

(1364) 19/3/2020 «مقال الخميس» «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى – آمَنُواْ وَاتَّقَواْ – لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ – وَلَـكِن كَذَّبُواْ – فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ
يناير 29
6 min read
0
0
0
فإذا بهم يقولون:
«على زعماء العالم أن يتحدوا – ضد فيروس كورونا»
# أولًا:
ليس توظيفًا للآيات القرآنية لبيان قدرة الله على عقاب المُعْرِضِين عن آيات «الذكر الحكيم»، وعدم الاتباع الصادق لـ «القرآن العظيم»، وذلك على مستوى العالم أجمع:
لأن الله يخاطب الناس جميعًا ويقول لهم:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ:
– ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ:
– إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
– لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ
– وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ
– ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
– مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ – إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
١- وإنما المقصود بيان فعالية قول الله تعالى:
«ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ … إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
٢- الرد على العلمانيّين والملحدين والتنويريّين، الذين يُقدّسون العقل والعلم بـ «معزل» عن طاعة من وهب للإنسان الضعيف العقل، وهداه إلى آليات العلم والتقدم الحضاري:
إنه «اللَّهَ رَبَّكُمْ – وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ».
٣- وتحذير للمسلمين الذين يجهلون معنى «مقام الصلة بالله»، هذا المقام الذي يقف فيه «المصلي» وهو يفتح باب الصلة با لله بقوله «الله أكبر».
هذا المقام الذي لم يترب عليه الذين ورثوا تدينهم عن آبائهم وهم في بطون أمهاتهم، يدخلون فيه وهم «سكارى» منشغلون بحياتهم الدنيا، ويخرجون منه كما دخلوه، وقد حَرّم الله عليهم هذا «الْسُكْر» بنهي تحريم فقال تعالى:
«يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ – وَأَنتُمْ سُكَارَى – حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ»
٤- ثم يخرج علينا من يقولون عن «التدخين»:
«إن الله لم يُحرّمه بنص ظاهري صريح قطعي الدلالة»
فيا أيها «الجُهَّال»:
إن حياتكم وصلواتكم ومناسككم … كلها أصلًا «مُحَرَّمَة» بصيغة «نهي» وليس بصيغة «تحريم»، لأنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به سلطانا.
لذلك يحرم على المسلم أن يدخل «مقام الصلة بالله»، في أي شعيرة من الشعائر، دون أن يعلم ما يقول، أي دون أن يكون ذهنه حاضرًا ومعايشًا لما يقول.
ثم يخرج علينا من يقول:
«إن التدخين لا يُسفد عبادة الصوم»!!
والله تعالى يقول:
«قُلْ: إِنَّ صَلاَتِي – وَنُسُكِي – وَمَحْيَايَ – وَمَمَاتِي – لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – لاَ شَرِيكَ لَهُ – وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ – وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»
ويقول الله تعالى عن «الهوى»:
«أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ:
– وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ
– وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
– وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
– فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
– أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»
فأين صيغة التحريم في مثل هذه الآيات المتعلقة بـ «أصول الإيمان» قبل أن تتعلق بـ «أحكام القرآن»؟!
# ثانيًا:
نعم: «ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ … إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
١- إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله، وألزم نفسه بأحكام القرآن، عندما يقف في «مقام الصلة بالله»، فإنه يعيش لدقائق معنى «الله أكبر» قبل قراءة الفاتحة، وإلا فسدت صلاته، وأصبح من «السكارى» الذين جعلوا «صلتهم بالله» لهوًا ولعبًا.
٢- إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله، وألزم نفسه بأحكام القرآن، عندما يقول «الله أكبر» يجب أن يعيش الصورة الذهنية لشوارع دول العالم وهي خالية من الناس، بعد أن سجنهم «كورونا» في البيوت.
٣- إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله، يعيش فعالية «الله أكبر»، وكيف عجزت أحدث الأسلح ة العسكرية، والعلوم والتقنيات الحديثة، التي مكنت الإنسان من الصعود إلى القمر، والتخطيط للصعود إلى المريخ، أن تواجه خطر سلاح «كورونا» وهو يضرب شعوب العالم.
٤- إن المؤمن الذي أخلص العبودية لله تعالى يعلم، أن انتشار الأوبئة بين شعوب العالم، خلال عقود وقرون مضت، لم يكن ليكون إلا بـ «مشيئة الله»، مهما كانت أسباب انتشاره:
(أ): بهروب الفيروسات من المعامل.
(ب): بنظرية «المؤامرة» واشتراك علماء من دول مختلفة فيها، المهم تعددت الأسباب، والابتلاء والموت واحد، والله تعالى يذيق بعضهم بأس بعض، بصرف النظر عن مللهم العقدية، فيقول تعالى:
«قُلْ هُوَ الْقَادِرُ:
– عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ
– أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
– وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ
– انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ»
* ولم يفقهوا خلال قرون مضت!!
٥- إن المؤمن الذي دخل «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم، يعلم:
(أ): أن الله وحده القادر على رفع هذا البلاء عن العالم وفق مشيئته، كما رفعه خلال عقود وقرون مضت وفق مشيئته، لا لأنه سبحانه يعلم أن الناس ستتوب وترجع إليه بعد كل بلاء، وإنما لأنها «سُنّة كونية» تعمل بين الناس منذ خلقهم الله، فتدبر:
«أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا:
– أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
– وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ:
– الَّذِينَ صَدَقُوا – وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»
(ب): أن هناك نوعًا من البشر، هم الذين قال الله عنهم:
* «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ»
* «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»
هؤلاء هم الذين لو وقفوا على نار جهنم، وعلموا ما سيحدث لهم فيها، وطلبوا من الله أن يُرجعهم إلى الدنيا ولن يعودوا إلى ما نهاهم عنه، لعادوا إليه لو أعادهم الله إلى الدنيا «تَخَيّلوا ..!!»:
«بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ – وَلَوْ رُدُّواْ – لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ – وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ».
والسؤال:
من هم هؤلاء، وأين يعيشون في هذا العالم، إذا كان أتباع الملل ال عقدية المختلفة كلهم «مسلمين»، سيدخلون الجنة «بفتوى شحرور»، رغم كفرهم بـ «نبوة» رسول الله محمد؟!
# ثالثًا:
بداية القصة:
يُبيّن الله علة ابتلاء أتباع الرسل على مر الرسالات فيقول تعالى «الأعراف / ٩٤»:
١- «وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ»
* إن قوله تعالى «لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ» يعني أنهم لم يكذبوا الأنبياء فقط، وإنما كذبوا الرسالات «وَمَا أَرْسَلْنَا».
فهل اتبع أتباع الرسالات الإلهية ما أمرهم الله به، حتى ينجيهم من بأساء وضراء كورونا، و«تَتَضَرَّعُواْ»؟!
(أ): لا مانع أن تخسر كل دولة من دول العالم مليارات المليارات من الدولارات، بسبب «كورونا»، يعني ما جمعته في سنين تخسره بـ «فيروس»، مع تقدمها العلمي والتقني وأسلحتها النووية.
(ب): ولا مانع أن يذهب الناس إلى تخزين الطعام والشراب، وشراء المطهرات والكمامات واللب والسوداني، وأن يمكثوا في بيوتهم أمام شاشات التلفاز، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ينشرون الإشاعات.
(ج): ولكن السؤال:
هل بعد كل هذا الذي فعلوه، «تَضَرَّعُواْ»، وأنابوا إلى ربهم؟!
تعالوا نتدبّر:
«فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ:
– وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ
– وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»
وتذكر:
* «وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ – فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ»
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ:
– أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ
– وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
– إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
– وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ»
٢- ثم يقول الله تعالى «الأعراف / ٩٥»:
«ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ – وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ – فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً – وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ»
والسياق القرآني هنا لا يحكي عن «حادث معين»، إنما عن «سنة كونية» تحدث على مر الرسالات، وتبين أن الإنسان ليس حرًا يفعل ما يشاء على هذه الأرض.
إن مشيئة الإنسان لا تخرج عن مشيئة الل ه وحكمته وتدبيره، فالله تعالى يبدل مكان الحال السيئ الحال الحسن، في إطار سنن الاختبار والابتلاء، فالحسنة هي المأخوذة مكان السيئة المتروكة، والمتروك هو الذي تصحبه الباء.
* «حَتَّى عَفَواْ»:
وانظروا وتدبروا بلاغة التعبير القرآني، إن الفعل وإن كان ماضيًا، لكنه بالنسبة إلى ما صار غاية له مستقبل يوحي بقلة المبالاة، وحالة الاستخفاف والاستهتار، كما يقولون اليوم:
لقد مرت الشعوب بأكثر من وباء، ومنها ما كان أخطر من «كورونا»، ومرت الأزمة بسلام، وجاء «السَّرَّاءُ» بعد «الضَّرَّاءُ»:
«قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ»
ولا يفطنون لسنن الله الكونية، ولا يتدبرون ما وراء الاختبار والابتلاء من حكم ومواعظ، والنتيجة:
«فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ»
وما «الكوارث الطبيعية» التي تحدث في العالم منا ببعيد.
«إنها فتنة الاختبار والابتلاء بالضراء والسراء».
٣- ثم يقول الله تعالى «الأعراف / ٩٦»:
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»
ووفق «مفهوم المخالفة» نعلم:
(أ): أن «أَهْلَ الْقُرَى» اليوم لم يؤمنوا ولم يتقوا الله:
«وَلَـكِن كَذَّبُواْ – فَأَخَذْنَاهُم – بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ».
(ب): لم يقل الله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى أَسْلَمُوا وَاتَّقَواْ»
ذلك أن ما قيمة «الاستسلام» ل أحكام الشريعة الإلهية، «أي الإسلام الظاهري»، والقلب يُشرك بالله ما أنزل به من سلطان؟!
لقد فسدت القلوب بفساد الإيمان، فمن أين تأتيها «تقوى الله»؟!
(ج): إن الإيمان الصادق بالله تعالى، والتسليم الكامل لأحكام شريعته، هما القاعدة التي تقوم عليها «تقوى الله»، ولا يصل المؤمن إلى «مقام التقوى» إلا بعد أن يخلع ويتحرر من عبودية الهوى، والحياة داخل مقابر تراث الجاهلية الديني.
(د): وعندما يكون مصدر «البركات» هو الله تعالى، فاعلم أنها «بركات» في كل مجالات الحياة، ما يعلمها المؤمنون المتقون وما لا يعلمونها، نفسيًا وماديًا.
إن «البركات» لا تتحول أبدًا إلى «خبائث» إلا على أيدي الناس وبمشيئتهم، التي لا تخرج عن مشيئة الله وفق سنة الاختيار التي أقام الله عليها الوجود البشري، فتدبر:
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:
– بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
– لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
– لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»
نعم: وهذا هو المحور الأساس لهذا المقال:
* «فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ»
* «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»
* تذكر:
١- أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
٢- أنه لا إيمان ولا إسلام دون الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس جميعا اليوم، والتي بدونها ما عَرَفَ المسلمون مفهوم «الوحدانية»، ولا «صدق النبوة»، ولا أحكام الشريعة القرآنية.
محمد السعيد مشتهري