top of page

(1708) 9/2/2021 «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ – وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ – وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»

يناير 27

٥ min read

0

0

0

في امتحان الرسم، طلبت المُدَرِّسة من تلاميذ الصف الثاني الابتدائي، أن يقسّموا صفحة الرسم إلى جزئين، جزء يرسموا فيه صورة الشيطان، والآخر يرسموا فيه صورة الله تعالى.

وعند تصحيح الأوراق، كانت المفاجأة:

لقد وجدت المُدَرِّسة أن الجزء الخاص بصورة لله تعالى لم يرسم فيه التلاميذ كلهم أي رسم، ورسموا الشيطان في الجزء الآخر بأشكال مختلفة مُخيفة:

فماذا يعني ذلك؟!

* إنها الفطرة التي فطر الله الناس جميعًا عليها لتكون حجة عليهم يوم الحساب.

* إنه المخزون المعرفي للمشاهدات والملاحظات والعلوم والمعارف التي تربى عليها الإنسان وحمله قلبه وكوّن شخصيته المعرفية.

* إنها الصورة الذهنية الخيالية المخيفة للشيطان، التي تحملها قلوب الناس، وبناء عليها يقولون للشخص المجرم «أنت شيطان»، ولا يستطيعون أن يقولوا للشخص المؤمن «أنت الله» وذلك لأن الله:

* «فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ»:

– «جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً»

– «وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجاً»

– «يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ»

– «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»

– «وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»

فالله تعالي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»:

فالذي آمن بـ «الوحدانية» وعمل بـ «مقتضياتها» وهو يعلم «لغة القرآن العربية»، يستحيل أن يُفكّر في ذات الله لأنه:

* يعلم أن الله «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

* لأنه عَرَفَ ربه عن طريق النظر والتفكر في بديع صنعه الذي تشهد له دلائل وحدانيته في الآفاق والأنفس.

* لأن حواس الإنسان لا تدرك غير «عالم الشهادة» الذي يعيش فيه وتَعلّم لغته، وأن لكل كلمة من كلمات هذه اللغة «مُسَمَّى» موجود خارجها، فإذا لم يشاهد الإنسان هذا «المُسَمّى»، يستحيل أن يتعرف عليه.

إننا ندرك كل شيء في «عالم الشهادة» لأننا خُلقنا لنعيش ونعمل فيه ونعلم «مُسَمّيات» كلماته على وجه الحقيقة، أما «عالم الغيب» فنحن نؤمن به وإن لم تدرك حواسنا شيئا منه، لأن هذا أصل من أصول الإيمان:

«ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ – الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ …»

وكل ما ورد في القرآن عن «عالم الغيب»، ورد على سبيل «المجاز» وليس «الحقيقة».

# أولًا:

إن المؤمن الذي آمن بـ «الوحدانية» وعمل بـ «مقتضياتها» يستحيل أن يفهم قول الله تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» إلا إذا كان على «علم» بلغة القرآن العربية وعلومها، ومنها «علم المجاز»:

فماذا يعلم القرآنيّون والملحدون عن «علم المجاز»؟!

١- في سياق بيان دلائل الوحدانية، خاطب الله تعالى «أهل اللسان العربي» بالأساليب البيانية التي كانوا يستعملونها من قبل نزول القرآن، فكيف فهموا لفظ الجلالة «الله» عندما تُضاف إليه صفات يستحيل أن تنسب إلى «الله» بمعناها الظاهري؟!

كيف فهم «أهل اللسان العربي» معنى «اليد – العين – الوجه – العرش – الكرسي – الاستواء – الإتيان – المجيء …» عندما تنسب إلى الله تعالى، هل فهموها على معناها «الحقيقي» أم «المجازي»؟!

٢- لقد فهم «أهل اللسان العربي» أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فليس له «يد» ولا «عين» ولا «وجه»، وليس له «عرش» يجلس عليه، ولا «كرسي»، ولا يتحرك كالأجسام فـ «يذهب» و«يأتي».

ثم جاء أئمة وفقهاء اللغة العربية، ووضعوا المصطلحات التي تفرق بين الدلالة «الحقيقة» والدلالة «المجازية» لكلمات القرآن بما يُعرف بـ «علم البيان».

٣- فكيف قوم رسول الله محمد، «أهل اللسان العربي»، معنى قول الله تعالى:

* «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ»

* «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ (إِلاَّ وَجْهَهُ) لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»؟!

هل فهموا أن كل شيء سيفنى، بما في ذلك الذات الإلهية ولن يبقى منها غير «الوجه» فقط، أم فهموا هذه الآيات بـ «علم البيان»؟!

إن من أساليب العرب البيانية، أنهم كانوا يُطلقون الوجه على الشيء، سواء كان له وجه أم لا، من باب التعبير عن شرفه وقيمته، باعتبار أن «الوجه» أشرف السمات الاعتبارية.

لقد فهموا «الوجه» على أنه تعبير عن فعاليات أسماء الله الحسنى ومنها العظيم «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»، ومنها الأعلى «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى» … إلى آخر الأسماء الحسنى.

# ثانيًا:

وكيف فهم «أهل اللسان العربي» قول الله تعالى:

* «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ – وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»؟!

١- يجب التفريق بين «المِثْل» بكسر الميم، و«المَثَل»، بفتح الميم، ثم التفريق بينهما وبين «كاف التشبيه»:

(أ): «المِثْل» بكسر الميم، يستخدم عند إرادة المساواة بين الأشياء في كل شيء.

(ب): «المَثَل» بفتح الميم، يستخدم عند إرادة المساواة في الأحوال والصفات الخارجية.

والله تعالى منزه عن المِثْل والمَثَل، ولذلك لم يقل «لَيْسَ مِثْلُه شَيْءٌ» وإنما قال «لَيْسَ كَـ مِثْلِهِ شَيْءٌ»، لأن اقتران كلمة «مِثْل» بـ «كاف التشبيه» في «كَـ مِثْلِهِ» ينفي مطلقًا التشابه بين ذات الله وأي شيء.

٢- يقول الله تعالى:

«قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ»

فهل هناك فرق، بين قوله تعالى «لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ»، بالتثنية، وبين إذا قال تعالى «لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي»، بدون تثنية؟!

مثال:

* هل الإنسان الذي يباشر عمله بيد واحدة مثل الذي يباشره بيديه؟!

* هل عندما نرى رئيس دولة يُصافح نظيره بيد واحدة، نشعر بالعلاقة الحميمية بينهما، أم إذا صافحه بيديه؟!

٣- لقد فهم أهل اللسان العربي قول الله تعالى «لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي» على أنه بيان لفعالية أسماء الله الحسنى ومنها «القادر»، باعتبار أن «اليد» تُعبر «مجازيًا» عن «القدرة»، مع ملاحظة أن أسماء الله الحسنى لا تعمل منفردة، وإلا كانت لله تعالى «قدرتان» لكل يد «قدرة».

# ثالثًا:

١- إن كلمة «اليد» التي كان ينطق بها لسان العرب، وتنطق بها الألسن الأعجمية، هي عضو من أعضاء جسم الإنسان، فهل فهم الرسول والذين آمنوا معه أن لله تعالى جسمًا وأعضاءً؟!

وإذا كان الرسول والذين آمنوا معه يعلمون أن الله «ليس كمثله شيء» إذن فكيف فهموا معنى «اليد» في قوله تعالى لإبليس:

* «قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ»؟!

هل فصَّل الله في القرآن وبيّن الفرق بين «يد الله» و«يد البشر»، وهو القائل عز وجل:

* «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ»

* «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً»؟!

فأين القرآنيّون والملحدون، يُفسرون لنا هذه الآيات التي أضافت إلى الله تعالى أجزاءً من جسم الإنسان، بشرط أن يكون تفسيرهم من داخل القرآن؟!

٢- إن «اليد» التي وصف الله بها نفسه، جاءت في القرآن على سبيل «المجاز» الذي كان «أهل اللسان العربي» يعلمونه جيدًا ويستخدمونه في حياتهم اليومية، فيقولون:

(أ): «إن لفلان عندي يد»: أي فضل.

(ب): «مالك عليه يدٌ»: أي ولاية.

(ج): «له يد عند الناس»: أي جاه.

(د): «أطول يداً منه»: أي أسخى.

(هـ): «شمّر يد القميص»: أي كمّه.

وهكذا نعلم أن «الأساليب المجازية» جاءت لتُعطي الكلمة دلالات أوسع وأبلغ، من تمثيل وتشبيه واستعارة … والتي لولاها لتصور الناس أن لله يدًا ووجهًا وعينًا:

* «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ»

إننا أمام «منهجية علمية»، تحمل أدوات لفهم القرآن، ويستحيل فهم القرآن بمعزل عنها، وها هي قضية تتعلق بـ «الوحدانية» تحتاج كي نفهمها ونقف على حقيقتها، إلى الاستعانة بما حملته مراجع اللغة العربية من حق بيّن ومُبين.

٣- فإذا كانت كلمة «اليد» قد أتت في السياق القرآني بالمعنى «المجازي» وفي أهم قضية تتعلق بـ «الوحدانية»، فقد جاءت بالمعنى الحقيقي في سياق بيان أحكام «الشريعة القرآنية»:

ومثال ذلك قوله تعالى:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»

فهل هناك عاقل يمكن أن يفهم الوجه واليد والمرفق في هذا السياق، بمعناها «المجازي» ويقول إن «اليد» تعني القدرة والبطش والكرم والسخاء؟!

٤- وعندما تُذكر «اليد» في سياق بيان عقوبة الإفساد في الأرض، ويُبيّن الله أن «السرقة» من العقوبات المتعلقة بالإفساد في الأرض، ويبدأ السياق ببيان العقوبات بوجه عام، فيقول تعالى:

«… وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً – أَنْ يُقَتَّلُوا – أَوْ يُصَلَّبُوا – أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ..»

ثم يأتي بعدها ببيان أن «السارق والسارقة» ممن يجب أن تُقطع أيديهم، وذلك من باب تفصيل ما أجمله في قوله تعالى «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ»، وجاء بواو العطف لنفهم أن هذه العقوبة معطوفة على ما سبق من عقوبات الإفساد في الأرض، فقال تعالى:

«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»

فبأي منطق، وفي أي ملة، يمكن أن يقع الخلط بين:

– المفهوم الحقيقي لـ «اليد» الوارد في آية الوضوء وآية الإفساد في الأرض.

– والمفهوم المجازي لها الوارد في عشرات الآيات القرآنية، ومنها ما يتعلق لملة الوحدانية.

* ونقول إن «قطع اليد» معناه منعها من السرقة؟!

إن الذي يتعامل مع القرآن باعتباره كتابًا إلهيًا فقط سيَضل ويُضل، لأنه لم يدخل الإسلام من باب التصديق بـ «الآية القرآنية» التي حملها هذا الكتاب، والدالة على أن هذا القرآن هو «كلام الله».

أما الذي يتعامل مع القرآن باعتباره كتابًا إلهيًا يحمل «الآية القرآنية» الدالة على صدق من أنزله، وصدق من بلغه، ودخل في «دين الإسلام» من هذا الباب، فإنه سيهتدي ويهدي، ولكن:

«لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ – لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»

«يتبع»

محمد السعيد مشتهري

يناير 27

٥ min read

0

0

0

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.

جميع الحقوق محفوظه © 2025 نحو إسلام الرسول 

  • Facebook
  • Twitter
  • YouTube
bottom of page