

(1542) 15/9/2020 «مهندس هشام منصور»: لقد طفح كيلك
يناير 28
6 min read
0
1
0
لقد نشر «هشام منصور» من عدة أيام على حسابه موضوعًا عن «سورة الفيل»، وسأكتفي بالرد على هذا الموضوع، ولن أفتح ملفه الإلحادي كله، وسأغض الطرف عن جهله باللغة العربية «لغة القرآن»، وعدم قدرته على صياغة جملة صحيحة في منشوره.
# أولًا:
كغيره من الملحدين، وكما فعل محمد شحرور، فإن «المنهجية الفكرية» التي ينطلق منها الإلحاد العالمي، هي «المنهجية الهرمنيوطيقية» التي ظهرت بعد عملية الاصلاح البروتستانتي، وكان هدفها تفسير الكتاب المقدس دون الحاجة الى سلطة الكنيسة.
ولم يكن من الممكن تحقيق هذا الهدف دون التشكيك في مفردات اللغة التي كُتب بها الكتاب المقدس، وبذلك تسقط قداسة الكنسية، ويصبح تأويل النص الديني خاضعًا لهوى من يُفسره، بصرف النظر إذا كان المفسر مؤهلًا علميًا للتفسير أم جاهلًا لا يقرأ ولا يكتب.
ولقد كان من الطبيعي أن تسقط قداسة «معاجم اللغة» التي حملت مدلولات كلمات الكتاب المقدس، وأن تتعدد تفسيرات نصوصه وأن يختلف الناس.
وهنا خرج «الهرمنيوطيقيّون» بحل يُرضي الناس ويسعدهم، وهو الإلحاد في «مدلول النص» ليوافق حياتهم المتطورة، وبذلك انفصلت حياة الناس عن الكنيسة، وأصبحت علاقتهم بها علاقة تعبدية في المناسبات.
وطالما أن «الإلحاد العالمي» قد أمسك بقلوب معظم شعوب العالم، فلا عجب ولا غرابة أن نجد حياة المسلمين هي أيضا انفصلت عن كتابهم المقدس «القرآن»، وأصبحوا يُعجبون بكل من يقرأ لهم القرآن قراءة تنويرية معاصرة.
وتقوم هذه القراءة التنويرية المعاصرة على:
١- الاعتماد على «معاجم اللغة العربية» فقط، وإهمال «علم السياق القرآني».
٢- انتقاء معنى من معاني الكلمة يوافق «المنهجية الهرمنيوطيقية» دون مراعاة تناغم هذا المعنى مع سياق الآية.
٣- وبذلك يذهب الترابط المحكم بين مدلولات كلمات الآية، ويذهب معه المعنى الذي أراده الله تعالى.
# ثانيًا:
الحديث عن كلمات «سورة الفيل» ومعناها:
* اسم السورة: «الفيل»
* موضوع السورة: «قصة أصحاب الفيل»
* مفتاح فهم السورة وكلماتها: الآية الأولى:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ»
١- لقد ترك «هشام منصور» مفتاح فهم السورة، الذي يبدأ بجملة «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ»، وراح يتحدث عن معنى «الفيل» في معاجم اللغة العربية، وانتقى المعنى «الهرمنيوطيقي» الموافق لهواه، فقال:
* الفيل: رَجُلٌ فِيل الرأي، وفَال الرأي، أي صاحب الرأي الضعيف أو ضعيفة التي لا تمتلك الى الحجة وهو المنهج، فهم المخالفين للمنهج والرسالات وهؤلاء هم أصحاب الفيل، الفيل في الآية ليس اسم حيوان.
فلو الفيل اسم حيوان، فلِم ينسب أسماء الحيوانات إلى أقوامهم، فلم نسمع باسم حيوان ينسب لكلمة أصحاب، فهل هناك أصحاب الناقة أو أصحاب الكلب … الخ، ولكن سمعنا أصحاب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الكهف. انتهى.
* أقول:
حسب أصول البحث العلمي، لماذا اختار «هشام منصور» المعنى المجازي لكلمة «الفيل»، الذي لا يستخدم إلا في حالة عدم وجود المعنى الحقيقي؟!
(أ): إن «الفيل»: اسم سورة من سور القرآن.
(ب): إن «الفيل»: في عالم الحيوان:
اسم «الحيوان» المعروف، الذي جمعه أَفْيال وفُيُول …، وتَفَيَّل الجَمَلُ إذا سمن كـ «الفيل».
(ج): إن «الفيل»: في عالم الآراء والأفكار:
«فَال» رأْيُه «يَفِيل فَيْلولة»: أخطأ وضعف، ورجل فِيلُ الرأْي أَي ضعيف الرأْي.
(د): إن «الفيل»: في عالم الطب:
داء الفيل: تضخم كبير في الساقين.
(د): إن «الفيل»: في عالم اللعب:
* المُفايَلة والفِيَال والفَيال لُعْبة لفِتيان الأَعراب بالتراب.
* الفيل: قطعة في لعبة الشطرنج.
والسؤال:
فعلى أي أساس منطقي أو علمي أو سياقي … اختار «هشام منصور» المعنى «ج» الخاص بالآراء والأفكار؟!
والجواب:
إن «المنهجية الهرمنيوطيقية» لا تقوم أصلًا على أي أساس منطقي أو علمي أو سياقي.
# ثالثًا:
إن القرينة الوحيدة الدالة على أن المقصود بكلمة «الفيل» المعنى الحقيقي، أي الحيوان المعروف، هي جملة «أَلَمْ تَرَ»:
١- فعندما خاطب الله رسوله بـ «أَلَمْ تَرَ»:
فإما أن يكون الرسول قد عاصر قصة «أصحاب الفيل» وعلم أحداثها كاملة، الأمر الذي لم يحدث، أو أن يكون الله هو الذي أخبره بها، وهذا فعلًا ما حدث.
و«العلم الحاصل» من إخبار الله لرسوله، هو كـ «رؤية» الرسول لأحداث القصة تماما.
٢- وعندما يُخصص الله تعالى سورة من سور القرآن ويُسمّيها بـ «سورة الفيل»، تتحدث عن قصة «أصحاب الفيل»، يستحيل أن تكون الحكمة من هذا التخصيص هي بيان العذاب الذي أنزله الله على أصحاب الآراء الضعيفة المخالفين للرسالات، الذين لا يملكون الحجة…، كما يدعي «هشام منصور».
ذلك أن «الرؤية» المقصودة بـ «أَلَمْ تَرَ» لا تقتصر على رؤية أحداث قصة «أصحاب الفيل» التي حملتها «منظومة التواصل المعرفي» لشعوب العالم، والتي لا ينكرها إلا ملحد مخبول.
وإنما المقصود لفت نظر الرسول، والناس جميعًا، إلى «كيفية» حدوث العذاب الذي نزل على «أصحاب الفيل»، تماما كما قال تعالى:
* «أَلَمْ تَرَ (كَيْفَ) فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ»
فلم يقل الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ (ما) فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ»
والفرق بين «كيف» و«ما»، أن «كيف» تأتي لبيان قدرة الله في الانتقام من الكافرين المعتدين على حقوق الناس، وهذا ما فعله الله بـ «أصحاب الفيل» من قبل بعثة الرسول بقرون.
٣- وبسبب جهل «هشام منصور» بعلم السياق، وبدراسة وتدبر القرآن، لا يعلم أن الله نفى أن ينزل بالناس عذاب الاستئصال أو العذاب الجماعي، في حياة رسوله محمد، فقال تعالى:
* «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ – فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ – أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»
لقد قالوا «فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا (حِجَارَةً) مِّنَ السَّمَاءِ» من باب العناد والتحدي استنادا إلى ما حدث لـ «أصح اب الفيل» من قبل، فتدبر:
* «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ – تَرْمِيهِم (بِحِجَارَةٍ) مِّن سِجِّيلٍ»
ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك:
* «وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ (وَأَنتَ فِيهِمْ) – وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»
إن الله تعالى لم ينتقم ولم يُعذب قوم رسول الله محمد بسبب كفرهم ومخالفتهم له الرأي، حتى يختار «هشام منصور» المعنى المجازي لمادة «فيل» المتعلق بالآراء والأفكار!!
فمن أين جاء «هشام منصور» بهذا «العك الديني»، وبهذه «العشوائية الفكرية»، التي يقيم عليها دومًا منشوراته الإلحادية؟!
# رابعًا:
وبناء على القاعدة المنطقية التي تقول إن ما قام على باطل فهو باطل، وعلى ما سبق بيانه، سأترك لكم محاسبة «هشام منصور» على ما قاله بعد ذلك:
فعند حديثه عن قول الله تعالى:
* «أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ»
قال: (وكيدهم دائم ضعيف:
* «يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ»
* «أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ»
المكيدون أي المجزون بكيدهم:
* «فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ»
* «ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ»
فأصحاب الآراء الضعيفة والبعاد عن المنهج المتبعين لطريق الشيطان، كيدهم في تضليل أي في خسارة وهلاك) انتهى.
# خامسًا:
وعند حديثه عن قول الله تعالى:
* «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ»
قال: (الطير: ليس كل طير يكون بجناحيه لأنه يطلق على الطير كل ما علا ويطلق عليه العمل أيضا:
* «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً»
«طَيْرًا أَبَابِيلَ»: أعمالهم السيئة، وهو الطير الذي في أعناقهم متتابعة ومتتالية يجزون بما صنعوا) انتهى.
# سادسًا:
وعند حديثه عن قول الله تعالى:
* «تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ»
قال: (الحجارة:
* «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
فالقلوب إذا كانت كالحجارة فهي وقود النار، وكم من قلوب تحرق بسبب ذنوبهم، بفقد ولد أو فقد مال أو منصب أو زوجة أو ابن عاق أو زوجة نكدية أو جار سيء أو عدم راحة بال أو تألمه لعزيز يمرض ويتألم أمامه، والأخطر من ذلك الألم النفسي … الخ.
«تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ»: فنتيجة أعمالهم السيئة يقذفون بالحجارة التي هي وقود النار المشتعلة في قلوبهم نتيجة فتنتهم) انتهى.
# سابعًا:
وعند حديثه عن قول الله تعالى:
* «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ»
قال: (فالعصف الذي يعصف من الزرع، ويقال النبات المتكسر عصف، وهي تعني إهلاكهم.
من يريد أن يتخيل أن هناك طيور في السماء وتسقط بقطع من جهنم من أرجلها على الكفار فله الحرية فيما يعتقد) انتهى.
التوقيع: «مهندس هشام منصور»
* أقول:
١- إن الأزمة في حقيقة الأمر ليست في «الملحدين»، وإنما في التابعين «المعجبين» بإلحادهم، وهم أصلًا أجهل من الجهل نفسه.
وهل يُثمر «الجهل «علمًا»؟!
ولذلك لم يكن غريبًا أن نجد تعليقًا على منشور من منشورات «هشام منصور» يقول صاحبه له:
«بارك الله جهودكم (التنويرية)، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
«كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ»
٢- هل تعلمون ماذا يعني هذا التعليق؟!
يعني أن «الإلحاد» أصبح هو باب الدخول إلى تدبر «كتاب الله»، وأصبح «الجُهّال» هم «أُوْلُوا الألْبَابِ»!!
فيا أيها المعجبون بـ «إلحاد الجُهّال»:
أَفَلاَ تَتَّقُونَ – أَفَلاَ تَعْقِلُونَ – أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ – أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ:
٣- عندما تجهلون بدهيات اللغة العربية، ولا تعلمون أنه لا يوجد في لغات العالم «اسم» بلا «مُسَمّى» يعرفه الناس جيلا عن جيل عن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وأن «الفيل» تعرفه شعوب العالم «Elephant».
فادرسوا وتعلموا واذهبوا إلى معاجم لغتكم العربية، وابحثوا فيها عن مُسَمّى «مدلول» كل كلمة من كلمات القرآن، وعن كل كلمة من كلمات «سورة الفيل»، واختاروا المعنى المتناغم مع سياق الآيا ت، مع تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر … «آليات عمل القلب».
اذهبوا إلى معاجم «اللغة العربية»، وتدبروا «السياق القرآني»، وقوموا بتفعيل «آليات عمل القلب»، علمًا بأن أدوات فهم القرآن «الخمس» لا تنفصل عن بعضها أبدا، وفق المنهجية العلمية التي انطلق منها التوجه «نحو إسلام الرسول».
٤- واحذروا من البدعة الإبليسية التي تقول:
«نأخذ من فلان الحق – ونترك الباطل»
لأن هذه ليست مهمة «الجهلاء» وإنما مهمة «العلماء» الذين يحملون «العلم» الذي يؤهلهم للتمييز بين الحق والباطل، ومن أدوات هذا العلم الرئيسة:
١- علوم اللغة العربية.
٢- علم السياق القرآني.
٣- آليات عمل القلب.
٤- آيات الآفاق والأنفس.
مع تفاعل ما سبق مع:
٥- منظومة التواصل المعرفي:
ذلك أن هذه المنظومة هي التي حملت لشعوب العالم ما سبق من أدوات.
محمد السعيد مشتهري