

(1711) 11/2/2021 «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً»
يناير 27
3 min read
0
0
0

هل التي خضعت وذلت لله تعالى هي «الوجوه» فقط دون باقي أعضاء الجسم، فماذا عن قول الله تعالى:
* «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ – بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا – لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ»
فهل المقصود جلود الوجوه فقط؟!
١- إن قول الله تعالى:
* «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ – وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
يفرض على كل مؤمن أسلم وجهه لله تعالى، ألا يضع في قلبه أي صورة ذهنية عن ذات الله تعالى:
ذلك أن الوجود البشري كله يعيش داخل فعاليات أسماء الله الحسنى، ويتعامل مع سنن الله الكونية، وليس مع الذات الإلهية.
٢- إن مادة الوجه تعني ما يُتوجَّه إليه:
(أ): من شيء معنوي، مثال ذلك:
* «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»
* «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ»
* «وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ»
* «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ»
(ب): ومن شيء مادي، كقول الله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ»
٣- نلاحظ في قول الله تعالى:
* «وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ – لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ – كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ – لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»
أن كلمة «هُوَ» في الجملة «لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ» ت أتي كثيرًا تشير إلى الله تعالى، فلماذا لم يقل الله تعالى في الآية السابقة:
* «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ هُوَ»
وقال الله تعالى:
* «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»؟!
ألا تعني هذه الجملة القرآنية أن الله تعالى «شَيْءٌ» كباقي الأشياء التي ستهلك، «إِلاَّ وَجْهَهُ»؟!
٤- وحسب «علم المجاز»، وهو من أهم العلوم البيانية التي كانت تنطق بها ألسن العرب من قبل بعثة رسول الله محمد، فإن هناك ما يُسمى بـ «المجاز المرسل»، ومنه إطلاق «الجزء» ويُراد به «الكل»، كقول الله تعالى:
* «وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ»
فقد ذكر الجزء الذي هو «رَقَبَةٍ» ويقصد الكل وهو «الإنسان».
وهذا الأسلوب المجازي كان يستخدمه العرب ونزل القرآن يخاطبهم به، ولذلك فهموا الجزء الذي هو «الوجه» في قول الله تعالي:
* «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»
بمعنى الكل وهو «الذات الإلهية»، التي ليس كمثلها شيء، وفهموا أيضا هذه الكلمات المنسوبة إلى الله تعالى:
(أ): «اليد»:
* «وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ»
* «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»
(ب): «العين»:
* «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي – وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي»
ولذلك فإن من أخطر ما يُفسد القلوب، فتصبح سكنًا لشياطين الإنس والجن، أن يتخيل المسلم وهو يقرأ مثل هذه الآيات المتشابهات، صورة ذهنية لصفة من صفات الله تعالى.
٥- يقول الله تعالى «الرعد / ١٦»:
(أ): «قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ»
إن كلمة «كُلّ» من ألفاظ العموم، فيكون المعنى أن الله خالق كل ما يطلق عليه «شيء» في هذا الوجود.
ولكن هناك آيات تطلق لفظة «شيء» على الله تعالى أو على صفة من صفاته، ولا يقال إن «الشيء» اسم من أسماء الله تعالى:
(ب): يقول الله تعالى «الأنعام / ١٩»:
* «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ – أَكْبَرُ شَهَادةً – قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»
فهل نستنتج من «أ» و«ب» أن الله تعالى هو الذي خلق نفسه؟!
٦- هناك قرائن يجب الاعتماد عليها لتخصيص ألفاظ العموم:
القرينة الأولى: «قرآنية»:
* «الشورى / ١١»: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»
القرينة الثانية: «منطقية» وهي:
* استحالة أن يخلق الشيء نفسه.
إن هذا الأسلوب القرآني البلاغي المحكم، يحمل في كلماته المعنى «الحقيقي» والمعنى «المجازي»، ويستحيل أن يخاطب الله تعالى الناس عن مسائل الغيب وفعاليات أسمائه الحسنى بالمعنى الحقيقي:
ذلك أن وسائل إدراكهم لا يمكنها إدراك هذه المسائل بمعناها الحقيقي، ولذلك خاطبهم الله بالمعنى المجازي، ولا يمكن صرف المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي إلا بقرينة صارفة:
مثال ذلك قولك:
* «رأيت أسدًا يرمي بسيفه»
ولما كان «الأسد» لا يرمي بالسيف، إذن فأنت لا تقصد بكلمة بهذه الكلمة «الأسد» معناها الحقيقي، أي الحيوان المفترس، وإنما تقصد «الرجل الشجاع»:
ولا إشكال في ذلك ولا شبهة، ذلك أن «الأسد» لن يكون «رجلًا»، و«الرجل» لن يكون «أسدًا»، والقرينة هي «يرمي بسيفه».
وليس معنى هذا أن كلمة «أسد» تحمل معنيين أحدهما حقيقي والآخر مجازي، ذلك أن الأسد يبقى «أسدًا» على المعنى الحقيقي، والرجل يبقى «رجلًا» على المعنى الحقيقي:
٧- ويستحيل الوقوف على القرائن دون تفعيل آليات التفكر والتعقل والتفقه والنظر … آليات عمل القلب، كما يجب أن ينطلق هذا التفعيل من «منهجية علمية» تحمل أدوات مستنبطة من ذات نصوص «الآية القرآنية العقلية».
وإن المسلم الذي لا دراية له بـ «علم القرائن» لا يقترب من هذا القرآن، ولا يقول إن «عقله» سيهديه إلى الفهم الواعي لآيات القرآن وما حملته من أحكام، ذلك أن «آلية التعقل» تنطلق من مستودع العلوم والمعارف الذي يحمله القلب:
(أ): فإذا كان مستودع العلوم والمعارف يحمل «جهلًا»:
فإن «آلية التعقل» لن تُخرج إلا «جهلًا».
(ب): وإذا كان لا يحمل شيئًا من «علوم ال لغة» التي نزل بها القرآن:
فإن «آلية التعقل» لن تُخرج إلا «إلحادًا».
محمد السعيد مشتهري