

(1674) 9/1/2021 عندما يأتي «الموت» فيقضي على طغيان «الناس» وغرورهم
يناير 28
4 min read
0
1
0
هل يعلم أحدٌ متى ستكون لحظة موته، وبأي أرض يموت؟!
* «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»:
– «وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ»
– «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً»
– «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»
– «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»
* لقد تعود رجل أعمال أن يُجهز له سكرتيره الخاص كل ما يتعلق بإجراءات سفره، بما في ذلك وضع الأوراق الهامة وجواز السفر وتذكرة الطائرة في حقيبة اليد، وعندما وصل إلى الجوازات لم يجد جواز السفر:
فاتصل على سكرتيره وعلم أنه نسي ولأول مرة الجواز، وعاد الرجل إلى بيته غاضبًا محبطًا، ثم بعد ساعات أُذيع نبأ سقوط الطائرة وموت كل من كانوا فيها.
والسؤال:
هل لو كان ركاب الطائرة يعلمون أنهم سيموتون كانوا خرجوا من بيوتهم؟!
* «أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ – وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ»
* «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»
* «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ – إِلاَّ بِإِذْنِ الله»
و«إذن الله» لم يشمل رجل الأعمال.
# أولًا:
عندما يودع الميت حياته الدنيا، التي طالما جاهد ليستمتع بشهواتها، هل يرى المحيطون به الملائكة وهي تنتزع نفسه من جسده؟!
* «فَلَوْلاَ إِذَ ا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ – وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ – وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَ تُبْصِرُونَ»:
ـ «فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ – تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
وهل يُخبر الميت أهله بماذا حدث له بعد موته، وهل توفته الملائكة على أساس أنه من المؤمنين «النحل / ٣٢»:
* «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ»:
– «يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ – ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»؟!
أم على أساس أنه من الكافرين «الأنفال / ٥٠-٥١»:
* «وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ»:
– «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ»
– «وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ»
– «ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ – وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ»؟!
ثم لماذا يخبر الله تعالى الناس بمسائل تتعلق بـ «عالم الغيب»، ويُقسم بها في مواضع كثيرة، وهم لا يُدركونها بحواسهم، كالقسم الذي بدأت به سور «النازعات»؟!
والجواب:
ليعلم الذين لم يحضرهم الموت، ماذا سيحدث لهم عند حضوره، وذلك على وجه القطع واليقين، لأن الذي يخبرهم هو الله العليم الخبير.
١- «وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً»:
(أ): النزع: جذب الشيء من مقرّه بشدة، سواء كان:
* ماديًا: «وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ»
* أو معنويًا: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ»
(ب): الغَرَق: رسوب الشيء بكامله في الماء إلى آخر نقطة فيه:
* «فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ – فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ»
وإذا كان «الإغراق» بـ «النزع»، فهذا يعني أن النزع يكون إلى أقصى مدى يمكن تحقيقه.
٢- «وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً»:
النشط: العُقدة التي يسهل حلها، ولذلك يُقال «بئر إنشاط»: لسهولة الحصول على الماء منه، و«النشيط»: الذي يتحرك بسهوله.
٣- «وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً»:
السبح: كل حركة سريعة سواء كانت في الماء أو الهواء أو في أي عمل.
٤- «فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً»:
السبق: التقدم بحركة هي الأسرع، سواء كان في السير أو في غيره.
٥- «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا ً»:
الْمُدَبِّرَاتِ: من التدبير والتفكير في عواقب الاُمور، بهدف إتمام الأعمال على أحسن وجه.
# ثانيًا:
إن كل ما يتعلق بعالم الغيب يستحيل أن تدرك حواس الناس حقيقته، لذلك كان علينا أن نفهم «مدلولات» كلمات الآيات المتعلقة بعالم الغيب باعتبارها تُقرّب لنا المعنى المراد بيانه حسب السياق.
١- فعندما نجد، بعد سياق الآيات السابقة، قول الله تعالى «النازعات / ٦-٧»:
* «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ – تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ»
نعلم من كلمة «يَوْم»، أن الآيات الخمس السابقة تتحدث عن الأعمال التي ستقوم بها «الملائكة» يوم القيامة، والمعنى اللغوي للكلمات السابق بيانه، يُقرّب لنا المعنى المتعلق بالدور الذي تقوم به «الملائكة» في هذا اليوم.
ولا نخوض في بيان كيفية قيام «الملائكة» بهذا الدور، لاستحالة إدراك ق لوبنا وحواسنا لهذه الكيفية، ولكن نستطيع بمقابلة المعنى اللغوي لكلمتي «النزع» و«النشط» بدور الملائكة في قبض أنفس الناس، أن نقول:
(أ): إن «النزع»: يكون عند قبض أنفس الكافرين، لقول الله تعالى «الأنفال / ٥٠-٥١»:
* «وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ – يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ»
(ب): و«النشط»: يكون عند قبض أنفس المؤمنين.
* «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ – يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»
٢- إن القسم الإلهي بالدور الذي تقوم به «الملائكة» يوم القيامة، وإن كانت حواس الناس لا تدرك حقيقة هذا الدور، يُشعر القلب السليم بهول أحداث هذا اليوم الذي قال الله تعالى فيه «الحج / ١-٢»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»:
* «اتَّقُوا رَبَّكُمْ – إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»
* «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ – وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا»
* «وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى – وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»
لقد بدأت سورة «النازعات» بمقدمة تحمل قسمًا من الله تعالى بأشياء وإن كانت لا تدركها حواسنا، إلا أن وقعها على القلوب السليمة مخيف ورهيب، وهذا ما تشعر به هذه القلوب عندما تستكمل تدبر سياق الآيات «النازعات / ٦- ٩»:
* «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ – تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ – قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ – أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ»
إنها مشاهد بينتها كثير من الآيات: الانشقاق – الغاشية – الزلزلة – القارعة «١-١١»:
* «الْقَارِعَةُ – مَا الْقَارِعَةُ ـ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَا رِعَةُ – يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ – وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ»:
* «فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ – فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ»
* «وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ – فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ – وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ – نَارٌ حَامِيَةٌ»
ولكن المهم هو عنصر المفاجأة، عندما ترجع النفس إلى أجساد الناس يوم البعث «النازعات / ١٠»:
* «يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ»
«الْحَافِرَةِ»: إن الذي يسير في الرمال يترك أثرا «محفورا» فيها، يمكنه عن طريق العودة إلى مكانه الذي خرج منه، فيقولون رجع فلان في حافرته.
فيظن الناس يوم البعث، أنهم مازالوا في الدنيا، وكانوا في سبات ثم استيقظوا منه، فإذا بهم يجدون أنفسهم في الآخرة، فيقولون:
* «أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً – قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ»
لقد خسروا كل شيء، عندما لم يعملوا في الدنيا من أجل آخرتهم.
محمد السعيد مشتهري



