

(1349) 25/2/2020 «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ» الْمُنَافِقُون … يَمْتَنِعُون
يناير 29
6 min read
0
2
0
إن أخطر ملل الكفر على عقائد الناس، هي «ملة النفاق»، ذلك أن أصحابها، على مر الرسالات الإلهية، يكونون جزءًا من «المجتمع الإسلامي» إلى درجة يصعب على الناس كشفهم، إلا إذا كانوا من أهل البصيرة.
ولذلك، عندما أعد الله تعالى النار لملل الكفر كلها:
* «وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
خصص للمنافقين في هذه النار مكانًا خاصًا يليق بهم:
* «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً»
ويشاء الله تعالى، على مر الرسلات، أن تحدث مواقف لكشف هؤلاء المنافقين للناس، كما كشف الله لرسوله محمد حقيقة المسجد الذي بناه المنافقون للإساء إلى «دين الإسلام» وضرب الصف الإسل امي من الداخل:
«وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ … لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً – لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ – أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ … الآية»
ومن «المنافقين» الذين لا شك أنهم «جهلاء» لا يعلمون شيئا عن «تدبر القرآن»، مع أن الآية التي يحفظها الصغير قبل الكبير، وهي قول الله تعالى:
* «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
نزلت أصلا تخاطب «المنافقين»، تطلب منهم فتح أقفال قلوبهم حتى تتمكن من الوقوف على ما تحمله آيات الذكر الحكيم من مفاهيم يستحيل فهمها إلا بـ «آلية التدبر».
وإذا كانت «آلية التدبر» لا تعمل إلا إذا كان القلب يعلم أساليب القرآن «البلاغية»، ويقف عند سياقات آياته المحكمة، ويرد الآيات المتشابهات إلى الآيات المحكمات:
فإن الآيات المحكمات المتعلقة بشرط قبول الله من الناس «في الآخرة»:
– إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
– جهودهم الخيرية وتبرعاتهم بصورها المختلفة.
– مساعدة شعوب العالم «بمليارات الأموال» في كوارثها، ورعاية أيتامهم ومرضاهم وضعفائهم.
إن هذه الآيات المحكمات، التي يجب أن ترد إليها جميع الآيات المتعلقة بموضوعها، هي قول الله تعالى في سورة سميت باسم رسوله «محمد»، عليه السلام، وبدأت يقوله تعالى:
* «الَّذِينَ كَفَرُوا:
– وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ – أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ»
* «وَالَّذِينَ آمَنُوا:
– وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
– وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ
– كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ – وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
وعلة هذه الأحكام العقدية، التي يجب أن يتشربها قلب كل مؤمن أسلم وجهه لله تعالى، هي:
– ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا – اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ
– وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ
– كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ»
# وأشكر كل من درس المقالات السابقة المتعلقة بموضوع:
«أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا عملًا صالحًا مع الشرك به والإصرار على معصيته»
ووقف على المنهجية العلمية والبراهين القرآنية التي قامت عليها هذه المقالات كوحدة مترابطة متكاملة.
# أولًا:
«مشيئة الله»:
لقد خلق الله الكون ليسكن «بنو آدم» على أرضه، الذين جعلهم الله خلفاء الأرض:
* «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ – وَيَكْشِفُ السُّوءَ – وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأرْضِ – أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ»
وجعلهم يُعمّروها:
* «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ – وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»
«وَاسْتَعْمَرَكُمْ»: من الإعمار، فالسين والتاء للمبالغة، أي جعلكم المعمّرين للأرض، الساكنين فيها، تزرعون وتصنعون وتبدعون.
ويعلم الله تعالى «بعلمه الأزلي»، أن بني آدم لن يكونوا كلهم مطعين له، متبعين لرسله:
* «وَلَوْ شَاءَ اللّهُ – لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً – وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَا ءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»
ومع علم الله الأزلي بأحوال بني آدم، لم يفرق بين الملل العقدية المختلفة، في حصولها على نعمه التي لا تُحصى:
فالشمس تُشرق على الجميع، وحبة القمح تنبت بأيدي الجميع، وماء المطر ينتفع به الجميع، واجتماع ماء الرجل مع ماء المرأة أخرجهم جميعًا إلى الحياة الدنيا.
# ثانيًا:
«السنن الكونية»:
لا تعمل «السنن الكونية» في هذا الوجود إلا وفق «المشيئة الإلهية»، فمن عمل بـ «السنن» أعطته نتائجها مهما كانت ملته، ومن لم يعمل بها لم تعطه شيئًا ولو كان من عباد الله الصالحين.
لقد أخذت شعوب العالم المتقدم بـ «السنن الكونية» فتقدمت وتطورت، وأصبحت تملك أقوى جيوش في العالم، وكانت النتيجة أن حققت قوات التحالف بجيوشها أهدافها في العراق، وقضت على جيش المسلمين إلى يومنا هذا.
ولم تتدخل «المشيئة الإلهية» في تعديل مسار «السنن الكونية» لصالح المسلمين، لأنهم عصوا الله ولم يلتزموا بشرط تمكينهم في الأرض وتبديل خوفهم أمنا:
* «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ … وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً:
والشرط:
* «يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً – وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»
إذن فهذا «الوجود البشري»، يعيش ويعمل داخل منظومة من «السنن الكونية» التي قال الله تعالى عنها:
* «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً – وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً»
# ثالثًا:
«سنة الابتلاء والتسخير»:
ومن السنن الكونية «سنة الابتلاء والتسخير» التي ينقاد إليها الإنسان «جبرًا»، وإلا لانتهى «الوجود البشري» من على هذه الأرض:
فوظائف الأعضاء الرئيسة تعمل بدون إرادة الإنسان، والكوارث الطبيعية تحدث بدون إرادة الإنسان، والفيروسات القاتلة تفاجئ العالم بما ليس في الحسبان، والله تعالى يقول:
* «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ – وَالْجُوعِ – وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ – وَالأنفُسِ – وَالثَّمَرَاتِ – وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»
* «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ»
ثم نقف ونتدبر ماذا قال الله تعالى بعدها عن «سنة التسخير»:
* «أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»
وتتمثل الـ «صَلَوَات» والـ «رَحْمَة» الإلهية في تسخير الله تعالى الناس، بعلمهم أو بدون علمهم، بإرادتهم أو بدون إرادتهم، لإحداث التوازن «الإنساني» بين الناس، فإذا بهم يندفعون دفعًا لنصرة المظلومين، ولعلاج المدمنين، والتبرع بالملايين لعلاج المرضى والمنكوبين.
وكل هذا يحدث في إطار علم الله تعالى ووفق مشيئته، التي لا تفرق في هذا السياق «الإنساني» بين الملل المختلفة، ومعلوم أن صيغة قسم الأطباء، بداية بقسم «بقراط» الطبي، وإلى يومنا هذا، لم تُفرق بين الملل في العلاج، ومن ذلك قولهم:
«وأن أصون حياة (الإنسان) في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال … وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو»
إن ما فعله «د. مجدي يعقوب» خلال مسيرته العلاجية العالمية لخدمة «الإنسانية»، وما قدمه الناس له من تدعيم نفسي ومالي لتحقيق أهدافه «الإنسانية»، يستحق كل التقدير والاحترام من كل مؤمن مسلم عاقل، يعلم كيف تعمل السنن الكونية وفق المشيئة الإلهية، في إطار «سنن الابتلاء والتسخير».
# ر ابعًا:
«فعالية أحكام القرآن»:
لقد نزل القرآن يخاطب الناس جميعا، المؤمن والمنافق والكافر والمشرك، ووضع منهاجًا وشرعًة لـ «الذين آمنوا» عند تعاملهم مع غير المسلمين، وأهم ما يخصنا في هذا السياق هو:
١- أن قتال غير المسلمين واستحلال دمائهم لا يحدث إلا في حالة اعتدائهم على المسلمين، أي أن تكون البداية منهم، يقول الله تعالى:
* «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ – وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ … وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ – فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ – كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»
ثم تدبر قول الله تعالى بعد ذلك:
«فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»
٢- يحرم إيذاء غير المسلم بأي صورة من صور الإيذ اء النفسي أو المادي، أما وصفك له بأنه «كافر» فهذه حقيقة عقدية هو يُقر بها، ويصفك بها، ولا يعتبرها إيذاءً، كما هو واضح في الخمس دقائق الأولى من الفيديو المرفق.
٣- لا يترتب على «كفر» الكافرين أي عقوبة في الدنيا، وما هو مُدوّن في أمهات كتب الفرق والمذاهب العقدية والفقهية المختلفة، ليس من «دين الإسلام» في شيء.
٤- وهناك أحكام تنظم العلاقة بين المسلم وغير المسلم في بعض المجالات، ومنها شرط الإيمان برسول الله محمد، والالتزام بأحكام القرآن، ليكون «عقد النكاح» صحيحًا:
(أ): يقول الله تعالى عن نكاح المشركات والمشركين «البقرة / ٢٢١»:
* «وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ … وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ … أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ – وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ – وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
لاحظ وتدبر: «و َيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
(ب): ويقول الله تعالى عن نكاح الكافرين والكافرات «الممتحنة / ١٠»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
– إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ
– فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ
– فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ
– فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ
– لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ – وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ»
# خامسًا:
إن كل ما يتعلق بمشيئة الله، والسنن الكونية التي تعمل وفق حدودها، في إطار سنة الابتلاء والتسخير، يخضع لقول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ:
– إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
– وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
– إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ – إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
و«التقوى»، التي هي محور الكرم والتكريم عند الله، يستحيل أن يتصف بها قلب لم يتشرب دمه بالفهم الواعي لقوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ:
– اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ … وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا:
– فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ – وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ:
– فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – وَلَن تَفْعَلُواْ – فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ – أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
* فلا تقوى «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»:
بدون الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» التي أنزلها الله على عبده ورسوله محمد، عليه السلام.
* ولا إيمان وعمل صالح «آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» بدون:
«وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ»
وتظل الأعمال الخيرية، والمساعدات الإنسانية، والمليارات التي تنفق في سبيلها، من «سنن الابتلاء والتسخير» إلى يوم الدين.
والذي يحدد مصير القائمين على هذه الأعمال والممولين لها في الآخرة، هو:
– بيان الله الذي فصّله تفصيلًا في آيات الذكر الحكيم.
– وليس «الإعلام المنافق» الذي يخلط بين أحكام القرآن والسياسة.
* وتذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري



