

(1473) 29/6/2020 «مقال الاثنين» عندما ينطلق «الفهم» من قاعدة «الهوى» لا من قاعدة «العلم»
يناير 29
5 min read
0
0
0

# أولًا:
من الذي يحق له، أن يفهم آيات الذكر الحكيم ويستنبط أحكامها؟!
إنه «العالم» بموضوع «السياق»:
١- فعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان حدود الله الواجب إقامتها في حياة المؤمن «البقرة / ٢٣٠»:
– «فَإِن طَلَّقَهَا»:
– «فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ»
– «حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»
– «فَإِن طَلَّقَهَا»:
– «فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا»
– «إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ»
– «وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
* فإن «العالم» الفاهم لمعنى «حدود الله» وما هي، هو وحده الذي يتحدث عنها.
٢- وعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان دلائل الوحدانية في الآفاق «الأنعام / ٩٧-١٠٥»:
– «وَهُوَ الَّذِي»:
– «جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ»
– «لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»
– «قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
ثم يقول الله تعالى:
– «قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ»
– «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا»
– «وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ»
– «وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ»
– «وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ»
– «وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
* فإن «العالم» المتخصص في علوم «الآفاق» هو وحده الذي يتحدث عنها.
٣- وعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان أن الله وحده هو الذي يُحل ويُحرم «الأعراف / ٣٢»:
– «قُلْ مَنْ حَرَّمَ»:
– «زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ»
– «وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ»
– «قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»
– «خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
– «كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
* فإن «العالم» الذي يكون على دراية بـ «علم السياق»، ويعلم مفهوم الزينة والطيبات، هو وحده الذي يتحدث عنها.
٤- وعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان أحكام التعامل مع غير المسلمين «التوبة / ١١»:
– «فَإِن تَابُواْ»
– «وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ»
– «وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ»
– «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ»
– «وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
* فإن «العالم» الذ ي يعلم أحكام التعامل مع غير المسلمين، هو وحده الذي يتحدث عنها.
٥- وعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان دلائل الوحدانية التي لا يعلمها إلا أهل التخصص «يونس / ٥»:
– «هُوَ الَّذِي»:
– «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً»
– «وَالْقَمَرَ نُوراً»
– «وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ»
– «لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ»
– «مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ»
– «يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
* فإن «العالم» المتخصص في علوم الفلك، هو وحده الذي يتحدث عنها.
٦- وعندما يقول الله تعالى، في سياق بيان أن تفصيل آيات الكتاب نزل باللغة العربية «فصلت / ٣»:
– «كِتَابٌ»:
– «فُصِّلَتْ آيَاتُهُ»
– «قُرْآناً عَرَبِيّاً»
– «لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
فإن «العالم» المتخصص في «علوم اللغة العربية»، هو وحده الذي يتحدث عن القرآن.
ولقد خصّ الله تعالى، في هذا السياق، الذين يعلمون بالذكر، لأنهم وحدهم الذين يعلمون «مادة اللغة العربية» التي صُنعت منها نصوص «الآية القرآنية العقلية» التي عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثلها.
٧- لقد خاطب الله بالآية السابقة قوم النبي محمد، عليه السلام، باعتبارهم «أهل اللسان العربي» الذين يعلمون «مادة اللغة العربية» التي صُنعت منها نصوص «الآية القرآنية العقلية».
فأين ذهبت «مادة اللغة العربية»، وهي التي يستحيل فهم «القرآن العربي» على الوجه الصحيح بدونها؟!
٨- لقد ذهبت «مادة اللغة العربية» من حياة المسلمين:
(أ): مع ذهاب «التقوى» و«خشية الله»:
* «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ»
– «قُرْآناً عَرَبِيّاً»
– «وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ»
– «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»
– «أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً»
(ب): مع تحكم الهوى والإغواء الشيطاني في العقول:
* «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ»
– «قُرْآناً عَرَبِيّاً»
– «لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
٩- فأين «المتقون» الذين يستغفرون الله ويتوبون إليه على ما فات وضاع من عمرهم، وهم يجهلون لغة القرآن التي فيها نجاتهم في الآخرة؟!
وأين «العقلاء» الذين يتركون آباءهم وشأنهم، ويبدؤون في تعلم لغة القرآن، ولا يسمحون لأي إنسان أن يتكلم عن القرآن إلا إذا كان من أهل اللغة العربية؟!
ذلك أن الإشكال في أن الأبناء لم يرثوا «اللسان العربي» عن الآباء، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه ليخرج منه:
(أ): القرآنيّون الملحدون في أحكام القرآن، كإلحاد أحمد صبحي منصور في كثير من هذه الأحكام.
(ب): التنويريّون الذين يستغفلون عقول الجهلاء بهدم تراثهم الديني ومروياته، وهو مدفون أصلًا في مقبرة التاريخ!!
# ثانيًا:
١- لقد اشترطت «أحكام القرآن» أن يقوم «المجتمع الإسلامي» على الروابط الإيمانية بين أفراده، وفي مقدمتها رابطة «الولاء الإيماني».
يقول الله تعالى «التوبة / ٧١»:
* «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ»
– «بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ»
– «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»
– «وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»
– «وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ»
– «أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ»
– «إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
٢- واشترطت «أحكام القرآن» أن تقوم «العلاقة الزوجية» على رابطة «الولاء الإيماني»، لذلك حرم الله تعالى زواج المسلم من المشركة، وزواج المسلمة من المشرك.
يقول الله تعالى «البقرة / ٢٢١»:
* «وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ»
– «وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»
– «وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ»
– «وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ»
– «أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ»
– «وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ»
– «وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»
فهل يُعقل بعد هذا «البيان الإلهي»، أن يفك الله رابطة «الولاء الإيماني»، ويبيح زواج المسلم بالمشركة، وزواج المسلمة بالمشرك؟!
٣- إن مسألة «التخيير» في قول الله تعالى:
* «وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»
* «وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ»
لا تعني «التفضيل» بين أمرين كلاهما «خير»، وإنما تعني التفضيل بين أمر «يدعو إلى النار»، وآخر «يدعو إلى الجنة»، وعليك أن تختار.
فـ «الأمة المؤمنة» تدعو إلى الجنة.
و«العبد المؤمن» يدعو إلى الجنة.
أي أن «الإيمان» بصدق «نبوة» رسول الله محمد، هو القاعدة الأساس لصحة «عقد النكاح» بين المسلمين، وهذا ما أفاده قوله تعالى:
«حَتَّى يُؤْمِنَّ – حَتَّى يُؤْمِنُواْ»
حيث جعل غاية النهي «حَتَّى» الإيمان.
# ثالثًا:
١- هل أشرك «أهل الكتاب» من اليهود والنصارى، وكانوا من «المشركين» الذين يحرم على «المسلمين» نكاح نسائهم، ويحرم على «المسلمات» نكاح رجالهم؟!
يقول الله تعالى «التوبة / ٣٠-٣١»:
* «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ»
– «وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ»
– «ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ»
– «يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ»
– «قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»
# السؤال:
كيف يقول الله تعالى عن اليهود والنصارى:
* «قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»
ثم يبيح للمؤمنين الزواج منهم، وقد وصفهم الله في الآية التالية بـ «المشركين»، فتدبر ولا تكن من «الغافلين»:
ـ «اتَّخَذُواْ»:
– «أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ»
– «أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ»
– «وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ»
– «وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ»
– «سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»؟!
٢- عندما قال الله تعالى:
* «وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ – خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ – وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»
قدّم «الأمة المؤمنة» على «الحرة المشركة».
وفي حالة تعذر أن ينكح المؤمن «المحصنة المؤمنة»، قدّم الله له «الأمة المؤمنة» على «الحرة المشركة».
يقول الله تعالى «النساء / ٢٥»:
* «وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً»
– «أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ»
– «فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم»
– «مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»
– «وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ»
والسؤال:
هل يُعقل أن ينص الله صراحة على شرط النكاح الأساس، هو «رابطة الولاء الإيماني»، في حالة نكاح «الإيماء»، ويقول:
* «مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ»
ثم يبيح للمؤمنين نكاح «المشركات» بدعوى أنهن «أهل كتاب»؟!
٣- عندما يقول الله تعالى:
* «وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»
في ختام سياق الآية «المائدة / ٥»:
«… وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ…»
التي يتخذها، من لا دراية لهم بأدوات فهم القرآن الخمس، دليلًا على إباحة نكاح المسلم لـ «الكتابية»، وإباحة نكاح المسلمة لـ «الكتابي»، كفتوى د. أحمد صبحي منصور.
نصبح أمام مأساة ومصيبة وجريمة عقدية كبرى، بسبب أن المسلمين:
(أ): ورثوا «إسلامهم المذهبي» وهم في بطون أمهاتهم.
(ب): عاشوا حياتهم المذهبية على ما وجدوا عليه آباءهم.
(ج): ولم يتعلموا «لغة القرآن العربية» التي هي الشرط الأساس للدخول في «دين الإسلام».
(د): إن «لغة القرآن العربية» هي مفتاح باب الدخول الوحيد في «دين الإسلام»، لأنها «المادة» التي صنعت منها نصوص «الآية القرآنية العقلية» التي يستحيل أن يقبل الله إيمانًا ولا إسلامًا دون الإقرار بصدقها.
والسبب:
أنها البرهان الوحيد على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
وللموضوع بقية.
* وتذكر:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم المسلمون القرآن، ويصبح من السهل أن تخترق شبهات الملحدين قلوبهم.
٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله فأفدنا بعلمك.
٤- أما فيما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياة المسلمين، فيتحمل مسؤوليته كل مسلم، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري