

(1516) 24/8/2020 «مقال الاثنين» «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى – الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ – يَتَزَكَّى»
يناير 28
6 min read
0
0
0
لقد بيّن الله تعالى في كتابه الحكيم، القرآن الكريم، أن في أموال المسلمين «حقًا معلومًا» تحدده المؤسسة الدينية المسؤولة عن جمع وتوزيع أموال الصدقات، فقال تعالى «المعارج / ٢٤-٢٥»:
* «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ – حَقٌّ مَعْلُومٌ – لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
ويجب أن تضم هذه المؤسسة خبراء في الاقتصاد والمال والاجتماع حيث يتغير هذا الحق على مر العصور بتغير قيم الأشياء واستحداث أموال جديدة لم تكن معروفة في عصر التنزيل.
واستنادًا إلى غياب هذه المؤسسة العالمية الكبرى عن حياة المسلمين بسبب تفرقهم إلى شيع وأحزاب مذهبية متخاصمة متقاتلة، «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» كل حزب بمدارسه الفقهية السُنّية والشيعية … المختلفة.
يُصبح كل مسلم حرًا في تحديد هذا «الحق المعلوم»، سواء أخذ بالنسبة المعمول بها في فرقته، أو أخذ بمتوسط النسب المعمول بها بين الفرق كلها…، المهم أن هناك حقًا معلومًا يجب أن يُلزم به نفسه.
ولقد بيّن الله تعالى في كتابه الحكيم، القرآن الكريم، أن في أموال المسلمين أيضًا «حقًا» وهو الذي أشارت إليه الآية «الذاريات / ١٩»:
* «وَفِي أَمْوَالِهِمْ – حَقٌّ – لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»
وهذا «الحق» ليس مفروضًا بنسبة محددة، وهو ما ورد باسم «العفو» في قول الله تعالى «البقرة / ٢١٩»:
* «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ»
# أولًا:
إن «العفو»، في لغة العرب التي نزل بها القرآن، مصدرُ عَفَا يعفو: إذا زاد الشيء ونَمَى، ويعني ما زاد من المال على حاجة المسلم الضرورية، وهو «الخير» الذي ورد في قول الله تعالى «البقرة / ٢١٥»:
* «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ»:
– «قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ»:
– «فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»
– «وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ»
ذلك أن المقصد من الإنفاق هو إعانة فقراء ومساكين المسلمين بأي «خير» يزيد عن حاجات المسلم الضرورية، حتى لا يكون المال في يد الأغنياء فقط فلا يجد الفقراء والمساكين قوت معيشتهم،
وفي ذلك يقول الله تعالى:
* «كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاء مِنكُمْ»
ثم يختم الله تعالى الآية بقوله:
– «كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ»
والمقصود بـ «بيان الآيات» هو نفسه المقصود بـ «تبيان كل شيء» في قوله تعال ى:
* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»
أي أن البيان والتبيان يكونان لما ذُكِر حكمه في القرآن، وليس لمعاني ومُسَمّيات كلمات القرآن الموجودة أصلًا خارج القرآن.
ولذلك ذُيّلت الآية بقول الله تعالى:
– «لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ»
فانتبهوا أيها المسلمون، وفكّروا وتعقّلوا وتفقّهوا وتدبروا جيدا هذه الجملة القرآنية:
* «كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاء مِنكُمْ»
التي لو عمل الناس بتوجيهاتها، ما أصاب اقتصادهم أذى إلى يوم الدين.
# ثانيًا:
لقد انطلقت، فيما ذهبت إليه من أن الزكاة تستحق على كل مال يحصل عليه المسلم، من دليلين:
١- السياق القرآني:
* وقول الله تعالى في سياق بيان صفات المتقين «البقرة / ١-٣»:
«الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ»:
– «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب»
– «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ»
– «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»
(أ): إن كلمة «مما» هي «من» «ما»، ومن تأتي لـ «التبعيض»، أي أن المُنفِق لا ينفق المال الذي رزقه الله كله، وإنما جزءًا منه.
(ب): وهذا الجزء هو «الحق المعلوم» المفروض على كل مال يحصل عليه المسلم، من تجارة، وظيفة، مهنة، زروع، ركاز: أي ما في باطن الأرض من معادن.
* قول الله تعالى «المنافقون / ١٠»:
«وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ»
– «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ»
– «فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ»
– «فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ»
فكلمة «أصَّدَّق» بيانٌ لمعنى الإنفاق في «وَأَنْفِقُوا»، أي أن «الصدقة» هي ما يُستقطع من رزق الله.
* قول الله تعالى «الأنعام / ١٤١»:
«كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ – إِذَا أَثْمَرَ – وَآتُواْ حَقَّهُ – يَوْمَ حَصَادِهِ»
أي أن «الحق المعلوم» يُستقطع فور جمع الثمار، أي بعد أن يصبح لـ «الحصاد» قيمة مالية.
(ج): إن هذه الآية وإن جاءت في سياق بيان دلائل الوحدانية وما يتعلق بـ «الزروع»، فإنها بيان لـ «الحق المعلوم» المستقطع من كل رزق له قيمة مالية وأصب ح في يد المسلم.
(د): كما يُفهم من أمر «الإنفاق من رزق الله» أن الفقير نفسه لو رُزق رغيف خبز، يأخذ منه قطعة صغيرة ويعطيها لفقير أكثر فقرًا، تفعيلًا للفهم الواعي لمعنى «إيتاء الزكاة» المادي «المال»، والمعنوي «تزكية النفس»، ولقول الله تعالى:
* «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى – الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى»
٢- منظومة التواصل المعرفي:
لم تحمل «منظومة التواصل المعرفي»، أي اتفاق بين فقهاء الفرق الإسلامية حول أحكام «الزكاة»، ولا بين فقهاء الفرقة الواحدة، وهذا ما شهدت به أمهات كتب «الفقه المقارن»، سواء الخاصة بمذاهب الفرقة الواحد، أو بمذاهب الفرق كلها.
فلم تصح عند أي فرقة، وإن أنكر المحدثون ذلك، رواية «اشتراط الحول في الزكاة»، أي اشتراط أن يمر عام على الأموال لتستحق عليها «الصدقة ـ الإنفاق – الزكاة».
وكما هو معلوم للمتابعين لمنشورات الصفحة، فإن من شروط ث بوت حجية «منظومة التواصل المعرفي» ما يلي:
(أ): وجود نص قرآني جاءت المنظومة ببيان معنى ومُسَمّيات كلماته.
ولم يأت نص قرآني يأمر المؤمنين بـ «التفرق في الدين» وأن تتخذ كل فرقة مصدرًا تشريعيًا ثانيًا باسم «الأحاديث النبوية».
وهذا «التفرق في الدين» من الباطل الذي حملته «منظومة التواصل المعرفي» منذ أحداث الفتن الكبرى.
(ب): إجماع المسلمين جميعًا، مع تفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم، على كيفية أداء واحدة، لما أجمله النص القرآني.
ولقد شهدت المساجد، منذ عصر التنزيل وإلى يومنا هذا، إجماع المسلمين على كيفية أداء الأصول العامة لفريضة «إقام الصلاة».
# ثالثًا:
١- لقد خاطب الله اليهود، في عصر التنزيل بـ «بني إسرائيل» ليذكرهم بنعمه على آبائهم، فقال تعالى «البقرة / ٤٠-٤٣»:
* «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»:
– «اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ»
والسؤال:
هل «اليهود» الذين كانوا في عصر التنزيل هم «بنو إسرائيل» الذين أنعم الله عليهم في حياة رسولهم موسى عليه السلام؟!
والجواب: طبعا يستحيل أن يكونوا هم.
إذن فلماذا وجه الله الضمير في «أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ» إلى اليهود المعاصرين لرسول الله محمد، وقال لهم:
* «اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ»
والله تعالى لم ينعم على يهود عصر التنزيل، فهل هناك خطأ في صياغة هذه الآية وتوجيه ضمائرها؟!
الآن على الفلاسفة جهابذة الإلحاد أن يُفكّروا في هذه المسألة، وأن يعيدوا النظر في كفرهم بلغة القرآن العربية وأساليبها البيانية، قبل أن يموتوا على ملة الإلحاد.
٢- ونستكمل سياق الآيات التي يخاطب الله فيها اليهود في عصر التنزيل:
– «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»
ثم تأتي الآية المبينة لكفر اليهود الذين لم يؤمنوا برسول الله محمد، ولم يتبعوا رسالته:
– «وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ»
– «وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ»
– «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
٣- ثم نأتي إلى مربط الفرس:
– «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ»
– «وَآتُوا الزَّ كَاةَ»
– «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»
والسؤال:
هل كان معنى ومُسَمّى «إقام الصلاة – وإيتاء الزكاة» وكيفيتهما معروفًا في عصر التنزيل عندما خاطب الله اليهود بالآية السابقة؟!
والجواب:
لقد جاء الخطاب يدعو اليهود من أهل الكتاب إلى الإيمان برسالة النبي الخاتم رسول الله محمد، الذي بشّرت التوراة ببعثته، وألّا يكتموا هذه البشرى «الحق» وهم يعلمون.
فمن استجاب منهم ودخل في «دين الإسلام»، فعليه الالتزام بـ «أحكام القرآن» وفي مقدمتها «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة»، كما أن عليه الصلاة مع المؤمنين جماعة في المسجد لقول الله تعالى:
* «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»
٤- وهنا تظهر أهمية الأساليب البلاغية التي عرفها قوم النبي محمد من قبل بعثته، و التي ينكرها الملحدون في أحكام القرآن، ومنها ما يُعرف بـ «المجاز المرسل».
ومن «المجاز المرسل» التعبير بـ «الجزء» ويراد به «الكل»، كما عبّر في الآية عن «الجزء» الذي هو «الركوع» وأراد «الكل» وهو «هيئة الصلاة» المشار إليها في أول الآية:
* «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ»
إن مجيء الأمر «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» في سياق مخاطبة اليهود من «بني إسرائيل» بالتوبة والدخول في «دين الإسلام»، هو خير برهان على حجية «منظومة التواصل المعرفي» التي حفظت أحكام الصلاة عن طريق «صلاة الجماعة» في المساجد.
٥- إن أهمية «صلاة الجماعة» في المساجد أنها تقوم بتدعيم وتوثيق رابطة «الأخوة في الدين»، ولذلك جعل الله من يدخل من ملل الكفر في دين الإسلام «أخًا للمؤمنين في الدين» فقال تعالى «التوبة / ١١»:
* «فَإِن تَابُواْ»:
– «وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ»
– «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ»
– «وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
وقد ذكرنا من قبل أن كلمة البيان والتبيان في السياق القرآني لا تعني شرح معاني كلمات القرآن الموجودة أصلًا خارجه.
وهنا نقول إن التفصيل أيضًا «وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ» لا يعني شرح معاني كلمات القرآن الموجودة أصلًا خارجه، وإنما تفصيل أحكامه.
والسؤال:
أين هي اليوم رابطة «الأخوة في الدين»؟!
ألم يكفر المسلمون بأمر الله تعالى لهم بـ «إقام الصلاة»:
* «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ»:
– «وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ»
وذلك عندما أعطوا ظهورهم لقول الله تعالى بعد ذلك:
– «وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
– «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»
– «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
فهل يقيم المسلمون اليوم «الصلاة» ويؤتون «الزكاة» وهم «أمة واحدة»، أم يقيمونها انطلاقًا من قاعدة «شرك التفرق في الدين»:
* «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
# وتذكروا:
١- أن الله تعالى لن يقبل إيمانًا ولا إسلامًا إلا إذا كان قائمًا على الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- إن الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية»، الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، يستحيل أن يتحقق دون تدبر ودراسة نصوص هذه الآية، بالاستعانة بعلوم اللغة العربية التي كان ينطق بها لسان قوم النبي محمد من قبل بعثته.
٣- إن الاستعانة بعلوم اللغة العربية فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وذلك لفهم القرآن واستنباط أحكامه، فكيف يفهم المسلمون القرآن وهم يجهلون أساليبه البيانية و«البيان» لا يكون إلا بلغة القوم، كما قال تعالى:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
وعلى أساس هذا «البيان» يُحدد الإنسان موقفه من الهدى والضلال:
* «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
٤- أن مقالات هذه الصفحة تتحدث عن «ما يجب أن تكون» عليه حياة المسلمين كما أمرهم الله في القرآن، فإذا وجدت فيها غير ما أمر الله به فأفدنا بعلمك، أما ما يتعلق بـ «ما هو كائن» فالذي يتحمل مسؤوليته هو المسلم، لقول الله تعالى:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري