنفال / ٥٠»:
«وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ»
وفي قوله تعالى «محمد / ٢٧»
«فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ»
ويقول أحدهم:
إننا لا نعلم معنى «الضرب» هنا ولا كيفيته لأنه من «عالم الغيب».
* أقول:
إذن، وعلى أساس هذا الفهم الإلحادي، فلا نعلم أيضا معنى «الوُجُوه وَالأَدْبَار» التي تضربها الملائكة، ولا نعلم «المقاصد» التي تحملها مثل هذه الآيات التي تتحدث عن عالم الغيب، ومن ذلك مقصد «ترهيب الكافرين» الوارد في الآيتين السابقتين؟!
٢- ويأتي آخر ويقول عن معنى «الضرب»:
«كل عملية يتم بواسطتها الفصل أو التفريق والمباعدة مكانيًا أو ماديًا أو معنويًا، وعليه فإن معنى ضرب الرجل زوجه الوارد في «النساء / ٣٤»:
«وَاضْرِبُوهُنَّ»: هو التفريق بين الزوجين لمدة لا تتجاوز الحد الذي قد يؤدي إلى الجفاء والقسوة ومنه إلى الشقاق»
ولا شك أن سبب هذا «العك الديني» هو الجهل بالفرق بين:
(أ): «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»
(ب): «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَجع»
لذلك نراه بقوله «التفريق بين الزوجين» قد فسر الماء بالماء، لأن الزوجين أصلًا في حالة انفصال كامل بدلالة فعالية «الهجر» الشامل لكل مكان في البيت، ويحرم عليها الخروج من بيت الزوجية إلا بقرار من «الحكمين»:
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا – فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ – وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا – إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً – يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا – إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً»
٣- وعلى الجانب نجد تعليقًا على منشور «السؤال الصعب» يقول فيه صاحبه:
«فيه نساء فعلًا كدا، بيحبوا أحيانًا يِضِّرْبُوا، مش حبًا في الضرب، لكن يتأكدوا من خلاله إنهم متزوجين ذكر (فحل)، شيء نفسي يعني».
# سادسًا:
فعلا تختلف النساء في طبائعهن:
١- فهناك من تستجيب لزوجها خلال فترة «الموعظة»، أو خلال فترة «الهجر»، وتنتهي القضية:
«فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»
٢- وهناك من لا تنفع معها موعظة ولا يؤثر فيها هجر، لإصابتها بمرض نفسي منذ صغرها، فلا ترى الرجولة «الفحولة» إلا إذا استخدم زوجها معها العنف، ولا ترى في الضرب إهانة لكرامتها.
فمن حكمة التشريع القرآني، أن جاء «الضرب» ضمن وسائل العلاج لاحتمال أن تكون الزوج «المرأة» من هذا الصنف من النساء، ولكن كيف يعرف الرجل ذلك، بعد أن أصبح الزواج كـ «البطيخة – انت وحظك»؟!
يعرف الرجل ذلك عن طريق:
إذا حدث بعد فترة الموعظة والهجر أن ضرب زوجه فإذا بالأزمة تزداد اشتعالًا، إذن فهي ليست من النساء المصابات بهذا المرض النفسي، وعليه أن يتوقف عن «الضرب» نهائيًا، وينتقل إلى مرحلة «التحكيم»، فإذا فشل التحكيم فـ «الطلاق».
علمًا بأن هذا «الضرب» إذا ترك أثرًا في جسد المرأة، أو تسبب في إصابتها بشيء يُعاقب عليه الزوج، فعلى المرأة أن تلجأ إلى القضاء.
٣- ثم تأتي من تُعلّق على منشور «السؤال الصعب» وتقول:
إن «الضرب» في معاجم اللغة لا يعني غير «المفارقة والمباعدة والتجاهل»، وذكرت من المعاجم:
«لسان العرب، والمعجم الوسيط، والصحابي في فقه اللغة»
# سابعًا:
فتعالوا نتأكد من صحة ما قالته صاحبة التعليق السابق:
إننا لا يمكن أن نصرف معنى الكلمة القرآنية «الحقيقي»، الذي عرفه اللسان العربي وأكده السياق القرآني، إلا بقرينة تصرفه إلى غيره.
فإذا تتبعنا جذر «ض ر ب» في معاجم اللسان العربي، فإن أوَّل ما يطالعنا هو «المعنى الحقيقي» لفعل «ضَرَبَ»، وهو:
«إيقاع شيء على شيء، كضرب الشيء باليد والعصا والسيف»
١- فإذا ذهبنا إلى «لسان العرب» وجدنا ابن منظور يقول عن «المعنى الحقيقي» لفعل «ضَرَبَ»:
(أ): «الضرب معروف … وضَرَبَ الوَتِدَ يَضْرِبُه ضَرْباً دَقَّه حتى رَسَب في الأَرض».
(ب): «وضَرَبَ بيدِه إِلى كذا أَهْوَى … وتضارَبَ القومُ واضْطَرَبُوا ضَرَبَ بعضُهم بعضاً».
(ج): «إن الراكب إِذا رَكِبَ دابة فأَراد أَن يَصْرِفَه عن جِهَتِه، ضَرَبه بعَصاه ليَعْدِلَه عن الجهة التي يُريدها … وفي حديث عائشة عَتَبُوا على عثمانَ ضَرْبَةَ السَّوطِ والعصا، أَي كان مَنْ قَبْلَه يَضْرِبُ في العقوبات بالدِّرَّة والنَّعْل، فخالفهم».
٢- أما «المعجم الوسيط» فيقول عن المعنى الحقيقي لـ «ضَرَبَ»:
«الشيء»: ضَرْباً وضَرَباناً: تَحرَّكَ … و«بيده» إلى كذا: أَهْوَى … و«فلانًا» وغيره بكذا: أَوْقَعَه عليه وجَلَدَه … و«الخيمة» ونحوها: نَصَبَها»
٣- ثم تعالوا إلى «الصحابي في فقه اللغة»، يقول ابن فارس:
(أ): باب اللام / «ص ١١٧»
«ومنها أن تكون إرادة، نحو: قُمتُ لأَضرب زيداً، بمعنى قمت أريد ضَرْبَهُ».
(ب): باب الحذف والاختصار / «ص ٢١١»:
«ومثله: أنِ اضرِبْ بعصاك البحرَ فانفلق، أي فضرب فانفلق».
(ج): باب إضمار الأفعال / «ص ٢٣٤»:
«ومن الإضمار: فقلنا اضربوه ببعضها، كذلك – معناه: فضربوه فحَيَّ»
وأضيف من عندي ما قاله ابن فارس في «مقاييس اللغة»:
«ضَرَبَ: الضاد والراء والباء أصلٌ واحدٌ، ثم يُستعار ويحمل عليه، من ذلك ضَرَبت ضربًا، إِذا أوقعت بغيرك ضربًا».
* فأين تذهبون – يا أيها الملحدون؟!
# ثامنًا:
أما الإجابة على «السؤال الصعب»، فبالإضافة إلى ما سبق أقول:
نلاحظ أن الوسائل الثلاث المستخدمة في حالة نشوز المرأة، وكذلك الوسيلة الرابعة «الإصلاح»، لا تكون بعد حدوث النشوز والشقاق، وإنما تبدأ عند «الخوف» من النشوز والشقاق المؤدي إلى الطلاق.
وهذا ما بينه قوله تعالى «النساء / ١٢٩-١٣٠»:
«… وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ – فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ – وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً»
أما في حالة نشوز الزوج «الرجل»، ولكونه القائم على شؤون ومصالح أفراد أسرته، فلا وسيلة أمام المرأة إلا «التحكيم »، لقوله تعالى قبل الآيتين السابقتين، مخاطبًا الحكمين «النساء / ١٢٨»:
«وَإِنِ امْرَأَةٌ (خَافَتْ) مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً – أَوْ إِعْرَاضاً – فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً – وَالصُّلْحُ خَيْرٌ…»
وغالبا ما تكون شكوى المرأة «المؤمنة الصالحة» بسبب عدم عدل زوجها بين أزواجه، وذلك بقرينة السياق، وقول الله تعالى بعد ذلك «النساء / ١٢٩»:
«وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ – فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ – فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ – وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ – فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً»
و«العدل» المقصود في هذه الآية الذي يستحيل أن يحققه أي رجل، ليس هو «العدل المادي» وإنما العدل المتعلق بـ «الميل القلبي» الذي يختلف باختلاف تآلف النفوس، والذي يستحيل أن يتحكم فيه الرجل.
لذلك نهى الله الأزواج عن أن يميلوا كل ال ميل إلى بعض أزواجهن، وهجر أخرى حتى تصير كالمعلقة.
والسؤال:
متى تظهر المشاكل بين الزوجين المسلمين ولماذا؟!
«متى»: طبعا تظهر المشاكل بعد الزواج، بعد أن قبل الزوجان أن يلتزما بأحكام «كتاب الله وسنة رسوله».
و«لماذا»: لأن الزواج من الأصل لم يكن من أجل النجاة في الآخرة وإنما من أجل النجاة في الدنيا.
# تاسعًا:
وهذه بعض الأمثلة، لمن يجهلون علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، ولا يدرون كيف يستخدم السياق المعاني «المجازية» لفعل «ضَرَبَ»:
١- الضرب بمعنى «الجعل»:
* «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي – فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا»
٢- الضرب الدال على «الظرفية» بحرف «في»:
* «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ…»
٣- الضرب الدال على «الاستيلاء واللصوق»:
* «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ»
فهل «الذِّلَّةُ» شيء مادي يُضرب على الإنسان، أم أنها إشارة إلى اتصاف الإنسان بهذه الصفة وملازمتها له؟
٤- الضرب بمعنى «التعلق»:
* «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ»
فهل المثل شيء مادي يُضرب، أم أن المقصود تعلق المثل بكلام يُقال باللسان؟!
وغير ذلك من عشرات الأمثلة المبينة للمعنى «المجازي» لفعل «ضَرَبَ»، والتي يستحيل أن يكون منها فعل «وَاضْرِبُوهُنَّ»، لعدم وجود قرينة تصرف «الضرب» عن معناه «الحقيقي».
أما القاصمة التي اختم بها هذا المقال، والتي تقصم ظهر كل ملحد في أحكام القرآن، من الذين يتبعون ما يقوله الملحدون بغير علم، وهو أن «وَاضْرِبُوهُنَّ» تعني «المفارقة والمباعدة والتجاهل»:
* فأقول:
أن الضمير «هُنَّ» الوارد في فعل «وَاضْرِبُوهُنَّ»، يشهد بدلالته القطعية، تعلق ولصوق «الضرب» بجسد المرأة ذاتها، ولا علاقة له بزوجها حتى يقول الملحدون إن معناه «المفارقة والمباعدة والتجاهل» بين الزوجين.
وأخيرًا:
إن الزوج الذي تزوج بامرأة لا ترى في «الضرب» إهانة لكرامتها، بل تكون سعيدة بـ «فحولة زوجها»، كما سبق بيانه عن هذه الحالة الاستثنائية، لم يظلم نفسه، ولم يتعد حدود الله، لأن الله تعالى هو القائل:
«فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ – فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»
أما عن «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري



