

(1588) 28/10/2020 على هامش مقال الأمس: «التقوى»: الفريضة الغائبة عن حياة المسلمين»
يناير 28
3 min read
0
0
0
رسالة إلى
M Salih Ashmaig
يا أخي الفاضل:
إن المقال الذي قمت بالتعليق عليه، هو المقال الأخير عن «التقوى»، فهل قرأت المقالات السابقة، ولماذا لم تعلق على موضوعاتها حسب تسلسلها؟!
# أولًا: السؤال:
١- كيف تتعامل مع القرآن وتستنبط أحكامه، وأنت لا تعلم أدوات التعامل مع القرآن، وفي مقدمتها علوم اللغة العربية وعلم السياق القرآني؟!
٢- كيف تستقطع الآيات من سياقاتها، وتخلط بين سياق خطاب الناس وسياق خطاب المؤمنين، وبين السياق التشريعي الذي يحمل أحكامًا، والسياق الخبري الذي يحمل معلومات؟!
٣- إن سياق قول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى – وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا – إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ – إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
سياق «خبري» وليس «تشريعيًا»، فالله تعالى يُخبر الناس أنهم متساوون في أصل النوع الإنساني، وأن معيار التفاضل بينهم عند الله هو «التقوى».
والسؤال:
لماذا جاءت الآية على هذا النحو تُخاطب الناس جميعًا؟!
والجواب:
جاءت على هذا النحو، ردًا على «أزمة إنسانية» كانت موجودة بين الناس، مؤمنين وغير مؤمنين، وهي التفاخر والتطاول والسخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن … إلى آخر أمراض القلوب النفسية.
٤- فإذا تدبرنا سياق الآيات، نجد أنه يكشف حقيقة هذه الأزمة، ليس في سياق «خبري» كالآية:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى … إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ …»
وإنما في سياق «تشريعي» يخاطب الله فيه المؤمنين يأمرهم بـ «تقوى الله»، فتدبر:
(أ): قول الله تعالى:
* «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»:
– «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»
– «(وَاتَّقُوا اللَّهَ) لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»
(ب): قول الله تعالى
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»:
– «لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ»
– «وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ»
ثم تدبر جيدا ماذا قال الله تعالى بعد ذلك عن هذه الأزمة:
– «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ»
– «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ»
– «وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»
(ج): قول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»:
– «اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»
– «وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا»
– «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ»
– (وَاتَّقُوا اللَّهَ) إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»
ثم خاطب الله تعالى الناس جميعًا يخبرهم عن معيار التفاضل الوحيد الذي يدخلهم الجنة:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»:
– «إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى»
– «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»
– «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
أي أن «التقوى» هي مفتاح دخول الجنة، وهذا ما بيّناه بالتفصيل في المقالات السابقة.
# ثانيًا:
إن كلمة «التقوى» في لسان العرب تعني: الخوف من حدوث مكروه، وفي السياق القرآني: الخوف من معصية الله لاتقاء عذاب جهنم:
١- فعندما يقول الله تعالى:
* «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى – وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»
فمن أين جئت بأن «التقوى» هنا عدم العدوان؟!
لقد فسرت الماء بالماء!!
٢- وعندما يقول الله تعالى:
* «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»
فمن أين جئت بأن العفو هنا من التقوى؟!
– أنت تعفو خوفًا من الله لأنه هو الذي أمرك بالعفو.
٣- وعندما يقول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا»
فمن أين جئت بأن «التقوى» عدم الاعتداء على أموال الناس؟!
إن الله يأمر المؤمنين أن يخافوا عقابه، إن هم لم يطيعوه وينفذوا أحكامه.
٤- وعندما يقول الله تعالى:
* «فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا»
فمن أين جئت بأن القول السديد في حق الناس من التقوى؟!
إن المعنى: خافوا الله وقولوا قولًا سديدًا.
# ثالثًا:
والخلاصة أنك استبعدت «الخوف من الله» من فهمك للآيات، وأرجعت كل شيء إلى تصرفات الإنسان، الأمر الذي دفعك أن تخرج بنتيجة وتقول:
إن «التقوى»: هي كف الأذى عن الآخرين، وعدم الاعتداء عليهم، وتحقيق العدل، والقول الحق والسديد.
* وبناء على فهمك هذا، افتريت على الله الكذب وقلت بعد ذلك:
«بغض النظر عن الد ين أو العرق أو جنس أو لون»
* فأقول
ألم يقل الله تعالى إن الجنة «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»؟!
إذن، فبناء على فهمك للآيات، فإن الناس الذين اتصفوا بهذه الصفات التي ذكرتها سيدخلون الجنة، بصرف النظر عن ملتهم، وعن إيمانهم بـ «نبوة» رسول الله محمد واتباع رسالته.
ويا ليتك عندما توصلت إلى هذه النتيجة العقدية الخطيرة، كانت براهينك قرآنية قطعية الدلالة على ما ذهبت إليه.
محمد السعيد مشتهري