

(1413) 2/5/2020 «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» من أرشيف «فيروس الهوس الديني» «عندما يُلحد الغلمان في أحكام القرآن»
يناير 29
٥ min read
0
0
0
كنت سأستكمل اليوم حديثي عن مكونات الكلمة العربية، وكان موضوعه عن «حروف الجر»، لولا أن أحد الأصدقاء قد طلب مني بيان لماذا جاءت كلمة «حَمَّالَةَ» منصوبة في قوله تعالى:
* «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»
والمفروض أن تكون مرفوعة «حَمَّالَةُ»؟!
خاصة وأن هناك شخص يدعى «أمين صبري» تكلم ما يزيد عن ساعة ونصف، لبيان لماذا جاءت كلمة «حَمَّالَةَ» منصوبة، بكلام لم يفهمه الصديق صاحب الرسالة.
والحقيقة أني منذ أنشأت هذه الصفحة، وأنا احتفظ بملفات كثيرة بأسماء الملحدين في آيات الله، المستهزئين بأحكامها، حتى إذا وصلت غيبوبة المسلمين إلى حد يستلزم إخراج ما تيسر من هذه الملفات أخرجتها.
ومن ضمن هذه الملفات ملف باسم «أمين صبري»، ومنها إلحاده في آيات سورة «المسد»، والحقيقة أني كنت قد قررت التخلص من كثير من هذه الملفات لافتقارها المادة العلمية التي تستحق الرد عليها، ونسيت.
لذلك سيكون هذا المنشور هو الأول والأخير للحديث عن إلحاد «أمين صبري» في آيات القرآن، ومن ذلك إلحاده في آيات سورة «المسد»، خاصة وأن حديثه اتصف بـ «طيش الشباب»، و«قلة الأدب»، و«الهوس الديني»، مثال ذلك قوله:
* لن تجدو على الإنترنت تفسيرًا لسورة «المسد» بشكل يليق بكلام الله، فقد تحدث المفسرون عن كلام الله بشكل مشوه.
* هناك مفارقة رهيبة في هذه الآية، مفارقة في اللغة العربية تُعجز كل علماء اللغة، لأن الله يقول «وَامْرَأَتُهُ» وهي كلمة مرفوعة بالضمة، فكيف تأتي كلمة «حَمَّالَةَ» منصوبة، والمفروض أن تأتي مرفوعة «حَمَّالَةُ»؟!
* عندما تجدوا يا علماء اللغة أن الآية أكبر من القاعدة اللغوية التي تعرفونها، فلا تفتوا في الآية.
* إن هذه المفارقة اللغوية تفتح بابًا جديدًا للتفسير لم يُفتح منذ «١٥٠٠ سنة».
* أقول:
وهذا الذي قاله في النقطة الأخيرة، هو الشيء الوحيد الصحيح الذي حمله حديثه كله، وسأترك للأصدقاء حرية التعرف على هذا التفسير الجديد الذي لم يُفتح منذ «١٥٠٠ سنة»، بعد مشاهدتهم للفيديو المرفق.
ولن أعلق على ما قاله في هذا الفيديو لأنه لا يستحق التعليق، بل ويصيب المستمع له بـ «الصداع النصفي»، وهذه هي طبيعة:«المنهجية الهرمنيوطيقية الإلحادية»
التي ترهق الذهن أثناء متابعة موضوعها، ليحدث له ما يُسمى بعملية «غسيل المخ»، فيُسلم الإنسان لما يقوله الملحد تسليما.
إن ما سأقوم به، للرد على الإلحاد المتعلق بآيات سورة «المسد»، هو بيان المنهجية العلمية في تدبر القرآن، وفق الأدوات التي قام عليها التوجه «نحو إسلام الرسول».
# أولًا:
تتحدث سورة «المسد» عن المكذبين لدعوة رسول الله محمد، عليه السلام، الذين «غَرَّتْهُ مُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» وفتنوا بشهواتها، الذين قال الله تعالى لرسوله عنهم:
* «فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ»
هؤلاء «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ»
وعندما تشارك المرأة زوجها في الطغيان والإفساد والإضلال، فإن الأمر يستحق أن تنزل به سورة كاملة.
ويجب أن نلاحظ أن سورة «المسد» تتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة، يوم الحساب، يظهر فيه مصير «أَبِي لَهَبٍ» و«امْرَأَته» وهما يساقون إلى نار جهنم، ولا علاقة لها مطلقا بمشاهد الدنيا.
# ثانيًا: يقول الله تعالى:
* «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ»
١- «تَبَتْ»:
التباب: الهلاك وفقدان الشيء بلا رجعة، ولذلك جاءت بصيغة الماضي لبيان حصول الهلاك الذي لا نجاة منه في الآخرة.
٢- «يَدَا»:
تأتي الأيدي في سياق الهلاك للتعبير عن خسارة الدنيا والآخرة، فتدبر:
يقول الله تعالى «الحج / ١٠»:
* «ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»
٣ـ «أَبِي لَهَبٍ»:
كلمة «لهب» صفة، وليست اسم ذات، فالله لم يقل «أبي جهل»، وإنما وصفه بصفته التي سيكون عليها في الآخرة، والتي سيأتي بيانها بعد ذلك.
٤- «وَتَبَّ»:
بيان لتمام الهلاك والخسران الذي لا مفر منه مطلقا في الآخرة.
# ثالثًا: « مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ»
لن ينفعه في الآخرة: «ماله» ولا «عمله» الذي كسب منه المال.
# رابعًا: «سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ»
وهنا الحديث عن المستقبل، عن الجزاء في الآخرة ووصف النار بأنها «ذَات لَهَب»، فتدبر قول الله تعالى «المرسلات / ٣١»:
* «لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ»
والحكمة من وصف النار بأنها «ذَات لَهَب» بيان أن نار جهنم لا تسكن ولا تخمد أبدًا، وتظل مشتعلة ولا تتحول إلى جمر ينطفئ.
# خامسًا: «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»
وتفيد «واو» العطف هنا، ومجيء «امْرَأَتُهُ» مرفوعة، أن جزاء «امْرَأَته» في الآخرة، هو نفس جزاء زوجها «أبي لهب»، أي:
«سَيَصْلَى هو وامْرَأَتُهُ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ».
وجيء بكلمة «حَمَّالَةَ» منصوبة، وليست مرفوعة «حَمَّالَةُ»، ذلك أن السياق يتحدث عن عذاب «امْرَأَته» في الآخرة، والمعنى:
«وَامْرَأَتُهُ التي صارت حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»
أي صارت بعد دخولها النار المشار إليها من قبل، كناية عن نوع العذاب الذي جاء بيانه بعدها بقوله تعالى:
٥- «فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ»
أي سَتَصْلَى «نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ» – وهي «فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ».
ووصف «الحبل» بأنه من «مَّسَدٍ» لبيان غلظته وشدة فتله، ذلك أن «المسد» ما مُسد، أي فُتل من أي شيء كان.
وعندما يكون «الحبل» من نار جهنم، ويُطوق به «جِيدِها»، كما قال الله تعالى «آل عمران / ١٨٠»:
* «سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
نعلم أن المقصود من هذا التصوير البلاغي للآيات، بيان مشهد العذاب الذي ينتظر امرأة أبي لهب في الآخرة، وكأنه شاخص أمامنا اليوم.
# سادسًا:
ملاحظات وليست تعليقًا:
١- إن أسماء سور القرآن ليست محل اجتهاد من الملحدين، فلا يصح أن نقول لماذا سُمّيت سورة البقرة بـ «البقرة»، ولماذا سُمّيت سورة المسد بـ «المسد»، لأن السورة قد تسمى باسم كلمة تذكر فيها.
وسُمّيت سورة المسد بـ «المسد» لأن أصل عذاب امرأة أبي لهب هو هذا الحبل الغليظ المفتول بشدة وحكمة، والذي مادته نار جهنم، تماما كما يُصور لنا الله تعالى بعض أنواع العذاب فيقول تعالى:
«ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ»
* «وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ»
٢- دائما يقع الملحدون في آيات الله في تناقض يصل إلى حد الخبل و«الهوس الديني»، فنراهم يستهزؤون باللغة العربية وبأئمتها وأهلها، في الوقت الذي يستخدم هؤلاء الملحدون هذه اللغة في قراءتهم للقرآن وحديثهم عن الفعل والفاعل والمفعول!!
فمن أين هذا عرف هذا «الغلام» المدعو «أمين صبري» أن كلمة «امْرَأَتُهُ» مرفوعة لأنها «مبتدأ» وأن كلمة «حَمَّالَةَ» جاءت منصوبة لأنها مفعول به:
«وإن كان كل ما قاله عن هذه الآية باطلا»؟!
٣- إن بدعة أن لكل حرف «معنى»، وأن «تب» مثل «أب» مثل «رب»، من حيث اشتراكها في «الباء»، بدعة سخيفة لا يُروج لها إلا «الملحدون»، وسأبين ذلك عند الحديث عن «الحروف».
٤- عندما تكون نتيجة التفسير الذي لم يسبقه تفسير، أن تكون كلمة «امْرَأَتُهُ» غير عاقل، ويقول هذا «الغلام» الملحد:
«لأن هناك فاعل مستتر يعود على أبي لهب، لأنه هو الذي حمّلها الحطب، هو الذي وضع هذه الإفساد بداخل القن بلة، فهي مفعول في حد ذاتها»
فإن السؤال الذي سيفرض نفسه:
من أين تعلم هذا الملحد مسألة «الفاعل المستتر»، ولماذا يستخدم مصطلحات «اللغة العربية» بعد أن أهان أهلها؟!
٥- إن المتدبر لحديث هذا الملحد، من أوله إلى آخره، يجده يريد أن يقول إن «اللهب» الذي يتصف به «الطواغيت»، والذي يُدمر كل شيء بلا رجعة، هو الهدف من سورة «المسد».
والسؤال:
وهل نزلت سورة «المسد» إلا لبيان أن هؤلاء «الطواغيت» سيحرقون في نار جهنم حرقًا، هم وكل ما جمعوه في الدنيا؟!«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون صيدًا ثمينًا بين أنياب الملحدين.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.
٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري
الرابط: