top of page

(1455) 9/6/2020 «القرآنيون وأزمة الفكر الديني»

يناير 29

6 min read

0

0

0

* مقالي بصحيفة «الدستور» في «١٩/ ٧/ ٢٠٠٧»، مع شيء من التصرف يناسب إشكاليات وتحديات اليوم.

لم تكن قضية القرآنيين في مصر لتمر دون أن نتعرف على إشكاليات ظهرت على السطح بظهورها، قد تغيب عن كثير من المثقفين، بل وعن كثير من علماء ودعاة المذاهب الدينية أنفسهم، ومن هذه الإشكاليات:

# أولاً:

القرآنيون، أو أهل القرآن، اسم يطلق على كثير من التوجهات والمذاهب الفكرية الإسلامية المنتشرة في العالم، والمختلفة في مناهجها في فهم القرآن، وفي طرق استنباط أحكامه، اختلافاً كبيرا.

لذلك كان عدم الوقوف على طبيعة هذه التوجهات، ومذاهبها الفكرية المختلفة، ومناهج دعوتها، يوقع كثيرًا من المهتمين بهذه القضية في أخطاء شرعية وعلمية ومهنية.

مثال ذلك:

١- هناك موقع للدكتور أحمد صبحي منصور باسم «أهل القرآن» يقوم على فهم النص القرآني بذات النص نفسه.

٢- وموقع يحمل أيضا اسم «أهل القرآن» للشيخ صلاح الدين أبو عرفة، ويقوم على فهم النص القرآني بالاستعانة باللغة العربية، والحديث الصحيح، طبعا من وجهة نظر فرقة أهل السنة.

٣- و«أهل القرآن»، لـ «الزياني القرآني»، الذي يقول إنه ورث الفكر القرآني عن آبائه منذ اليوم الأول للإسلام، ومن معتقداتهم:

(أ): أن المرأة مطالبة فقط بستر عضوها التناسلي، بشرط ألا تستخدم تلك الرخصة لإثارة الغرائز.

(ب): لا عورة للرجل على الإطلاق.

(ج): لا قطع ليد السارق.

(د): لا جلد على الزنى.

«انظر: جمال البنا، المختار من البحوث والمقالات، ج١ ص٢٢»

* وأنا أقول اليوم تعليقًا على ما كتبته في «٢٠٠٧م»:

يعني محمد شحرور كان أرحم.

٤- وهناك توجهات قرآنية أخرى، مع اختلاف بينها في كيفية استنباط الأحكام من القرآن، وفي مقدمتها:

موقع منتديات «معراج القلم – إبراهيم بن نبي» الذي يرى أن التعامل مع القرآن يكون باعتبار أن كلماته رموز ورسومات، تحتاج إلى من يفك شفراتها، كما فك العلماء شفرات حجر رشيد.

# ثانيًا:

ولذلك لا يجب أن توضع «التوجهات القرآنية» المختلفة في سلة واحدة، لأن منها من يؤمن أصحابها بـ «حجية مرويات السنة» التي ثبتت صحتها، كـ «صلاح أبو عرفة»، أو التي توافق القرآن كـ «أحمد عبده ماهر».

* أقول: وكلها باطلة لأنها مازالت تنطلق في دعوتها من قاعدة «شرك التفرق في الدين»، فالسني سني، والشيعي شيعي…، هذا «الشرك» الذي حمله «التدين الوراثي» للمسلمين وهم في بطون أمهاتهم.

فعلى سبيل المثال:

في الكتاب المشار إليه سابقا، يسأل «الزياني القرآني» الأستاذ جمال البنا عن تاريخ القرآنيين في مصر فيجيب:

«فالقرآنيون في القاهرة كان البارز فيهم الدكتور صبحي منصور، والدكتور مشتهري»

فخلط «جمال البنا» بين توجّهين مختلفين تماما، ثم وضعهما في سلة واحدة مع فكر «الزياني وجماعته»، باعتبار أن كل هذه التوجهات «قرآنية»، يُتصور أنها جماعة واحدة، تحمل فكرا واحدًا!!

فأنا لم أكن في يوم من الأيام من «القرآنيّين»، وهذا اللبس الذي حدث عند الأستاذ «جمال البنا» كان بسبب ما قمت به من تواصل فكري مع المهتمين بإشكاليات التراث الديني على مستوى العالم الإسلامي خلال فترة دراستي للفرق والمذاهب المختلفة وذلك في أوائل الثمانينيات.

ولكن يبدو أني كنت مخطئا في تصرفي هذا، فقد تعامل القوم مع هذا التواصل المصحوب ببعض الدراسات كلٌ حسب توجهه الفكري، فكان من الطبيعي أن يختلط الأمر على كثير منهم، ولم يروا أن الهدف من هذا التواصل هو:

وجوب العودة إلى فكر الأمة الواحدة، الذي كان عليه رسول الله وصحبه الكرام، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة، من خلال البث المباشر لآيات الذكر الحكيم، الذي أنعم الله به كل مسلم على هذه الأرض.

# ثالثًا:

لقد لفت نظر الأستاذ «جمال البنا» إلى هذا اللبس، فقام مشكورا بالاعتذار في مقاله بصحيفة «المصري اليوم»، بتاريخ «١٣/ ٦/ ٢٠٠٧» قال فيه:

«صديقي الكاتب الإسلامي المحقق الدكتور محمد المشتهري عاتب علي، لأنني أدرجته في «القرآنيين» وكتب إلي أن القرآنيين لهم آراء أخري، خلاف إنكارهم السنة هو براء منها، الحق أنني لم أكن أعرف هذه الجزئية وبالتالي فلا يكون منهم، معذرة يا صديقي».

والإشكالية هنا:

أن معظم التوجهات القرآنية المختلفة نشأت في مجتمعات تدين بمذهب أهل السنة والجماعة، لذلك جاء نقدهم للتراث الديني موجه فقط لتراث هذه الفرقة الإسلامية، الأمر الذي يفرض علينا أن نسأل:

لماذا لم تظهر جماعة باسم «القرآنيّين» في الفرق الأخرى وفي مقدمتها «الشيعة»، مع وجود بعض الأفراد في كل فرقة ينتقدون تراثها الديني؟!

والجواب عند الباحث المحقق:

فعند «الشيعة»، على سبيل المثال، لا يُفهم الإسلام إلا من خلال «الأئمة المعصومين»، ولا يُفهم القرآن إلا بفهم العترة من أهل البيت، وما صح عن طريق أئمتهم من «مرويات السنة النبوية».

إن «الشيعة» يرون أن مرجعية الدين هي:

«كتاب الله وأئمة أهل البيت»

و«أهل السنة» يرون أن مرجعية الدين هي:

«كتاب الله وسنة رسوله»

* أقول:

فإذا سألنا علماء الفرقتين:

ما هو مفهوم «السنة النبوية»، وما هي الضوابط التي تحكم «مروياتها»؟!

خرج علينا علماء كل فرقة بالضوابط التي وضعها أئمة المحدثين وعلماء الجرح والتعديل التابعين لفرقتهم.

لذلك، وفي سياق هذه الحملة الأخيرة على القرآنيين، أسفت عندما قرأت لأستاذة بجامعة الأزهر تصريحًا بمجلة المصور «١٩/ ٦/ ٢٠٠٧» تقول فيه:

«… فإن كل من ينكر السنة كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم فهو منكر لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، كرسول ونبي وشاهد أو نذير، فإن أصر على هذا الإنكار كما يفعل هؤلاء القرآنيون فهو مرتد وتجب استتابته، وإن لم يتب فيجب إقامة حد الردة عليه، زجرًا له ولغيره ممن يتطاولون على السنة»

لقد ساوت الدكتورة بين شخص الرسول، الذي يستطيع كل صحابي أن يرجع إليه للتأكد من صحة ما بلغه من «حديث» رسول الله، وبين «المرويات» التي نسبها الرواة إليه، والتي ما زالت إلى يومنا هذا محل جرح وتعديل، وتصحيح وتضعيف.

ثم بعد أن حكمت على «منكر السنة» بالردة ثم الاستتابة ثم إقامة الحد، إذا بها تضع نفسها في مأزق علمي تهدم به كل ما قالته من قبل، فقالت بعد ذلك:

«هذا لا ينفي أن السنة النبوية، خاصة أخبار الآحاد ـ عملية النقل عن بعض الصحابة التابعين ـ تحتاج إلى تنقية لبيان الأحاديث الضعيفة منها والصحيح، مع عدم الاعتداد بالضعيف والالتزام بالسنة الصحيحة سواء كانت متواترة أو مشهورة»!!

* أقول:

فكيف تحتاج «مرويات السنة النبوية» إلى «تنقية»، ثم نقتل من ينكرها إذا لم يتب وأصر على إنكارها؟!

# رابعًا:

إن أخطر ما ورثه علماء الفرق والمذاهب الإسلامية من ثقافة التخاصم، أن تعامل كل فريق منهم مع مذهبه ومنبره باعتبار أنه وحده الذي يمثل ملة الإسلام، وما عداه فخارج عن هذه الملة!!

لذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه:

من الذي أعطى علماء كل فرقة الحق، باسم القرآن أو باسم الرسول، في تكفير الآخرين بدعوى «إنكار السنة»؟!

ثم أين هي هذه «الأمة الإسلامية» التي يتحدث علماء كل فرقة باسمها، ولماذا لا يتحدث علماء كل فرقة باسم فرقتهم فتنشأ الأجيال، أتباع الفرق المختلفة، على فهم واع بأن ما هم عليه لا يمثل «دين الإسلام» الذي كان عليه رسول الله وصحبه الذين رضي الله عنهم؟!

ثم يخرج علينا الدكتور «على جمعة» في حديثه مع الأستاذ محمود سعد «برنامج اليوم السابع، في ٣١/ ٥/ ٢٠٠٧»، حول مسألة «تنقية الأحاديث» حيث قال نصًا:

«القضية مش في الشيل، إحنا أحدثنا آلية التصحيح والتضعيف .. أنا ما بضيعش حاجة، أنا باحفظ الكل .. وبقول ده صحيح يحتج به، وده لا يحتج به، فهذا الذي حصل وبيحصل، ومازال يحصل .. زي ما قلتلك إن عملية التنقية مازالت مستمرة، المحدثون ما زالوا إلى النهاردة بيصححوا ويضعفوا، المحدثون إلى النهاردة مازالوا بينظروا في السند ويقولوا لأ ده حديث ضعيف»

* أقول:

هل يمكن القول بأن بدعة «تنقية السنة» هي التي دفعت «القرآنيين» إلى الانقسام:

١- من ينكرون «مرويات السنة» كلها؟!

٢- من ينكرون «السنة القولية» فقط؟!

٣- من ينكرون التراث الديني كله بمروياته، ويكتفون بـ «القرآن» و«القرآن وكفى»؟!

وإذا كانت آلية التصحيح والتضعيف لا تقوم على الحذف والاستبعاد التام للأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، كما ذكر فضيلة المفتي فقال:

«أنا ما بضيعش حاجة، أنا بحافظ على الكل»

ألا يعني ذلك أن علماء كل فرقة متشككون في حجية الحديث كمصدر تشريعي إلهي، عندما يخافون أن يحذفوا حديثاً يرونه ضعيفا، لعل شخصًا يأتي غدًا ويراه صحيحا؟!

# خامسًا:

ألا يعتبر الصراع بين «الشيخ الألباني» وعلماء الحديث من جهة، والشيخ «حسن السقاف» من جهة أخرى، خير شاهد معاصر لنا اليوم على بدعة بقاء «مرويات السنة» معلقة تنتظر آلية التصحيح والتضعيف إلى يوم الدين؟!

لقد صحح «الشيخ الألباني» ما كان ضعيفًا، وضعف ما كان صحيحًا، وجاء «الشيخ السقاف» وضعف ما صححه الألباني، وصحح ما ضعفه، وانظر كتاب «تناقضات الألباني»:

فهل إذا بعث الله تعالى رسوله محمدًا اليوم، سنراه سعيدًا بآليات التصحيح والتضعيف لـ «سنته النبوية»، أم أنه سيحاكم كل من نسبوا إليه ما لم ينزل الله به من سلطان؟!

* أقول:

فإذا تركنا كل هذه الصراعات، وكل هذه التوجهات المذهبية، وراء ظهورنا، وقلنا «القرآن وكفى»، هل معنى هذا أن نتعامل مع «القرآن» ككتاب أعجمي لا يحمل «مُسَمّيات» كلماته بداخله، ونضحك على أنفسنا ونقول لها إن الله قال:

* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»

* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»

والحقيقة أننا:

١- لم نتعلم حروف الهجاء العربية.

٢- ولا كيف ننطق بأصواتها.

٣- ولا كيف ننطق بكلماتها.

٤- ولا كيف نُكّون جملة مفيدة.

ولا غير ذلك … لم نتعلمه من مدرسة اللغة العربية الموجودة داخل القرآن، وإنما تعلمناه من مدرسة اللغة العربية الموجودة خارج القرآن، سواء كانت البيت أو الحضانة أو الابتدائية.

والسؤال:

كيف يدعو المسلمون إلى التقريب بين الفرق والمذاهب المختلفة، ونبذ الطائفية، ويقيمون الدورات القرآنية لتربيتهم على ذلك، دون أي إشارة إلى أن هذا الذي هم عليه اليوم باطل، وأنهم إذا ماتوا عليه ماتوا مشركين، وإن كانوا يشهدون الشهادتين كل ثانية؟!

إن المُصرَ على الموت على ملة مذهبه العقدي مصرٌ على كبيرة من الكبائر لن يغفرها الله له إذا حضرته سكرات الموت وأراد أن يتوب، لأن هذا ما قاله الله تعالى للفرعون:

* «آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»

٥- وإن أهم ما قلته في هذا المقال هو الخاتمة:

إن هذا المشروع الفكري الذي أدعو كافة المسلمين إليه، يقوم على أصول لفهم القرآن وهي:

(أ): اللسان العربي المبين.

(ب): آيات الآفاق والنفس.

(ج): سياق الكلمة والبناء المحكم للسورة القرآنية.

(د): آليات عمل القلب: التفكر والتعقل والتدبر والنظر.

وكل هذا في إطار ما سميته:

(هـ): «منظومة التواصل المعرفي»

هذه المنظومة المعرفية التي أرى أنه يستحيل فهم القرآن دون الاستعانة بها، لأنها التي نقلت إلينا تفاصيل كيفيات أداء العبادات المتفق عليها اليوم بين كافة أتباع الفرق والمذاهب المختلفة.

محمد السعيد مشتهري

«الدستور في ١٩/ ٧/ ٢٠٠٧»

يناير 29

6 min read

0

0

0

منشورات ذات صلة

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page