top of page

(1479) 6/7/2020 «مقال الاثنين» «الرَّحْمَنُ – عَلَّمَ الْقُرْآنَ – خَلَقَ الإِنْسَان – عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»

يناير 29

5 min read

0

0

0

أجد نفسي تبتعد دائما عن الحديث عن فعاليات أسماء الله الحسني، وعما يتعلق بعالم الغيب، إلا في حدود ما تدركه الحواس في عالم الشهادة من دلائل الوحدانية في الآفاق والأنفس، وما تقف عليه من أساليب مجازية، نزلت لتقريب معاني القرآن المتعلقة بعالم الغيب، حيث تعجز اللغة عن التعبير عما لم تدركه ولم تتعلمه في عالم الشهادة.

# أولًا:

إن المتدبر لنصوص «الآية القرآنية العقلية» وتفاعلها مع مقابلها الكوني في الآفاق والأنفس، وتناغمها مع منظومة الخلق والجعل والقدرة والتدبير …، يعلم علم اليقين أن كل ذرة في هذا الوجود خُلقت من مادة «الرحمة» وأن أي شيء لا يتصف بها، يكون هو الذي قام بنفسه بإفسادها.

فإذا كانت «الرحمة» صفة الوجود، فكيف بصفة واجد هذا الوجود، الله عز وجل، الرحمن الرحيم؟!

١- «الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ»:

«الْقُرْآنَ»: مفعول ثان لـ «عَلَّمَ»، أما المفعول الأول فنجده محذوفًا، فمَنْ الذي علّمه الرحمن القرآن؟!

لا شك أنه «الإنسان»، وذلك بقرينة السياق:

«خَلَقَ الإِنْسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»

ولكن لماذا لم يذكره السياق؟!

لأن هذا التعليم يتعلق بـ «الخلق الأول» الذي كان في عالم الغيب، أي في «عالم الذر»، من أجل إشهاد بني آدم على مقتضيات الوحدانية ومقتضيات النبوة، ووجوب اتباع النبي الخاتم محمد عند بعثته.

ثم يأتي «الخلق الثاني» الذي حدث في عالم الشهادة، في بطون الأمهات، بعد أن تكونت وسائل الإدراك التي بها يتحقق «البيان»، حيث يقول الله تعالى:

* «وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ – لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً – وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ – لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»

# ثانيًا:

ويقول الله تعالى عن «الخلق الأول»:

* «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»

– إن بني آدم: من أول آدم وإلى يوم أن تبعث ذريته يوم القيامة، هم الذين أخذ الله تعالى منهم هذه الشهادة:

* «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ»

* «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»

– ولم يقل «أَلَسْتُ بِإلهِكم» لأن المقام مقام تربية وتعليم تناسبه «الربوبية»، وليس مقام «تشريع» حيث تتناغم فيه الإلهية مع الربوبية في عالم الشهادة بعد إرسال الأنبياء والرسل.

فماذا قال بنو آدم لربهم؟!

* «قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا»

– ثم حذرهم الله من الغفلة عن هذه الشهادة، بعد أن يخرجوا إلى عالم الشهادة:

* «أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»

– كما حذرهم من اتباع الآباء بغير علم:

* «أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ – وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ – أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»؟!

– ثم ينتقل السياق إلى عالم الشهادة، ويخاطب بني آدم جميعًا إلى يوم الدين:

* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

وفي «عالم الذر»، يأخذ الله ميثاق النبيّين، فتدبر:

* «وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ»

* «لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ»

* «ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ»

* «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ»

– طبعا المخاطب بـ «الإيمان والنصرة» هم أتباع الرسل جميعًا، يأمرهم الله باتباع النبي الخاتم محمد، عندما يُبعث، ولذلك سألهم:

* «قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي»

* «قَالُواْ أَقْرَرْنَا»

* «قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ»

# ثالثًا:

وكل ما سبق من «عالم الذر»، فعندما يقول الله تعالى:

* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

فإن هذا هو معنى:

«البيان والتفصيل في القرآن»

الذي ينكره القرآنيّون المُلْحِدُون الْغَافِلُون، الذين لا يعلمون من «دين الإسلام» شيئًا غير إنكار «الصلوات الخمس»، ولذلك فإن هذا التحذير:

* «وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

يشملهم، ولكن «يَرْجِعُونَ» إلى ماذا؟!

«يَرْجِعُونَ» إلى:

١- الفهم الواعي لـ «منظومة تدبر القرآن».

٢- التي حملت مُسَمَّيات كلماتها «منظومة التواصل المعرفي».

٣- التي لولاها ما استطاع إنسان أن يفهم كلمة واحدة من كلمات القرآن.

٤- ولا استطاع مسلم أن يقف على الدلالات البلاغية لجملة واحدة من جمل القرآن.

والسؤال للقرآنيّين الملحدين الذين لا يُصلّون الصلوات الخمس، بدعوى شيطانية توحي إليهم بأن القرآن تبيانٌ لكل شيء، يسأله «الولد البالغ الرشيد» لوالده القرآني:

ما أهمية «التقديم والتأخير» في السياق القرآني؟!

* «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ – وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

# رابعًا:

إن مسألة «التقديم والتأخير»، في علم السياق، لها أهمية كبرى في بيان ما يريد الله من الناس أن يضعوه في مقدمة أجندتهم اليومية:

فعندما يُقدم الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن «الإيمان بالله»، ويقول تعالى:

* «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»

* «تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»

* «وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ»

فذلك لبيان أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه لا «إيمان» دون تفعيل هذه الفريضة في حياة المؤمنين، فماذا فعل المسلمون بفريضة:

«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟!

ولقد قدّم الله تعالى «تعليم القرآن» على «خلق الإنسان»، لبيان أن الإنسان لن تكون له أي قيمة في الآخرة تدخله الجنة، دون تَعَلّم القرآن واتباع أحكامه، هذا التعلم الذي مفتاحه الوحيد هو «اللغة العربية» التي يكفر بها القرآنيون الملحدون.

أما فيما يتعلق بتعلم وتعليم العلوم الأخرى، فنجد أن الله يُقدّم نعمة الخلق على نعمة التعليم فيقول تعالى:

* «خَلَقَ الإِنْسَان مِنْ عَلَقٍ»

* «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ»

* «الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ»

* «عَلَّمَ الإِنْسَان مَا لَمْ يَعْلَمْ»

ثم يخرج علينا منافقون ملحدون، لا عمل لهم إلا التشكيك في تعهد الله بحفظ هذا القرآن، ويتساءلون:

هل القرآن الذي عِلِمَهُ بنو آدم والنبيّون في «عالم الذر»، والموجود فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ وفِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، هو نفس القرآن الذي نزل على قوم رسول الله محمد بـ «اللغة العربية»؟!

والجواب:

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ – لِيُبَيِّنَ لَهُمْ – فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»

وهذا هو ما يجب أن يعلمه المسلمون:

أن على المسلمين أن يتعلموا لغة هذا القرآن، الذي نزل باللغة العربية التي كانت تنطق بها ألسن قوم النبي محمد، إن كانوا يريدون دخول الجنة.

لقد كان هذا هو ميثاق «بني آدم» وميثاق «الأنبياء» في «عالم الذر»، ثم حَمَلَ القرآن للناس جميعًا، كل المواثيق التي أقامها الأنبياء والرسل مع أقوامهم في «عالم الشهادة».

فماذا فعل أتباع النبيّين والرسل، وخاصة أتباع النبي الخاتم محمد، بهذه المواثيق، ويوم القيامة أقرب إليهم من شهيق أو زفير، فإذا بهم يُبعثون يوم القيامة، ويتذكّرون قول الله في «عالم الذر»:

* «أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»

* «أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ – وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ – أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»؟!

ولن يسمعوا قول الله تعالى:

* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

* وتذكر:

١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا من امرئ لم يدخل في «دين الإسلام» من الباب الذي دخل منه الناس في عصر التنزيل، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، القائمة بين الناس إلى يوم الدين.

٢- أنه بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني، لا أمل أن يفهم المسلمون القرآن، ويصبح من السهل أن تخترق شبهات الملحدين قلوبهم.

٣- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله فأفدنا بعلمك.

٤- أما فيما يتعلق بـ «ما هو كائن» في حياة المسلمين، فيتحمل مسؤوليته كل مسلم، لقول الله تعالى:

* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»

محمد السعيد مشتهري

يناير 29

5 min read

0

0

0

منشورات ذات صلة

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page