

(1456) 10/6/2020 «من بحار لغة القرآن وحجيتها على المسلمين» [2]
يناير 29
4 min read
0
0
0

«اسم التفضيل» ويُسمى «أَفْعَل التفضيل»:
وقد أشرت إليه في المنشور «٢٣» عند الحديث عن أنواع الاسم، وأن الصيغة التي يأتي عليها هي «أَفْعَل»، وهي من صيغ «ميزان الصرف» الذي بيّناه في دروس «الصرف».
# أولًا:
فما هو «اسم التفضيل»؟!
هو الاسم الدال على أن شيئين اشتركا في الصفات، ولكن أحدهما زاد عن الآخر في شيء.
مثال:
* أن يسألك سائل: أيهما أطول: زيد أم عمر؟!
وكلاهما طويل مع اختلاف بسيط.
– فتقول له: زيد «أطول» من عمر، على وزن «أَفْعَلْ».
– والصفة المشتركة هي «الطول».
– والفعل: «طَالَ».
فالذي زاد يُسمى «المفضَّل»، وهو في المثال السابق «زيد»، «والمفضَّل عليه» هو «عمر».
* أو أن يسألك عن شخصين يشتركان في صفة البخل.
– فتقول له: إن فلانا أبخل من فلان، على وزن «أَفْعَلْ».
– والصفة المشتركة هي «البخل».
– والفعل: «بَخُلَ».
وهناك شروط لاسم التفضيل:
١- أن تكون صياغته من الفعل:
فلا يأتي «اسم التفضيل» من الاسم أو الحرف، كما هو واضح من المثالين السابقين.
٢- أن يكون الفعل «ثلاثيًا»، وقد أشرت إلى أنواع الأفعال في دروس « لغة القرآن»: ففعل «طال» وفعل «بخل» ثلاثي، فلا يُبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف، نحو: انطلق، استخرج.
وقد يأتي من الفعل الرباعي إذا كان على وزن «أَفْعَل»، باعتبار أن هذا الفعل في ذاته يشبه اسم التفضيل.
٣- أن يكون الفعل «متصرفًا» وليس «جامدًا»، وقد أشرت إلى الفرق بينما في دروس «لغة القرآن».
فالفعل «الجامد» هو الذي يبقى في صورة جامدة، فإذا كان في «الماضي» لا يتصرف في المضارع أو الأمر، أو يكون «مضارعا» لا ماضي له ولا أمر، أو «أمرًا» لا ماضي له ولا مضارع.
مثال: الفعل المضارع «تبارك»: لا ماضي له ولا أمر.
فلا يُبنى من فعل غير متصرف «أي جامد»، نحو: بئس، نِعْم.
٤- أن يكون حدث الفعل «الثلاثي» غير قابل للتفضيل، كفعل «عَمِيَ – غَرَقَ»، فلا نقول إن فلانًا «أعمى» من فلان.
٥- أن يكون الفعل «تامًا» وليس «ناقصًا» كـ «كان وأخواتها» التي لا تدل وحدها على الحدث.
٦- ألا يكون الفعل «مثبتًا» وليس «منفيًا»، فلا يجوز التفضيل من المنفي.
٧- أن يكون فاعل الفعل معلوم، وليس مجهولًا، فلا يُصاغ من «ضُرِبَ – قُتِلَ – عُلِمَ».
# ثانيًا:
بعض الشواهد:
١- قول الله تعالى «يوسف / ٨»:
* «إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ»
فكلمة «أَحَبُّ»: أفعل تفضيل، وتعدى بـ «إلى».
٢- قول الله تعالى «يوسف / ٣٣»:
* «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»
فـ «أَحَبُّ»: أفع ل تفضيل، ويتعدى بـ «إلى».
٣- فإذا ذهبنا إلى قول الله تعالى «الأنعام / ١٥٤»:
* «ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً»
نجد أنه يصح أن يكون «أَحْسَنَ» المجرد من «ألـ والإضافة»، فلم يقل الأحسن، أن يكون «اسمًا»، أي أفعل تفضيل، ويصح أن يكون «فعلًا».
٤- أما قول الله تعالى «الأنعام / ١٢٤»:
* «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»
فالمقصود بـ «أَعْلَمُ» هنا المبالغة في علم الله سبحانه وتعالى، وليس من معنى التفضيل، وإن صيغ على وزن «أَفْعَل».
لقد قصدت من ذكر هذه الشواهد بيان أن باب «أفعل التفضيل» باب كبير ومتعدد المفاتيح، وقد نرجع إليه بشيء من التفصيل.
# ثالثًا:
فإذا ذهبنا إلى قول الله تعالى «هود / ٢٢»:
* «لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ»
نجد أن كلمة «الأَخْسَرُونَ» جاءت على صيغة «أفعل التفضيل».
أما قول الله تعالى «النحل / ١٠٩»:
* «لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»
فإن كلمة «الْخَاسِرُونَ» جاءت على صيغة «اسم الفاعل».
١- والسؤال:
(أ): كم عدد المسلمين، من «المليارين مسلم»، الذين يعلمون الفرق بين «أفعل التفضيل» و«اسم الفاعل»؟!
والجواب:
قد تجد قلة من علماء وفقهاء اللغة العربية يعلمون الفرق، ولكن من خارج القرآن، ومن خارج السياق، ذلك أن الل ه تعالى لم يُبيّن في القرآن ما هو «أفعل التفضيل»، وما هو «اسم الفاعل».
(ب): وكم عدد القرآنيّين الملحدين في أحكام القرآن، الذين يعلمون الفرق بين «أفعل التفضيل»، و«اسم الفاعل»؟!
والجواب:
طبعا لا أحد على الإطلاق، لأنهم يكفرون أصلًا بعلوم اللغة العربية وبمعاجمها، ويقرؤون القرآن وهم يعيشون حياتهم الفكرية والدينية في غرف الرعاية المركزة، بأجهزة التنفس الاصطناعي.
٢- فإذا تدبرنا السياق الذي وردت فيه آية «هود / ٢٢»، والذي حمل «أفعل التفضيل»، نجد ما يلي:
(أ): قول الله تعالى «هود / ١٧»:
* «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ»
الذي يُفهم منه «المفاضلة»، فمن كان على بينة من ربه ليس كمن كفر وكذَّب الرُّسل.
ثمَّ جاء بعدها قول الل ه تعالى «هود / ١٨»:
* «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا»
وكلمة «أَظْلَمُ» صيغة تَّفضيل.
ثم جاء قول الله تعالى «هود / ١٩»:
* «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ»
ثم قول الله تعالى «هود / ٢٠»:
* «وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ»
نجد أن هؤلاء قد ضُوعف لهم العذاب لاتصافهم بما ذُكر من الصفات، وأنهم لم يكتفوا بضلالهم، وإنَّما أضلّوا غيرهم، فاستحقُّوا أن يأتي الفعل الثلاثي «خَسِرَ» بصيغة «أفعل التفضيل»: «الأَخْسَرُونَ».
٣- فإذا ذهبنا وتدبرنا السياق الذي وردت فيه آية «النحل / ١٠٩»، نجد الأمر مختلفًا تماما، فلم يقع فيه أي تفاضُل وتفاوُت، فتدبر «النحل / ١٠٤-١٠٥»:
«إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ»
فالحديث عن ضلال الكافرين، دون الإشارة إلى إضلال غيرهم، ثم قال تعالى «النحل / ١٠٧»:
* «ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»
ثم قول الله تعالى «النحل / ١٠٨»:
* «أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»
دون أن يذكر مضاعفة العذاب، فاستحقُّوا أن يأتي بـ «اسم الفاعل»: «الْخَاسِرُونَ».
مع ملاحظة أن الكلمات «الْكَاذِبُونَ – الْكَافِرِينَ – الْغَافِلُونَ» جاءت بصيغة «اسم الفاعل» المجموع جمع المذكَّر السالم الذي ناسبه مجيء «الْخَاسِرُونَ».
٤- والدرس المستفاد في حياة المسلمين العملية:
أن الذين خسروا أنفسهم في الدنيا، وكانوا يفترن على الله تعالى الكذب، كما يفعل القرآنيّون الذين يُلحدون في أحكام القرآن:
(أ): «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ»
(ب): «لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ»
وطبعا لا مقارنة بين خسارة الدنيا وخسارة الآخرة، ولكن لمن؟!
* «لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
* «لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»
* «لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
* «لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ»
محمد السعيد مشتهري



