

(1742) 16/3/2021 «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» و«المنهجية الهرمنيوطيقية» في «استنباط الأحكام»
يناير 27
5 min read
0
3
0

و«المنهجية الهرمنيوطيقية» في «استنباط الأحكام»
ماذا نتوقع من أمة خيّرها الله أن تكون «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» أو أن تكون «أَسْوَأَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» فاختارت أن تكون هي «الأسوأ»؟!
ماذا نتوقع من أمة تربّت على الجهل بمقتضيات الوحدانية والنبوة وأصول الإيمان، وعلى هجر القرآن وعدم العمل بأحكامه، وعلى الفُرقة والتدين الوراثي المذهبي؟!
ماذا نتوقع من أمة أقامت حياتها الدينية على «الرخص» التي صنعها لها فقهاء الفرق الإسلامية، السلف والخلف، ثم ظهر القرآنيّون والملحدون وأضافوا إليها تسيّبًا وانحلالًا حتى أصبح المتمسك بما أمر الله به من المغضوب عليهم والضالين؟!
ماذا نتوقع من مسلمين يعيشون في رخاء ووفرة مياه ومناشف ورقية، ويلبسون الأحذية الفاخرة، ثم نراهم يمسحون على الجورب حتى وهم في منازلهم أو منازل أصدقائهم، حتى أصبحت جوارب نتنة.
ماذا نتوقع من رجال أعمال مسلمين يسافرون دومًا بالطائرات ويعيشون في الفنادق الفاخرة، ويقضون معظم أوقاتهم في أعمالهم، ثم يقصرون الصلاة «جمعًا» في دقائق معدودة، وهذه من رخص الفقهاء التي ما أنزل الله بها من سلطان، لا للغني ولا للفقير.
# أولًا:
تعالوا نعقد مقارنة بين آيات سورة «البقرة / ٢٨٤- ٢٨٦»، وآيات سورة «آل عمران / ١٩٠- ١٩٥»:
١- يقول الله تعالى في بيان مقتضيات الوحدانية «البقرة / ٢٨٤»:
* «لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ»
* «وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ»
* «يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ»
– فمن مقتضيات إقرارك بـ «الوحدانية» أن تعالم أنك «محاسب» على كل شهيق وزفير، فمن أين تأتيك الرخصة بالسهو في الصلاة؟!
خاصة إذا علمت أن هذا الشهيق، وأن هذا الزفير، يُدخلك الجنة أو يدخلك جهنم، فتدبر:
* «فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ – وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ»
* «وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
– ولاحظ أن هذا هو السياق الذي ورد فيه الدعاء:
* «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا»
كما سيأتي بيانه.
٢- ويقول الله تعالى «آل عمران / ١٩٠-١٩١»:
* «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ – وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ – لآيَاتٍ لأوْلِي الألْبَابِ»
– فمن هم «أوْلِوا الألْبَابِ»:
(أ): «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ – قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ»
(ب): «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»
(ج): فيقولون: «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ»
– ثم بعد تقديم الإقرار بـ «الوحدانية» يدعون ربهم:
(د): «فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»
– لاحظ: هذا هو حال المؤمنين «أوْلِي الألْبَابِ»:
تقديم «الإقرار بالوحدانية» قبل الدعاء.
# ثانيًا:
١- يقول الله تعالى في سياق بيان أصول الإيمان «البقرة / ٢٨٥»:
* «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ»
* «كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
* «لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ»
– لاحظ: بعد الإقرار بـ «الوحدانية» وبـ «أصول الإيمان»، وبـ «صدق «النبوات»، جاء «الإسلام» والتسليم لحكم الله:
* «وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»
– ثم بعد كل ما سبق، جاء الدعاء والإيمان بـ «يوم الحساب»:
* «غُفْرَانَكَ رَبَّنَا – وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
٢- يقول الله تعالى في سياق بيان وجوب تفاعل الدعاء مع مقتضيات «الوحدانية» و«أصول الإيمان»، «صدق النبوات»، وإقرارك بـ «الربوبية: رَبَّنَا»، ثم إسلامك وتسليمك لحكم الله «آل عمران / ١٩٢-١٩٤»:
(أ): «(رَبَّنَا) إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ – فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ – وَمَا لِلظَّال ِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ»
– لاحظ مقام الخشوع والخوف والخشية، الذي يستوجب السمع والطاعة المطلقة لحكم الله الذي بلغه الرسل، وأنت في مقام الإقرار بـ «الربوبية»:
(ب): «(رَّبَّنَا) إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ – أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا»
– وبناء على ما سبق:
(ج): «(رَبَّنَا) فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا – وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا – وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ»
– ولاحظ مادة «الخزي» التي وردت في بداية الدعاء:
* «(رَبَّنَا) إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ – (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) – وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ»
وقولهم في هذا السياق:
(د): «(رَبَّنَا) وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ – (وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) – إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ»
# ثالثًا:
١- يقول الله تعالى في سياق بيان كيف يعمل ميزان الحساب في الآخرة «البقرة / ٢٨٦»:
* «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»
– إذن فأي تكليف من الله، يكون في وسع المُكَلّف به تنفيذه، وسيحاسب على هذا الأساس:
* «لَهَا مَا كَسَبَتْ – وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»
– ثم يأتي بعد ذلك ما يُبيّن أهمية «علم السياق»، الذي يستحيل فهم لغة القرآن بمعزل عنه، ولو كان المتعامل مع القرآن يحمل جائزة نوبل في علوم اللغة العربية.
– هنا يبدأ الدعاء لقوم لم يُبيّن الله تعالى لنا من هم، وما موقفهم مما سبق الحديث عنه في سورة آل عمران بخصوص «المقتضيات»:
مما يُف هم منه أنهم «ضعاف الإيمان»، أصحاب الرخص والتماس الأعذار، الذين يهتمون بطلب المغفرة وألا يحملهم الله ما لا طاقة لهم به، وكأنهم هم الذين يعيشون معنا اليوم، يُقرّون بـ «الربوبية» ولا يعملون بمقتضياتها، فتدبر:
* «(رَبَّنَا) – لاَ تُؤَاخِذْنَا – إِن نَّسِينَا – أَوْ أَخْطَأْنَا»
* «(رَبَّنَا) – وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً – كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا»
* «(رَبَّنَا) – وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ»
* «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا»
والسؤال:
أين «رَبَّنَا» الرابعة الموجودة في آيات سورة آل عمران، والتي يجب أن تسبق «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا»؟!
الجواب: