

(1678) 13/1/2021 «إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى – إِنِّي مُتَوَفِّيكَ – وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»
يناير 28
6 min read
0
1
0
واتباعًا لـ «المنهجية الهرمنيوطيقية»، يمكث «عدنان الرفاعي» ما يقرب من الساعة في الفيديو المرفق، لإثبات أن «عيسى» لم يمت وإنما توفاه الله ورفعه إليه.
والسؤال:
– إذا كانت شبهة عدم موت «عيسى» ظهرت بسبب ورود لفظة «الوفاة» في سياق قصته، وقد انتزعنا هذه الشبهة من جذورها في المقال السابق.
– وعلى فرض أننا سلمنا بأن الله رفع «عيسى» حيًا جسدًا ونفسًا تكريمًا له، وهو الآن يعيش في «عالم البرزخ».
– وإذا كان هناك نص قرآني يُشير إلى رفع «عيسى» حيًا إلى عالم البرزخ، «وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»، وقد يكون معه في هذا العالم من الأنبياء والصالحين الكثير، لقول الله تعالى:
«وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْو َاتاً بَلْ (أَحْيَاء) عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»
* فما علاقة كل هذا بمسألة لا أصل لها في القرآن ولا فرع، وهي مسألة نزول «عيسى» آخر الزمان ليحكم العالم بـ «دين الإسلام»؟!
ثم يأتي «عدنان الرفاعي»، في الفيديو المرفق، ويطلب من المهتمين بقضية نزول «عيسى» أن يتعاملوا مع أدلته القرآنية التي تثبت عودة عيسى بـ «تجرد»، بعيدًا عن الموروث الديني ومروياته.
فهل تجرد «عدنان الرفاعي» نفسه مع أدلته القرآنية، بعيدا عن التلاعب بدلالات الكلمات القرآنية باتباعه «المنهج الهرمنيوطيقي»؟!
١- من بداية الفيديو وحتى الدقيقة 05:30 يتكلم «الرفاعي» عن بدهيات لغوية لا علاقة لها بالمحور الأساس للموضوع، والهدف من ذلك، حسب فلسلفة التأويل الهرمنيوطيقية، أن يشغل المستمع بموضوعات لغوية تجعله يُسَلّم لما سيقوله بعد ذلك.
فعن قول الله تعالى «الزمر / ٤٢»:
* «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا – وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا – فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ – وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى – إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
يقول: إن «الوفاة» تكون من خلال سبيلين: «الموت» و«المنام»، والذي يحدد ذلك سياق الآية.
* أقول:
إن هذه الآية تهدم قول «الرفاعي» وهو لا يدري، إن «عيسى لم يمت»، فهل عندما قال الله تعالى لعيسى «إِنِّي مُتَوَفِّيكَ»:
كانت الوفاة وفاة «موت»:
* «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»؟!
وفي هذه الحالة يكون «عيسى» قد توفّاه «ملك الموت».
أم كانت وفاة «نوم»:
«وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا»؟!
وفي هذه الحالة سيستيقظ «عيسى» من نومه ويعيش حياته؟!
* «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
٢- ثم يقول: ومما يؤكد صحة ما نذهب إليه، هو ورود كلمة «لَيُؤْمِنَنَّ» بصيغة المضارع في قول الله تعالى:
* «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ – وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً»
مما يعني أن هذا الأمر يتعلق بحدث مستقبلي بالنسبة لنزول القرآن.
إن «الرفاعي» يُسقط هذه الآية على «أَهْلِ الْكِتَابِ» بعد عصر التنزيل، ويؤكد ذلك بقوله «لم يحدث أبدًا قبل نزول القرآن».
فهل يريد أن ينفي وجود أحد من اليهود أو النصارى آمن بـ «عيسى» قبل نزول القرآن، وأن إيمانهم به سيكون مستقبلًا عندما يعود آخر الزمان؟!
٣- ثم يقول: إن «عيسى» الآن توفى وفاة كالوفاة في المنام، وليس متوفى وفاة الموت، لقول الله تعالى «آل عمران / ٥٥»:
* «إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ – وَرَافِعُكَ إِلَيَّ – وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ»:
– «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
– «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»
* أقول:
انظروا كيف تحمل أدلته أسلوب التأويل الهرمنيوطيقي الذي لا يلتفت إليه إلا أهل العلم والبصيرة:
(أ): فماذا يعني بقوله «إن عيسى الآن توفى وفاة كـ الوفاة في المنام»؟!
(ب): وما دخل كاف التشبيه «كـ الوفاة» في مسألة محسومة بنص قطعي الدلالة، يحرم القياس عليه، إلا بقرينة يحملها السياق:
وهذا ما شهد به «الرفاعي» نفسه عندما قال فيما سبق:
«إن الوفاة تكون من خلال سبيلين: الموت والمنام، والذي يحدد ذلك السياق»
فهل حدد السياق الذي وردت فيه «وفاة عيسى» أن وفاته كانت «وفاة نوم»، كما بيّنا من قبل؟!
٥- يحيب «الرفاعي» ويقول:
إن وفاة «عيسى» التي حصلت في الماضي، حينما رفعه الله تعالى إليه، تنتهي حالتها بعودته عليه السلام حيث يؤمن به «أهل الكتاب» كلهم دون أي استثناء:
يعني ما بين وفاته ورفعه إلى السماء كـ «بداية»، وبين عودته التي يموت في نهايتها كـ «نهاية»، بين هاتين النقطتين تم الافتراء عليه بأوصاف الإلوهية وما يتعلق بها.
* أقول: نلاحظ قول «الرفاعي»:
«ما بين وفاته ورفعه إلى السماء كبداية، وبين عودته التي يموت في نهايتها كنهاية»
فتعالوا نفهم معنى «وفاة النوم» من قول الله تعالى:
* «وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا … وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»
أي أن «وفاة النوم» يعقبها حياة للإنسان في الدنيا «إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»، أي إلى أن يأتي موعد «موته»، فأين البرهان القرآني على أن هذه الوفاة ممكن أن تكون في «عالم البرزخ» ولقرون من الزمن، والمفترض أنها «آية إلهية» أيد الله بها رسوله «عيسى»؟!
وإذا كان «عيسى» سيعود آخر الزمان رسولًا إلى «أهل الكتاب» أو إلى الناس جميعًا، فأين نذهب بقول عيسى لقومه «الصف / ٦»:
* «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»:
* «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ»
تدبر: «إِنِّي (رَسُولُ) اللَّهِ إِلَيْكُم» فقط في عصره، ثم لاحظ:
* «وَمُبَشِّراً بِـ (رَسُولٍ) يَأْتِي مِن (بَعْدِي) اسْمُهُ أَحْمَدُ»
فكيف يقول «الرفاعي» بعد ذلك:
«ونعلم أن من أهل الكتاب من يكفر بعيسى كاليهود، وهؤلاء يؤمنون به بعد عودته»:
ثم تدبر ماذا قال بعدها:
* «وأنه (رسول) من عند الله تعالى»
«ومنهم من يصفه بالإلهية وما يتعلق بها، كالنصارى، وهؤلاء ينتهون عن ذلك».
ثم يزيد الطين مئة بلة ويقول:
«ونلاحظ أن كلمة بِهِ في لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ تتعلق بعيسى، يعني يطمئنون بحقيقته ويُصدقونه ويثقون به، وأنه ليس إلهًا وإنما (رسول) من عند الله تعالى».
والسؤال:
هل عودة «عيسى» كـ «رسول» ليقيم الحق والعدل بين الناس، مسألة «عقدية» لا قيمة لها، لذلك لم يذكرها الله في «آيته القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسوله محمد؟!
* «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»: أيها «الملحدون»؟!
٦- ويقول إن هناك من يُرجعون الضمير في «قَبْلَ مَوْتِهِ» إلى أهل الكتاب»، أي «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بـ (عيسى) حين موت من يموت من أهل الكتاب «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ» عيسى «شَهِيداً» على هؤلاء الذين آمنوا به.
ثم كعادته، يتلاعب بدلالات الكلمات، ويُدخل المستمع في مسألة الفروق اللغوية بين «حين وعند»، مستغلًا جهل معظم المسلمين بها، وخاصة «القرآنيّون» الذين يكفرون باللغة العربية ومعاجمها.
وعندما جاء يُبيّن للناس الفروق قال إن صيغة «قَبْلَ مَوْتِه» لا يمكن حصر دلالاتها بفترة محددة هي «حين» حضور الموت لمن يحضره الموت كما يزعمون.
ثم نتدبر ماذا قال بعد ذلك:
«فإذا نظرنا إلى دلالة كلمة قبل، نجد أنها تمتد إلى مسافة كبيرة (نسبيًا)، ولا يمكن حصرها بمرحلة ما قبل الموت (مباشرة) كما يزعمون.
وأنا أسأل العقلاء: ما معنى استخدام «الرفاعي» للنسبية فيقول «مسافة كبيرة نسبيًا» في سياق علمي هام يجب ألا يحتمل تأويلات مختلفة؟!
ثم يستدل على فهمه لدلالة كلمة «قبل» بقول الله تعالى لفرعون «يونس / ٩١»:
* «آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»
ويقول: «فلا يمكن حصر دلالة كلمة قبل في لحظة حضور الموت».
وأنا أقول له: وماذا عن قول الله تعالى «
* «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ – مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ»؟!
أليس من الممكن أن تكون هذه التوبة قد تمت قبل يوم أو قبل ساعة من القبض على:
* «الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ – وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً»؟!
٧- والغريب اللافت للنظر، أن يستدل «الرفاعي» بآية تهدم كل أدلته السابقة، وتثبت بالدلالة القطعية استحالة عودة عيسى كـ «آية إلهية» تجعل الكافرين يؤمنون به، ويقول وهو «مُغيب عقليًا»:
ولو فرضنا أن الإيمان حدث قبل الموت مباشرة، فماذا يفيده هذا الإيمان، وماذا تفيد شهادة «عيسى» على هذا الإيمان، والله تعالى «الأنعام / ١٥٨»:
* «هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ – أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ – أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ»:
– «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ»
والسؤال:
أليست عودة «عيسى» من «عالم البرزخ» آخر الزمان، «آية إلهية» تثبت أنه عبد الله ورسوله، كما يدّعون، إذن فما جدوى «إيمان» أي إنسان به، والله تعالى يقول بعد ذلك:
– «لاَ يَنفَعُ نَفْساً (إِيمَانُهَا) لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ – أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً»؟!
وماذا تعني كلمة «قبل» في جملة «لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ»؟!
ألا تعني «آمَنَتْ مِن قَبْلُ» أي من قبل ظهور «الآيات»، وإلا لقبل الله تعالى إيمان «فرعون» عندما قال:
* «آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»؟!
٨- ثم يتلاعب «الرفاعي» بالفروق اللغوية بين «الشاهد والشهيد»، ويسأل عن معنى «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً»:
كيف يكون «عيسى» شهيدًا على من هو غائب عنه؟!
* أقول:
انظروا إلى مراحل «التغييب العقلي» التي يحملها «المنهج الهرمنيوطيقي» لاستغفال قلوب الناس؟!
يضع «الرفاعي» أولًا قواعد تأويل باطلة، ثم يقيم عليها نتائج باطلة، وينطلق من أن تأويله لرفع «عيسى» صحيح، وأنه سيعود آخر الزمان كرسول يحكم بين «أهل الكتاب» الموجودين يوم عودته.
وينطلق تأويله الباطل من قاعدة دلالة كلمة «شهيد» وأنها تعني الشهادة بالحضور «النفسي والجسمي»، ولذلك في معاملاتنا الدنيوية نأتي بـ «شهيد» يشهد على العقود، ولا نأتي بـ «شاهد» التي تعني «الاستنباط العقلي» دون أن يقتضي ذلك «الحضور الحسي».
فماذا يقول «الرفاعي» في قول الله تعالى «البروج / ١-٤»:
* «وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ – وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ»
* «(وَشَاهِدٍ) وَمَشْهُودٍ – قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ»
إن «الشاهد»: اسم فاعل من «المشاهدة»: بمعنى الرؤية البصرية، والجمع «شُهداء»، ولا مانع من أن تشمل الرؤية العقلية العلمية حسب القرينة التي يحملها السياق:
فعندما يقول الله تعالى لبيان أن دلالة «الشهيد» و«الشاهد» دلالة «حسية» وليست «عقلية علمية»:
* «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا»:
– «لِيَكُونَ الرَّسُولُ (شَهِيداً) عَلَيْكُمْ»
– «وَتَكُونُوا (شُهَدَاءَ) عَلَى النَّاسِ»
والشهادة في الحالتين شهادة «حسية» على أرض الواقع.
وللموضوع بقية.
محمد السعيد مشتهري
الرابط:



