(1462) 17/6/2020 «من بحار لغة القرآن وحجيتها على المسلمين» [4]
يناير 29
5 min read
0
0
0
لقد ذكرت في الدرس الماضي [3] أن «الاسم المُعرب» هو ما يتغير شكل آخره بتغير موقعه في الجملة، وتغير «العوامل» الداخلة عليه، وقلت في البوست المرفق إن الذي يجلب التغيير في إعراب الكلمة يُسمى «العامل».
فما هي قصة هذا «العامل» وأهميته في «علم النحو»، وكيف استطاع أئمة اللغة العربية تحويل ما كنا سنعبر عنه بجمل طويلة ليفهم المخاطب ما نريد قوله، إلى رموز صغيرة تُعبر عن هذه الجمل، ولكن لمن يعلمها؟!
عندما نقول: «أَطْعَمَ أحمدُ الفقيرَ»:
فإننا نكون قد نسبنا إلى «أحمد» فعل إطعام الفقير، وأحمد هو الفاعل، فاعل الإطعام.
فجاء أئمة اللغة العربية وقالوا:
فبدل أن نعبّر عن هذا العمل بجملة طويلة نقول فيها إن «أحمد» أطعم الفقير، نختصر هذه الجملة بأن نضع رمزًا صغيرًا على آخر كلمة «أحمد» وهو «الضمة».
فأصبحت «الضمة» تعني أن «أحمد» فَعَلَ شيئًا وهو إطعام الفقير، أي أن «أحمد» هو «الفاعل»، فجاء هذا الرمز «الضمة» ليختصر الطريق ويدل على «الفاعلية».
فإذا ذهبنا إلى «الفقير» نجد أنه قد وقع عليه شيء وهو «الإطعام» الذي قام به «أحمد»، فبدل أن نعبّر عن هذا العمل بجملة طويلة، اختصر أئمة اللغة الطريق ووضعوا رمزًا وهو «الفتحة» على آخر كلمة «الفقير» ليعني أنه هو الذي وقع عليه الفعل فأصبح مفعولا به.
فإذا نظرنا إلى هذه التحولات التي تحدث على نهاية الكلمة وتشير إلى إعرابها، نجد أن المتسبب فيها هو «الفعل» الذي دل على «الفاعل» و«المفعول» وجاء بعلامة إعرابهما، لذلك سمّاه أئمة اللغة «عاملًا».
ولذلك قلنا:
«إن الذي يجلب التغيير في إعراب الكلمة يُسمى عاملًا».
# أولًا:
فماذا عن المُعرب والمبني من الأفعال؟!
تنقسم الأفعال من حيث الإعراب والبناء إلى قسمين:
١- الفعل المبني دائما: وهو «الماضي» و«الأمر»:
(أ): «الفعل الماضي»:
* يبنى على «الفتح» إذا لم يتصل به شيء:
مثال: «قابل أحمد أخاه»:
– قابل: فعل ماض مبني على الفتح.
وقول الله تعالى «البقرة / ٧»:
«خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ …»
* ويبني على «الفتح» إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة:
مثال: «قابلت سعاد أختها»
– قابلت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء للتأنيث حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
وقول الله تعالى «يوسف / ٥١»:
«قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ»
«وسنُبيّن في الدرس القادم معنى جملة: لا محل له من الإعراب»
* ويبني على «الفتح» إذا اتصلت به ألف الاثنين:
مثال: «الطالبان نجحا في الامتحان»:
– نجحا: فعل ماض مبني على الفتح، وألف الاثنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «الكهف / ٦١»:
«فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا»
* ويبنى الفعل الماضي على «السكون» إذا اتصلت به التاء المتحركة التي هي ضمير الفا عل، أو «نا» الدالة على الفاعلين … وغير ذلك:
– مثال التاء المتحركة:
«أكرمْتُ الضيف»:
أكرمت: فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «البقرة / ٤١»:
«وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ»
– مثال «نا» الدالة على الفاعلين:
«ركبنا الطائرة»:
– ركبنا: فعل ماض مبني على السكون، و«نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «المزمل / ١٥»:
«إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ …»
* ويبنى الفعل الماضي على «الضم» إذا اتصلت به واو الجماعة:
مثال: «التلاميذ خرجوا من مدارسهم»:
– خرجوا: فعل ماض مبني على الضم، وواو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «يوسف / ١٦»:
«وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ»
(ب): «فعل الأمر»:
* يُبنى على «السكون» إذا لم يتصل به شيء:
مثال: «اتقن عملك»
– اتقن: فعل أمر مبني على السكون.
وقول الله تعالى «البقرة / ٣٥»:
«وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ»
* ويبنى على «السكون» إذا اتصلت به نون النسوة:
مثال: «اكتبْنَ الدرس»
– اكتبن: فعل أمر مبني على السكون، ونون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «الأحزاب / ٣٣»:
«وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»
* ويبنى فعل الأمر على «الفتح» إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة:
والفرق بين نون التوكيد الخفيفة والثقيلة، من حيث الشكل:
– نون التوكيد الخفيفة: نون ساكنة «نْ» للتأكيد على الفعل.
– نون التوكيد الثقيلة: نون مشددة «نَّ» للتشديد على الفعل.
مثال: نون ال توكيد الخفيفة:
«ادرسنْ الدرس»:
– ادرسنْ: فعل أمر مبني على الفتح، والنون نون التوكيد الخفيفة حرف مبني على السكون، لإفادة تأكيد الفعل.
مثال: نون التوكيد الثقيلة:
«ادرسنَّ الدرس»:
– ادرسنَّ: فعل أمر مبني على الفتح، والنون نون التوكيد الثقيلة حرف مبني على الفتح، لإفادة التشديد على أداء الفعل.
* ويبنى فعل الأمر على «حذف حرف العلة» إذا كان معتل الآخر:
مثال لحالات الإعراب الثلاث:
– «اسعَ في الخير»
– «ادعُ إلى الحقِّ»
– «ارمِ السهمَ بقوةٍ»
وك لها بإعراب واحد هو:
فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر تقديره «أنت».
فإذا حدث تأكيد فعل الأمر بـ «النون»، يبقى حرف العلة «الواو» و«الياء» دون حذف، أما «الألف» فيجب قلبها «ياء» حتى تظهر عليها فتحة البناء:
مثال:
– «اسعَيَن في الخير»
– «ادعُوَن إلى الحق»
– «اقضيَن بالحق»
بحذف الواو، يقول الله تعالى «النحل / ٢٥»:
«ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»
وبحذف الياء، يقول الله تعالى «القصص / ٧٧»:
«وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخرةَ»
* ويبنى فعل الأمر على «حذف النون» إذا اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة:
مثال:
«اذهَبَا إلى المكتبة للقراءة»:
– اذهبا: فعل أمر مبني على حذف النون، وألف الاثنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «طه / ٤٣»:
«اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»
«احرصوا على حضور المحاضرات»:
– احرصوا: فعل أمر مبني على حذف النون، وواو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «البقرة / ٢٣٨»:
«حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى»
«اهتمي بقراءة ما هو نافع»:
– اهتمي: فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وقول الله تعالى «آل عمران / ٤٣»:
«يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ»
٢- الفعل المبني حينا، والمعرب أحيانا، وهو «المضارع»:
(أ): الفعل المضارع معرب دائمًا:
مثال: «يذهب التلميذ إلى مدرسته مبكرًا»:
– يذهب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
وقول الله تعالى «النساء / ٢٨»:
«يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً»
«لم يهملْ التلميذ في دروسه»:
– يهمل: فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وعلامة جزمه السكون.
وقول الله تعالى «الإخلاص / ٣-٤»:
«لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ»
«لن أهملَ في دروسي»:
– أهمل: فعل مضارع منصوب بـ «لن» وعلامة نصبه الفتحة.
وقال الله تعالى «آل عمران / ٩٢»:
«لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ»
(ب): الفعل المضارع مبني في حالتين:
* يبنى على «الفتح» إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة المباشرة:
مثال: «لأجتهدَنَّ في عملي»
– أجتهد: فعل مبني على الفتح؛ لأن نون التوكيد الخفيفة باشرته.
«لأعملَنَّ كل ما في وسعي»
– أعمل: فعل مبني على الفتح، لأن نون التوكيد الثقيلة وهي حرف مبني على الفتح باشرته.
ولقد اجتمعت النونان الثقيلة والخفيفة في قوله تعالى «يوسف / ٣٢»:
«قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونا مِّنَ الصَّاغِرِينَ»
* ويبنى الفعل المضارع على «السكون» إذا اتصلت به نون النسوة:
– غير مسبوق بناصب أو جازم:
مثال قول الله تعالى «هود / ١١٤»:
* «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ»
– يذهبن: فعل مضارع مبني على السكون، ونون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
– مسبوقا بناصب:
مثال قول الله تعالى «النور / ٦٠»:
«وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
والشاهد في: «يَضَعْنَ – يَسْتَعْفِفْنَ»
– مسبوقا بجازم:
مثال قول الله تعالى «الأحزاب / ٣٣»:
«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى»
والشاهد: «تَبَرَّجْنَ»
هذه مجرد إشارات لما تحمله لغة القرآن العربية من كنوز، هي الباب الوحيد للدخول إلى «منظومة التدبر القرآني» الذي يجب أن يدخل منه كل القائمين والمشاركين في الدورات التي تهدف إلى:
فهم القرآن والوقوف على أساليبه البيانية، استنادا إلى مفهوم «البيان» الموصل إلى طريق «الهدى» والابتعاد عن طريق «الضلال»، في قول الله تعالى:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ»:
– «إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ»
– «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
– «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ»
– «وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
– «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
محمد السعيد م شتهري
