top of page

(1457) 11/6/2020 «مقال الخميس» «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ» فلماذا لم يبايع المسلمون الله؟!

يناير 29

5 min read

0

0

0

# أولًا:

«البيعة»: من الجذر «ب ي ع»: والمصدر «باع»، أشبه بالعقد الذي يكون بين البائع والمشتري، وما يتم بعده من مصافحة بالأيدي، وصار رمز «البيعة» المصافحة.

وفي لغة العرب: يقال: «تصافَقُوا»: أي «تبايعوا»، وصَفَقَ يَده بالبيعة والبيع وعلى يده صَفْقًا، إشارة إلى إتمام العقد، وضرب بيده على يده عند وجوب البيع.

لتصبح «البيعة»: بصفق اليد اليمنى لـ «المبايِع» بكسر الياء، باليد اليمنى لـ «المبايَع» بفتح الياء، كدليل على الطاعة والالتزام بشروط العقد.

وكان من تقاليد العرب، قبل الإسلام، إذا مات الأمير أو شيخ القبيلة اختاروا شخصًا وأقاموا له «البيعة».

# ثانيًا:

لقد فرض الله «البيعة»، التي تقوم على السَّمْعِ والطَّاعة، على المؤمنين برسله، وصولا إلى رسول الله محمد، عليه السلام، فتدبر «الفتح / ٨-١٠»:

* «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»:

– «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»

– «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»

وعندما نجد في السياق «وَتُسَبِّحُوهُ» فإن الفهم الواعي يقتضي أن تعود الضمائر قبلها «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» إلى الله تعالى، ذلك أنه لا وجه لتجزئة الضمائر.

ثم يطلب الله من المؤمنين أن يُثبتوا صدق إيمانهم بـ «بيعة» الرسول:

* «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ»

إن بيعة الرسول وطاعته هي في الحقيقة بيعة وطاعة لله «مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ».

– «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»

ولما كان الله تعالى منزه عن الجوارح وصفات الأجسام، والسياق يتحدث عن «عقد البيعة»، فيكون المعنى أن العقد مع الرسول كالعقد مع الله تعالى، تماما من غير نقص أو تفاوت.

أما ما ورد من تشبيه بـ «اليد»، فهو إشارة إلى ما كان معروفًا ومتبعًا عند العرب في صورة أخذ «البيعة»، حيث يضع المبايِع، بكسر الياء، يده على يد المبايَع، بفتح الياء.

– «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»

«نَّكَثَ»: نَقَضَ: أي نقض البيعة، ولا يعود ضرر نكثه إلا عليه.

– «وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ»

ولاحظ لم يقل: «بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الْرَسُول»

ـ «فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»

# ثالثًا:

ثم يُصور لنا السياق القرآني صورة وآلية عقد «بيعة» المؤمنين لرسول الله محمد، عليه السلام، ويبدأ ببيان الأسباب التي فرضت هذه البيعة، فقال تعالى «الفتح / ١٦»:

* «قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرَابِ»

مبالغة في الذم لتخلفهم عن الخروج لقتال المعتدين.

– «سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ»

– «تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ»

«أَوْ يُسْلِمُونَ»: أي انقادوا واستسلموا لكم، فلا «تُقَاتِلُونَهُمْ»، ذلك أن كلمة «أو» لا تجيء إلا بين المتغايرين.

– «فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً»

والخطاب لـ «الْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرَابِ»

– «وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً»

ثم بيّن الله الفئات التي يُسمح لها بالتخلف عن المعركة، فقال تعالى:

* «لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ»

* «وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ»

* «وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ»

– «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

– «يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ»

– «وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً»

ثم انتقل السياق لبيان مشهد «البيعة» وهي تُعقد تحت «الشجرة»:

* «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ»

نلاحظ هنا ارتباط هذه الآية بالتي قبلها «الفتح / ١٧»، وقول الله تعالى:

«وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ»

مما يُفهم منه أن جزاء المؤمنين الذين بايعوا رسول الله، ورضي الله عنهم، هو الجنة.

– «إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»

– «فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ»

# رابعًا:

وهنا نحتاج إلى وقفة كبيرة عند بلاغة هذا النص:

* «فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ»

والذي يجب أن يهتم به كل مسلم يبتغي مرضاة الله تعالى، فأقول باختصار:

إن «الفاء» في «فَعَلِمَ» فاء التعقيب، فكيف يأتي علم الله بـ «مَا فِي قُلُوبِهِمْ» بعد أن رضي عنهم «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ»؟!

نفهم من ذلك أن علم الله بصدق «مَا فِي قُلُوبِهِمْ» كان أصلًا مصاحبا للمبايعة بل وسابقًا لها.

ثم أعاد السياق استخدام «فاء التعقيب» في «فَأَنزَلَ» لبيان أنها حلقة متصلة من صدق الإيمان وإخلاص العبودية:

– «فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ»

والدرس المستفاد:

أن صدق ما في القلوب يسبق الأعمال الصالحة، فتخرج الأعمال الصالحة مختومة بختم الصدق.

وهذا ما لم يفهمه كثير من المسلمين، الذين يتصورون أن ادعاء الإيمان «الَّذِينَ آمَنُواْ» والعمل الذي يتصورنه صالحًا «وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ»، يدخلانهما الجنة دون امتحان حقيقي لتبين صدق الإيمان وصدق العمل الصالح، فتدبر:

«أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»

ولذلك كان ثمرة إخلاصهم:

– «وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»

– «وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا»

– «وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»

الأمر الذي لم يحدث للمسلمين منذ أغواهم إبليس بـ «شرك التفرق في الدين»، فلم تقم ما يُسمى بـ «الفتوحات الإسلامية» إلا على سفك الدماء بغير حق، التزامًا ببيعة الخليفة وولي الأمر.

ولذلك، وبعد «فتح مكة»، جاء الرجال والنساء يبايعون الرسول على الدخول في «دين الإسلام»، وكانت لبيعة النساء شروط خاصة حددها الله للنبي «الممتحنة / ١٢»:

* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ»:

فتدبروا هذه الشروط، لتقفوا على مزيد بيان للدرس السابق المستفاد، ولتعلموا أن «الزواج» في «دين الإسلام» ليس ارتباط جسدين، وإنما ارتباط قلبين أخلصا دينهما لله تعالى، ولذلك لن أعقب على هذه الشروط:

١- «عَلَى أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً»

٢- «وَلاَ يَسْرِقْنَ»

٣- «وَلاَ يَزْنِينَ»

٤- «وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ»

٥- «وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ»

٦- «وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ»

* «فَبَايِعْهُنَّ»:

– «وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ»

– «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»

# خامسًا:

ثم بعد وفاة رسول الله محمد، أصبح الناس يبايعون الخلفاء والأمراء باعتبار أن «البيعة» انتقلت إليه، وتحوّل:

١- مفهوم «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» إلى «يَدُ الخليفة فَوْقَ أَيْدِيهِمْ».

٢- نكث «نقض» البيعة كان متعلقا بالله، ويقع ضرره على الناكث دون عقوبة في الدنيا:

* «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»

أصبح متعلقا بـ «الخليفة» وقد تصل عقوبة الناكث إلى القتل، حيث أن هذه «البيعة» تقوم على أساس:

(أ): أن يتعهد المُبايِع بالسمع والطاعة والانصياع لأوامر الخليفة «أو ولي الأمر» والوفاء والولاء له.

(ب): فيما يتعهد المُبايَع «الخليفة» بأن يحكم بـ «كتاب الله وسنّة النبي»، والدفاع عن الرعية وتدبير كافة شؤونها بصدق وأمانة.

(ج): هناك من الحكام من اشترط أن يُقَبّل المبايِع يد الحاكم أو رجله.

٣- ثم صبغت «البيعة» بصبغة السياسة «الإسلام السياسي»، وأصبحت «القاعدة» التي تقوم عليها أي ثورة دينية، فيعطي الناس البيعة لمن حمل لواء الثورة من أجل الجهاد لاستعادة الخلافة الإسلامية.

فـ «البيعة» هنا «عقد» يجب الوفاء بشروطه، وتقوم على ثلاثة أركان رئيسية:

(أ): المُبايِع: الذي وقع أسير «البيعة» نتيجة جهله.

(ب): المُبايَع: مدعي الإمارة.

(ج): موضوع البيعة: طلب «الشهادة» لاستعادة «الخلافة».

ويضمن «المُبايَع»، الذي يدعي الإمارة، للمبايعين «دخول الجنة» مقابل «السمع والطاعة»، وذلك بفهم وتأويل خاطئ لقول الله تعالى:

* «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ … فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»

ففهموا معنى «بِبَيْعِكُمُ» على أنها «البيعة»، فدفع هذا الفهم المبايعين إلى الإسراع بتفجير أنفسهم للفوز بالجنة على وجه السرعة.

٤- وعلى الجانب السياسي، أصبحت «البيعة» هي «العقد الاجتماعي» الذي يكون بين الشعب والحاكم، ويكون قرار «الأكثرية» من الشعب ملزمًا لـ «الأقليّة».

# سادسًا:

لقد ظهرت كل إشكاليات «البيعة» السابقة نتيجة «الإسلام الوراثي المذهبي» القائم على «التراث الديني» للفرق والمذاهب العقدية والفقهية المختلفة.

وحسب التوجه «نحو إسلام الرسول»، فليس أمام الناس للدخول في «دين الإسلام»، وليس أمام المسلمين لإعادة الدخول في «دين الإسلام»، غير باب واحد فقط لا غير:

باب «الآية القرآنية العقلية العربية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم، والتي لا تطلب ممن دخل في «دين الإسلام» غير أن يبايع الله تعالى ويقول:

«أُبَايُع الله تعالي على»:

– «تفعيل آيات الذكر الحكيم وأحكامها»

– «سلوكًا عمليًا في كل شأن من شؤون حياتي»

– «والله على ما أقول شهيد»

واللافت للنظر والغريب حقًا، أنني ما طلبت من أحد أن يعقد «البيعة» مع الله تعالى، إلا وتردد وطلب إعطائه فرصة للتفكير، وكأن هذه «البيعة» سيعقدها مع «محمد مشتهري»!!

والسبب: قد أعلمه، ولا يعلمه كثير من المسلمين!!

والسؤال:

لماذا لا يبايع المسلمون الله؟!

* وتذكر:

١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.

٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم القرآن الذين يجهلون هذه المنهجية، ولذلك يكونون الصيد الثمين بين أنياب الملحدين.

٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين، فإذا وجدت في هذه المقالات غير الذي أمر الله به في القرآن، فأفدنا بعلمك.

٤- أما «ما هو كائن» في حياة المسلمين اليوم، فيتعلق بمسؤولية كل فرد الدينية، لقول الله تعالى:

* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»

محمد السعيد مشتهري

يناير 29

5 min read

0

0

0

منشورات ذات صلة

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page