

(1612) 16/11/2020 «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ»
يناير 28
4 min read
0
0
0

تنقسم سورة البروج إلى سياقات ثلاثة:
السياق الأول:
يتعلق بقصة أصحاب الأخدود «الآيات: ١-١١».
السياق الثاني:
يتعلق بنفاذ قدرة الله ومشيئته، وأنه يمهل ولا يهمل «الآيات: ١٢-٢٠».
السياق الثالث:
يتعلق ببيان المحور الأساس الذي تدور حوله سور القرآن كلها، وهو حفظ الله تعالى لـ «الذكر»، من قبل أن ينزل على رسوله محمد.
* ومعنى «الذكر»:
عندما يأتي في سياق الحديث عن حجية «كلام الله» على العالمين، وتعهده عز وجل بحفظه، هو:
– تفاعل «كلام الله» المكتوب «كتابًا».
– والمقروء «قرآنًا».
– مع «مدلولاته – مُسَمّياته – مقابله الكوني» في الآفاق والأنفس.
– الذي يستحيل فهم كلمة واحدة من القرآن بمعزل عنه.
وهو ما أشارت إليه الآيتان «٢١-٢٢»:
«بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ»
فتعالوا نلقي نظرة غير سطحية على آيات هذه السورة:
١- «وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ»
يُقسم الله بالسماء وما تحمله من آيات الآفاق، سواء التي اكتشفت أو التي لم تكتشف، والتي قال تعالى فيها «فصلت / ٥٣»:
* «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ»:
* «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
* «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
(أ): فهل تعلم «أيها المسلم» إلى أي شيء يعود الضمير في جملة «أَنَّهُ الْحَقُّ»؟!
إنه يعود إلى «القرآن» لقول الله تعالى قبلها «فصلت / ٥٢»:
* «قُلْ أَرَأَيْتُمْ»:
* «إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ – ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ»
* «مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ»؟!
(ب): ثم تدبروا «القَسَمْ» الذي بدأت به السورة، والمتعلق بالدليل على أن هذا القرآن هو «الحق»، وعلاقته بنهاية السورة، وقول الله تعالى «البروج / ٢١-٢٢»:
«بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ»
ثم علاقة الاثنين بقول الله تعالى «الحجر / ٩»:
* «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا (الذِّكْرَ) وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
لتقفوا على أهمية «علم السياق» في فهم القرآن واستنباط أحكامه.
٢- قول الله تعالى:
* «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ»
ثم يربط الله تعالى عظم الآيات الكونية بمشهد يوم القيامة، يوم الحساب، ومصير الطغاة الذين أفسدوا في الأرض، وأمهلهم الله لعلهم يرجعون، ولكنهم لم يرجعوا إلى ربهم.
٣- قول الله تعالى:
* «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ»
إنه يوم الحساب، حيث يقرأ فيه كل إنسان كتابه، وتظهر أعماله كلها شاهدة عليه، ومن ذلك أبشع حادث يحدث في عالم البشر، يأتي في ج واب القسم:
٤- قول الله تعالى:
* «قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ»
وهو من الأساليب البلاغية، لبيان عظم الجريمة التي ارتكبها «أَصْحَابُ الأُخْدُودِ» في حق المؤمنين، لأن الحقيقة أنهم لم يُقتلوا وإنما هم الذين قتلوا المؤمنين، كقول الله تعالى:
* «قُتِلَ الإِنْسَان مَا أَكْفَرَهُ»
٥- قول الله تعالى:
«النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ»
معلوم أن لكل نار وقودها، فلماذا لم يقل «نار ذات وقود»، وجعل النار معرفة «النار» وخصها بـ «ذات» وعَرَّفَ «الوقود»؟!
لأن «أصحاب الأخدود» جعلوا وقوده من المؤمنين أنفسهم، فجعلوه كجهنم التي أعدّها الله تعالي للكافرين «البقرة / ٢٤»:
* «فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
وجاء هذا التصوير البلاغي لبيان أن «أصحاب الأخدود» هم وقود النار التي «أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» في الآخرة.
٦- قول الله تعالى:
«إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ»
«إذ» مضاف إلى الجملة، وهي ظرف لقوله «قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ»، أي وهم يباشرون بأنفسهم حرق المؤمنين.
والسؤال لأصحاب بدعة «القرآن وكفى»، الذين سيكونون وقود جهنم الآخرة، إذا لم يتوبوا بعد الإجابة على هذه السؤال:
طالما أنكم تكفرون بمعاجم اللغة العربية، وتفترون على الله الكذب لجهلكم معنى أن القرآن تبيانٌ وتفصيلٌ لكل شيء، قولوا لنا:
كيف يُشعل «أصحاب الأخدود» النار لحرق المؤمنين، ثم يجلسون هم «إِذْ هُمْ» عليها «عَلَيْهَا قُعُودٌ»؟!
* «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ» أيها «الْجَاهِلُون»؟!
إن كلمة «على» هنا لـ «الاستعلاء المجازي» لبيان أنهم لا يقعدون فوق النار، وإنما حولها، يراقبون ويشهدون ما يفعلون بالمؤمنين:
٧- قول الله تعالى:
* «وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ»
والسبب:
«٨-٩» قول الله تعالى:
* «وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
* «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
ثم استكملوا أنتم تدبر باقي الآيات بفهم واع:
١٠- قول الله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»:
«ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ * وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ»
١١- قول الله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»:
«لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ»
# ثم يأتي السياق الثاني:
١٢- قول الله تعالى:
* «إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ»
١٣- قول الله تعالى:
* «إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ»
ثم تدبروا جيدًا موضع المغفرة والود في هذا السياق:
١٤- قول الله تعالى:
* «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ»
١٥- قول الله تعالى:
* «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ»
١٦- قول الله تعالى:
* «فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ»
١٧- قول الله تعالى:
* «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ»
١٨- قول الله تعالى:
* «فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ»
١٩- قول الله تعالى:
* «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ»
٢٠- قول الله تعالى:
* «وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ»
# ثم يأتي السياق الثالث:
٢١- قول الله تعالى:
* «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ»
٢٢- قول الله تعالى:
* «فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ»
* فأقول:
إن الآية الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد:
«آية إلهية علمية عقلية»
مفاتحها «علوم اللغة العربية»
فكيف يؤمن مسلم بصدق «نبوة» رسول الله محمد، وهو لا يحمل مفتاح باب «آيته ال علمية العقلية»، والله تعالى يقول:
* «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»؟!
ثم يغضبون عندما يصفهم الله تعالى بقوله:
«أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»؟!
# إن ما سبق بيانه، مجرد لمحات تشير إلى استحالة أن «تقشعر» «جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» دون أن تكون قلوبهم عامرة بعلوم لغة القرآن العربية.
محمد السعيد مشتهري



