

(1530) 7/9/2020 «مقال الاثنين» «متى وكيف» عرف المسلمون أن القرآن «كلام الله»؟!
يناير 28
8 min read
0
1
0
لقد ورث المسلمون تدينهم المذهبي وهم في بطون أمهاتهم، وظلوا على هذا الحال حتى بلغوا النكاح واكتمل رشدهم، ومعظمهم مات على ما وجد عليه آباءه، والباقي ظل على دين آبائه، وقلة لا تذكر أعادت الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح.
فهل تذكر متى وقفت مع نفسك وقفة تأمل وتفكر، لتعلم هل هذا القرآن الذي تقدّسه وتحرص على العمل بأحكامه، وتقوم الليل به، وتجعل أولادك يحفظون سوره، هل هو حقًا «كلام الله»؟!
هل بعد أن بلغت النكاح واكتمل رشدك، وقفت وقفة علمية مع تدينك الوراثي، ودرست القرآن دراسة تدبر وتفقه، تقوم على النظر في تفاعل «كلماته» مع مقابلها الكوني «مُسَمّياتها»، فآمنت بأن هذا القرآن «كلام الله» الذي حمل «الآية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد؟!
هل تذكر «متى وكيف» فعلت ذلك؟!
وصدق الله العلي العظيم القائل:
* «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ – إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»
* «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ – يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ – إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ – وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ»
# أولًا:
«أنواع الكلام الإلهي»:
يقول الله تعالى «الشورى / ٥١-٥٢»:
* «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً – أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ – أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً – فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ»
* «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا – مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ – وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا – وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
فتدبر: «وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا»:
فهل يمكن أن يتحول هذا «النور» إلى ظلام شرك التفرق في الدين، وإلحاد الملحدين في مدلولات كلمات الوحي الإلهي، كتاب الله تعالى؟!
لقد بدأت الآية بجملة «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ» وهي صيغة حصر وجحود، للمبالغة في النفي، نفي أن «يُكلّم الله» أحدًا بغير الأنواع الثلاثة من «الكلام»:
«إِلاَّ وَحْياً – أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ – أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً»
فـ «كلام الله» بأنواعه الثلاثة، يصل إلى قلب أنبيائه ورسله:
١- إما عن طريق جبريل:
* «قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ – فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ – مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ – وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»
٢- أو عن طريق «الإلهام» الذي يُلقى في القلب بـ «الجعل الإلهي» ليتأكد النبي أنه من الله تعالى:
* «إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً – وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ»
٣- أو بكلام يسمعه النبي ولا يرى مصدره:
* «وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً»
* «فَلَمَّا أَتَاهَا – نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ – أَن يَا مُوسَى – إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»
* «وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا (وَكَلَّمَهُ) رَبُّهُ»:
– «قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ»
– «قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ»
– «فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»
– «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً»
– «فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»
# ثانيًا:
و«كلام الله» الذي أنزله على رسله، يكون بلسان قوم كل رسول، أي باللغة التي ينطق بها لسان القوم، وإلا ما فهموا منه شيئًا، فتدبر:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ»:
– «إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ»
– «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
– «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
– «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
ولغات أقوام الرسل، من لدن آدم عليه السلام، عبارة عن:
١- «كلمات: مكتوبة أو مسموعة»:
يستحيل معرفة معناها دون أن تكون:
٢- «مُسَمّياتها: الموجودة خارجها»:
قد طبعت في قلوب القوم من قبل «قراءتهم» لهذه الكلمات أو «سماعها».
وبناء عليه فإن «كلام الله» الذي خاطب به أقوام الرسل يتكون من:
(أ): «كلمات»: مكتوبة أو مسموعة:
ويستحيل أن «تُعبّر» هذه الكلمات عن غير «مراد الله» الذي يجب أن تحمله في نفس الوقت:
(ب): «مُسَمّيات هذه الكلمات»: الموجودة في الكون، والتي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتطور إلى يوم الدين.
إذن فقد عرف قوم النبي محمد مدلولات «كلام الله» الذي حمله القرآن من قبل بعثته، وإلا ما فهموا كلمة واحدة من هذا القرآن عندما نزل.
# ثالثًا:
وهذا ليس معناه أن الله تعالى «الخالق» يتكلم وينطق كما يتكلم البشر «المخلوق» وينطقون، فقد حُسمت هذه الشبهة بقول الله تعالى:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا (لِشَيْءٍ) إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»
فلا علاقة مطلقًا بين بيان الله لأنواع «الكلام» الثلاثة التي تحدث بأمر «كُن»، وبين صفات الله الذاتية التي لا يعلمها إنس ولا جان، ذلك أن الله تعالى القائل:
* «لَيْسَ كَمِثْلِهِ (شَيْءٌ) وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
١- تعالوا نتدبر السياق الذي وردت فيه الجملة السابقة «الشورى / ١١»:
* «فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ»:
– «جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً»
– «وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجاً»
– «يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ»
– «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
فالسياق يتحدث عن جانب من «منظومة الخلق» التي تشهد بـ «الوحدانية» وبآلية «الجعل الإلهي» التي قامت عليها حركة الكون وتكاثر المخلوقات.
٢- وكل شيء في «منظومة الخلق» خاضع لقدرة الله ومشيئته:
* «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»
لذلك نفت الآية نفيًا مطلقًا أن يكون هناك تشابه في أي شيء بين ذوات المخلوقات وذات الله الخالق عز وجل:
«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ – وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
٣- وهنا يجب التفريق بين «المِثْل» بكسر الميم، و«المَثَل»، بفتح الميم، والتفريق بينهما وبين «كاف التشبيه»:
– «المِثْل» بكسر الميم، يستخدم عند إرادة المساواة بين الأشياء في كل شيء.
– «المَثَل» بفتح الميم، يستخدم عند إرادة المساواة في الأحوال والصفات الخارجية.
والله تعالى منزه عن المِثْل والمَثَل، ولذلك لم يقل «لَيْسَ مِثْلُه شَيْءٌ» وإنما قال «لَيْسَ ( كَـ ) مِثْلِهِ شَيْءٌ»، لأن اقتران كلمة «مِثْل» بـ «كاف التشبيه» في «كَـ مِثْلِهِ» ينفي التشابه على وجه الإطلاق بين ذات الله تعالى وأي شيء.
٤- وبناء على ما سبق، فإن «كلام الله» بأنواعه الثلاثة، ليس صفة ذاتية ناطقة مثل صفات المخلوقات، وإنما هو «أمرٌ إلهي» ينفذ في الوجود بـ «كن»، بأسباب وبغير أسباب، تفعيلًا لأسماء الله الحسنى، ومنها اسم «القادر»، فتدبر:
* «أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ»: