top of page

(1689) 27/1/2021 «وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً»

يناير 28

6 min read

0

0

0

لقد كانت معالم «المجتمع الإيماني»، الذي دخل أفراده في دين الإسلام من باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، كانت تتضح يوما بعد يوم بما يتميّز به عن الناس جميعًا.

وكان من الطبيعي أن يتعرض «المجتمع الإيماني» للفتن التي تُميّز الخبيث من الطيب، فتدبر «العنكبوت / ٢-٤»:

* «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ»:

* «وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ – فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا – وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»

ومن هذه الفتن الإصرار على عمل السيئات دون توبة:

* «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا – سَاء مَا يَحْكُمُونَ»

فالذي يُصر على عمل «سيئة واحدة» دون توبة، كـ «التدخين» أو عدم التزام المسلمة بـ «الخمار والجلباب»، فإن هذا الإصرار يحولها إلى «خطيئة» يُخلد صاحبها في جهنم «البقرة / ٨١»:

* «بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً – وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ – فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»

ولذلك حرص السياق القرآني، في كثير من السور، على بيان هذه المسألة الخطيرة التي يغفل عنها معظم المسلمين، وهي وجوب التوبة فور كل معصية، وهنا يظهر الفرق بين المسلم الذي دخل الإيمان قلبه، والذي لم يدخل الإيمان قلبه.

وتأتي «الفتن» للكشف عن معادن القلوب ومدى استطاعتها الصبر والثبات في مواجهة هذه الفتن، وكلها مسائل تتعلق بقوة وثبات «الإيمان» في قلوب ادعت أنها دخلت في دين الإسلام وأسلمت وجهها لله تعالى، وتعمل بـ «أحكام القرآن».

لقد كانت معركة الأحزاب، التي نزلت باسمها سورة الأحزاب، تربيةً وفتنةً وامتحانًا قاسيًا لـ «المجتمع الإيماني» الذي يقوده رسول الله محمد، فالله تعالى يقول في سياق الفتنة والابتلاء «البقرة / ٢١٤»:

* «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ»:

– «وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم»

– «مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ»

– «حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ»

– «أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ»

ودون دخول في تفاصيل «معركة الأحزاب»، ذلك أن الذي يهمنا هو ما حملته أحداث المعركة من قيم إيمانية تربوية يجب أن يتربى عليها المسلمون منذ الصغر، لا على أفلام الكرتون والألعاب التي صُمّمت لإفساد القلوب فلا يدخلها «الإيمان».

إن القيم الإيمانية التربوية التي حملتها معركة «الأحزاب»، ليست خاصة بعصر التنزيل، وإنما بالمؤمنين إلى يوم الدين، إنها تربية علمية وعملية تنطلق من قلوب مؤمنة وليس من ألسن متكلمة.

تربية إيمانية علمية تجعل «نِعَمَ الله» التي لا تحصى قاعدة انطلاقها، تُذكّر الصغار قبل الكبار بـ «نعم الله» عليهم، وهذا ما بدأت به مجموعة الآيات التي هي موضوع مقال اليوم والتي تخاطب المجتمع الإيماني «الأحزاب / ٩»:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»:

– «اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ»

– «إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا»

– «وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً»

– «إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ»

– «وَإِذْ زَاغَتْ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ»

– «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا»

– «هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً»

والسؤال:

ألا يمكن اعتبار «فيروس كورونا» من جنود الله التي لا يراها الناس «وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا»، والتي زلزلت العالم بأسلحته النووية «وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً»، والتي وصلت بالمؤمنين إلى «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا»؟!

ومع ذلك، فهل تغيرت حياة المسلمين إلى «ما يجب أن يكون» وفق أحكام القرآن، والله تعالى يقول لهم وللناس جميعًا بعد ذلك:

* «وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً»؟!

فماذا كان موقف المسلمين المنافقين الذين لم يدخل الإيمان قلوبهم، والذين في قلوبهم مرض، الموجودين في عصر التنزيل داخل الصف الإسلامي؟!

يقول الله تعالى «الأحزاب / ١٢»:

* «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ – وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ – مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً»

لقد كان موقفهم التشكيك في وعد الله بالنصر، هذا التشكيك الذي كان فعلًا يؤيده واقع المعركة، فكانت فتنة للمسلمين الذين لم يدخل «الإيمان» قلوبهم.

ومن مظاهر هذا التشكيك الذي يأخذ صورًا مختلفة ولكنه يدور حول محور واحد هو النفاق «الأحزاب / ١٣»:

* «وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ»:

* «يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا»

أي اتركوا الصفوف وعودوا إلى بيوتكم لأنها متروكة بلا حماية، وفعلًا ذهب فريق منهم يستأذن النبي للعودة إلى بيوتهم:

* «وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ – يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ – وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ – إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً»

إن الذين أردوا الفرار من المعركة كانوا من المؤمنين الذين خاطبهم الله في الآية الأولى يُذكرهم بنعمته عليهم:

وعلى فرض أنهم كانوا في بيوتهم، وكان جيش المسلمين خارج المدينة، ثم دخلت جيوش الأحزاب المدينة من كل جانب:

* «وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا»

وطلب جيش الأحزاب من هؤلاء المؤمنين ترك بيوتهم، التي قالوا للنبي إنها عورة، وأن يلتحقوا بجيش المسلمين لفتنهم وتفكيك صفوفهم:

* «ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ – لآتَوْهَا – وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً»

لأسرعوا إلى فتنة جيش المسلمين، ولكنهم لم يتمتعوا بها إلا قليلًا، كما بيّن الله ذلك بعدها «الأحزاب / ١٥-١٦»:

* «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ – لاَ يُوَلُّونَ الأدْبَارَ – وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً»

* «قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ – إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ – وَإِذاً لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً»

لنصل إلى قول الله تعالى «الأحزاب / ٢١-٢٢»:

* «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ – لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر – وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً»

* «وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ»:

* «قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ – وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»

ثم تدبر ماذا قال الله تعالى بعد ذلك مبينًا الأساس الذي يجب أن تقوم عليه «عقود النكاح» التي هي قاعدة «البيت المؤمن»، أي اللبنة الأولى في بناء «المجتمع الإيماني»:

* «وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ – إِيمَاناً – وَتَسْلِيماً»

إن الفتن والابتلاءات تزيد المؤمنين «إِيمَاناً» وتصديقًا لأصول الإيمان، وتزيد المسلمين «تَسْلِيماً» لأحكام القرآن، وما هجر المسلمون أحكام القرآن إلا بسبب غياب «الإيمان» عن قلوبهم، وبغياب الإيمان غاب الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه:

* «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ – صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ – فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ – وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ – وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»

ومن الرجال المؤمنين يتكون «البيت المؤمن»، وبهم يقوم «المجتمع الإيماني»، ولذلك وجه الله الخطاب للرجل الأول في الرجال المؤمنين، النبي محمد عليه السلام، أن يتأكد من صدق «إيمان» أزواجه وتعلق قلوبهن بـ «الدار الآخرة»، فقال تعالى «الأحزاب / ٢٨-٢٩»:

* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ»:

– «إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا»

– «فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً»

– «وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرةَ»

– «فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»

لقد نزل «القرآن» يقيم «الإيمان» في قلوب الناس، قبل إلزامهم بأحكامه، قبل أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحجوا البيت … ولكن بطون المسلمات ولدت مسلمين ولم تلد مؤمنين:

وكان على «المسلمين» عندما بلغوا النكاح واكتمل رشدهم أن يقيموا «الإيمان» في قلوبهم بإثبات أن كتاب الله الخاتم يحمل في ذاته «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، الأمر الذي لم يحدث، وماتوا مسلمين.

والسؤال:

١- لماذا جاء تخيير رسول الله محمد لنسائه بين:

* «الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا»

* «اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرةَ»؟!

الجواب:

لأن النساء المسلمات اللاتي دخل «الإيمان» قلوبهن، وعملن بمقتضياته سلوكًا عمليًا في واقع الحياة، يقفن بقوة بجوار أزواجهن في مواجهة الفتن والابتلاءات.

٢- ولماذا خص الله تعالى نساء النبي بالآيات التالية «الأحزاب / ٣٠-٣٤»:

* «يَا نِسَاء النَّبِيِّ»:

* «مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ»

* «يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ – وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً»

* «وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ – وَتَعْمَلْ صَالِحاً – نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ – وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً»

* «يَا نِسَاء النَّبِيِّ»:

* «لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ»

* «فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ – وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً»

* «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى»

* «وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

* «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»

* «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ»

* «إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً»

«وَالْحِكْمَةِ» في هذا السياق هي «الأحكام» التي وردت في سورة الإسراء «٢٢-٣٨» ثم قال الله تعالى بعد ذلك في وصفها «الإسراء / ٣٩»:

* «ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ»:

* «وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ – فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً»

ثم قال الله تعالى «الإسراء / ٤١»:

* «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ – وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً»

ولماذا لم يزد هذا القرآن المشركين إلا نفورا، ولم يهد المسلمين إلى خلع ثوب التفرق في الدين والإلحاد في آيات الذكر الحكيم، مع أنه يحمل «آية إلهية عقلية» تشمل آيات الآفاق والأنفس منذ خلق الله تعالى الكون وإلى يوم الدين؟!

الحقيقة كلها أسئلة تحتاج إلى مجلدات للإجابة عليها، ولبيان أن «الإيمان» في القلب وليس في الجوارح، وأن «الإسلام» في الجوارح عملًا بمقتضيات «الإيمان»:

وأن المسلمين دخلوا في «دين الإسلام» من باب الإسلام الوراثي، ولم يدخلوا في «دين الإسلام» من باب العمل بمقتضيات «الإيمان».

* والأهم من ذلك كله:

– أن القرآن نزل ليقيم «مجتمع إيماني» على أرض الواقع، وليس فقط في القلوب وعلى الجوارح:

– الأمر الذي يفرض على منابر الدعوة الإسلامية كلها، أن تترك هذا الهراء الذي تتحدث فيه ليل نهار، وتعمل على لفت نظر المسلمين إلى وجوب إعادة الدخول في دين الإسلام من باب الإيمان.

محمد السعيد مشتهري

يناير 28

6 min read

0

0

0

منشورات ذات صلة

Comments

مشاركة أفكارككن أول من يعلِّق.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page