top of page

(1471) 26/62020 عندما يصبح «الملحد المخبول» مفسرًا للقرآن كالشيخ شعراوي

يناير 29

19 min read

0

1

0

ree

إن هذا «الملحد المخبول» يكفر بمنظومة التواصل المعرفي التي حملت لشعوب العالم مُسَمَّيات كلمات اللغة التي تنطق بها ألسنتهم.

وعندما أرسل لي على الخاص دراسته، التي ظن أنها تُسقط «منظومة التواصل المعرفي»، وطلب مني نشرها كما هي والرد عليها، وفعلا نشرتها بما فيها من إساءات شخصية، وقمت بالرد عليها.

فأرسل لي ردًا على ردي، فقمت بنشره والرد عليه، وقلت له إن القضية أبسط بكثير جدا من كل هذا:

أين توجد «مُسَمَّيات» كلمات القرآن التي يستحيل فهم كلماته بدونها: هل داخل القرآن أم خارجه، لأنها لو كانت خارجه يصبح قولكم يا أصحاب بدعة «القرآن وكفى» باطلًا، وفهمكم لمعنى البيان والتفصيل في القرآن باطلًا.

ثم كتبت بوست يحمل جائزة بمليون دولار لهذا «الملحد المخبول» إن استطاع أن يأتي بـ «مُسَمّى» كلمة واحدة من داخل القرآن، فهرب وراح يهلوس على حسابه بسبب ما أصابه من إحباط.

ثم فكّر أن يجرب خبط راسه في هذا الجبل الشامخ «منظومة التواصل المعرفي» لاحتمال يقع منه شيء، فإذا به يسقط مغشيًا عليه ومات.

فتعالوا نشيع جنازته، كل واحد مع نفسه «علشان الكورونا»، ويسأل وهو يقرأ منشورات هذا المخبول حول هذه المنظومة:

أين بَيّن الله وفَصّل في القرآن معاني الكلمات التالية التي استقطعها من المنشور حسب ترتيب وردوها، علما بأنها ليست كل الكلمات:

١- محكم ٢- متشابه ٣- العربية ٤- الأعراب ٥- المدينة ٦- بَادُونَ ٧- القرآن ٨- نكح ٩- القُرْء ١٠- الملأ «برسم كلماته» ١١- الهدهد ١٢- عرش ١٣- سفاهة ١٤- بشر ١٥- أورثنا ١٦- مشارق ١٧- مغارب ١٨- باركنا ١٩- دمرنا ٢٠- يعرشون ٢١- انسلخ ٢٢- الكلب ٢٣- أجرهم ٢٤- صبروا ٢٥- يدرءون ٢٦- الحسنة ٢٧- السيئة ٢٨- ينفقون ٢٩- الفلك ٣٠- البحر ٣١- البر ٣٢- يخسف ٣٣- حاصبا ٣٤- قاصفا ٣٥- عبادة ٣٦- حكمًا ٣٧- أهواء ٣٨- علم ٣٩- وليّ ٤٠- واق.

وعلينا أن نغض الطرف عن جملة «منظومة أبيه الشيطانية»، لأن ليس على «المخبول» حرج.

ولأهمية الوقوف على حقيقة موت هذا «الملحد المخبول» وتشييع جنازته اليوم، أرجو أن تتدبروا جيدا المنشورات التالية المنقولة من على حسابه كما هي، واسألوا أنفسكم بعد قراءة كل جملة وكل فقرة:

من أين جاء بـ «مُسَمّيات» كلمات القرآن، التي أقام عليها تفسيره للآيات، وهو أصلًا كافر بالمنظومة وبمعاجم اللغة العربية؟!

ثم ما هذا الكلام المرسل، وهذا السرد القصصي، كأني أقرأ في كتاب يُبيّن بلاغة القرآن، أو أستمع إلى الشيخ الشعراوي؟!

مع إن المسألة أبسط من البساطة:

فأين في القرآن نجد مُسَمَّى «صورة» الهدهد، مثلا، الذي ورد ضمن الكلمات السابقة؟!

إن الحقيقة التي لا يعلمها (المخابيل) إن الطيور على أشكالها تقع:

فالمخبول لا يعجب إلا بمخبول مثله.

والجاهل لا يعجب إلا بجاهل مثله.

والغبي لا يعجب إلا بغبي مثله.

ولذلك فإني أقسم بالله العلي العظيم، أن من سيأتي لي ببرهان قرآني يُسقط حجرًا واحدًا من هذا الجبل الشامخ:

«منظومة التواصل المعرفي»

فإني سأعلن على هذه الصفحة، سقوط أهم قاعدة قام عليها التوجه «نحو إسلام الرسول»، وأعتذر للأصدقاء عن هذه الخدعة التي عشت فيها، وخدعتهم بها.

لأننا إما أن نشيع جنازة هذا «الملحد المخبول»، أو أشيع أنا جنازتي بنفسي.

محمد السعيد مشتهري

———————————

منشورات هذا «الملحد المخبول»:

مَنۡظُومَةُ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلشَّيۡطَــٰنِى وَﭐنۡتِقَالُ ﭐلۡمَعَارِفِ: (1) ﭐلۡخَلۡطُ (1).

ﭐلۡجَهۡلُ صِفَةٌ لِمَنۡ غَابَ عَنۡهُ ﭐلۡعِلۡمُ، سَوَآءٌ كَانَ ذَٰلِكَ جُزۡىِٕيًّا فِى مَسۡــَٔـلَةٍ، وَمَسَاىِٕلٍ، أَوۡ كُلِّيًّا فِى حَيَوٰةٍ، فَيَنۡتَظِمُ ﭐلۡمَخۡلُوقَ دَوۡمًا.

وَمِنۡهُ مَالَيۡسَ بِمَنۡقَصَةٍ: “يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ”.

وَمِنۡهُ مَاهُوَ مَذَمَّةً: “قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُوٓنِّىٓ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَـٰهِلُونَ”.

وَفِى دِينِ ﭐللهِ؛ فَقَدۡ جَعَلَ ﭐللهُ دِينَهُ كِتَــٰبًا، ثُمَّ جَعَلَ لِكِتَــٰبِهِ مِنَ ﭐلصِّفَاتِ مَا يَجۡعَلُهُ طَارِدًا لِلجَهۡلِ، مُثۡبِتًا لِلعِلۡمِ، وَكَانَ عَلَىٰ رَأسِ صِفَاتِ كِتَــٰبِ ﭐللهِ “إِحۡكَامُهُ”.

“الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾”.

وَﭐلۡإِحۡكَامُ عَكۡسُ ﭐلتَّشَّابُهِ، كَمَا قَالَ سُبۡحَــٰنَهُ:

“هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ ءَايَـٰتٌۭ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌۭ”.

وَﭐلتِّشَابُهُ تَقۡدِيرٌ مُسۡتَمِرٌّ حَتَّىٰ ﭐلرُّسُوِّ أَوۡ عَدَمِهِ، وَﭐلۡإِحِكَامُ لَا يَدَع مَفَرًّا مِنۡ وِحۡدَةِ ﭐلۡمَعۡنَىٰ وَتَفَرُّدِهِ، فَلَا يَزِيغُ إِلَّا صَــٰحِبُ هَوَىً، أَيًّا كَانَ هَوَاهُ.

وَﭐلۡكِتَــٰبُ أُحۡكِمَت ءَايَــٰتُهُ لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ عِلَاقَةً بِكُتُبِ ﭐلۡبَشَرِ فِى شَىۡءٍ، لَا تَقَاطُعًا، وَلَا ﭐحۡتُوَآءً، وَلَا تَطَابُقًا.

وَإِحۡكَــٰمُ ﭐلۡكِتَــٰبِ كَانَتۡ ءَالِيَّتُهُ هِىَ عَرَبِيَّتُهُ، وَهُوَ مَالَمۡ يَفۡهَمُهُ كُثَّرٌ وُسِمُوا بِالۡجَهۡلِ ﭐلۡمُطۡلَقِ مِنَ ﭐتِّجَاهَيۡنِ، لِتَرَاكُبِ جَهۡلِهِم. فَظَنُّوا أَنَّ كِتَــٰبَ ﭐللهِ نَزَلَ بِلِسَانِ قَوۡمٍ سَمَّوۡهُم بِالۡعَرَبِ، كَمَا ظَنُّوا أَنَّ ﭐلۡبِنۡيَةَ ﭐلۡمُحۡكَمَةَ كَسَآىِٕرِ كَلَــٰمِ ﭐلۡبَشَرِ، يُمۡكِنُ تَنَاوُلِهَا مِنۡ مَعَاجِمِ ﭐلۡبَشَرِ، فَتَصِيرُ ﭐلمُؤَلَّفَاتُ ﭐلۡأَعۡجَمِيَّةُ لِلۡبَشَرِ ﭐلۡأَعۡجَمِىِّ حَاكِمَةً عَلَىٰ ﭐلۡمُحۡكَمِ ﭐلرَّبَّانِىِّ. وَلۡنَتَدَبَّر:

“إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءَ‌ٰنًا عَرَبِيًّۭا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٢﴾”.

“وَكَذَ‌ٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّۭا”.

“وَكَذَ‌ٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا”.

“قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”.

“كِتَـٰبٌۭ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ”.

“وَكَذَ‌ٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا”.

“إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَ‌ٰنًا عَرَبِيًّۭا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”.

“وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌۭ مُّصَدِّقٌۭ لِّسَانًا عَرَبِيًّۭا”.

فَمَا مَعۡنَىٰ أَنۡ يَكُونَ إِحۡكَامُ ﭐلۡكِتَــٰبِ هُوَ عَرَبِيَّتُهُ؟!

هَذَا يَسۡتَلۡزِمُ أَنۡ نُفَكِّكَ مَعۡنَىٰ “ﭐلۡعَرَبِيَّةِ” أَوَّلًا لِنَفۡهَمَ ﭐلۡإِحۡكَـــٰمَ.

مَعَنَىٰ “ﭐلۡعَرَبِيَّةِ”:

أَصۡلُ ﭐلعَرَبِىِّ مِنَ ﭐلـ: “عَ رۡ ب”، وَقَدۡ جَآءَت مُشۡتَقَّاتُهُ 22 مَرَّةً فِى 22 ءَايَةً، عَلَىٰ ﭐلۡوَجۡهِ ﭐلتَّــٰلِى:

ﭐلۡأَعۡرَاب 10 مَرَّات/ عَرَبِىّ-عَرَبِيَّا 11 مَرَّة/ عُرُبًا 1 مَرَّة.

وَلۡنَتَأَمَّلَ ﭐلۡأَنَ قَوۡلَ ﭐللهِ: “مَا كَانَ لِأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا۟ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ”.

فَنَجِدُ صِنۡفَانِ مِنَ ﭐلنَّاسِ وَهُمۡ: “أَهۡلُ ﭐلۡمَدِينَةِ”، وَ: “ﭐلۡأَعۡرَاب”.

فَأَمَّا أَهۡلُ ﭐلۡمَدِينَةِ فَهُمۡ مَنۡ يَسۡكُنُونَ فِى بُيُوتٍ، وَيَمۡشُونَ فِى شَوَارِعٍ، وَأَزِقَّةٍ، وَيَذۡهَبُونَ إِلَىٰ ﭐلۡمَحَالِّ وَﭐلۡأَسۡوَاقِ، وَيَدۡخُلُونَ بُيُوتَ بَعۡضِهِمِ ﭐلۡبَعۡضُ، وَلِذَا فَالۡعُثُورُ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنۡهُم لَيۡسَ بِالسَّهِل، وَكُلُّ هَذَا بِخِلَافِ ﭐلۡأَعۡرَابِ، ﭐلَّذِينَ يَعِيشُونَ فِى بِيئَةٍ مَفۡتُوحَةٍ، لَا تُخۡفِى أَحَدًا، وَلَا تَمۡنَعُهُ مِنَ ﭐلۡأَخَرِينَ.

أَيۡضًا لَوۡ تَأَمَّلۡنَا لِقَوۡلِ ﭐللهِ تَعَــٰلَىٰ “بَادُونَ فِى ٱلْأَعْرَابِ”:

“يَحْسَبُونَ ٱلْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا۟ ۖ وَإِن يَأْتِ ٱلْأَحْزَابُ يَوَدُّوا۟ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى ٱلْأَعْرَابِ يَسْـَٔلُونَ عَنْ أَنۢبَآئِكُمْ”.

فَسَنَجِدُ أَنَّ ﭐلۡمُنَافِقِينَ وَﭐلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمۡ مَرَضٌ، يَوَدُّونَ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِى ﭐلۡأَعۡرَابِ، بَعِيدًا عَنِ ﭐلۡمَدِينَةِ.

وَخُلَاصَةُ هَذَا ﭐلتَّدَبُّرِ هُوَ أَنَّ ﭐلۡأَعۡرَابَ ﭐشۡتَقُّوا ﭐسۡمَهُمۡ مِنَ ﭐلۡعَرۡبِ، وَهُوَ أَصۡلٌ فِى ﭐلۡإِفۡصَاحِ، وَﭐلۡإِظۡهَارِ، وَمِنۡهُ يُقَالُ: قَدۡ أَعۡرَبَ عَمَّا فِى دَاخِلِه. أَمَّا إِعۡرَابُ ﭐلۡجُمَلِ فِى ﭐلنَّحۡوِ فَهَذَا مُصۡطَلَحٌ لَا شَأَنَ لَهُ بِالۡمَعۡنَىٰ.

نَرۡجِعُ ﭐلۡأَنَ لِعَرَبِيَّةِ ﭐلۡقُرۡءَانِ:

فَنَجِدُ تَلَاحُمًا بَيۡنَ تَسۡمِيَةِ كِتَــٰبِ ﭐللهِ بِالۡقُرۡءَانِ، وَبَيۡنَ عَرَبِيَّتِهِ، وَبَيۡنَ إِحۡكَامِهِ. فَالۡقُرۡءَانُ مِنَ ﭐلۡقُرۡءِ، وَهُوَ إِخۡرَاجُ ﭐلۡمَكۡنُونِ، وَأُضِيفَت “ان” لِتُضِيفَ ﭐلۡامۡتِدَادِ ﭐلَّلامُتَنَاهِى، كَالۡحَيَوٰةِ، وَﭐلۡحَيَوَانِ. وَﭐلۡعَرَبِيَّةُ لِكَوۡنِهِ يُفۡصِحُ، وَلَا يَخۡفَىٰ مِنۡهُ شَيۡىٌ، وَﭐلۡإِحۡكَامُ هُوَ صِفَةٌ لِلمُكَوِّنِ ﭐلۡاَسَاسِ لَهُ، وَهُوَ: ﭐلۡكَلِمَةُ، وَﭐلۡحَرۡفُ، وَﭐلۡخَطُّ، بِمَا لَا يَتَأَتَّىٰ لِبَشَرٍ، وَمِنۡ ثَمَّ فَإِنَّ مَبۡنَىٰ كَلَــٰمِ ﭐلۡقُرۡءَانِ، لَيۡسَ كَمِثۡلِهِ مَبۡنًى، فَيُحۡكِمُ ﭐتِّجَاهَ كَلَــٰمِهِ، بِحَيۡثِ لَا يُؤَدِّى إِلَّا إِلَىٰ شَىۡءٍ وَاحِدٍ، وُصُولًا لِعَرَبِيَّتِهِ، وَقُرۡءِهِ.

وَعِنۡدَمَا قُلۡتُ لِثَانِىَ عِطۡفِهِ، إِنَّ بِنۡيَةَ ﭐلۡقُرۡءَانِ لَيۡسَ كَمِثۡلِهَا بِنۡيَةً، قُلۡتُهَا كَمُقَدِّمَةٍ لِمَا سَأَبۡنِى عَلَيۡهِ، فِيمَا هُوَ ءَاتٍ.

وَلۡنَضۡرِبَ مَثَلًا دَقِيقًا لِمَا أَقُولُ:

يَقُولُ ﭐللَّهُ تَعَــٰلَىٰ:

“وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةًۭ وَمَقْتًۭا وَسَآءَ سَبِيلًا ﴿٢٢﴾”.

فَلِمَاذَا جَآءَت كَلِمَةُ ﭐلنِّسَآءِ فِى ﭐلۡأَيَةِ؟!

لَا يُمۡكِنُ أَنۡ يُجِيبَ عَلَىٰ ذَٰلِكَ ثَانِىَ عِطۡفِهِ أَبَدًا، وَلَوۡ تَقَطَّعَت أَنۡفُهُ، وَلَا يُمۡكِنُ أَبَدًا أَنۡ يَجِدَ إِجَابَةً مِنَ خِلَالِ قَوَامِيسِهِ، وَتَفَاسِيرِهِ، وَلَوۡ ﭐجۡتَمَعَ مَعَهُ ﭐلۡجِنُّ أَيۡضًا.

كَانَ مِنَ ﭐلۡمُمۡكِنِ أَنۡ تَأتِىَ ﭐلۡأَيَةُ هَكَذَا:

“وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم”، فَقَط دُونَ ذِكۡرِ: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ”!!!

إِذۡ إِنَّهُ مِنَ ﭐلۡمَعۡرُوفِ بَدَاهَةً أَنَّ مَا نَكَحَ ﭐلۡأَبَآءُ هُمۡ نِسَآءٌ وَلَيۡسُوا ذُكُورًا.

وَلَكِنۡ لَوۡ حَدَثَ ذَٰلِكَ دُونَ ذِكۡرِ: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ”، لَكَانَ النَّهۡىُ مُطۡلَقًا، وَلَدَخَلَت الأُمُّ فِى مَنَاطِ الخِطَابِ، وَلاَنۡطَبَقَ عَلَيۡهَا قَوۡلُهُ تَعَــٰلَىٰ: “إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَ”.

وَلَكِن جَآءَت عِبَارَةُ “مِنَ النِّسَآءِ”، فِى قَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ: “مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ”، لِصَرۡفِ الحُكۡمِ عَنِ الأُمِّ، وَلِتَخۡصِيصِهِ بِزَوجَةِ الأَبِّ، كَىِّ لاَ يُظَنُّ أنَّ مَنۡ نَكَحَ أُمَّهُ سَلَفًا، فَلاَ شَيۡءَ عَلَيۡهِ أنۡ يَسۡتَمِرَّ فِى نِكَاحِهِ، حَيۡثُ سَيَأتِى الحُكۡمُ بَتَحۡريِمِ الأُمِّ عَلَىٰ الإطۡلاَقِ؛ سَلَفَ ذَلِكَ أمۡ لَمۡ يَسۡلَف، فَاخۡتَلَفَ بِذَٰلِكَ حُكۡمُ الأُمِّ عَنۡ حُكۡمِ زَوۡجَةِ الأَبِّ بِهَذِهِ الإضَافَةِ: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ”.

فَمِنۡ أَيۡنَ سَيَأتِىَ ثَانِىَ عِطۡفِهِ بِهَذِهِ ﭐلَّطَآىِٕفِ، وَبِهَذَا ﭐلۡقُرۡءِ، وَبِهَذَا ﭐلۡإِحۡكَامِ، وَبِهَذِهِ ﭐلۡعَرَبِيَّةِ؟!!

وَلۡنَضۡرِبَ مَثَلًا ءَاخَرَ:

2 – مَنۡظُومَةُ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلشَّيۡطَــٰنِى وَﭐنۡتِقَالُ ﭐلۡمَعَارِفِ: (1) ﭐلۡخَلۡطُ (2).

ﭐسۡتِكۡمَالًا لِبَيَــٰنِ عَرَبِيَّةِ ﭐلۡقُرۡءَانِ، وَﭐلَّتِى يَظُنُّهَا ﭐلۡجَهُولُ “ثَانِىَ عِطۡفِهِ” أَنَّهَا “اللغة العربية” ﭐلَّتِآ خَرَجَ لِلدُّنۡيَا فَوَجَدَهَا، فَسَنُبَيِّنُ هُنَا بُعۡدًا ءَاخَرَ لِعَرَبِيَّةِ ﭐلۡقُرۡءَانِ ﭐلۡقَآىِٕمَةِ عَلَىٰ خَطِّ ﭐلۡكَلِمَةِ “طَرِيقَةُ خَطِّهَا”:

ﭐلۡمَلَأُ:

المَلأُ ـ عُمُومًا ـ هُمُ الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ الَّذِيِنَ يَجۡمَعُ بَيۡنَهُم أمۡرٌ عَامٌ، أوۡ خَاصٌّ. وَقَدۡ جَاءَ هَذَا الَّفۡظُ: بِكِتَابِ اللهِ 17 مَرَّةً، مِنۡهَا 4 مَرَّاتٍ مَرۡسُومٌ هَكَذَا: “ٱلۡمَلَؤُا۟”، وَمُغَايِرٌ لِلثَّلاَثَةِ عَشۡرَةَ مَرَّةٍ الأُخۡرَى المَرۡسُومَةُ هَكَذَا: “ٱلۡمَلَأُ”، لِيُضِيِفَ بُعۡدًا مُخۡتَلِفًا لِلَّفۡظِ، عَلَى تَفۡصِيِلٍ كَالتَّالِى:

ﭐلۡمَلَأُ:

يَأتِى خَطُّ الكَلِمَةِ، فِى كِتَــٰبِ اللَّهِ، هَكَذَا: “ﭐلۡمَلَأُ”، ثَلاَثَةَ عَشَرَةَ مَرَّةً، مُلۡتَصِقَةٌ أَلِفُهُ الأَخِيرَةُ بِالَّلاَمِ، وَمَفۡتُوحٌ رَسۡمُهَا، فِى إشَارَةٍ ضِمۡنِيَّةٍ لاسۡتِيِعَابِهَا لِكُلِّ المَلأِ (الجَمَاعَاتُ المُخۡتَلِفَةُ دَاخِلِ المَجۡمُوعِ)؛ وَيُقۡصَدُ بِهَا الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، تَجۡمَعُ بَيۡنَهُم صِفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنۡ تَبَايَنَت المَوَاقِعُ، كَأنۡ يَذۡكُرُ اللَّهُ قَوۡمًا مَا عَلَى اخۡتِلاَفِ مَشَارِبِهِم، فَيَصِفُهُم العَلِىُّ بِالۡمَلأِ، كَقَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ عَنۡ قَوۡمِ نُوحٍ:

“لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَقَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥٓ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ ﴿٥٩﴾ قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿٦٠﴾” الأَعۡرَاف.

فَالمَلأُ هُنَا هُمۡ أَطۡيَافٌ مِنۡ قَوۡمِ نُوحٍ، يَشۡتَرِكُ فِيِهِم، الرِّجَالُ، وَالنِّسَآءُ، وَالمُشۡرِكُونَ، والكَافِرُونَ، والعَوَامُّ، وَرِجَالُ الدِّيِنِ، وَالحُكَّامُ وَالمَحۡكُومُونَ، وَغَيۡرِهِم، جَمَعَ بَيۡنَهُم مَوۡقِفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الكُفۡرُ بِمَا جَآءَ بِهِ نُوحٌ.

وَنَفۡسُ الشَيۡءِ سَنَجِدُهُ مَع المَلأِ فِى كُلِّ الرِّسَالاَتِ الَّتِى ذُكِرَت فِى الكِتَــٰبِ، كَقَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ عَنۡ قَوۡمِ شُعَيۡبٍ:

“وَقَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًۭا لَّخَـٰسِرُونَ ﴿٩٠﴾” الأَعۡرَاف.

وَكَذَلِكَ الأَمۡرُ مَعَ قَوۡمِ هُودٍ، وَقَوۡمِ صَالِحٍ، وَغَيۡرِهِم مِمَّن لَمۡ يُحَدَّد، وَقَوۡمِ فِرۡعَوۡن، وَهَكَذَا.

أيۡضًا نَجِدُ أنَّ مُؤۡمِنَ ءَال فِرۡعَوۡن يُحَذِّرُ مُوسَىَ مِنۡ حَاشِيَةِ فِرۡعَون، فَيُسَمِّيهَا بِالمَلأِ، كَمَا جَآءَ فِى قَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ:

“وَجَآءَ رَجُلٌۭ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَـٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ ﴿٢٠﴾” القَصَص.

حَيۡثُ اخۡتَلَطَت وَاخۡتَلَفَت مَنَازِلُهُم، وَطَوَائفُهُم، عَلَى قُرۡبِهِم مِنۡ فِرۡعَوۡن، وَاشۡتِرَاكِهِم فِى التَّئَآمُر.

فَالمَلأُ فِى كُلِّ مَا سَبَقَ ذِكۡرَهُ، هُم “أطۡيَافٌ” مُتَبَايِنُونَ فِى الكَثِيِرِ مِنَ الأَوۡجُهِ، وَلَكِنَّهُم يَشۡتَرِكُونَ فِى صِفَةِ فِعۡلٍ مَا، أوۡ صِفَةِ قَوۡلٍ مَا.

ٱلۡمَلَؤُا:

أمَّا إِذَا مَا جَاءَ ﭐلۡخَطُّ هَكَذَا: “ٱلۡمَلَؤُا”، فَيَكُونُ الوَصۡفُ وَظِيِفِىٌّ، يُقۡصَدُ بِهِ المُقَرَّبُوُنَ مِنۡ رُؤُوسِ القَوۡمِ، أوۡ النُخۡبَةُ المُخۡتَارَةُ، أوۡ أهۡلُ الخُصُوصِ، أوۡ المُسۡتَشَارُونَ المُقَرَّبُونَ.

وَنُلاَحِظُ هُنَا أَنَّ ﭐلخَطَّ قَدۡ جَآءَ مُخۡتَلِفٌ عَنۡ سَابِقِهِ، فَجَآءَ ءَاخِرَهُ أَلِفٌ مَقۡصُورَةٌ، مُتَأَخِّرَةٌ، وَمُنۡفَصِلَةٌ، تَقَفُ كَالحَاجِزِ، تَمۡنَعُ المَلَؤا المَخۡصُوصَ مِنۡ أنۡ يَخۡتَلِطَ بِهِ مَنۡ لَيۡسَ مِنۡهُ، وَتُبَيِّنُ أَنَّ المَلأَ مُحَدَّدٌ، وَأَنَّ الاسۡتِشَارَةَ كَانَت مَقۡصُورَةً، وَمُحَدَّدَةً، لأَهۡلِ الاخۡتِصَاصِ، وَهِيَ هُنَا الحَاشِيَةُ المَسۡــُۛولَةُ. وَقَدۡ جَاءَ ذَلِكَ أرۡبَعَ مَرَّاتٍ كَالتَّــٰلِى:

المَوۡضِعُ الأَوَّلُ وَالثَّانِى، يَقُولُ اللَّهُ تَعَــٰلَىٰ فِيِهِمَا عَنۡ مَلِكَةِ سَبَأٍ نَاقِلاً قَوۡلَ سُلَيۡمَان لِلهُدۡهُدِ:

” ۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ﴿٢٧﴾ ٱذْهَب بِّكِتَـٰبِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ إِنِّىٓ أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـٰبٌۭ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُۥ مِن سُلَيْمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا۟ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَفْتُونِى فِىٓ أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾ قَالُوا۟ نَحْنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةٍۢ وَأُو۟لُوا۟ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ وَٱلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾” النَّمۡل.

وَنُلاَحِظُ هُنَا قَوۡلَ المَلِكَةِ أنَّهَا مَا كَانَت لِتَقۡطَعَ أمۡرًا دُونَ مُشَاوَرَةِ المَلَؤِا، مَا يَعۡنِى أَنَّهُم جُزۡءٌ خَاصٌ (ٱلۡمَلَؤُا) مِنَ المَلأِ العَامِّ (ﭐلۡمَلَأُ).

وَالمَوۡضِعُ الثَّالِثُ فِيِهِ قَوۡلُ رَسُولِ اللَّهِ سُلَيۡمَانَ التَّــٰلِى:

“قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْرِيتٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌۭ ﴿٣٩﴾ قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌۭ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّۭ كَرِيمٌۭ ﴿٤٠﴾ ” النَّمۡل.

فَنَجِدُ أَنَّ سُؤَالَ سُلَيۡمَانَ وَقَعَ لِلخَاصَّةِ مِنۡ حَاشِيَتِهِ، الَّذِيِنَ هُمۡ قَادِرُونَ عَلَى تَلۡبِيَةِ السُّؤَالِ، وَالإِتۡيَانِ بِالعَرۡشِ، دُونًا عَنۡ بَقِيَّةِ المَلأِ مِنۡ حَاشِيَتِهِ.

وَقَدۡ يَسۡأَلُ البَعۡضُ: إذَا كَانَ المَلَؤُاۡ بِهَذَا الرَّسۡمِ يَعۡنُونَ أهۡلُ الخُصُوصِ، أوۡ المُسۡتَشَارُونَ المُقَرَّبُونَ، فَلِمَاذَا إذًا خَاطَبَ مَلِكُ مِصۡرَ حَاشِيَتَهُ بِرَسۡمِ: “المَلأِ” (ﭐلۡمَلَأُ)، كَمَا فِى قَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ:

“وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَ‌ٰتٍۢ سِمَانٍۢ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌۭ وَسَبْعَ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضْرٍۢ وَأُخَرَ يَابِسَـٰتٍۢ ۖ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُءْيَـٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ ﴿٤٣﴾” يوسف.

وَالحَقِيَقَةُ أنَّ مَفۡهُومَ المَلأِ فِي مَوۡقِعِ مَلِكِ مِصۡرَ قَدۡ تَخَطَّي وَتَعَدَّي الوُزَرَاءَ وَالكُبَرَاءَ إِلَي الخَدَمِ كَمُقَرَّبِيِنَ أَيۡضًا، وَلِذَا فَقَدۡ قَالَ الخَادِمُ الَّذِى نَجَا مِنَ صَاحِبَىِّ يُوسُف ( ) رَدًّا عَلَى طَلَبِ المَلِكِ تَأوِيِلِ الرُّءۡيَا:

“وَقَالَ ٱلَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِۦ فَأَرْسِلُونِ ﴿٤٥﴾ ” يُوسُف.

مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الخَادِمَ دَخَلَ فِى مَنَاطِ سُؤَالِ المَلِكِ لِمَلأِهِ، فَخَرَجَ الخِطَابُ مِنۡ كَوۡنِهِ لأهۡلِ الاخۡتِصَاصِ، إلَى عُمُومِ الحَاشِيَةِ، بِمَنۡ فِيِهِم القِطَاعِ الخَدَمِىِّ.

وَنَأتِىَ الأَنَ إلَى المَوۡضِعِ الرَّابِعِ الَّذِى يَقَوۡلُ اللَّهُ تَعَــٰلَىٰ فِيِهِ:

“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَقَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥٓ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَـٰذَآ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةًۭ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾ ” المؤمنون.

فَنَجِدُ أنَّ الَّذِيِنَ كَفَرُوا مِنۡ قَوۡمِ نُوحٍ قَدۡ جَآءَ ذِكۡرُهُم هُنَا بِرَسۡمِ المَلَؤِا هَكَذَا: “ٱلۡمَلَؤُا”، مَا يَعۡنِى أنَّهُم مِنۡ أهۡلِ الاخۡتِصَاصِ، بَيۡنَمَا قَدۡ جَآءَ الرَّسۡمُ فِي سُورَةِ الأَعۡرَافِ مُخۡتَلِفًا عَنۡهُ هُنَا؛ إِذۡ جَآءَ كَالتَّــٰلِى: “ٱلۡمَلَأُ”:

” قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى سَفَاهَةٍۢ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ﴿٦٦﴾”.

وَالحَقِيِقَةُ أنَّ المَلأَ هُنَا قَدۡ اخۡتَلَفَ عَنۡهُ هُنَاكَ؛ فَفِى المَوۡرِدِ الأَوَّلِ كَانَت الأيَةُ تَتَنَاوَلُ فِئَةً مَخۡصُوصَةً مِنَ الَّذِيِنَ كَفَرُوا مِنۡ قَوۡمِهِ، وَهُم رُؤُوسِ الكُفۡرِ، مِنۡ عُلَمَاءِ وَمُنَظِّرِى مِلَّتِهِم، وَلِذَا نَجِدُهُم يُخَاطِبُونَ قَوۡمَهُم وَهُم يَطۡرَحُونَ شُبُهَاتِهِم لِمَنۡ هُم دُونِهِم فِى الكُفۡرِ، فَيَقُولُونَ لَهُم: إنَّ هَذَا الَّذِى يَزۡعُمُ إنَّهُ رَسُولٌ مِنۡ رَبِّ العَــٰلَمِيِنَ إنۡ هُوَ إلاَّ بَشَرٌ مِثۡلُكُم، وَإنَّهُ مُجَرَّدَ بَاحِثٌ عَنِ الوَجَاهَةِ وَالفَضۡلِ، وَلَوۡ شَآءَ اللَّهُ إرۡسَالَ رَسُولٍ لأرۡسَلَ مَلاَئِكَةً، وَإنَّا لاَ نَجِدُ مِثۡلَ ذَلِكَ فِى تُرَاثِنَا الَّذِى وَرِثۡنَاهُ مِنۡ ءَابَآئِنَا الأَوَّلِيِنَ:

“فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَـٰذَآ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةًۭ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾ ” المؤمنون.

أمَّا فِى المَوۡرِدِ الثَّانِى فَقَدۡ اخۡتَلَفَ المَلأُ، وَشَمِلَ كُلَّ الكَافِرِيِنَ المُكَذِّبِيِنَ:

” قَالَ ٱلْمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى سَفَاهَةٍۢ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ﴿٦٦﴾”.

وَبِتَرۡتِيِلِ لَفۡظِ المَلأِ بِخَطَّيۡهِ: “ﭐلۡمَلَأُ”، وَ: “ٱلۡمَلَؤُا”، يَتَّضِحُ لَنَا الفَرۡقُ بَيۡنَهُمَا كَمَا رَأيۡنَا.

فَهَلۡ كَانَ مِنَ ﭐلۡمُمۡكِنِ أَنۡ يَعۡرِفَ أَحَدٌ هَذَا ﭐلۡبَيَــٰنَ بِمَا تَعَلَّمَهُ فِى كُتَّابِ ثَانِىَ عِطۡفِهِ، أَوۡ فِى ﭐلۡمَدَارِسِ، أَوۡ فِى أَىِّ دَرَجَةٍ مِنۡ دَرَجَاتِ مَنۡظُومَةِ أَبِيهِ ﭐلشَّيۡطَآنِيَّةِ، ﭐلَّتِى لَا يَكُفَّ عَنِ ﭐلۡجَعۡجَعَةِ بِهَا لَيۡلَ نَهَارٍ، وَيُكَفِّرُ مَنۡ لَا يَتَعَلَّمَ ﭐلنَّحۡوَ وَﭐلبۡلَاغَةَ، الخ؟!!!

أَظُنُّ أَنَّنَا نَتَعَرَّفُ شَيۡئًا فَشَيۡئًا عَلَىٰ فَسَادِ مَنۡظُومَتِهِ ﭐلۡحَقِيرَةِ، وَلَا يَزَالُ ﭐلۡبَيَــٰنُ مُسۡتَمِرًّا، وَسَيَظَلُّ كَمَا هُوَ.

وَلِلبَيَــٰنِ بَقِيَّةٌ.

3 – نَمُوذَجٌ لِعَجزِ عِجلِ سَامِرِىِّ ﭐلۡمَنۡظُومَةِ عَنۡ إِدۡرَاكِ لَطَآىِٕفِ ﭐلۡقُرۡءَانِ

ﭐلۡفَرۡقُ بَيۡنَ “مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى”، وَبَيۡنَ: “وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ”.

وَرَدَنِى تَعۡلِيقٌ مِنۡ أَخٍ حَبِيبٍ يَقُولُ فِيهِ:

“ربنا يبارك فيك على فضحك لامثاله (يَقۡصُدُ مُشۡتُهُرى). و ان كنت أطمع فى انتهاز الفرصة و السؤال عن رأيكم فى مسألة الفرق فى المعنى عند رسم حرف الياء اخر الكلمة و عدم رسمها؟ كمثال الفرق بين الْمُهْتَدِى و ٱلْمُهْتَدِ:

وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِۦ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًۭا وَبُكْمًۭا وَصُمًّۭا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَٰهُمْ سَعِيرًۭا (٩٧) سُورَةُ الإِسرَاءِ

مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ (١٧٨) سُورَةُ الأَعرَافِ”.

وَأَقُولُ وَبِاللَّهِ ﭐلتَّوۡفِيقُ:

إِذَا نَظَرۡنَا إِلَىٰ خِطَابَ سُورَةِ ﭐلۡاَعۡرَافِ فَسَنَجِدُهُ كَانَ خَاصًّا بِالۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ بَنِى إِسۡرَآىِٕيلَ، حَيۡثُ بَدَأَت ﭐلۡاَيَــٰتُ بِدَايَةً مِنَ ﭐلۡأَيَةِ 103 مِنۡ سُورَةِ ﭐلۡاَعۡرَافِ فِى تَنَاوُلِ قِصَّةِ مُوسَىٰ مَعَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيۡهِۦ، وَبَنِى إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ:

“ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴿١٠٣﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ يَـٰفِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌۭ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿١٠٤﴾ حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ﴿١٠٥﴾ “.

ثُمَّ تَظَلُّ ﭐلۡاَيَــٰتُ تَقُصُّ قِصَّةَ مُوسَىٰ مَعَ فِرۡعَوۡنَ حَتَّىٰ تَنۡتَهِى فِى ﭐلۡاَيَةِ 137 بِقَوۡلِهِ تَعَــٰلَىٰ:

“وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُوا۟ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَـٰرَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُوا۟ ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُۥ وَمَا كَانُوا۟ يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧﴾”.

لِتَبۡدَأَ ﭐلۡاَيَــٰتُ فِى قَصِّ قَصَصِ بَنِى إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ﭐبۡتِدَآءً مِنۡ ﭐتِّخَاذِهِم ﭐلۡعِجۡلَ، وَمُرُورًا بِأَحۡدَاثٍ كَثِيرَةٍ، حَتَّىٰ وَقۡتِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيۡهِ ﭐلسَّلَــٰمُ، فَتَقُولُ ﭐلۡاَيَــٰتُ:

“ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾ قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ ۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىِّ ٱلْأُمِّىِّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٨﴾ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٌۭ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ ﴿١٥٩﴾”.

ثُمَّ تَظَلُّ ﭐلۡأَيَــٰتُ تَقُصُّ قَصَصَهُم حَتَّىٰ ﭐلۡأَيَةِ

“وَكَذَ‌ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَـٰتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿١٧٤﴾”.

ثُمَّ يَبۡدَأُ ﭐلۡخِطَابُ إِلَىٰ خَلَفِهِم مِنَ ﭐلۡمُعَاصِرينَ لِرِسَالَةِ ﭐللهِ “ﭐلۡقُرۡءَان”، وَلِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيۡهِ ﭐلسَّلَــٰمُ:

“وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِىٓ ءَاتَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ﴿١٧٥﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُۥٓ أَخْلَدَ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ ۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّ‌ٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا ۚ فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦﴾ سَآءَ مَثَلًا ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا۟ يَظْلِمُونَ ﴿١٧٧﴾”.

فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ لَهُمۡ لِيَرَوۡا عَاقِبَةَ مَنۡ تَأتِيهِ ءَايَــٰتُ ﭐللهِ فَيُكَذِّبُ بِهَا، لِتَأتِىَ بَعۡدَهَا مُبَاشَرَةً ﭐلۡاَيَةُ مَحَلُّ ﭐلسُّؤَالِ:

“مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ ﴿١٧٨﴾”.

فَالۡكَلَــٰمُ هُنَا فِى ءَايَةِ سُورَةِ ﭐلۡأَعۡرَافِ مُوَجَّهٌ لِهَذِهِ ﭐلۡفِئَةِ مِنۡ بَنِى إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ، لِيَهۡتَدُوا بِالۡقُرۡءَانِ، كَمَا ﭐهۡتَدُوا بِكُتُبِ ﭐللَّهِ ﭐلسَّــٰبِقَةِ، وَيُؤۡمِنُوا بِهِ، وَلِذَٰلِكَ جَآءَت ﭐلۡيَآءُ فِى ﭐلۡاَيَةِ لِتَبۡسِطَ ﭐلۡإِيمَــٰنَ، وَتَدُلُّ عَلَىٰ وُجُودِهِ أَصۡلًا، وَأَنَّهُم مُؤۡمِنَونَ بِالۡأَصۡلِ، وَيَزِيدُهُمۡ ﭐلۡقُرۡءَانُ هُدًى عَلَىٰ هُدَاهِم، كَمَا قَالَ ﭐللهُ فِى مَوۡضِعٍ ءَاخَرٍ بِسُورَةِ ﭐلۡقَصَصِ:

“ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِۦ مُسْلِمِينَ ﴿٥٣﴾ أُو۟لَـٰٓئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٥٤﴾”.

فَأَجۡرُهُم وَقَعَ مَرَّتَيۡنِ لِكَوۡنِهِم كَانُوا عَلَىٰ هُدًى مِنۡ رَّبِّهِم، وَزَادَهُم ﭐللَّهُ هُدًى مِنۡ فَضۡلِهِ بِكِتَــٰبِهِ ﭐلۡقُرۡءَانِ.

أَمَّا ﭐلۡاَيَةُ ﭐلۡاُخۡرَىٰ فَقَدۡ جَآءَت فِى سُورَةِ ﭐلۡإِسۡرَآءِ، وَبَدَأت بِخِطَابِ الۡكَافِرِينَ

“رَّبُّكُمُ ٱلَّذِى يُزْجِى لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِى ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًۭا ﴿٦٦﴾ وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَـٰنُ كَفُورًا ﴿٦٧﴾ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًۭا ثُمَّ لَا تَجِدُوا۟ لَكُمْ وَكِيلًا ﴿٦٨﴾ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًۭا مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا۟ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِۦ تَبِيعًۭا ﴿٦٩﴾”.

ثُمَّ يَبۡدَأُ ﭐلۡكَلَــٰمُ عَنۡ كَيۡدِهِم لِلقُرۡءَانِ، وَعَنِ ﭐلۡقُرۡءَانِ:

“وَإِن كَادُوا۟ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًۭا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًۭا ﴿٧٣﴾”.

“وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌۭ وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًۭا ﴿٨٢﴾”.

“وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيْنَا وَكِيلًا ﴿٨٦﴾”.

“قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًۭا ﴿٨٨﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ فَأَبَىٰٓ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورًۭا ﴿٨٩﴾”.

ثُمَّ نَقَلَ ﭐللَّهُ قَوۡلُهُم وَكُفۡرُهُم:

“وَقَالُوا۟ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلْأَرْضِ يَنۢبُوعًا ﴿٩٠﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌۭ مِّن نَّخِيلٍۢ وَعِنَبٍۢ فَتُفَجِّرَ ٱلْأَنْهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفْجِيرًا ﴿٩١﴾ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا ﴿٩٢﴾ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌۭ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَـٰبًۭا نَّقْرَؤُهُۥ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًۭا رَّسُولًۭا ﴿٩٣﴾”.

ثُمَّ جَآءَت ﭐلۡاَيَةُ مَحَلَّ ﭐلسُّؤَالِ:

“وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِۦ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًۭا وَبُكْمًۭا وَصُمًّۭا ۖ مَّأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَـٰهُمْ سَعِيرًۭا ﴿٩٧﴾” ﭐلۡإِسۡرَآء.

فَهِىَ تُخَاطِبُ كُفَّارًا، فَجَآءَت بِغَيۡرِ يَآءٍ، لِعَدَمِ وُجُودِ سَــٰبِقَةِ إِيۡمَانٍ لَهُمۡ، وَلِكُفۡرِهِم، وَلِمَكۡرِهِمۡ بِكِتَــٰبِ ﭐللهِ، وَلِحَسۡمِ ﭐلۡاَمۡرِ مَعَهُم، بِعَكۡسِ مُؤۡمِنِى بَنِى إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ.

نَفۡسُ ﭐلشَّىۡءِ جَآءَ بِسُورَةِ ﭐلۡكَهۡفِ، حَيۡثُ سَبَقَ قِصَّةَ أَصۡحَــٰبِ ﭐلۡكَهۡفِ قَوۡلُ ﭐللهِ تَعَــٰلَىٰ عَنۡ ﭐلۡكُفَّارِ ﭐلَّذِينَ قَالُوا ﭐتَّخَذَ ﭐللَّهُ وَلَدًا:

” وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًۭا ﴿٤﴾ مَّا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍۢ وَلَا لِءَابَآئِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةًۭ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَ‌ٰهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًۭا ﴿٥﴾ فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌۭ نَّفْسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةًۭ لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًۭا ﴿٧﴾ وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًۭا جُرُزًا ﴿٨﴾ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُوا۟ مِنْ ءَايَـٰتِنَا عَجَبًا ﴿٩﴾”.

ثُمَّ قَصَّ ﭐللهُ قِصَّةَ أَصۡحَــٰبِ ﭐلۡكَهۡفِ، وَجَآءَ بِهَا:

“وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَ‌ٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍۢ مِّنْهُ ۚ ذَ‌ٰلِكَ مِنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيًّۭا مُّرْشِدًۭا ﴿١٧﴾”.

وَلِأَنَّ ﭐلۡاَيَةُ تُخَاطِبُ كُفَّارًا قَالُوا ﭐتَّخَذَ ﭐللَّهُ وَلَدًا -وَحَاشَاهُ سُبۡحَــٰنَهُ-، فَجَآءَت بِغَيۡرِ يَآءٍ كَأَيَةِ ﭐلۡإِسۡرَآءِ، وَلِحَسۡمِ ﭐلۡاَمۡرِ مَعَهُم، بِعَكۡسِ مُؤۡمِنِى بَنِى إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ كَمَا سَلَفَ بَيَــٰنُهُ.

وَﭐللهُ وَحۡدَهُ هُوَ ﭐلۡأَعۡلَمُ بِمُرَادِهِ، وَهَذَا ظَنٌّ مِنِّى، أَسۡأَلُ ﭐللَّهَ أَنۡ يَغۡفِرَ لِى إِنۡ أَحۡطَأتَ، وَاَنۡ يَزِيدَنِى مِنۡ فَضۡلِهِ إِنۡ أَصَبۡتَ.

4 – مُنَاقَشَةُ مَنۡظُومَةِ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ (1)

يَعۡلَمُ كُلُّ مُؤۡمِنٍ، حَقَّ ﭐلإِيِمَـٰنِ، أَنَّ ﭐلكِتَـٰبَ هُوَ مَوۡضُوعُ ﭐلوَحۡيّ ﭐلمُنَزَّلِ:

“وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرٌۢ بَصِيرٌۭ ﴿٣١﴾ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌۭ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَ‌ٰتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ﴿٣٢﴾” ﭐلزُّخۡرُف.

وَﭐلنَّاسُ إِزَآءَ هَذَا ﭐلكِتَـٰبِ فَرِيقَانٌ:

1 ـ فَرِيِقٌ مُصَدِّقٌ بِمَا جَآءَ فِى كِتَـٰبِ ﭐللهِ، وَيَعۡمَلُ بِهِ وَحۡدَهُ، مُخۡلِصًا بِهِ لِرَبِّهِ ﭐلَّذِى أَنۡزَلَهُ؛ لِيُسۡلِمَ وَجۡهَهُ للهِ، فَبِهِ يَسۡعَدُ وَيَنۡجُو.

وَهَؤُلَآءُ فَرِيِقٌ وَاحِدٌ مُنۡذُ نُزُولِ ﭐلقُرۡءَانِ، إِلَىَ قِيَـٰمِ ﭐلسَّاعَةِ.

2 ـ فَرِيِقٌ لَا يُؤۡمِنُ بِكِفَـٰيَةِ كِتَـٰبِ ﭐللهِ، مُنۡصَرِفٌ عَنۡهُ؛ مُشۡرِكٌ بِهِ غَيۡرُهُ، فَهُوَ مُكَذِّبٌ بِهِ أَوۡ بِبَعۡضِهِ ( )، وَغَيۡرُ مُنۡتَبِهٍ لِمَا جَآءَ بِهِ، أَيًّا كَانَ ﭐلصَّـٰرِفُ عَنۡهُ، فَبِهِ يَشۡقَىٰ وَيَهۡلَكُ!

وَهَؤُلَآءُ ﭐنۡقَسَمُوا إِلَىٰ فِرَقٍ لَا تُحۡصَىَ، وَلَا تَزَالُ تَتَجَدَّدَ.

ثُمَّ إِنَّهُ مِنۡ ءَايَـٰتِ ﭐلكِتَـٰبِ ﭐلوَٰضِحَـٰتِ؛ أَنَّ هَذَا ﭐلكِتَـٰبَ هُوَ ﭐلمَرۡجِعُ لِلنَّبِيِّ وَلِلمُؤۡمِنِينَ مِنۡ بَعۡدِهِ، وَأَنَّهُ تَفۡصِيلٌ، وَتِبۡيَـٰنٌ، لِكُلِّ شَيۡئٍ يَحۡتَاجُ إِلَيٰ تَفۡصِيِلٍ أَوۡ تَبۡيِـٰنٍ، وَفِي ذَٰلِكَ يَقُولُ تَعَـٰلَيٰ (بِاخۡتِصَارٍ):

“…مَا كَانَ حَدِيثًۭا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿١١١﴾” يُوسُف.

“…وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَـٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾ ” ﭐلنَّحۡل.

فَقَوۡلُهُ تَعَـٰلَىٰ ” كُلِّ شَىْءٍۢ” فِى ﭐلأَيَتَيۡنِ، قَطَعَ ﭐلطَّرِيِقَ عَلَىٰ كُلِّ مَنۡ تُسَوِّلُ لَهُ نَفۡسُهُ أَنۡ يَزۡعُمَ تِبۡيَــٰنًا فِى غَيۡرِهِ، أَوۡ تَفۡصِيِلًا فِى سُواهِ.

وَكَذَٰلِكَ يَقُولُ سُبۡحَـٰنَهُ:

“وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُم بِكِتَـٰبٍۢ فَصَّلْنَـٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ ” ﭐلأعۡرَاف.

“الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾” هُود.

“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَـٰنٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًۭا مُّبِينًۭا ﴿١٧٤﴾ ” ﭐلنِّسَآء.

“وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـٰتٍۢ مُّبَيِّنَـٰتٍۢ وَمَثَلًۭا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْا۟ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةًۭ لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٣٤﴾ ” ﭐلنُّور.

وَﭐلأَيَــٰتُ بِخِلَافِ ذَٰلِكَ كَثِيِرَةٌ جِدًّا، وَمَا سَبَقَ يَكۡفِى مِنۡهُ ءَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِلمُتَّقِيِنَ، وَلَكِنَّ ﭐلزَّآىِٕغِيِنَ ﭐلضَّآلِّيِنَ كَانَ لَهُم رَأْىٌّ ءَاخَرٌ، فَسَارُوا عَلَىٰ نَهۡجِ مَنۡ سَبَقَهُم مِنۡ أَىِٕمَّةِ ﭐلكُفۡرِ؛ وَقَالُوا:

نَحۡنُ نُؤۡمِنُ بِالكِتَـٰبِ، وَلَكِنَّ ﭐلكِتَـٰبَ لَا يَكۡفِىَ وَحۡدَهُ، وَلَابُدَّ مِنۡ غَيۡرِهِ مَعَهُ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا ﭐلغَيۡرَ نَفۡسَهُ قَدۡ تَغَيَّرَ مِنۡ طَآىِٕفَةٍ لأُخۡرَىٰ، فَمِنۡهُم مَنۡ نَسَبَ دِيِنًا كَامِلًا مُخۡتَلِفًا لِلنَّبِىِّ بِرِوَايَاتٍ مِنۡ صُنۡعِ أَيۡدِيِهِم، غَيَّرُوا بِهَا كُلَّ مَا جَآءَ بِكِتَـٰبِ ﭐللهِ، وَفَعَلَ غَيۡرُهُم مِثۡلَهُم، فَنَشَأت ﭐلمَذَاهِبُ ﭐلمَعۡرُوفَةُ عَلَىٰ ﭐلسَّاحَةِ ﭐلأَنَ.

وَمَعَ مُرُورِ ﭐلوَقۡتِ صَارَت كُلُّ فِرۡقَةٍ تَبۡحَثُ فِى عَوۡرَاتِ وَبَلَايَا بَقِيَّةِ ﭐلفِرَقِ، حَتَّى فَضَحُوا بَعۡضَهُمُ ﭐلبَعۡضَ أَيُّمَا فَضۡحٍ، وَأَثۡبَتُوا ذَٰلِكَ فِى مَرَاجِعِهِم، وَظَلَّ ﭐلقُرۡءَانُ هُوَ ﭐلحَقَّ ﭐلَّذِى لَا خِلَافَ عَلَيۡهِ، وَلَا مَأَخِذٍ لأَحَدٍ لَدَيۡهِ، نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ، يَهۡدِى بِهِ ﭐللهُ مَنۡ يَشَآءُ، وَيُضِلُّ بِهِ مَنۡ يَشَآءُ.

وَفِى ﭐيَّامِنَا؛ أَرَادَ ﭐللهُ أَنۡ يَكُونَ ﭐلعَـٰلَمُ كَالقَرۡيَةِ ﭐلوَٰحِدَةِ، مُتَّصِلًا بَعۡضُهُ بِبَعۡضٍ، فَتُدۡرَكُ ﭐلثَّقَـٰفَاتُ، وَتُعۡلَمُ ﭐلأَهۡوَآءُ، وَتُنۡشَرُ فَضَآىِٕحُ كُلَّ مَذۡهَبٍ، دُونَ حَوۡلٍ مِنۡهُم وَلَا قُوَّةٍ، فَيَسَّرَ لِلنَّاسِ فَضَآءً مَعۡلُومَاتِيًّا يَتَشَارَكُوهُ، لَا يَسۡتَطِيِعُ أَحَدٌ أَنۡ يَمۡنَعَهُ إِلَّا لَوۡ ﭐسۡتَطَاعَ أَنۡ يَمۡنَعَ ﭐلهَوَآءَ. وَهَكَذَا صَارَ “ﭐلإِنۡتَرنِت”، وَ: “ﭐلفَضَآىِٕيَّاتُ”، هُمَا وَسِيِلَةَ ﭐلِاتِّصَـٰلِ وَﭐلنَّشۡرِ ﭐلحَدِيِثِ فِى أَيَّامِنَا، وَمِنۡ ثَمَّ فَقَدۡ اطَّلَعَ أَفۡرَادُ كُلِّ مَذۡهَبٍ عَلَىٰ بَلَايَا مَذۡهَبِهِ، بَعۡدَ أَنۡ ذَابَ ﭐلسِّيَاجُ ﭐلَّذِى طَالَمَا حَافَظَ عَلَيۡهِ سَدَنَةُ كُلِّ مَذۡهَبٍ لِيَمۡنَعُوا أَتۡبَاعَهُم مِنۡ رُؤۡيَةِ مَا وَقَعَ فِى مَذۡهَبِهِم، مِنۡ بَاطِلٍ وَفُطُورٍ، وَنَسَخَهُ ﭐللهُ، لِيَبۡقَىٰ شَاهِدًا عَلَىٰ كَذَبِ مَاهُم عَلَيۡهِ مِنۡ ﭐنۡحِرَافٍ، وَبُعۡدٍ عَنِ ﭐلحَقِّ.

ثُمَّ بَدَأَ ﭐلفَضَآءُ فِى ﭐسۡتِيِعَـٰبِ ﭐنۡحِرَافَاتٍ جَدِيِدَةٍ، يُحَاوِلُ كُلُّ ﭐنۡحِرَافٍ مِنۡهَا ﭐلانۡخِلَاعَ مِنَ ﭐلقَدِيِمِ مَعَ حِفۡظِ ﭐنۡحِرَافِهِ، وَحِفۡظِ ﭐلأَهۡدَافِ ﭐلقَدِيِمَةِ، مُحَاوِلًا ﭐخۡتِرَاعَ مَذۡهَبٍ جَدِيِدٍ، ظَـٰهِرَهُ “إِنۡكَارُ ﭐلقَدِيِمِ”، وَبَـٰطِنَهُ “ﭐلسُّجُودُ لِلقَدِيِمِ”، وَتَمۡرِيِرُ ءَايَــٰتِ ﭐلكِتَــٰبِ عَلَىٰ هَوَاهِ؛ لِتَصِيِرَ عَلَىٰ مَا كَانَت عَلَيۡهِ فِى مَذۡهَبِ أَبِيِهِ، وَﭐلمَذۡهَبِ ﭐلَّذِى نَشَأَ فِيِهِ.

ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ هَؤُلَآءِ ﭐلَّذِيِنَ بُعِثُوا فِى هَذَا ﭐلعَصۡرِ، وَنَشَأوُا عَلَىٰ أَحَدِ مَذَاهِبِ ﭐلرُّوايَةِ، قَدۡ قَدَحَ زِنَادَ فِكۡرِهِ، وَأَعۡمَلَ سُوءَ طَوِيَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَىٰ ﭐلمَلَأِ بِمَذۡهَبٍ جَدِيِدٍ، يَرۡفُضُ فِيِهِ ﭐلرُّوايَةَ ظَـٰهِرًا، وَيَأخُذُ بِنَتَآىِٕجِهَا بَاطِنًا، مُدَّعِيًا ﭐلعِلۡمَ، وَمُرَوِّجًا لِمَذۡهَبِهِ بِمَا يَعۡجَبُ لَهُ ذَوى ﭐلأَلۡبَابِ.

وَﭐلحَقُّ أَنَّهُ لَمۡ يَكُنۡ وَحۡدَهُ فِى هَذَا ﭐلسَّبِيِلِ، بَلۡ شَارَكَهُ كَثِيِرُونَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسۡوَأهُم عَلَىٰ ﭐلإِطۡلَاقِ، حُجَّةً، وَعَرۡضًا، وَجَدَلًا، وَتَعَالِيًا، وَكَذِبًا عَلَىٰ ﭐللهِ، وَسَرِقَةً لِمُؤَلَّفَاتِ غَيْرِهِ، فَزَعَمَ:

أَنَّ هُنَاكَ مَنۡظُومَةً لِلتَّوَٰصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ، هِىَ ﭐلسَّبِيِلُ لِلعِلۡمِ بِالكِتَـٰبِ، يَكۡفُرُ مَنۡ لَمۡ يَأخُذُ بِهَا وَبِمَا سَمَّاهُ “قَوَاعِدِ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ وَعُلُومِهَا، وَعِلۡمَ ﭐلسِّيَاقِ، فَقَالَ ﭐلمَنۡظُومِىُّ ﭐلۡمُسَمَّىٰ بِمُشۡتُهُرِى، وَﭐلۡمَعۡرُوفُ بِعَدَآىِٕهِ لِكِتَــٰبِ ﭐللهِ، وَبِلُصُوصِيَّتِهِ، وَسَرِقَتِهِ لِكَتَــٰبَــٰتِ ﭐلنَّاسِ:

“إن كل من يفهم القرآن أو يستنبط حكما من أحكامه دون علم بقواعد اللغة العربية وعلومها، وبعلم السياق، وبمنظومة التواصل المعرفى كافر بالله وبالقرآن لأن القرآن لا يحمل إلا الكلمات فقط فكيف نفهمها بمعزل عن مسمياتها الموجود خارج القرآن إلا بفيروس الهوس الدينى، والإلحاد فى الأيات وفى استنباط أحكامها”.

وَيَقُولُ مُشۡتُهُرِى عَنِ ﭐلأَيَةِ 3 مِنۡ سُورَةِ ﭐلمَآىِٕدَةِ:

“إن هذه الآية من مئات الآيات التي تحكم بالكفر بالله وبالقرآن على كل من يفهم القرآن أو يستنبط حكما من أحكامه دون علم بقواعد اللغة العربية وعلومها وبعلم السياق ومنظومة التواصل المعرفي”.

وَنَحۡنُ هُنَا سَنُنَـٰقِشُ مَا سَطَرَهُ “ﭐلمَنۡظُومِىُّ، لِصُّ الأَفْكَارِ” ﭐلمَذۡكُورُ لِتَكُونَ ﭐلمُنَـٰقَشَةُ ذُخۡرًا لِمَنۡ يَأتِى بَعۡدَنَا، وَلِتَكُونَ حُجَّةً عَلَيۡهِ إِنۡ لَمۡ يَعُدۡ عَنۡ ﭐنۡحِرَافِهِ وَتَكۡفِيِرِهِ لِمَنۡ لَا يَسِيِرُ عَلَىٰ هَوَاهِ وَضَلَالِهِ ﭐلقَدِيِمِ، تُضَافُ لِمَا سَبَقَ وَاَقَمْنَاهُ عَلَيْهِ مِنْ حُجَجٍ. وَذَٰلِكَ مِنۡ خِلَالِ هَذِهِ ﭐلنِّقَاطِ:

● أَوَّلًا: نَقۡدُ ﭐلتَّسۡمِيَةِ:

1 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَنۡظُومَة”.

2 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلتَّوَاصُلِ”.

3 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَعۡرِفِىِّ”.

● ثَانِيًا: نَقۡدُ رَكَآىِٕزِ ﭐلمَنۡظُومَةِ:

1 ـ قَوَاعِدُ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ.

2 ـ عُلُومُ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ.

3 ـ عِلۡمُ ﭐلسِّيَاقِ.

● ثَالِثًا: حَقِيِقَةُ ﭐلمَنۡظُومَةِ:

1 ـ أَنَّ ﭐلمَنۡظُومَةَ هِىَ قِنَاعٌ لِمَا حَذَّرَ ﭐللهُ مِنۡهُ.

2 ـ عُلُومُ.

3 ـ عِلۡمُ.

● رَابِعًا: هَدَفُ ﭐلمَنۡظُومَةِ.

1 ـ أَقۡعَادُ ﭐلصِّرَٰطِ ﭐلمُسۡتَقِيِمِ.

2 ـ صَرۡفُ ﭐلنَّاسِ عَنۡ كَلَامِ رَبِّهِم لَهُم.

3 ـ ﭐلعَوۡدَةُ إِلَىٰ دِيِنِ أَبِيِهِ وَلَكِن بِالنَّتَآىِٕجِ دُونَ تَفَاصِيِلِهِ.

● خَامِسًا: مَوۡقِعُ ﭐلمَنۡظُومَةِ مِنَ ﭐلقُرۡءَانِ.

● سَادِسًا: مُنَاقَشَةُ أَمۡثِلَةٍ مِنۡ جَهَـٰلَاتِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ:

● سَابِعًا: بَيَانُ كِفَـٰيَةِ ﭐلقُرۡءَانِ:

5 – مُنَاقَشَةُ مَنۡظُومَةِ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ (2)

نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ: “مَنۡظُومَةِ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ”:

1 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَنۡظُومَةِ”.

فَأَوَّلُ مَا يَلۡفِتُ ﭐلانۡتِبَاهُ هُوَ أَنَّ كَلِمَةَ “مَنۡظُومَة”، هِىَ كَلِمَةٌ مُنۡقَطِعَةٌ عَنۡ كَلَـٰمِ ﭐللهِ، فَلَمۡ تَرِدۡ فِى كَتَـٰبِ ﭐللهِ، وَلَا لِمَرَّةٍ وَٰحِدَةٍ، وَهِىَ مِنَ ﭐلأَصۡلِ “نَ ظۡ م”، وَهُوَ أَصۡلٌ مُهۡمَلٌ بِالكُلِّيَّةِ فِى كِتَـٰبِ ﭐللهِ، بِكُلِّ مُشۡتَقَّـٰتِهِ، وَلِعَلَّ ذَٰلِكَ يَبۡدُوا وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ أَوَّلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَىٰ حَالِ ﭐلقَآىِٕلِ، وَﭐنۡقِطَاعِهِ عَنۡ ﭐلقُرۡءَانِ، هُوَ وَمَنۡظُومَتِهِ ﭐلمُجۡتَثَّةِ، قَبۡلَ ﭐلنَّظَرِ إِلَىٰ مَا قَالَهُ فِيِهَا.

2 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلتَّوَاصُلِ”.

ﭐخۡتَارَ “ﭐلمَنۡظُومِىُّ”، صَـٰحِبُ “مَنۡظُومَةِ ﭐلتَّوَاصُل ﭐلمَعۡرِفِىِّ” ﭐلِاسۡمَ ﭐلثَّانِى لِمَنۡظُومَتِهِ بِجَهۡلٍ كَجَهۡلِ ﭐلعَوَامِّ، إِذۡ جَهِلَ هَذِهِ ﭐلمَرَّةَ، ﭐلفَرۡقَ بَيۡنَ كَلِمَتَىِّ: ﭐلتَّوَاصُلِ، وَﭐلِاتِّصَـٰلِ، حَيۡثُ تَعۡنِى كُلًّا مِنۡهُمَا مَعۡنًى بِخِلَافِ ﭐلأُخۡرَىٰ؛ فَكَلِمَةُ “ﭐلتَّوَاصُل” هِىَ مِنَ ﭐلأَصۡلِ “وَ صۡ ل”، وَهُوَ عَكۡسُ ﭐلأَصۡلِ “فَ صۡ ل”، وَمِنۡهُ ﭐلوَصۡلُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡفَصۡلُ، وَﭐلوُصَالُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡفِصَالُ، وَﭐلِاتِّصَالُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡاِنۡفِصَالُ، . . الخ.

وَﭐلتَّوَاصُلُ هُوَ ﭐلۡاسۡتِمۡرَارُ بِلَا ﭐنۡقِطَاعٍ، وَإِذَا ﭐنۡتُحِلَ لِاتِّجَاهٍ فِكۡرِىٍّ فَيَصِيرُ هُوَ أَسَاسَ إِنۡشَآءِ أَىَّ مَذۡهَبٍ، إِذۡ يَزۡعُمُ كُلُّ أَصۡحَــٰبِ مَذۡهَبٍ أَنَّ بِضَاعَتَهُم تَوَاصَلَت مُنۡذُ أَىَّ رَسُولٍ إِلَىٰ يَوۡمِنَا هَذَا، وَهَذَا هُوَ مَا زَعَمَهُ “ﭐلمَنۡظُومِىُّ”، إِذۡ قَالَ مُشۡتُهُرِى فِى تَعۡرِيفِ مَنۡظُومَتِهِ:

“أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت. .

لقد حفظ الله لشعوب العالم، من لدن آدم وعن طريق منظومة التواصل المعرفي، حروف الهجاء التي تنطق بها ألسنتهم، ولولا هذا الحفظ ما استطاع الناس فهم كلمة واحدة من كلمات الرسالات التي بعث الله بها الرسل.

” فعندما نسمع كلمة «فَم» فإن ذهننا يذهب إلى الصورة المطبوعة في القلب عن طريق منظومة التواصل المعرفي التي نفهم منها معنى هذه الكلمة”.

“منظومة التواصل المعرفي هي التي حملت للناس جميعًا، من لدن آدم عليه السلام، مُسَمَّيات الكلمات التي تنطق بها ألسنتهم، كلٌ حسب لغة ولهجة قومه”.

“أ: أسد – ب: بطة – ت: تمساح – ث: ثعبان – ج: جمل”

فَنَجِدُ هُنَا مُغَالَطَاتٍ تَنُمُّ عَنۡ جَهۡلٍ بِطَبِيعَةِ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، وَبِطَبِيعَةِ ﭐلۡأَلۡسِنَةِ، وَإِنۡ كَانَ هَذَا لَيۡسَ بِمَوۡضُوعِنَا. فَالۡأَلۡسَنَةُ تَتَأَكَلُ مِنۡ نَاحِيَةٍ وَتَنۡمُو مِنۡ نَاحِيَةٍ أُخۡرَىٰ، وَﭐلَّذِى حَفِظَ لِلسَانِ أَهۡلِ ﭐلۡجَزِيرَةِ، وَبِلَادِ ﭐلۡحِجَازِ، وَقُرَيۡشٍ، مُسَمَّيَّاتِهُم، وَقَوَّمَ لِسَانَهُم هُوَ ﭐلۡقُرۡءَانُ وَلَيۡسَ ﭐلۡعَكۡسُ.

ثُمَّ إِنَّ ﭐلۡقُرۡءَانَ جَآءَ بِكَلِمَــٰتٍ لَمۡ تَكُنۡ قُرَيۡشٌ تَعۡرِفُهَا، وَلَكَنۡ سَنَتَجَاوزُ هَذِهِ ﭐلۡنُّقۡطَةَ لِكَوۡنِهَا لَيۡسَتۡ بِالۡجَوۡهَرِيَّةِ، وَلۡنُكۡمِلُ مَعَ مُشۡتُهُرِى تَعۡرِيفَهُ ﭐلۡفَاسِدَ؛ إِذۡ يَقُولُ:

“أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت. . .، ومعارف أممية: وهي المعارف المتفق عليها بين أفراد الأمة الواحدة، مثل: اللغة ـ كيفية أداء العبادات”.

فَنَجِدُهُ قَدۡ قَامَ بِدَسِّ كَيۡفِيَّةِ أَدَآءِ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ وَسَطَ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، وَوَسَطَ أ: أسد – ب: بطة – ت: تمساح – ث: ثعبان – ج: جمل!!

فَإِذَا سَلَّمۡنَا -جَدَلًا- بِتَواصُلِ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، فَمِنۡ أَيۡنَ جَآءَ بِوُجُودِ شَىۡءٍ ﭐسۡمُهُ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” أصۡلًا؟!

لَقَدۡ جَآءَت كَلِمَةُ “عَ بۡ د” بِمُشۡتَقَّاتِهَا 275 مَرَّةً بِكِتَــٰبِ ﭐللهِ، فِى 251 ءَايَةٍ، لَيۡسَ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً كَلِمَةُ: “عِبَــٰدَٰتِ”!!

فَهَذَا ﭐلۡجَهُولُ بِخِلَافِ مَكۡرِهِ بِكِتَــٰبِ ﭐللهِ وَكَلَــٰمِهِ لِعِبَــٰدِهِ، فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبَآىِٕهِ فِى كُلِّ شَىۡءٍ حَتَّىٰ فِى هَذَا ﭐلۡمُصۡطَلَحِ ﭐلۡمَذۡهَبِىِّ.

حَسَنًا؛ فَلۡنُسَّلِمُ -جَدَلًا- بَأَنَّ مَا سَمَّاهُ بِـ: “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ”، هُوَ مَا يَعۡنِى عِنۡدَهُ ﭐلصَّلَوةَ، وَﭐلصِّيَامَ، وَﭐلۡحَجَّ، وَﭐلصَّدَقَةُ، . . . الخ. فَمَا دَخۡلُ ذَٰلِكَ بِالتَّوَاصُلِ؟!

وَكَيۡفَ يَأَمُرُ ﭐللَّهُ عِبَادَهُ بِهَذِهِ ﭐلۡعِبَٰدَٰتِ، دُونَ أَنۡ يُبَيِّنَهَا فِى كِتَــٰبِهِ ﭐلَّذِى قَالَ عَنۡهُ إِنَّهُ تِبۡيَانٌ لِكُلِّ شَىۡءٍ؟

حَسَنًا؛ فَلۡنُسَلِّمُ -جَدَلًا- بِاَنَّ هَذِهِ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” لَمۡ تُبَيَّنۡ فِى كِتَــٰبِ ﭐللَّهِ، فَمِنۡ أَيۡنَ لِلعِبَــٰدَٰتِ ﭐلۡاَبَآىِٕيَّةِ تَوَاصُلُهَا؟!

وَلَوۡ تَوَاصَلَتُ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ كَمَا زَعَمَ وَخَرَصَ فَلِمَاذَا لَمۡ تَثۡبُتۡ عِنۡدَ مُخۡتَلَفِ ﭐلۡفِرَقِ، وَصَارُوا سَوَادًا وَاحِدًا، تَحتَ مُسَمًّى وَاحِدٍ؟!

سَلَّمۡنَا اَنَّ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” تَوَاصَلَت، فَمِنۡ أَيۡنَ تَتَوَاصَلُ مَعَانِى كَلِمَــٰتِ ﭐلۡقُرۡءَانِ هِىَ ﭐلۡاُخۡرَىٰ، بَيۡنَمَا فِيهَا مَا لَا يُمۡكِنُ بُلُوغَ مَعۡنَاهُ إِلَّا بِالدِّرَاسَةِ؟!

بَلۡ إِنَّ أَىَّ حَدٍّ، أَوۡ حُكۡمٍ، أَوۡ حِكۡمَةٍ، أَوۡ ذِكۡرٍ . . الخ، لَا عِلَاقَةَ لَهُم بِمَا سَمَّاهُ قَوَامِيسَ ﭐللُّغَةِ، وَمَعَاجِمَهَا، بَلۡ إِنَّ ﭐلۡعِلۡمَ بِهِمۡ قَآىِٕمٌ عَلَىٰ ﭐلتَّرۡتِيلِ، وَﭐلتَّدُبِّرِ، وُصُولًا لِقِرَآءَةِ (فَهۡمِ) كَلَــٰمِ ﭐللَّهِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَىٰ عَنۡهُ، وَهُوَ مَا نَصَّ ﭐللَّهُ عَلَيۡهِ:

“وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا”.

“كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ”.

“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ”.

“بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ”.

فَكَيۡفَ يَخَرۡصُ مُشۡتُهُرُى وَيَقُولُ:

“الالتزام بأحكام القرآن كما أنزلها الله، بدلالات كلماتها اللسانية التي حفظها الله في معاجم اللغة العربية” اهـ.

فَقَوۡلُ مُشۡتُهُرِى بِتَواصُلِ دَلَالَاتِ كَلِمَــٰتِ ﭐلۡقُرۡءَانِ فِى مَعَاجِمِ ﭐللُّغَةِ ﭐلۡعَرَبِيَّةِ هُوَ قَوۡلٌ كَذِبٌ، وَمَرۡدُودٌ عَلَيۡهِ، عَلَىٰ ﭐلۡاَقَلِّ بِمَا رَدَّ هُوَ بِهِ عَلَىٰ تَوَاتُرِ ﭐلۡحَدِيِثِ، وَمَا قَالَ مَا قَالَهُ إِلَّا لِجَهۡلِهِ بِبِنۡيَةِ كَلِــٰمِ رَبِّ ﭐلۡعَــٰلَمِينَ، كَمَا سَنُنَاقِشُهُ هُنَا فِى حِينِهِ.

إِذًا؛ فَلَا مَا سَمَّاهُ بِالۡعِبَــٰدَٰتِ ﭐلۡأَبَآىِٕيَّةِ يُمۡكِنُهُ إِثۡبَاتَ تَوَاصُلِهَا. وَلَا هَذِهِ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ شَيۡئًا وَاحِدًا. وَلَا جَعَلَ ﭐللَّهُ هَذَا ﭐلتَّوَاصُلَ سَبِيلًا لِعِبَادَتِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ ﭐلۡكِتَــٰبَ هُوَ سَبِيلُ ﭐلۡعِبَــٰدَةِ، فَقَالَ:

“إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ…”.

وَﭐلۡاَيَــٰتُ كَثِيرَةٌ فِى إِثۡبَاتِ ذَٰلِكَ، فَضۡلًا عَنۡ إِثۡبَاتِهَا لِكِفَايَةِ كَلَــٰمِ ﭐللَّهِ وَكَمَالِهِ.

بَلۡ إِنَّ ﭐللَّهَ قَالَ عَنِ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلۡمَذۡكُورِ:

“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ”.

فَلَوۡ كَانَ هُنَاكَ تَوَاصُلٌ فَلِمَاذَا كَانَ ﭐللهُ سَيَقُولُ ذَٰلِكَ؟!

إِذًا فَمَسۡـــَٔلَةِ ﭐلتَّوَاصُلِ بِلَا ﭐنۡقِطَاعٍ، وَلَا ﭐنۡفِصَالٍ، هِىَ فِرۡيَةٌ مِنۡهُ، وَلَوۡ كَانَ يَفۡهَمُ لَمَا دَسَّ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ وَسَطَ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ وَﭐلِّسَانِ، وَلَاكۡتَفَىٰ بَتَرۡوِيجِ ﭐلۡمَعَاجِمِ وَﭐلۡقَوَامِيسِ ﭐلَّتِى فَرِحَ بِهَا، وَلَقَالَ: “مَنۡظُومَةُ ﭐلۡاِتِّصَالِ ﭐلۡمُعۡجَمِىِّ”.

وَنَظَرًا لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَنۡظُومَتَهُ وَحۡدَهَا، دُونَ غَيۡرِهَا، ﭐلَّتِى تَمۡلُكُ مَفَاتِحَ فَهۡمِ ﭐلدِّيِنِ، لِمَا فِيِهَا -عِنۡدَهُ- مِنۡ قَوَاعِدٍ، وَأُسُسٍ، لِفَهۡمٍ ﭐلمُسَمَّيَاتِ، وَﭐلأَلۡفَـٰظِ ﭐلَّتِى جَآءَ بِهَا ﭐلقُرۡءَانُ، مِنۡ مَنۡظُورٍ أَبَوِىٍّ -كَمَا زَعَمَ- فَهُوَ ﭐتِّصَالٌ، لَا تَوَاصُلٍ، لِغِيِابِ ﭐلطَّرَفِ الۡأَبَوِىِّ ﭐلۡمُعۡطِى، وَلِكَوۡنِ ﭐلۡمُعۡطَىٰ قَبۡلَ ﭐلرُّشۡدِ غَيۡرُ مُعۡتَبَرٍ كَمُتَوَاصِلٍ، بَلۡ كَمُتَلَقًّى، لِغِيَـٰبِ إِرَادَةِ ﭐلمُتَلَقِّى. وَكَانَ ﭐلأَوۡلَىٰ لَهُ أَنۡ يُسَمِّيِهَا بِـ: “مَنۡظُومَةِ ﭐلِاتِّصَالِ ﭐلمَعۡرِفِى”، كَمَنۡظُومَةٍ مَرۡجِعِيَّةٍ، مِنۡ صُنۡعِ خَيَالِهِ وَأَوۡهَامِهِ.

فَهُوَ قَدۡ جَهِلَ حَتَّى كَيۡفَ يُسَمِّىَ مَنۡظُومَتَهُ ﭐلمُفۡتَرَاةُ.

3 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَعۡرِفِىِّ”.

فَتَسۡمِيَةُ ﭐلمَنۡظُومَةِ بِـ: “مَنۡظُومَةُ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ”، حَمَّلَتَ ﭐلِاسۡمَ بِمَحۡدُودِيَّةِ مَنۡظُومَتِهِ، وَجَعَلَهَا تَدُورُ عَلَىٰ ﭐلمَعۡرِفَةِ لَا ﭐلعِلۡمِ، وَحَكَمَ عَلَيۡهَا بِالتَّقَزُّمِ إِزَآءَ ﭐلقُرۡءَانِ.

فَالمَعۡرِفَةُ هِىَ دَرَجَةٌ مَحۡدُودَةٌ مِنۡ دَرَجَـٰتِ ﭐلۡإِدۡرَاكِ، وَجُزۡىِٕيَّاتُهَا سَطۡحِيَّةٌ، وَمُتَغَيَّرِةٌ، وَنِسۡبِيَّةٌ، لِكَوۡنِهَا شَيۡئٌ مُغَايِرٌ لِلعِلۡمِ، ﭐلَّذِى هُوَ مُنۡتَهَىٰ دَرَجَـٰتِ ﭐلۡإِدۡرَاكِ.

وَإِنَّمَا هِىَ مَعۡرِفَةٌ لِلشَّىۡءِ، وَتَمۡيِيِزٌ لَهُ، عَلَىٰ مَا هُوَ عَلَيۡهِ دُوَنَ تَمۡحِيِصٍ، لَا عَلَىٰ حَقِيِقَتِهِ، وَلِذَا تَأتِىَ ﭐلنِّسۡبِيَّةُ، وَﭐلتَّغَيُّرِ بِاعۡتِبَارِهَا أَقۡصَىٰ ﭐلمُتَاحِ لِصَـٰحِبِهَا.

فَالنَّاسُ -مَثَلًا- يَعۡرِفُونَ ﭐلشَّمۡسَ، وَﭐلقَمَرَ، وَﭐلجِبَالَ، وَﭐلدَّوابَّ، يُمَيِّزُونَ بَيۡنَهُم، وَلَا يَعۡلَمُونَهُم، وَإِنَّمَا يَعۡلَمُ عَنۡهُم ﭐلقِلَّةُ مِنَ ﭐلعُلَمَآءِ، كُلٌّ بِحَسَبِ تَخَصُّصِهِ ﭐلعِلۡمِىِّ.

فَالمَعۡرَفِةُ هِىَ ﭐلأَدۡنَىٰ مَقَامًا، مِنَ ﭐلعِلۡمِ، وَﭐلعِلۡمُ حَاكِمٌ عَلَىٰ ﭐلمَعَارِفِ، وَمُتَسَلِّطٌ عَلَيۡهَا، وَمُغَيِّرٌ لَهَا أَيۡضًا إِذَا مَا اقۡتَضَىٰ ﭐلحَالُ.

وَمِنۡ ثَمَّ؛ فَإِنَّ ﭐلمَعۡرِفَةَ هِىَ بِخِلَافِ ﭐلعِلۡمِ، ﭐلَّذِى يَدُورُ ﭐلقُرۡءَانُ عَلَيۡهِ، كَمَا قَالَ سُبۡحَـٰنَهُ:

“وَكَذَ‌ٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّۭا ۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا وَاقٍۢ ﴿٣٧﴾” ﭐلرَّعۡد.

فَمُحَاوَلَةُ ﭐلمَنۡظُومِىُّ ﭐلۡجَهُولِ تَحۡكِيِمَ ﭐلمَعۡرِفَةِ فِى ﭐلعِلۡمِ تَدُلُّ عَلَىٰ مَوۡقِعِهِ مِنَ ﭐلفَهۡمِ، وَﭐلإِدۡرَاكِ، وَﭐلإِعۡرَابِ – خُصُوصًا وَعُمُومًا-.


يناير 29

19 min read

0

1

0

منشورات ذات صلة

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page